حكايتي مع الرسم
"وُلدت عام 1945 في مدينة المكلا، ونشأت في بيئةٍ وبيتٍ تجد الصور فيهما تملأ كل الأماكن من حولك، فالوالد غلام معين الدين كان مصوراً فوتوغرافياً، وكان أول من أدخل التصوير الفوتوغرافي إلى المكلا عاصمة السلطنة القعيطية الحضرمية آنذاك، والوالدة كانت خياطةً، وكانت تحيك النقوش على تطريزات ملابس النساء، لذلك قرّبتني هذه الأجواء من الرسم، فبدأت أرسم على جدران المنزل، وحين رأى والدي رسماتي على الجدران اشترى لي لوحةً للرسم، وكانت أولى رسوماتي لجمال عبد الناصر، وعمري كان حينها ثمانية أعوام تقريباً. وفي سنة 1967، حصلت على شهادة GCE البريطانية في الرسم الكلاسيكي من فرع جامعة أوكسفورد في عدن، وكانت الشهادة تعطى من مدربين بريطانيين مختصين في مجال الرسم"؛ هكذا يعرّف أنور غلام عن نفسه.
ويحكي عن طقوسه في الرسم قائلاً: "لقد بذلت كلّ جهدي في هذا الفنّ منذ طفولتي عندما كنت في السابعة من عمري، وتأثرت بما حولي من صور فوتوغرافية صوّرها الوالد وعُلّقت في جدران البيت بالإضافة إلى الزخارف والنقوش الموجودة على الورق وأشكال الورود والأغصان والعصافير التي ترسمها الوالدة على الفرش والستائر والمساند، وكل ذلك أثر في إبداعاتي منذ الطفولة وأستحضرها وأستذكرها بمثابة الطقوس الخاصة بي".
المدرسة التي ينتمي إليها
"في بداية الأمر تأثرت بالرسم الكلاسيكي أي بمدرسة الإيطاليَين ليوناردو دا فينشي ومايكل أنجلو، ومن ثمّ تأثرت بالرسم التعبيري وهي مدرسة الإسباني بابلو بيكاسو، وحاولت تقليدها، وكان صديقي الرسام الراحل علي غداف، يساعدني على الاطلاع على رسمات الرسامين العالميين لأنها لم تكن تأتي إلى المكلا في ذلك الوقت.
الرسم يعبّر عن مشاعري وعمّا يجول في داخلي، وهو كما يقال عنه: "ثقافة العقل والعين ومرونة اليد"، وما زال شغف الرسم يراودني حتى اليوم لذلك أرسم إلى الآن على الأوراق بالقلم الرصاص
وبعدها اتجهت إلى رسم الموروث الشعبي الحضرمي، في العام 1975، محاولاً فيه إحياء التراث الحضرمي، ولجعل الأجيال الحضرمية تعرف كيف كانت المكلا قديماً وكيف كانت حياة أهلها فيها، والأمر الذي دفعني إلى هذا الاتجاه هو هدم بعض المعالم التاريخية لمدينتنا من قبل بعض الذين وصلوا إلى السلطة بعد سنة 1967، ولعل أبرز المعالم التي هُدمت، سدة المكلا التي كانت ملتقى لأهلها ورمزاً من رموزها المهمة، ومن لوحاتي في هذا المجال رسمة مدينة المكلا عام 1950، وسدة المكلا والعرس في البادية والحضر، واحتفالات قصر معين السلطاني عام 1950، ولوحات عن التقاليد والحرف الشعبية في حضرموت.
أجمل رسماتي هي لوحات الموروث الشعبي الحضرمي
الرسم يعبّر عن مشاعري وعمّا يجول في داخلي، وهو كما يقال عنه: "ثقافة العقل والعين ومرونة اليد"، وما زال شغف الرسم يراودني حتى اليوم لذلك أرسم إلى الآن على الأوراق بالقلم الرصاص.
في بدايتي مع رسمات الطفولة نحو عام 1952، لم تكن متوافرةً أدوات الرسم في مدينة المكلا، حتى الورق الخاص بالرسم عدا أقلام الرصاص والمماسح والمساطر.
كان والدي يرسل إلى مدينة عدن طلباتي من الأدوات، ولم تكن إدارة الثقافة تقدّم شيئاً من هذه المواد إلا في عام 1984، عهد المدير عبد الله الهدار، وكنت أحصل عليها بصعوبة.
حتى قماش الرسم كنت أصنعه من النشاء والغراء و"البوية" وأضعه في إطار حتى يجف. أما في السنوات الأخيرة فتوفرت الأدوات في جميع المكتبات، واعتمدت على الألوان الزيتية والقماش في كل لوحاتي، ورسمت في حياتي ما يفوق الـ300 لوحة.
أما أجمل لوحاتي -بالنسبة لي- فهي رسمات الموروث الشعبي الحضرمي والمكلا في خمسينيات القرن الماضي، لأنني كنت أتّكئ على ذاكرتي وأستجمع كل التفاصيل التي ليست لها صور فوتوغرافية في ذلك الزمان، وأعود لذكريات طفولية وملاحظتي البصرية في صغري فأرسم بها. وبالمناسبة هذا النوع من الرسم هو أصعب الأنواع بالنسبة لي، فمثلاً رسمة الخوص أخذت مني أسبوعاً كاملاً.
