شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

ادعم/ ي الصحافة الحرّة!
أحزاب وميليشيات عراقية متهمة بحظر الكحول... لتهريب المخدرات وترويجها في البصرة

أحزاب وميليشيات عراقية متهمة بحظر الكحول... لتهريب المخدرات وترويجها في البصرة

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

سياسة نحن والحقيقة

السبت 8 يوليو 202310:36 ص
Read in English:

Iraqi militias accused of banning alcohol to smuggle and push drugs in Basra


لا يمكن أن يمرّ فلاح صلاح (19 سنةً)، بقامته القصيرة والهزيلة بجوارك في شوارع البصرة، دون أن تلحظ على الفور الإرهاق الشديد على ملامح وجهه التي تبدو لواحدٍ أكبر منه سنّاً.

سيضرب يده على صدره بقوة، ويقول لك بكل صراحة: "إنها مادة الكريستال المخدّرة التي فعلت بي هذا". سيصمت قليلاً لكي يظهر تأثير ما قاله عليك، ثم يضيف مستدركاً بشيء من الفخر: "لكنني تعافيتُ من الإدمان".

فلاح يسكن مع والديه وأربع من أشقائه في منزل متهالك في حي الجمهورية في البصرة جنوب العراق. توقف طموحه الدراسي عند الصف الثالث المتوسط، بسبب ظروف مادية صعبة مرت بها عائلته التي لم تقوَ على تحمّل تكاليف تعليمه مع أشقائه. وبدلاً من المدرسة، شجعته ظروفه على الخروج إلى الشارع بائعاً جوالاً، وهكذا بدأت قصته في سنة 2019، مع تعاطي المواد المخدرة.

يقول إنه اختلط بمجموعة من المراهقين، واحد منهم كان يوزّع الكريستال مجاناً عليهم، ويعرّفها بأنها "مادة سائلة يتم وضعها في أنبوب زجاجي، ويتم تسخينها واستنشاق الدخان المنبعث منها، وهي الأكثر رواجاً في البصرة"، ثم أخذوا يشترونها منه، ويوماً بعد آخر، أدمنها. "تعاطيتها لأكثر من سنتين، وساءت حالتي الصحية كثيراً، لكن عائلتي تدخلت في نهاية الأمر، ودخلتُ مركزاً للتأهيل، وها أنذا لم أتناول أي مادة منذ خمسة أشهر، ولن أرجع إليها مطلقاً".

ما زال فلاح يجوب الشوارع، لكن كمندوب تسويقي في شركة لبيع منظومات فلترة مياه الشرب، ويتمنى لو كانت لديه المقدرة على مساعدة مدمني المخدرات، كما حصل هو على المساعدة وتمكّن من استغلالها ليعود إلى حياته سويّاً، وفقاً لتعبيره.

"في البصرة، كانت هنالك حانات ونوادٍ ليلية مرخصة تم إغلاقها، حتى قبل صدور القانون بفترة طويلة، بعد قرار من مجلس المحافظة، فتوجه الكثير من الشباب نحو المواد المخدرة وغيرها من أنواع المخدرات، لأن الحصول عليها أصبح أكثر سهولةً من الحصول على الكحول".

وبناءً على تجربته، يعتقد فلاح، بأن المخدرات تنتشر بسرعة كبيرة، بسبب قانون حظر الكحول الذي دخل حيز التنفيذ في شهر آذار/ مارس 2023، ويقول عن ذلك: "كانت هنالك حانات ونوادٍ ليلية مرخصة، تم إغلاقها، حتى قبل صدور القانون بفترة طويلة، بعد قرار من مجلس المحافظة، فتوجه الكثير من الشباب نحو المواد المخدرة وغيرها من أنواع المخدرات لأن الحصول عليها أصبح أكثر سهولةً من الحصول على الكحول".

ويضرب مثالاً ليوضح كيف أن توزيع المخدرات سهل في البصرة: "يقفون بسياراتهم على جانب الطريق حيث تنتظر، ويعطونك المادة ويأخذون ثمنها ثم يكملون طريقهم".

تنقبض ملامح وجهه وتتراخى لمرات عدة، وبنحو فجائي، ويمرر يده على جبهته ثم يقول بخجل: "هذا أيضاً بسبب الكريستال اللعين". ويتابع مشيراً إلى سبب آخر: "أسعار الحبوب أقل من أسعار الكحول، خصوصاً الآن، لأن بيعها أصبح محدوداً وبشكل سرّي مثل المخدرات تماماً".

