شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

لنبدأ من هنا!

"لا تلوميني يا عمّتي العزيزة"... محمد علي شاه، "مالك إيران" المنفي

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

في ذکری عید ميلاده الـ37 وفي عامه الثالث من توليه العرش، لجأ محمد علي شاه، سادس شاهات السلالة القاجارية، إلى السفارة الروسية القيصرية لدى طهران في 13 تموز/يوليو عام 1909، حينما استولى الثوار المطالبين بالثورة الدستورية (الثورة الشعبية التي مع انتصارها في عام 1908 باتت أرضية لتحديد السلطة الملكية وتشكيل البرلمان في إيران) على العاصمة الإيرانية طهران.


كان قد قام الشاه بقصف البرلمان قبل عام من ذلك، وقمع الثوار بصرامة، فقرر المجلس الأعلى للثورة بعد انتصارها، وهي التي كانت تطالب بحكم ملكي خاضع لدستور الشعب وديمقراطية المجتمع، خلع الشاه من منصبه ونصب ابنه أحمد القاجاري في الـ12 من عمره، شاهاً مع تحديد صلاحياته.

كان على الملك المعزول أن يترك البلاد، فخصص له الثوار راتباً شهرياً، وذهب إلى روسيا القيصرية التي كانت قد ساندته في تعزيز استبداده وسلطته على المجتمع، حتى أن جنرالاتها هم الذين قصفوا البرلمان.

يعد محمد علي شاه واحداً من أكثر الملوك كرهاً لدى الإيرانيين، فبرغم أنه لم يحكم سوى 30 شهراً، ولكنه كان قاسياً ومستبداً وأمّياً، لم يجلب لوطنه سوى الفوضى خلافاً لوالده مظفر الدين، وجدّه ناصر الدين

يعدّ محمد علي شاه واحداً من أكثر الملوك كرهاً لدى الإيرانيين، فبرغم أنه لم يحكم سوى 30 شهراً، ولكنه كان قاسياً ومستبداً وأمّياً، لم يجلب لوطنه سوى الفوضى خلافاً لوالده مظفر الدين، وجدّه ناصر الدين.

كتب السياسي المخضرم محمد علي فُروغِي في مذكراته اليومية عن محمد علي شاه حينما كان ولياً للعهد: "لم يكترث ولي العهد بالعلم والتربية. ليرحمنا الله حین يصل سيئ السمعة هذا إلى السلطنة. ما أقذرَ هؤلاء القاجاريين!".

إلى عمتي العزيزة

يمكن ملاحظة حجم استبداد الشاه في رسالته التي وجهها إلى عمته "فُروُغ الدولة": "عمّتي العزيزة! لا تلوميني على لجوئي إلى سفارة الأجانب. لم يكن لجوئي من الخوف، بل وجدت أن هذه السلطنة لا تنفعني. لنفترض أنني أتصالح مع هؤلاء (الثوار) أو أقتلهم جميعاً، ماذا سأفعل وحدي بوطن عدوّي، حيث أن رعية البلاد، هؤلاء الخدم الذين امتلأت بطونهم من الحرام، لا يريدونني. إذا لم آتِ إلى سفارة الروس، لكانوا قد هجموا على قصر سلطنة آباد، ولقتلوني وسبوا عيالي وأولادي".

يتبين جلياً حجم الأنانية والغضب لدى الشاه من مجتمع طالب بالتغيير، وأراد حكماً ملكياً خاضعاً للدستور، ومَلِكاً محدود الصلاحيات في رأس هرم الدولة.

ولمحمد علي خطاب آخر قبل أن يتم إنزاله من العرش، فصرح عندما وصلته برقيات من المدن الإيرانية تدعم الثورة: "وليخسأ الشعب الذي لا يريدني. ما علاقة الرعية بالتمرّد؟ ما علاقة الرعية باستجواب الملك؟ ما للرعية والمطالبة بالحق؟ الرعية غنم، وأنا الراعي. إنما ظلّي هو الذي يمنح السلام والنعمة، ويدفع البلايا. أنا من يهِب الكرامة. أنا مالك إيران. والدم هو جواب من يطالب بالحرية. ولتخسأ الرعية التي تريد أن تحتج... وتطالب بالدستورية، وتدينني أنا، زينة الدولة. والله قد أمرت القوزاق (الحرس الخاص)، أن يقمعوا بشدة كل من يصدح بالدستورية. أنا أريد رعايا خاضعين، سامعين، وطائعين. أريد صُمّاً بُكماً".

انتصرت إرادة الرعايا، وسار الملك وأسرته نحو المنفى، فسمحت له روسيا بالنزول في مدينة أوديسا أو أُدِسَّة (Odesa)، التي تقع اليوم ضمن الأراضي الأوكرانية، وكانت حينها رابع المدن الإمبراطورية الروسية المهمة بعد كلّ من موسكو، وسان بطرسبورغ، ووارسو.


