كان أخي الأصغر يسرق مصروفه اليومي من جيب أمي سرقة. لا أحد حتى الآن يعرف لماذا كان يفعل ذلك. ربما لم يكن يثق أن أمي ستتذكر أن تعطيه الثلاث ليرات، لأنها مشغولة بتجهيز الساندويش، أو الزوادة، كما كنا نطلق عليها في تلك الأيام، وربما كان يشعر أنه معاقب بسبب سرقته في اليوم السابق، وربما أن الأمر مجرّد هواية لا أكثر.
وكانت أمي تصرخ به كل يوم: "يا ولد بعدين فيك؟ ما أنا رح أعطيك يا غضيب، ليش بتسرق؟". أما لماذا كانت علاقة أخي بخصوص المصروف محصورة بأمي، فذلك لأن أبي كان قد "نفض يده" من هذا الولد "المشكلجي"، كما يقول. فلم يكن أخي يسرق من أمي فقط، بل منا جميعاً.
كان لا يستطيع لعب الجلول، أو هو يخسر في أية لعبة، لكنه يسطو ليلاً على ممتلكاتنا من الجلول ويلاعبنا بها نهاراً. أما علاقته بالأصدقاء والجيران فحدّث ولا حرج؛ فلم يكن يمرّ يوم دون أن يعود مجروحاً في رقبته بسبب "طوشة" مع سعيد، أو بقميص ممزق بسبب سقوط عن شجرة، أو أن يزورنا أحد الجيران ليلاً لشكوى ما ضدّ هذا الكائن الذي لا يسلم منه شيء؛ لا بشر ولا حيوان ولا نبات.
كان أبي يهدده يومياً بأن يتبرّأ منه، وكان يفرغ غضبه بأمي باعتبار أن هذا نتيجة تربيتها وليست تربيته، والحقيقة أن أخي لم يكن تربية لا هذا ولا تلك، بل تربية الحارة التي يمتلك فيها أخوة أكبر منه، ما يجعله مرتاحاً أن له "ظهر يسنده" إن وقع في مشكلة جدية. ورغم أننا جميعاً لم نكن نسانده بشيء، إلا أن مجرّد الفكرة كانت تجعل منه مخلوقاً بلا حدود ولا ضوابط.
كان أخي الأصغر يسرق مصروفه اليومي من جيب أمي سرقة. ربما لم يكن يثق أن أمي ستتذكر أن تعطيه الثلاث ليرات، وربما كان يشعر أنه معاقب بسبب سرقته في اليوم السابق، وربما أن الأمر مجرّد هواية لا أكثر
ارتدى أبي ملابسه المفضلة، وذهب إلى المدرسة كواحد من أوائل المدعوين، أو الشخصيات المهمّة، فهو ضيف فوق العادة على مسرحية سيمثل فيها ابنه. اختار مقعداً في الصف الأول من صفوف الكراسي المرتبة في ساحة المدرسة، عدّل عقاله كما يليق بأقارب الفنان، وجلس بانتظار بدء المسرحية.
نحن نتدرّب طوال عقود ونعتقد أن لنا دوراً حقيقياً في المسرحية، والتي تنتهي دوماً بصفعة لنا. أعرف أن هذا مؤلم، لكن إن لم يحفّزنا الألم على تغيير الدور، أو رفضه على الأقل، فما الذي سيحفّزنا؟
بدأت المسرحية بعد كلمة مُملّة للمدير، واستعراض مطوّل لإنجازات الآذن. بدأت بظهور المختار على المسرح وحوله مجموعة من المساعدين. قام بدور المختار، الطالب صبحي العبد، ابن جارنا عبد الحميد الذي يكره أبي وأبي يكرهه. لا بد أن أبي امتعض حين رأى صبحي في دور المختار، فهذا دور أساسي لا يليق إلا بابنه سمير. لكن ليس مهماً، لا بد أن دور سمير لا يقل أهمية عن دور صبحي. بدأت الأحداث تتوالى والأبطال يدخلون ويخرجون ولا وجود لسمير، لدرجة أن أبي شكّ أن ثمة مسرحية أخرى سيتم عرضها بعد هذه المسرحية التي لا يظهر فيها سمير، على غير المتوقع.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
KHALIL FADEL -
منذ يومراااااااااااااااااااااااااائع ومهم وملهم
د. خليل فاضل
Ahmed Gomaa -
منذ يومينعمل رائع ومشوق تحياتي للكاتبة المتميزة
astor totor -
منذ 6 أياماسمهم عابرون و عابرات مش متحولون
مستخدم مجهول -
منذ 6 أيامفعلاً عندك حق، كلامك سليم 100%! للأسف حتى الكبار مش بعيدين عن المخاطر لو ما أخدوش التدابير...
Sam Dany -
منذ أسبوعانا قرأت كتاب اسمه : جاسوس من أجل لا أحد، ستة عشر عاماً في المخابرات السورية.. وهو جعلني اعيش...
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلماذا حذفتم اسم الاستاذ لؤي العزعزي من الموضوع رغم انه مشترك فيه كما ابلغتنا الاستاذة نهلة المقطري