ومن وحي تجربته كذلك، يقول إن الكثير من الشباب، كانوا يتناولون المشروبات الكحولية في الشوارع والحدائق العامة، وبعد أن تمت ملاحقتهم من قبل الشرطة، قاموا بتكوين ما أسماها الأوكار، وهي عبارة عن منازل تستأجرها مجموعة من الشباب في المناطق الشعبية العشوائية، يتعاطون فيها الكحول والمخدرات على حد سواء.

تلك الأوكار، تزايدت أعدادها، وأصبحت وفقاً لما يقوله فلاح، مساحات آمنةً يستخدمها مروّجو المخدرات في البصرة، ومدارس يتعلم فيها أولئك الشباب كيف يصبحون مدمنين وفقاً لصياغته.

"كل واحدٍ يُخرج ما في جعبته، ويقدّمه للآخرين ليتشاركوه، وهنا يمرر المروّج سلعته"؛ يقول ثم يضيف: "أعداد مروّجي المخدرات كبيرة في البصرة، وهم يتواجدون في كل مكان تقريباً يتواجد فيه مراهقون، حتى في المدارس، وآلية عملهم تجري حسب تسلسل هرمي، أعلاه التجار الكبار، يليهم تجّار أقل مستوىً، وكل تاجر يوظف عدداً من المروّجين ينتشرون في المدينة ويوزعون المواد المخدرة بأريحية".

عجز حكومي

يؤكد ضابط شرطة برتبة مقدّم في شعبة مخدرات البصرة، ما قاله فلاح، ويعبّر عن أسفه لأن معوقات عدة تواجه جهاز مكافحة المخدرات في المحافظة، ويقول: "تجار المخدرات يطوّرون أساليبهم كل يوم، ونحن نفتقر إلى الوسائل الداعمة، فالدورات التطويرية لعناصرنا لا ترقى إلى المستوى المطلوب، حتى الآليات والتجهيزات التي تسهّل من مهامنا الشاقة في مواجهة هذه الآفة الخطرة هي إجمالاً دون المطلوب، بالإضافة إلى ضعف الرقابة على الحدود وعدم وجود كاميرات حرارية أو أبراج تغطّي المناطق التي يتم تهريب المواد المخدرة عبرها، مثل الفاو وأبي الخصيب والسيبة".

البصرة، بحسب مقدّم الشرطة، تفتقر كذلك إلى مصحات تأهيلية، إذ إن هنالك مركزاً واحداً فقط وبطاقةٍ استيعابية لا تتجاوز 50 سريراً، "بينما أعداد المتعاطين القابعين في السجون على سبيل المثال تزيد عن أربعة آلاف متعاطٍ".

إغلاق محال بيع المشروبات والنوادي الليلة ساهم في ارتفاع نسب التعاطي والإدمان "بسبب توفر سوق خصب للمروجين يستهدفون من خلاله الشباب. نعم تناول الكحول عادةً مرفوض ولا نشجع عليه، لكنها أقلّ خطراً من حيث الإدمان، ويمكن السيطرة عليها، خلافاً للمخدرات"

ويُقرّ المقدم بأن إغلاق محال بيع المشروبات والنوادي الليلة ساهم في ارتفاع نسب التعاطي والإدمان، "بسبب توفر سوق خصب للمروّجين يستهدفون من خلاله الشباب ويستدرجونهم لتناول هذهِ السموم. نعم تناول المشروبات الكحولية عادة سيئة ومرفوضة ولا نشجع عليها إطلاقاً، لكنها أقل خطراً من حيث الإدمان، ويمكن السيطرة عليها في أي حال، خلافاً للمخدرات".

وكان العراق قد أصدر قانوناً لمكافحة المخدرات والمؤثرات العقلية يحمل الرقم 50، سنة 2017، يعاقَب وفقاً للمادة 28 منه كل من "يدير أو يعدّ أو يهيّئ مكاناً لتعاطي المخدرات والمؤثرات العقلية، بالسجن المؤبد أو المؤقت وبغرامة لا تقلّ عن 10 ملايين ولا تزيد عن 30 مليون دينار".

