توتر أمني شديد شهدته الساحة العراقية خلال الآونة الأخيرة، بعد أن سجلت الهجمات الإرهابية ارتفاعاً ملحوظاً في مناطق متفرقة من البلاد. وبالإضافة إلى ذلك، تصاعد الحديث عن وجود خلافات حادة بين القوات الأمنية، وكتائب جند الإمام، التابعة لحركة المقاومة الإسلامية في العراق، والمقربة من كتائب حزب الله.
وشهدت قاعدة سبايكر القريبة من مدينة تكريت، في 15 آذار/ مارس الحالي، هجوماً مسلحاً شنه اللواء السادس في الحشد الشعبي، المعروف باسم كتائب جند الإمام، ضد قوات مكافحة الإرهاب، بعد مشادات كلامية بين الطرفين، دفعت بأحد المنتسبين إلى الجهاز لإطلاق رصاصات تحذيرية في اتجاه عناصر اللواء السادس، ليرد الأخير، بإطلاق النار وقذائف الـRPG في اتجاه عناصر جهاز مكافحة الإرهاب.
الدوافع والخلفيات
أسفرت هذه الاشتباكات عن جرح جنديين وحرق ثلاث عجلات عسكرية تابعة لجهاز مكافحة الإرهاب، بالإضافة إلى أضرار مادية أخرى، ولكن الأخير، وبرغم الأضرار التي لحقت به، لم يبادر إلى الرد على هذا الهجوم، كما تجنّب كلا الطرفين الإفصاح عن سبب الحادثة لوسائل الإعلام.
شهدت قاعدة سبايكر القريبة من تكريت، هجوماً مسلحاً شنه اللواء السادس في الحشد الشعبي، ضد مكافحة الإرهاب
وبحسب مصادر متعددة، فإن سبب صمت الجهاز عن هذه الحادثة، يرجع إلى رغبته في الابتعاد عن إثارة النعرات بين الأجهزة الأمنية في الوقت الحالي، وهو ما يؤكده مصدر في إعلام جهاز مكافحة الإرهاب، ويشير إلى أن الأوضاع الأمنية التي يشهدها العراق ومحافظة صلاح الدين، تستدعي الحفاظ على وحدة الأجهزة العسكرية كافة، لردع هجمات تنظيم الدولة المتزايدة في هذه المنطقة.
ويوضح في تصريحه لرصيف22، أن سبب الخلاف الرئيسي، هو إصرار قائد اللواء السادس، "أبو جعفر الدراجي"، على الدخول إلى القاعدة، في حين لم يردّ لقادة الجهاز، أي أوامر بهذا الصدد، مؤكداً أن قيادة الجهاز، تعتقد أن إصرار اللواء على الدخول إلى القاعدة ينبع من رغبة في السيطرة عليها.
في المقابل، ينفي مصدر غير مخوّل له الحديث باسمه في قيادة أركان اللواء السادس، مثل هذه المزاعم، ويؤكد أن سبب إصرار قادة اللواء على الدخول إلى القاعدة، ينبع من رغبتهم في الاطّلاع على أرضيتها، لاختيار مكان مناسب لإقامة استعراض عسكري خاص.
وبالفعل، فقد قامت كتائب جند الإمام، باستعراض عسكري على أرض قاعدة سبايكر، في 16 آذار/ مارس الحالي، أي بعد يومين من الحادثة، بمناسبة ذكرى تحرير المدينة من تنظيم الدولة، حضره عدد من القيادات العسكرية والسياسية.
وينفي المصدر في تصريحه لرصيف22، صحة الشائعات المتداولة بخصوص عزم اللواء على السيطرة على القاعدة، ويؤكد أنه ملتزم بمناطق سيطرته خارجها، ولكنه لا يخفي رغبته في توسيع هذا النفوذ في مناطق أخرى، داخل المدينة وشمالها.
علاقة متوترة
برغم كل هذه التصريحات، فإن الحادثة لم تكن الأولى من نوعها في البلاد، إذ سبق أن خاض كلّ من جهاز مكافحة الإرهاب والحشد التركماني، التابع لهيئة الحشد الشعبي، صِدّاماً مسلحاً بالقرب من مجلس محافظة كركوك، في صباح 16 كانون الثاني/ يناير عام 2019.
ولا يقتصر هذا الخلاف على جهاز مكافحة الإرهاب وهيئة الحشد الشعبي، إذ أصيب عنصر في الشرطة العراقية، في اشتباك ضد عناصر هيئة الحشد الشعبي، في 14 نيسان/ أبريل من العام نفسه، بعد محاولتهم اعتراض دخول الحشد إلى إحدى مناطق مدينة الموصل، شمال البلاد.
ومؤخراً، في 30 آب/ أغسطس الماضي، اشتبكت الفرقة 11 التابعة للجيش العراقي، مع أرتال الحشد الشعبي، على إثر محاولة الأخيرة دخول بغداد، عبر مدخل الراشدية، شرق العاصمة، تزامناً مع اقتحام أتباع التيار الصدري مبنى البرلمان وقتها.