وعن الرسمات الشخصية فهي تأخذ مني من أسبوع إلى 10 أيام على حسب حجمها وتفاصيلها، ومن الصور الشخصية التي رسمتها وعلقت في معالم المكلا رسمتي، الفنانة الشعبية عائشة نصير، والفنان محمد جمعة خان، وهاتان الرسمتان وُضعتا عند "دلة المكلا"، وكان ذلك في العام 1984، ومن رسمات الشخصيات التي أعتز بها رسمتا الأديب علي أحمد باكثير، والشاعر حسين أبو بكر المحضار رحمهما اللّه.
معارض شاركت فيها
شاركت في 4 معارض للفنون التشكيلية، اثنان منها في عدن؛ الأول معرض وزارة الثقافة عام 1973، والآخر كان معرضاً للوحاتي عام 1976، في عاصمة اليمن الجنوني وقتذاك، والمعرضان اللذان كانا في المكلا كانا عامي 1968 و1969، بمشاركة الرسامَين المبدعَين علي غداف وعمر حسنون رحمهما اللّه.
"أجمل لوحاتي -بالنسبة لي- هي رسمات الموروث الشعبي الحضرمي والمكلا في خمسينيات القرن الماضي، لأنني كنت أتّكئ على ذاكرتي وأستجمع كل التفاصيل التي ليست لها صور فوتوغرافية في ذلك الزمان".
وتوقفت عن عمل المعارض منذ ذلك الحين بسبب قلة الاهتمام من قبل الجهات المختصة والخاصة للفنون، وأيضاً بسبب انشغالي بالوظيفة الحكومية، بالإضافة إلى قلة الإمكانات المتاحة.
في هذه الآونة وبعد بلوغي سنّ متقدمة من العمر لا أستطيع أن أجمع لوحات وأقدمها في معرضٍ خاص بي ولكن أشجع الشباب من الفنانين التشكيليين -وما أكثرهم- ليأخذوا دورهم في المشاركة ويقيموا معارضهم الخاصة.
وعندما تتحسن حالتي سأرسم لوحات جديدةً فكثيرة هي المواضيع وأدوات الرسم في هذه الأيام، إلى جانب تشجيع السلطة المحلية وتقديم التسهيلات لإقامة معرض.
الرسام والسياسة
الحكام العرب دائماً ما يحبّون أن تُرسم لهم لوحات كبيرة وتعلَّق في معالم المدن أو مداخلها، فهل رسم الأستاذ أنور شخصيات حكمت البلد؟
"هذا الأمر طُلب مني مرات عدة، ففي ظل حكم جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية (اليمن الجنوبي 1967/ 1990) طلبت مني قيادة الحزب الاشتراكي في المحافظة أن أرسم لوحةً كبيرةً للرئيس في تلك الفترة عبد الفتاح إسماعيل وعُلّقت هذه الرسمة على سكة يعقوب في مدينة المكلا، وبعد أحداث 13 كانون الثاني/يناير عام 1986، طلبت مني قيادة الحزب الاشتراكي في حضرموت أن أرسم الشهداء الأربعة؛ علي عنتر، وصالح مصلح، وعلي شائع، وعبد الفتاح إسماعيل.
إذا كانت لدى الشخص رغبة في تعلم الرسم، عليه أولاً أن يدرّب يده على رسم كل شيء أمامه في الطبيعة ليمتلك مرونة اليد، ويرسم كل الأشكال التي تقع أمامه ويرسمها من كل الجوانب حتى حركات الناس في مشيهم وازدحامهم
وبعد الوحدة بين اليمن الشمالي والجنوبي، طلبت مني السلطة المحلية في المحافظة في العام 1996، أن أرسم لوحةً كبيرةً للرئيس الأسبق علي عبد اللّه صالح، وفعلت ذلك وكان حجمها 3 ألواح كونتر بطول 4.5 أمتار وعرض 2.5 أمتار، عُلّقت بالقرب من ساحل بحر المشراف في المكلا.
ويجيب عن السؤال حول هل رسم الأشخاص يخلق نوعاً من العاطفة لهذه الشخصيات السياسية الحاكمة يجيب: "ليس بالضرورة، هي مجرد لوحات طُلبت مني، ولم أختَر رسمها".
نصائح لمن يحبون الرسم ويريدون إتقانه
إذا كانت لدى الشخص رغبة في تعلم الرسم، عليه أولاً أن يدرّب يده على رسم كل شيء أمامه في الطبيعة ليمتلك مرونة اليد، ويرسم كل الأشكال التي تقع أمامه ويرسمها من كل الجوانب حتى حركات الناس في مشيهم وازدحامهم والملامح الشخصية وانعكاسها على الأرض.
وعليه أن يستمر لسنين في الرسم حتى يمتلك مرونة اليد وثقافة العين، وعليه أيضاً القراءة في كل مجالات العلم وخاصةً التاريخية وتاريخ الشعوب وعاداتهم وتقاليدهم والموروث الشعبي والثقافي، فالرسام لا يكون مبدعاً إلا إذا كان مثقفاً عنده خلفية حول ما يرسمه.
وعن إمكانية تقديم دورات للمبتدئين، يقول: أرجو ذلك لكن حالتي الصحية لا تسمح، وقد بلغت من العمر ما يقارب 77 عاماً، ولكني حينما كنت شاباً كنت أقدّم مشورةً واستشارات لهواة الرسم.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
Ahmad Tanany -
منذ يومتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ 3 أياملا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ 6 أيامأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ أسبوعمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...
Nahidh Al-Rawi -
منذ أسبوعتقول الزهراء كان الامام علي متنمرا في ذات الله ابحث عن المعلومه