والمادة 32 منه نصّت على "إيقاع عقوبة الحبس مدةً لا تقلّ عن سنة واحدة، ولا تزيد عن ثلاث سنوات، وبغرامة لا تقلّ عن خمسة ملايين دينار، ولا تزيد عن عشرة ملايين دينار لكل من استورد أو أنتج وصنع أو حاز أو أحرز أو اشترى مواد مخدرةً أو زرع نباتاً من النباتات التي تنتج عنها مواد مخدرة أو مؤثرات عقلية، أو اشتراها بقصد التعاطي".

والمادة ذاتها، نصّت على إيداع مدمني المخدرات أو المؤثرات العقلية في مؤسسات صحية تنشأ لهذا الغرض، كما ألزمت كل من يثبت تعاطيه المواد المخدرة بمراجعة العيادة النفسية لمساعدته في التخلص من الإدمان.

ووفقاً لمصدر طبي في البصرة، فإن مركز التعافي من الإدمان الوحيد في البصرة غير كافٍ قياساً بأعداد المدمنين الكبيرة في المحافظة، وعلى الرغم من ذلك فإنه يستقبل مدمنين من محافظتَي الناصرية وميسان اللتين ليس فيهما أي مركز لمعالجة المدمنين.

وذكر أن الطاقة الاستيعابية لمركز البصرة هي 44 سريراً فقط، 23 منها للرجال والأخرى للنساء، ومع ذلك استقبل خلال النصف الأول من هذا العام أكثر من ألف حالة لرجال ونساء، بمعدل رقود امتد لثلاثة أسابيع للشخص الواحد.

وكانت مصادر صحافية قد نقلت عن مدير قسم الإدمان في دائرة صحة البصرة الدكتور أمين الزامل، قوله إن 419 مدمناً على المخدرات في البصرة تمت معالجتهم في سنة 2021، تراوحت أعمارهم بين 16 و35 سنةً، وأكد بدوره عدم قدرة المركز الوحيد في المحافظة على احتواء الأعداد المتزايدة للمدمنين، ودعا مديرية الصحة إلى توسيع المركز ليستوعب على الأقل 400 شخص. 

جهات مستفيدة

ثمة في البصرة من يحمّل أحزاباً نافذةً وميليشيات منتشرةً هناك، مسؤولية تفشّي المخدرات، لأنها عملت مطولاً من أجل منع الكحول في سبيل ترويج المخدرات وتوزيعها وجمع أموال كثيرة جرّاء ذلك، وفقاً لما يقولون.

ثمة في البصرة، من يحمّل أحزاباً نافذةً وميليشيات منتشرةً هناك، مسؤولية تفشّي المخدرات، لأنها عملت مطولاً من أجل منع الكحول في سبيل ترويج المخدرات وتوزيعها وجمع أموال كثيرة جرّاء ذلك

وعن ذلك يتحدث رئيس مركز العراق لحقوق الإنسان في البصرة، علي العبادي، قائلاً: "حسب متابعتنا والجلسات الحوارية التي عقدناها ضمن ملف المخدرات في المحافظة، وبناءً على معلومات وصلتنا من قبل مصادرنا الخاصة في المؤسسة الأمنية، هناك تدخّل من قبل شخصيات نافذة في المشهد السياسي وأخرى تمتلك نفوذاً في أجنحة وفصائل مسلحة تسهّل إدخال المخدرات إلى البصرة عبر المنافذ الحدودية وتروّج لها".

ويتهم العبادي الكتل السياسية في البصرة بالمشاركة بنحو مباشر أو غير مباشر في عمليات المتاجرة بالمخدرات وتهريبها، ويبيّن: "بالنسبة إلى المتورطة منها بنحو غير مباشر، فهي شريكة من خلال التزامها الصمت وعدم تشريع القوانين اللازمة والضغط على الحكومة المركزية للحد من هذه الظاهرة".

كما يتهم المؤسسات الحكومية بالتقصير في الحد من مشكلة المخدرات التي يقول إنها متنامية في البصرة، ويعدّ أدوار منظمات المجتمع المدني ومراكز حقوق الأنسان والناشطين المدنيين والفرق التطوعية، في مكافحتها، أكبر بكثير من دورها.

وطالب بحملة وطنية للحد من مخاطر المخدرات، لأنها كما يرى، أكثر فتكاً بالمجتمع من الجماعات الإرهابية، وطالب: "كما سُخِّرت الجهود لمحاربة الإرهاب، ينبغي أن تُسخَّر للحرب ضد المخدرات".

