شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

ادعم/ ي الصحافة الحرّة!
أنا أم لطفلة مشخصة باضطراب فرط الحركة وتشتت الانتباه ADHD

أنا أم لطفلة مشخصة باضطراب فرط الحركة وتشتت الانتباه ADHD

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

مدونة نحن والفئات المهمشة

السبت 4 فبراير 202302:20 م

"الله معك، يعينك ويساعدك"، عبارة يردّدها جميع من يحيطون بي؛ تقولها أمي مراراً وتكراراً عند كل زيارة إليها مع طفلتي. قالها لي أيضاً مساعد طبيب الأسنان بلهجته السورية: "الله معك، حمْل جبال ما بتحْمل"، فصغيرتي لا تتوقف عن الركض، الحركة المستمرة، الثرثرة وتكرار رغباتها بإلحاح مستمر، بل ومحاولة إثارة الشغب المستمر والمضايقات لكل من يتواجد بالمكان.

في بادئ الأمر، لم أكترثْ لهذه العبارات والثرثرة، فقد كانت أختي التي تكبرني بعامين تضجر من اصطحابي معها للتنزّه واللعب مع أصدقائها؛ لأنني كنت أمازحهن بطريقة مستفزّة: أردّد كلامهن كالببغاء وأتفوه بألفاظ وعبارات لا يحتملنها بلسان سليط.

 يقاطعني والداي الرأي بأن طفولتي ليست كطفولة ابنتي، ويجزمان أنني رغم الشقاوة المفرطة التي كنت أتمتع بها، كنت متفوقة في دراستي، باستثناء مادة الرياضيات التي كنت أبغضها، لذلك كنت لا أحرز بها درجات نهائية قط. 

 التشابه بين ابنتي وعلامات هذا الاضطراب  

أما ابنتي فهي تختلف عني كثيراً من زاوية التحصيل الدراسي؛ فهي ضعيفة التركيز والانتباه، تعاني من التشتّت المستمر، ضعف الملاحظة حتى لأبسط الأشياء والتفاصيل، ودائماً ما تشغل ذهنها وتفكيرها بأي لعبة أثناء عمل الواجبات المدرسية، كاللعب مع دميتها أو لعبة "puppet" التي لا تمل من تكرار حركة أصابعها عليها، كما أنها تعشق الفوضى وعدم التنظيم، كأنها تحب أن تكون كل الأشياء المحيطة بها "فوضوية"  كحالها.

"الله معك، يعينك ويساعدك"، عبارة يردّدها جميع من يحيطون بي عند كل زيارة مع طفلتي. فصغيرتي مصابة باضطراب فرط الحركة، لا تتوقف عن الركض، الحركة المستمرة والثرثرة، بل ومحاولة إثارة الشغب المستمر 

استفزّتني هذه المواقف من طفلتي؛ فوجدت نفسي أجرى مكالمة تليفونية لصديقة جامعية لي. لا أعلم لماذا تذكرتها وخطرت على بالي تحديداً في هذا التوقيت؟

كانت المكالمة طبيعية في بادئ الأمر. فإذا بها تشرح لي حالة طفلها وهي متحسرة عليه، أنه يعاني من "اضطراب فرط الحركة وتشتت الانتباه"، والذي يطلق عليه بالإنكليزية "ADHD"، و أخذت تستطرد صفات طفلها من حركة زائدة، شغب، مشاجرات مستمرة بينه وبين أخيه الأكبر، إضافة إلى النوم المتقطع وأحلامه الوردية الافتراضية، وأنها تعاني من شقاوته المفرطة هذه الفترة تحديداً، لأنها تحاول أن تقوم بسحب العقاقير المختصة لعلاج هذا الاضطراب، من مهدئات الحركة الزائدة، ومهدئات النوم، وفق تعليمات الطبيب النفسي المعالج.

بدأت بالبحث عن هذا الاضطراب؛ فوجدت أن أعراضه الأساسية تتمثل في كثرة الحركة لمدة طويلة دون توقف، الثرثرة، محاولة إثارة الشغب والمشاجرات مع كل الأطفال داخل و خارج محيط العائلة. كل هذه الأعراض تنطبق على ابنتي الصغيرة. 

 هي ثرثارة عن الحد الطبيعي، بل وتعشق  الحركات البهلوانية في كل وقت، وكأنها بلياتشو صغير في سيرك كبير. ربما الوقت الوحيد الذي ينقذني وأخيها، هو الوقت الذي أحدّده لها يومياً للعب بألعاب الهاتف الذكي، فما إن تضجر وتمل  أو ينقطع الشحن الخاص بالهاتف، حتى تبدأ جولة "مصارعة حرة "منها، بضرب أخيها الأكبر ومضايقته.

قرّرت أن أخبر والدها أنني أريد عرضها على طبيب أطفال نفسي. غضب الأب واتهمني بأنني أعاني من الأوهام والتخيلات، وأن ذلك الظن ما هو إلا نذير شؤم وفأل سيء على ابنتنا.