ترتبط الهجمات برغبة مختلف الأصناف الأمنية في إثبات وجودها، إذ يريدون توسيع نطاق سيطرتهم، عبر الإخلال بأمن مناطق سيطرة خصومهم، فما الغاية من التمدد؟
وبرغم كل ذلك، فإن الصدامات لم تكن سيدة الموقف دائماً، إذ تشنّ القوات الأمنية ومن ضمنها الحشد الشعبي، عمليات أمنيةً وعسكريةً مشتركةً، بشكل شبه دائم، كما ساهم الحشد وبناءً على توجيهات من رئيس الوزراء العراقي وقتها، حيدر العبادي، بالتعاون مع القوات الأمنية الاتحادية، في القتال ضد قوات البيشمركة الكردية، على إثر إعلان استفتاء انفصال إقليم كردستان عن العراق في 20 تشرين الأول/ أكتوبر عام 2017، وإفصاح الإقليم عن اعتزامه ضمّ محافظة كركوك إليه.
صراع الوجود العسكري
ترتبط معظم صراعات الأجهزة الأمنية المختلفة والحشد الشعبي، بصراع السطوة والنفوذ العسكري داخل مناطق تواجدها، إذ لطالما وجد الطرفان نفسيهما عند مفترق طرق، ويبرر هذا الرأي نفسه، بعدم رغبتهما في توحيد جهودهما الاستخبارية، وتفضيلهما العمل بشكل مستقلّ، كلّاً على حدة.
المنافسة الجارية بين الخصمين، تدفعهما إلى إثبات وجودهما، كلّاً على حساب الآخر، ففي حين تنظر القوات الأمنية إلى الحشد الشعبي نظرةً دونيةً، ترتبط بعلاقاته السياسية والخارجية، فإن الحشد الشعبي، ينظر إلى هذه القوات باعتبارها شريكةً للقوات الأمريكية التي يعارض وجودها، بسبب التنسيق القوي بينهما. مثل هذا الواقع، عزز صراع الوجود العسكري والأمني بينهما.
ولا شك في أن مثل هذا الأمر، يشكل ضغوطاً كبيرةً تدفعهما إلى إثبات وجودهما، كلٌّ على حدة، ولعل هذه الضغوط تزداد على الحشد الشعبي، نظراً إلى استمرار مطالب إبعاده عن المناطق المحررة من تنظيم الدولة، وتالياً رغبته في الاحتكاك مع القوات الأمنية لإثبات قوته، واستبعاد سيناريو إقصائه.
ومثالاً على ذلك، فقد طالب نواب عن محافظة صلاح الدين في تشرين الأول/ أكتوبر 2020، بإخراج كافة القوات العسكرية المرتبطة بالأحزاب، من المحافظة، على إثر إعتداء قام به مسلحون يرتدون الزي العسكري في ناحية الفرحاتية جنوب محافظة صلاح الدين، وتكررت هذه المطالب في أعقاب الهجوم المسلّح الذي شهدته قرية ألبو دور جنوب تكريت، في 12 آذار/ مارس 2021، وأسفر عن مقتل 7 أفراد من عائلة واحدة.
يقول الباحث الأمني علي عبد الإله، إن "مثل هذه الأحداث، ترتبط برغبة مختلف الأصناف الأمنية في إثبات وجودها، وهو أمر لا يقتصر على جهاز دون آخر، فكل الأفرقاء يريدون توسيع نطاق سيطرتهم، عبر الإخلال بأمن مناطق سيطرة خصومهم، وإن عن طريق شن هجوم مسلح ضدهم".
طالب نواب عن محافظة صلاح الدين في تشرين الأول/ أكتوبر 2020، بإخراج كافة القوات العسكرية المرتبطة بالأحزاب، من المحافظة
ويصنّف هذه الهجمات في تصريحه لرصيف22، رسائل غير مباشرة يوجهها الخصوم إلى بعضهم البعض، مؤكدين عبرها على قدرتهم على صدّ أي اعتراض قد يواجههم.
صراع النفوذ العسكري لا يتوقف عند ذلك بحسب عبد الإله، إذ يشمل أيضاً، رغبتهم في إظهار ضعف خصومهم في المنطقة، من أجل استبدال قياداتهم، بآخرين مقربين منهم، أو قيادات أضعف سياسياً وعسكرياً، لتسهيل سيطرة الآخر على مناطقهم.
علاقة الصراع السياسي
بعيداً عن مناكفات الوجود والسيطرة العسكرية، ومخرجاتها، تلعب الدوافع السياسية دوراً كبيراً في الخصومة الحاصلة بين الأجهزة الأمنية من جهة، والحشد الشعبي من جهة أخرى.
غالباً ما تتوزع صنوف القوات الأمنية بين وزارتي الدفاع والداخلية، وعلى النقيض، ترتبط قوات أخرى على غرار جهاز مكافحة الإرهاب برئاسة الوزراء مباشرةً، وكذلك بالنسبة إلى هيئة الحشد الشعبي، والتي تُعدّ كياناً أمنياً مستقلاً في قراره وتشكيله.