الباحث والكاتب غزوان كاظم مخلص، يقدّم ما يعتقد أنها قرائن تدعم ما ذهب إليه علي العبادي، إذ يقول إن البصرة كانت تشتهر خلال عقود سابقة بالنوادي الليلية ومحال بيع المشروبات في بعض مناطقها، لا سيما منطقة العشار، وتحديداً في "شارع الوطن" الذي كان مقصداً لشباب البصرة والسياح الأجانب، "لكن بدأت ملامح هذا الشارع تندثر والنوادي الليلية تغلق أبوابها في العقد الأخير، بسبب المضايقات الميليشياوية التي كانت دوافعها تتراوح بين الابتزاز والتطرف الديني".

ويشير بذلك إلى أن منع الكحول في البصرة، لم يأتِ مع صدور قانون حظر الكحول في 2023، بل قبل ذلك بكثير، ويروي كيف أُلقيت قنبلة يدوية في صالة تقدّم المشروبات الكحولية في ساحة أم البروم، وسط منطقة العشار في آذار/ مارس 2010، دون وقوع إصابات. وبعدها بفترة وجيزة، نُسف محلٌ لبيع المشروبات الكحولية في شارع الوطن بواسطة عبوة ناسفة، و"بهذه الطريقة هددت الميليشيات باعة المشروبات الكحولية في البصرة، وتم إجبارهم على إغلاق محالهم ونواديهم الليلية".

ووفقاً لشهادات عديدة يقول الباحث إنه استمع إليها من باعة الكحول المتضررين في تلك الفترة، فإن الهدف من تلك الاعتداءات كان الابتزاز في المقام الأول، فقد كانت هنالك مجاميع مسلحة تستهدفهم للحصول على نسبة من الأرباح مقابل عدم التعرّض لهم، وحمايتهم.

كما كانت هنالك مجاميع دينية متطرفة مرتبطة بأحزاب إسلامية تنادي بإغلاق النوادي الليلة ومنع بيع المشروبات الروحية أو تداولها في البصرة، وكل ما كانت تقوم به تلك المجاميع بمختلف توجهاتها، كان على مرأى ومسمع من أجهزة الأمن والحكومة المحلية، مما يعني كما يسميه الباحث غزوان، "تواطؤاً رسمياً مع المجاميع المسلحة".

إلى ذلك، كان مجلس محافظة البصرة سبّاقاً في إصدار تشريع محلي لحظر الكحول، و"تم التصويت على القرار في الثاني من آب/ أغسطس 2008، وتم تحديد غرامة مقدارها خمسة ملايين دينار عراقي على كل شخص يصنع الكحول أو يستوردها أو يبيعها أو يشربها، في مكان عام، وقد أغفل القرار باعة الكحول من الطائفة المسيحية، لكن من دون أن تجدد لهم الحكومة المحلية رخص مزاولة المهنة".

الساعي الأكبر إلى صدور ذلك القرار والتصويت لتمريره داخل مجلس محافظة البصرة، كان حزب الدعوة الإسلامي، الذي كانت تمثّله غالبية أعضاء مجلس محافظة البصرة، بالإضافة إلى حزب الفضيلة الإسلامي.

وبالعودة إلى تلك الفترة، نجد تصريحاً لنائب رئيس مجلس محافظة البصرة نصيف جاسم العبادي، أدلى به لراديو "سوا"، برّر فيه حظر الكحول في البصرة، بأن العراق بلد إسلامي، متجاهلاً بذلك الأقليات، كالمسيحيين والإيزيديين والصابئة.

الباحث غزوان، يربط ذلك، بانتشار المخدرات، ويقول: "الأحزاب الدينية لها علاقات عابرة للحدود، خصوصاً في إيران التي تُعدّ مصدّرة المخدرات الأولى إلى البصرة، ويبدو أن إصرار تلك الأحزاب على منع الكحول، كان بهدف ترويج المخدرات، لتمويل نفسها".

ويرى كرار دويخل العيساوي، من شط العرب في البصرة، وهو الممثل القانوني لحملة "يلّا نقرر 2030 لبصرة بلا مخدرات"، أن صعوبة الحصول على المشروبات الكحولية ووفرة المواد المخدرة دفعت بالكثير من الشباب للاتجاه إلى الإدمان والتعاطي.