لحظة تشخيص طفلتي

 توجهنا إلى طبيب أطفال نفسي بعد سلسلة من المشادات.

في بادئ الأمر سألني الطبيب عن عمرها، فقلت له: ست سنوات، وبعد الفحص الظاهري على طفلتي بملاحظة سلوكياتها والتدقيق فيها، من الحركة الزائدة، الثرثرة، العبث بالأدوات المكتبية الخاصة به وعدم انتباهها لتوجيهاته لها، شخصها باضطراب "فرط الحركة وتشتت الانتباه"، وشرح لي أن العلماء يعتقدون أنه خلل واختلاف في" المنطقة الرمادية بالمخ" نسبياً عن الطفل الصحي. "فرملة السيارة عند اللزوم"، كما وصفها بالعامية المصرية.

يأتي اليوم العالمي للتوعية باضطراب فرط الحركة وتشتت الانتباه، في شهر تشرين الأول/ أكتوبر من كل عام، لضرورة التوعية بكيفية التعامل مع هؤلاء الأطفال معنوياً ونفسياً

ثم أعطى لي اختباراً بسيطاً، عبارة عن استمارة بعدة تساؤلات  عن عدد مرات الأنشطة التي  تستطيع التركيز فيها مثلاً، ثم نصحني بالاعتماد على أحد المراكز النفسية المختصة بعلاج هذا الاضطراب لمحاولة تفهم وضع ابنتي، وكيفية التعامل معها، لكنني لم أستجب لهذه النصيحة إلا عندما لمست حالة صبي في نفس صف ابني الدراسي، اضطرت أمه إلى نقله من صفه الدراسي، نظراً لكثرة الشكاوى المقدمة من أمهات أقرانه في الصف، سواء على "جروب الماميز" أو "المكالمات التليفونية" التي تتلقاها الأم المغلوبة على أمرها يومياً، من أفعال متهورة ومندفعة يقوم بها الصبي، كشد وجذب شعر الفتيات، إلقاء حاجيات أقرانه وكثرة الشغب، واضطرار الأم لإحضار حاجيات بديلة. تخوفت أن يصبح وضعي مثلها، فقررت الاستعانة بإحدى المعالجات سلوكياً .

قدمت لي بعضاً من الإرشادات النفسية المهمة، ومنها: عدم إعطاء الأوامر المباشرة لطفلتي عند الطلب؛ فمثلاً عندما أطلب منها عمل  الواجبات المدرسية، فلا يجب إعطاء فعل الأمر المباشر "تعالي نعمل الواجب"، بل يجب أن أقسم هذا الأمر بترتيب زمني منطقي، مثلاً كالآتي: "تيا، هاتي الشنطة، القلم، إلخ…". 

كما نصحتني أيضاً بضرورة إحضار المجلات و الكتب التي تحتوي على صور تحديد أوجه التشابه والاختلاف فيما بينها من حيث الشكل، اللون، الحجم، العدد؛ لأنها تنمي لدى هؤلاء الأطفال مهارات التركيز والانتباه وقوة الملاحظة.

لا أستطيع إنكار أو نفي أنني الأخرى كأم في بعض الأحيان، أغضب على طفلتي كي تتوقف عن الحركة والثرثرة المستمرتين، لكنني ما ألبث أن أقول لها بضحك: "تيا، افْصلي شوية، فرْملي، التلاجة بتفْصل"، و أداعبها بقرصة معتادة في بطنها، تحبها و تطلق عليها: "قرصة النونة"، وكأنها  تدرك مصيرها المحتوم منذ طفولتها: المعاناة  المعنوية المستمرة في كل جوانب الحياة بمفردها كالحمل وتحمل الآلام.     

يأتي اليوم العالمي للتوعية باضطراب فرط الحركة وتشتت الانتباه، في شهر تشرين الأول/ أكتوبر من كل عام، لضرورة التوعية بكيفية التعامل مع هؤلاء الأطفال معنوياً ونفسياً، ولكنني، كأمهات كثيرات، لست مهيأة للقيام بهذه الأدوار دائماً، و لذلك أرجو من الله أن يساعدني على التصرف بحكمة وحب في مراحل حياة ابنتي المختلفة، من الآن حتى المستقبل. 


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.



* يعبّر المقال عن وجهة نظر الكاتب/ة وليس بالضرورة عن رأي رصيف22

نؤمن في رصيف22، بأن بلادنا لا يمكن أن تصبح بلاداً فيها عدالة ومساواة وكرامة، إن لم نفكر في كل فئة ومجموعة فيها، وأنها تستحق الحياة. لا تكونوا زوّاراً عاديين، وساهموا معنا في مهمتنا/ رحلتنا في إحداث الفرق. اكتبوا قصصكم. أخبرونا بالذي يفوتنا. غيّروا، ولا تتأقلموا.

Website by WhiteBeard
Popup Image