تضم هيئة الحشد الشعبي، نحو 145 ألف مقاتل موزّعين على 67 فصيلاً مسلحاً، ولا تجتمع هذه الفصائل على أرضية جامعة أو أيديولوجيا واحدة، ويرتبط معظمها بأحزاب سياسية كبيرة، وتخضع تالياً لسياساتها وتوجيهاتها ورؤيتها الأمنية.
تشعُّب هذه الرؤى، سَبّب تفاوتاً كبيراً في طريقة عمل كلٍّ منها، بالإضافة إلى تعاونهم في ما بينهم ومع باقي القوات الأمنية، كما يُعدّ هذا التشعب سبباً في غياب التنسيق بينهم.
يؤكد أستاذ العلوم السياسية المتقاعد، عثمان الموصلي، أن مثل هذا الاختلاف، سهّل توظيف هذه الفصائل في الصراع السياسي الحاصل في البلاد، ويعتقد أن لهذه الهجمات علاقةً بقرب انتخابات مجالس المحافظات في المناطق المحررة.
ويلفت في تصريحه لرصيف22، إلى أن "بعض فصائل الحشد الشعبي، ترغب في زيادة رقعة وجودها داخل المناطق المحررة، من أجل زيادة دعم حلفائها السياسيين وفوزهم في الانتخابات، وهو ما سبب ارتباكاً في الوضع السياسي أيضاً داخل هذه المحافظات، وكذلك في زيادة التوتر بينها وبين باقي القوات الأمنية، لا سيما أنه يناقض ما نص عليه القانون، بمنع الخلط بين العملين الأمني والسياسي".
وفي هذا الصدد، ينفي مصدر رفض الكشف عن اسمه في هيئة الحشد الشعبي، علاقة هذه الخلافات بالسباق الانتخابي أو السياسي، ولكنه لا يستبعد أن يقدّم الحشد دعمه لحلفائه السياسيين في المناطق المحررة.
ويقول في تصريحه لرصيف22، إن "هذا الدعم لا يعني بالضرورة، مخالفة القانون، كونه دعماً معنوياً بحتاً، أو يرتبط بحماية مصالح حلفائه، بعيداً عن إثارة النعرات أو توظيف جهود الحشد في جمع الأصوات وغيرها".
بوصلة الصراعات
تصاعدت في الآونة الأخيرة، وتيرة الهجمات الإرهابية داخل المناطق المحررة، ويسود اعتقاد شعبي، بوجود علاقة بينها وبين التوتر السياسي الحاصل في البلاد، وبرغم الجهود المشتركة التي تبذلها القوات الأمنية، يبدو تأثير الخلافات الجارية بين فصائلها وكياناتها واضحاً بشكل لافت.
بعض فصائل الحشد الشعبي، ترغب في زيادة رقعة وجودها داخل المناطق المحررة، من أجل زيادة دعم حلفائها السياسيين وفوزهم في الانتخابات... فما علاقة انتخابات المحافظات بما يجري؟
في 19 تشرين الثاني/ نوفمبر الماضي، قُتل 4 جنود، في هجوم مسلح شنّه تنظيم داعش على ثكنة عسكرية تابعة للجيش العراقي، بالقرب من ناحية قره هنجير، برغم انتشار النقاط الأمنية داخل مناطق المحافظة كافة وخارجها، ولكن غياب التنسيق بينهم، وضعف الجهد الاستخباري المشترك، لعبا دورهما في هذه الحادثة.
وعليه، فإن مثل هذه الحساسيات، تضرب مساعي القضاء على خلايا الإرهاب، كما تضعف دورها في حماية المدنيين، ويكمن حل الأزمة في توحيد الجهود الأمنية بشكل تام عبر تشكيل جهاز استخباري مشترك تابع لرئاسة الوزراء، لزيادة فاعلية الدور الأمني الذي تلعبه كافة الفصائل والقوات الأمنية، بالإضافة إلى قطع كافة الارتباطات السياسية بهذه القوات، بحسب الباحث الأمني علي عبد الإله، ومن ثم منع تكرار مثل هذه الحوادث.
ولكن الواقع الحالي، لا يشير إلى وجود مثل هذه التحركات، وفي حين تزداد هجمات التنظيم الإرهابي على مناطق مختلفة في البلاد، تنشغل القوات الأمنية بصراعاتها، بعيداً عن أمن المواطنين.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
Mohammed Liswi -
منذ يومأبدعت بكل المقال والخاتمة أكثر من رائعة.
Eslam Abuelgasim (اسلام ابوالقاسم) -
منذ يومحمدالله على السلامة يا أستاذة
سلامة قلبك ❤️ و سلامة معدتك
و سلامك الداخلي ??
مستخدم مجهول -
منذ 3 أياممتى سوف تحصل النساء في إيران على حقوقهم ؟!
مستخدم مجهول -
منذ 4 أيامفاشيه دينيه التقدم عندهم هو التمسك بالتخلف
مستخدم مجهول -
منذ 4 أيامعظيم
Tester WhiteBeard -
منذ 4 أيامtester.whitebeard@gmail.com