شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

ساهم/ ي في صياغة المستقبل!
وطن في بازار سياسي

وطن في بازار سياسي

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

رأي نحن والحقوق الأساسية

الأربعاء 19 يوليو 202311:05 ص

يعتقد كثيرون، ممن يتابعون الأزمة السورية أو تعنيهم، أن مرحلة الصراع العسكري تشكل الجانب الأصعب منها، لكن الواقع يقول غير ذلك. تفيد التجارب التاريخية بالنسبة للحروب والصراعات الأهلية بأن الجانب العسكري منها هو الأسهل رغم تكاليفه الباهظة، لأن أهدافه محدّدة وواضحة، والطرق والأساليب والأدوات للوصول إليها هي الأخرى محدّدة وواضحة، والأهم من كل ذلك، فإن التخوم بين الأطراف المتصارعة تكون معالمها بارزة لا مجال للخلط بينها.

مع ذلك، وكما يعتقد كثيرون أيضاً، عن صواب في الغالب الأعمّ، أن موازين القوى العسكرية في الميدان هي التي تحدّد معالم الحل السياسي. يصحّ ذلك، على وجه الخصوص، في حال الفوز الناجز عسكرياً، إلى حدّ قد يفرض الطرف المنتصر على الطرف المهزوم إرادته، ويملي عليه مطالبه، ويرغمه على الموافقة عليها.

في الأزمة السورية يختلف الحال بعض الشيء، فالجانب العسكري من الأزمة لم يحسم بشكل نهائي بعد، فلا تزال جبهة النصرة، وأخواتها من قوى جهادية متطرّفة وإرهابية، تسيطر على مساحات كبيرة من الأرض في محافظة إدلب وشمال حلب، هذا عداك عن سيطرة قوات سورية الديمقراطية على مناطق شاسعة إلى الشرق من نهر الفرات. ومع أن أغلب هذه المساحات الخارجة عن سيطرة الحكومة السورية تعد ساقطة عسكرياً، بحسب رأي الخبراء العسكريين، في حال رفع الغطاء الخارجي عنها، مع ذلك، فهي ذات أهمية بالغة في البازار السياسي.

لنتذكر كيف شغلت دوما والغوطة الشرقية عموماً مجلس الأمن بذريعة الكيماوي، وكيف عمل كل طرف دولي على الاستثمار فيها ضد الطرف الآخر. ومع أن عنوان الاستثمار السياسي في الغوطة الشرقية كان "حماية المدنيين"، إلا أن ما حصل برهن، مرة أخرى، على أن آخر همّ المستثمرين فيها هو حياة المدنيين. وهذا ما كان عليه الحال في حمص، وحلب، وريف دمشق الشمالي، وغيرها، وما هو عليه الحال اليوم في ريف إدلب الجنوبي وشمال حلب، فالمدنيون هم من يدفع فاتورة الصراع المسلح.

يعتقد كثيرون، أن موازين القوى العسكرية في الميدان هي التي تحدّد معالم الحل السياسي في سوريا. يصحّ ذلك، على وجه الخصوص، في حال الفوز الناجز عسكرياً، إلى حدّ قد يفرض الطرف المنتصر على الطرف المهزوم إرادته

من خصوصيات الأزمة السورية أن الجانب العسكري فيها، على الرغم من أهميته في البازار السياسي، إلا أنه لن يكون له الدور الحاسم في عملية الخروج منها، بل للمصالح الدولية، وكيفية التوليف بينها. وبالمناسبة، لا يزال ثمة فرص للاستثمار السياسي في الأزمة السورية كثيرة، منها الاستثمار في إعادة الإعمار، والاستثمار في عودة اللاجئين السوريين، والاستثمار في الكيماوي، والاستثمار في حقوق الإنسان، وغيرها كثير.

لقد أعلنت دول الاتحاد الأوربي صراحة أنها لن تساهم في إعادة إعمار سورية بدون حصول انتقال سياسي حقيقي، وها هي الولايات المتحدة الأمريكية تعلن صراحة أيضاً أنها باقية في سورية حتى يتحقّق الحل السياسي، وعلى المنوال ذاته تعلن تركيا أيضاً أن تدخلها في سورية هو من أجل حصول انتقال سياسي. وعلى المقلب الآخر، يعلن حلفاء النظام الدوليون، وعلى وجه الخصوص إيران وروسيا، أنهما تدخّلا في سورية لمحاربة الإرهاب، والحؤول دون انهيار الدولة السورية.

هذا ما هو معلن، لكن حقيقة المواقف والأهداف تختلف كثيراً. بالنسبة للدول التي تقف في الجانب المعارض، لم توضّح يوماً طبيعة الحل السياسي الذي تريده، وماذا يعني الانتقال السياسي. وأكثر من ذلك، كانت على الدوام تتدخّل لإعاقة أي تفاهمات سياسية، سواء بين المقوى المعارضة ذاتها (اتفاق القاهرة الأول والثاني بين هيئة التنسيق الوطنية والمجلس الوطني، ومن ثم الائتلاف الوطني)، أم بين المعارضة والنظام، من خلال التشدّد في مطالب تعجيزية لا يمكن أن يوافق عليها النظام وحلفاؤه.