ويتفق مع الآراء التي تذهب إلى أن حظر الكحول، ولجوء البعض إلى تناولها في الأماكن التي تُعرف بالأوكار، قد سهّلا على مروّجي المخدرات مهمتهم: "إنهم يستدرجونهم إلى هناك ويمدّونهم بالمواد المخدرة مجاناً بداية الأمر ومن ثم يستحصلون منهم على الأموال بعد ضمان إدمانهم عليها".

بائع كحول في البصرة أخبرنا بأن أسعار المشروبات الكحولية في البصرة، أصبحت ضعف ما كانت تباع به في أماكن أخرى كبغداد أو مدن إقليم كردستان، إذ يصل سعر عبوة البيرة الواحدة في الوقت حالي إلى خمسة آلاف دينار عراقي (3.84 دولاراً).

وقال البائع الذي يبيع الكحول سرّاً لمعارفه فقط: "شارب الكحول، لا يكتفي بعبوة واحدة ويصل متوسط استهلاكه إلى خمس عبوات"، ويشير بذلك إلى أن النفقات على الكحول أعلى من النفقات على المخدرات، إذ يصل سعر الغرام من مادة الكريستال إلى ما بين 15 و25 ألف دينار عراقي (11.53 إلى 19.22 دولاراً)، وهي "تكفي لثلاثة متعاطين أو أربعة، ومتوفرة بكثرة، ويمكن نقلها من مكان إلى آخر بسهولة، بخلاف البيرة والعرق والويسكي والواين، التي يُعدّ نقلها صعباً جداً، وكمياتها قليلة"، يضيف البائع.

تعافٍ قبل فوات الأوان

عبد الله جاسم (19 سنةً)، من الحيانية في البصرة، ينتمي إلى عائلة فقيرة تسكن في المناطق العشوائية، لديه سبعة أشقاء، اثنان يكبرانه، وأربعة آخرون أصغر منه سنّاً، يعمل والدهم موظفاً بلدياً، وراتبه الزهيد لم يكن ليغطّي احتياجات الأسرة. لذا ترك عبد الله الدراسة قبل أن يكمل الصف الأول متوسط، وتنقّل بين أعمال عدة كان يحصل منها على أجرٍ يومي، كالبناء وحمل البضائع في الأسواق. ونظراً إلى احتكاكه بشبّان يتعاطون المواد المخدرة، أدمن هو أيضاً عليها، وصار يعمل فقط من أجل تأمين المال لشرائها بدلاً من مساعدة أسرته الفقيرة.

يذكر جاسم جيداً أول مرة تعاطى فيها مادة الكريستال المخدّرة؛ دعاه أصدقاؤه ذات يوم إلى الوكر، وكان عبارةً عن بيت مهجور غير مؤثث، في محلة الحيانية غرب البصرة، وكانوا يستخدمونه ليلاً لاحتساء الكحول وتعاطي المخدرات وتفكيك الدراجات النارية التي يسرقها بعضهم

يذكر جاسم جيداً أول مرة تعاطى فيها مادة الكريستال المخدرة؛ دعاه أصدقاؤه ذات يوم إلى الوكر، وكان عبارةً عن بيت مهجور غير مؤثث، في محلة الحيانية غرب البصرة، وكانوا يستخدمونه ليلاً لاحتساء الكحول وتعاطي المخدرات وتفكيك الدراجات النارية التي يسرقها بعضهم.

منسّق تلك السهرات، كان شاباً يبلغ من العمر 27 سنةً، يُدعى مجتبى: "كان مسؤولاً عن توفير المخدرات للشباب هناك"؛ يقول عبد الله، ويضيف: "في يومي الأول هناك، بعد دعوة تلقيتها من أصدقاء لي، كنت قد حصلت وبصعوبة على زجاجة عرق، ولم أكن أنوي غير شرب القليل والمغادرة، لكن مجتبى طلب مني البقاء بإلحاح، وقدّم لي الكريستال. كان الجميع ينظرون إليّ فشعرت بالخجل، وأخذتها منه وتناولتها، وكانت تلك بداية إدماني لها".

يصف عبد الله، ما آل إليه وضعه الصحي والنفسي بعد فترة قصيرة من إدمانه على المخدرات: "جسدي كله يرتجف، وأعيش توتراً وخوفاً وقلقاً باستمرار، كان لديّ استعداد لقتل أي إنسان، وحتى لقتل نفسي. وسرقت أيضاً، فقد شاركت أصدقائي في سرقة الدراجات النارية وبيعها مفككةً، لكي نشتري بمالها المخدرات".

