احتدم النقاش في مصر مؤخراً، بين الملحن عمرو مصطفى والمنتج محسن جابر، ولمن لا يعرف الاثنين، فهذه نبذة قصيرة عن كل منهما، من أجل محاولة إيصال فكرة المقال وليس من أجل إضافة رأي عام يساند هذا الطرف أو ذاك، فالكتابة بحد ذاتها طرف في المشكلة وليست حلاً أو موجّهاً لحل.
ولنبدأ بعمرو مصطفى، فهذا الرجل في أواسط الأربعينيات من عمره، ورغم هذا العمر الصغير نسبياً إلا أنه استطاع أن يكرّس اسمه كأحد أهم الملحنين في مصر والعالم العربي. حاول هذا الملحّن أن يتجه إلى الغناء، لكن تجاربه في ثلاثة ألبومات لا يمكن وصفها بأكثر من "غير موفقة،" إن شئنا استخدام لغة دبلوماسية، أما ألحانه فهي على العكس من ذلك تماماً، وباستخدام لغة الشارع الفني يمكن وصفها بأن غالبيتها "ضربت".
لقد بدأ مشواره وهو طفل بتلحين القصائد في المنهاج المدرسي، ثم بألحان لكورال الجامعة، إلى أن دخل السوق الفني بأغنية لعمرو دياب، كأول لحن للبثّ خارج أسوار المنهاج المدرسي أو الجامعي.
لحّن عمرو مصطفى لسميرة سعيد، ومحمد منير، ونوال الزغبي، وشيرين وجدي، و 43 أغنية لعمرو دياب، وغير هذه الأسماء الكثير، وقد فازت ألحانه بالعديد من الجوائز العربية والعالمية المرموقة.
احتدم النقاش في مصر مؤخراً، بين الملحن عمرو مصطفى والمنتج محسن جابر، عندما لحّن الأول أغنية لأم كلثوم باستخدام الذكاء الاصطناعي، مستخدماً بصمة صوتها، الأمر الذي يعتبره الثاني ملكاً له
على الجانب الآخر، فقد بدأ محسن جابر حياته كمنتج فني في أواسط السبعينيات من القرن الماضي، مع المنشد محمد الكحلاوي، بأغنيات "مدد يا نبي" و"لأجل النبي" وغيرها. ثم اتجه إلى الإنتاج الفني الخليجي بعد أن تعرّف على الفنان محمد عبده، وكانت بينهما تجربة ناجحة.
حاول الملحّن الدفاع عن مشروعه القادم بلغة مستمدة من نفس الحقل، فهو المدافع عن حقوق الشاعر صاحب الكلمة، والذي يجب أن يكون له حصّة من الأرباح، وأن يتم ذكر اسمه قبل أي عرض بالتوازي مع اسم الملحن والمغني، وذلك على نمط ما كان يحدث مع جيل الستينيات والسبعينيات.
ألم يكن الجمهور يسمع المقدمة التي تسبق أي عرض، من قبيل: هذه الأغنية من كلمات بيرم التونسي وألحان الشيخ زكريا أحمد مثلاً، أو من كلمات أحمد رامي وألحان رياض السنباطي، وغناء السيدة أم كلثوم؟ بل وبالغ في مطالباته الأخلاقية بأن يكون للعازفين حصّة من أرباح أي ألبوم ينجح ويحقق عوائد مجزية.
تبقى اللغة المستمدة من حقل الأخلاق هي الطاغية في بلادنا لتبرير هذا وذاك، متناسين أن الذكاء الاصطناعي سيأخذنا إلى مكان لم تكن تحلم به البرجوازية العفنة من جانب طموحها، ولا طبقة الإنتلجنسيا من جانب أحلامها
لكن بصرف النظر عن دوافع كلا الطرفين، ألا يحق لنا التساؤل عن "رُخص" الإبداع في العالم العربي، أو على الأقل رخص الكلمة؟ ففي تجربة شخصية لي على الأقل، حصل أن كتبت أكثر من ثلاثين أغنية لفنانين فلسطينيين وغير فلسطينيين، دون أن أتقاضى مليماً واحداً بدل ذلك، بل على العكس، كنت أشتري تذكرة الدخول لحفل إطلاق الألبوم، مثلي مثل أي مواطن صالح مُهتمّ بالفن، بينما تجلس أم الفنان وخالته وأبناء عمته في الصفوف الأولى من المسرح، بدعوات خاصة.
هل يختلف قطاع الإنتاج الفني عن دور النشر مثلاً؟ نعم يختلف قليلاً، ففي كتابة الأغنية يعفيك الفنان أو المنتِج من دفع أي بدل. صحيح أنه لا يدفع لك، لكن على الأقل لا تدفع له مقابل أن يأخذ كلماتك، بينما دار النشر تقوم بالتحصيل منك بدل النشر، تحت حجّة أنك تدفع تكاليف الطباعة فقط، وتأخذ بدل ذلك نُسخاً من كتابك. لهذا فأنت تجد معظم الشعراء والأدباء، قد اتجهوا إلى النشر في منصات التواصل الاجتماعي، أو في المواقع التي تدفع. ثم يأتيك من يستهجن ذلك ويقول: "يا عيب الشوم... فلان بيكتب بفلوس!"، وكأن الكتابة ببدل صارت عاراً لا يجب الاقتراب منه.
ومع كل ذلك، تبقى اللغة المستمدة من حقل الأخلاق هي الطاغية في بلادنا لتبرير هذا وذاك، متناسين أن الذكاء الاصطناعي سيأخذنا إلى مكان لم تكن تحلم به البرجوازية العفنة من جانب طموحها، ولا طبقة الإنتلجنسيا من جانب أحلامها.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ يومرائع. الله يرجعك قريبا. شوقتيني ارجع روح على صور.
مستخدم مجهول -
منذ يومحبيت اللغة.
أحضان دافئة -
منذ يومينمقال رائع فعلا وواقعي
مستخدم مجهول -
منذ 6 أياممقال جيد جدا
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعحب نفسك ولا تكره الاخر ولا تدخل في شؤونه الخاصة. سيمون
Ayman Badawy -
منذ أسبوعخليك في نفسك وملكش دعوه بحريه الاخرين