وهي اليوم بعد إعادة سورية إلى الجامعة العربية وانفتاح الدول العربية عليها، تركّز على الاستثمار في إعادة الإعمار، وملفي الكيماوي وحقوق الإنسان، من أجل تحقيق مطالب سياسية باتت معلومة وواضحة. يبين مسار كثير من مواقف الدول الغربية، في جميع مراحل الأزمة السورية، أنه لم يكن هدفهم يوماً هو إسقاط النظام السوري، بل تدمير سورية وتمزيق وحدة شعبها، خدمة لإسرائيل بالدرجة الأولى.

أما بالنسبة لبعض الدول العربية، وخصوصاً في الخليج العربي، فكان الهدف المعلن من تدخّلها في الأزمة السورية هو الحد من النفوذ الإيراني في المنطقة. لكن وكما تبين لاحقاً لها، بحسب ما صرّح به أكاديمي سعودي، وبعض وسائل الإعلام الخليجية، أن أيران لم تكن تشكّل في أية وقت خطراً على دول الخليج، وأن من استثمر، سياسياً واقتصادياً وعسكرياً، في الخطر الإيراني المزعوم كانت الدول الغربية.

وبناء على وعي خطورة الاستمرار في هذا النوع من الاستثمار السياسي الذي لا مصلحة لدول الخليج به، لجأت القيادة السعودية والقيادة الإماراتية، وغيرها من قيادات الدول العربية، إلى تصحيح مسار علاقاتها بإيران، وإعادة تطبيع العلاقات معها. يكاد ينطبق الحال ذاته مع تركيا، رغم اختلاف أسباب التوترات السياسية بينها وبين أغلب الدول العربية.

 بدورها روسيا استفادت من الأزمة السورية لكي تعود من جديد إلى المسرح الدولي كلاعب رئيس، توظّفه في خدمة مصالحها الاستراتيجية في العالم، وفي المنطقة على وجه الخصوص. في كل هذه الأدوار للأطراف الخارجية في الأزمة السورية، غابت عنها المصالح الحقيقية للشعب السوري، وخصوصاً مصلحته في التغيير الجذري والشامل للنظام الاستبدادي إلى نظام ديمقراطي علماني لا مركزي. وأكثر من ذلك، صارت القضايا الوطنية، مثل المحافظة على وحدة سورية أرضاً وشعباً، وممارسة الدولة السورية للسيادة على كامل جغرافيا الوطن، مستهدفة من قبل بعض الأطراف المتصارعة.

صرّح أكاديمي سعودي، وبعض وسائل الإعلام الخليجية، أن أيران لم تكن تشكّل في أية وقت خطراً على دول الخليج، وأن من استثمر، سياسياً واقتصادياً وعسكرياً، في الخطر الإيراني المزعوم، كانت الدول الغربية

إن الصراع على سورية بين أطراف دولية عديدة هو صراع تاريخي بسبب موقع سورية الجغرافي ودورها في المنطقة، استُخدم فيه السوريون كأدوات، وإن إدراك هذه الحقيقة من قبل السوريين أنفسهم، وخصوصاً من قبل الفواعل السياسية في المعارضة والموالاة، يمكن أن يساعد في التوصّل إلى تفاهمات بينهم على طبيعة الحل السياسي وقوامه. وانطلاقاً من ذلك يمكنها عندئذ أن تنظر في أدوار مختلف الدول الأجنبية المتدخّلة في سورية، لمعرفة تلك الأدوار الأقرب إلى مصلحة الشعب السوري للاستفادة منها في إنضاج الحل السياسي، وتلك الأبعد عن مصلحة الشعب السوري لتحييد تأثيرها الضار على الحل السياسي.

اليوم صارت القضايا المعلنة المهيمنة على البازار السياسي في النقاشات الدولية، وبين السوريين، تتمحور حول قضايا الانتقال السياسي، والطرق المؤدية إليه، مثل الإصلاح الدستوري والانتخابات وغيرها، أما القضايا غير المعلنة، والتي تخصّ الدول المتدخّلة في الأزمة السورية، فتتعلّق بتقاسم النفوذ، وتعيين المصالح وحمايتها.

إنضمّ/ي إنضمّ/ي

رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.



* يعبّر المقال عن وجهة نظر الكاتب/ة وليس بالضرورة عن رأي رصيف22

ما زلنا في عين العاصفة، والمعركة في أوجها

كيف تقاس العدالة في المجتمعات؟ أبقدرة الأفراد على التعبير عن أنفسهم/ نّ، وعيش حياتهم/ نّ بحريّةٍ مطلقة، والتماس السلامة والأمن من طيف الأذى والعقاب المجحف؟

للأسف، أوضاع حقوق الإنسان اليوم لا تزال متردّيةً في منطقتنا، إذ تُكرّس على مزاج من يعتلي سدّة الحكم. إلّا أنّ الأمر متروك لنا لإحداث فارق، ومراكمة وعينا لحقوقنا.

Website by WhiteBeard