وفي مرحلة ما، طلب منه البعض أن يعمل مروّجاً للمخدرات، وأن يجوب الأوكار لتوزيع الحبوب والكريستال، لكنه رفض ذلك. وكم يشعر بالامتنان لأن أصدقاء يقول إنهم مخلصون، تمكّنوا من مساعدته ليتعافى من الإدمان قبل عام ونصف العام، وتحديداً في مطلع 2022، وهو يسهم الآن مع فريق تطوّعي في مكافحة المخدرات في البصرة.

المخدرات خطرٌ داهم

رئيس منظمة "بصرياثا للثقافة الاتحادية"، عمار سرحان، يذكر أن محافظة البصرة تُعدّ أكثر محافظة عراقية فيها مدمنون ومتعاطون للمخدرات، معللاً ذلك بموقعها إذ لها حدود مع العديد من الدول، مما جعل منها ممراً للمخدرات، وأيضاً الفساد الذي يقول إنه متجذر في المؤسسة الأمنية، وهو ما يسهّل الأمر على تجّار المخدرات ومروّجيها، فضلاً عن عدم وجود نوادٍ ليلية وحانات لبيع المشروبات الروحية، لذا "توجّه الشباب نحو تعاطي المخدرات التي تُعدّ أشد خطراً وفتكاً على المجتمع من الكحول"، يؤكد عمار.

الناشطة المدنية زينب حسين، تحذّر من استخدام المدارس لتوزيع المخدرات، وتروي تفاصيل حادثة تابعتها بنفسها، وتعلقت بفتاة تبلغ من العمر 13 سنةً، تعرفت إلى شاب عبر وسائل التواصل الاجتماعي وأقنعها بترويج المخدرات بين زميلاتها الطالبات في المتوسطة، مقابل مبالغ مالية "فوافقت الصغيرة لعدم فهمها مخاطر ما أقدمت عليه، إذ لا موجّه لها سوى جدّتها الطاعنة في السن، لأن والديها منفصلان، وكل منهما كوّن أسرةً جديدةً".

إدارة المدرسة اكتشفت الأمر وتعاونت مع الشرطة المجتمعية بطريقة تضمن عدم اعتقال الطفلة أو ملاحقتها قضائياً واستمرارها في الدراسة، مقابل إقناعها بإرشاد القوات الأمنية إلى الشاب الذي كان يمدّها بالمواد المخدرة.

تعبّر زينب عن دهشتها مما تقول إنها جرأة تجار المخدرات ومروّجيها، على الدخول إلى مدارس الفتيات لتوزيع المخدرات، وتجنيد طالبات للقيام بذلك، وتتساءل: "كيف يُسمح لهم القيام بذلك؟ أين الإجراءات الاحترازية؟".

أما الناشط المدني، علي منها، من شط العرب في البصرة، فيقول إن المخدرات منتشرة في العراق، وبنحو خاص في المدن الجنوبية وعلى رأسها البصرة، وذلك يستدعي تدخلاً فاعلاً من قبل مختلف أجهزة الدولة، للوقوف على أسباب ذلك والإعلان بكل صدق عن الإحصائيات بشأنها وبحث سبل معالجتها، "وإلا فإن المجتمع العراقي في طريقه إلى التفكك، نظراً إلى الضرر البالغ الذي تُحدثه المخدرات، لا سيما على صعيد الشباب".

وينضم المهنا في رأيه إلى كل من قابلناهم خلال إعداد هذا التقرير، ويقول: "إغلاق محال بيع الكحول والنوادي الليلية، سبب لا يمكننا تجاوزه في تفشي ظاهرة المخدرات، خصوصاً في ظل انتشار البطالة وعدم وجود المؤسسات الثقافية والتوعوية التي تعمل بدورها على تثقيف الشباب".


أُنجز التقرير بإشراف شبكة نيريج للتحقيقات الاستقصائية.

إنضمّ/ي إنضمّ/ي

رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

ألم يحن الوقت لتأديب الخدائع الكبرى؟

لا مكان للكلل أو الملل في رصيف22، إذ لا نتوانى البتّة في إسقاط القناع عن الأقاويل التّي يروّج لها أهل السّلطة وأنصارهم. معاً، يمكننا دحض الأكاذيب من دون خشية وخلق مجتمعٍ يتطلّع إلى الشفافيّة والوضوح كركيزةٍ لمبادئه وأفكاره. 

Website by WhiteBeard
Popup Image