استأجر محمد رضا شاه قصراً من نبيل بولندي، وقطن فيه منذ عام 1909، وبعد فترة قرر أن يتآمر مع الروس على بلاده للانتقام واستعادة السلطة، لكن خطتته فشلت، فعاد إلى مدينة أوديسا، وإثر ذلك قطعت الحكومة الإيرانية الجديدة راتبه الشهري.

ولكن هناك رواية أخرى يرويها أحد أحفاده المسمى سلطان علي ميرزا حول موقع بقاء جده: "منحه القيصر الروسي قصراً في أوديسا، وعاش فيه عاماً أو عامين، ثم ابتاعت زوجته ملكة جهان، قصراً وحديقةً في أوديسا، وحولت الحديقة إلى حديقة فارسية".

إشاعات أوكرانية

يبدو أن زوجة الشاه قد اشترت القصر البولندي نفسه، واستمرا بالعيش هناك، وثمة صور توثق حقبة بقاء الملك في مدينة أوديسا خلال عقد من الزمن، حيث عاش حياة منفتحة، وغالباً ما كان يذهب إلى المدينة، ويستقبل الضيوف في منزله، فبقي اسم "قصر الشاه" عالقاً على المنزل حتى يومنا هذا.

وذكر موقع usefultravelarticles، أن "ثمة إشاعات بين السكان المحليين الأوكرانيين كانت تؤكد وقتذاك أن الشاه كان يختبئ من عين العدالة في بلاده، وهناك من قال إن الشاه الإيراني فرّ من زوجاته العديدات اللواتي طاردنه، فقطن في مدينة أوديسا المضيافة"، ولم تكن للشاه سوى زوجتين.

بعد مئة عام، ما زال الأوكرانيون وخاصة سكان مدينة أوديسا، يطلقون على القصر "قصر الشاه" (Shah palace)، وجاء في موقع gpsmycity، أنه تم بناء قصر الشاه في عام 1852 من قبل معماري بولندي، لصالح نبيل بولندي، وأنه أحد أكثر المباني جاذبيةً في أوديسا، وقد كان مملوكاً للشاه الإيراني الذي هرب من هناك، ومن هنا جاء اسمه. يجمع هذا القصر الرائع بين طراز العصور الوسطى البريطانية القوطية والفرنسية ويتميز بنوافذ جميلة وأبراج رائعة.

حياة جديدة في إيطاليا

انتصرت الثورة الروسية عام 1917، وفي عام 1919 وصلت إلى مدينة أوديسا، فقامت الحكومة الاشتراكية الروسية بتأميم قصر الشاه مع قصور أخرى، واضطر الشاه الإيراني المخلوع إلى مغادرة الأراضي الروسية نحو إيطاليا، حتى قطن في مدينة سفونة (Savona) الإيطالية، الواقعة على بعد ألفي كيلومتر من أوديسا.

ثمة إشاعات بين السكان المحليين الأوكرانيين كانت تؤكد وقتذاك أن الشاه كان يختبئ من عين العدالة في بلاده، وهناك من قال إن الشاه الإيراني هرب من زوجاته العديدات اللواتي طاردنه، فقطن في مدينة أوديسا المضيافة"، ولم تكن للشاه سوى زوجتين

ليست هناك تفاصيل كثيرة عن حياته في تلك المدينة، وقد مكث فيها سنوات قليلة، وتحدث حفيده سلطان علي ميرزا القاجاري، عن رأي الشاه حول الروس: "ظن محمد علي شاه أن العلاقات الجيدة مع روسيا ستساعده في حكمه. بعد ذلك سرعان ما أدرك أن الروس خانوه، وأنهم كانوا أحد أسباب ابتعاده عن السلطة، فلم يكن جيداً معهم في حياته اللاحقة، وهناك رسائل بقيت منه تظهر مدى تفكيره غير الجيد حول الروس".

توفي الشاه في مدينة سفونة بسبب مرض السكري وهو في الـ52 من عمره، أي قبل أشهر قليلة من عزل ابنه أحمد شاه من العرش في طهران وطي صفحة حكم السلالة القاجارية إلى الأبد على يد العسكري رضا خان، وتأسيسه الدولة البَهْلَوية في إيران.

ثمة صورة من مدينة سفونة الإيطالية، توثق مراسم جنازة ضخمة لمحمد علي شاه، حيث يتم نقل جثمانه على عربة، ويشيعها العشرات في أحد الشوارع وسط تفرج المارة في عام 1925. دفن محمد علي شاه في مدينة كربلاء في العراق، بالقرب من مرقد الإمام الحسين بن علي بن أبي طالب.

وبالعودة إلى مدينة أوديسا وقصر الشاه فيها، فقد تم شراؤه من قبل بنك أوكراني عند مطلع القرن الواحد والعشرين، وحرص البنك على إعادة ترميمه بالكامل كما كان، وبعد جهوزيته وتألق روعته من جديد عام 2004، أصبح القصر المكتبَ الرئيسي للبنك، وهو مغلق أمام السياح.


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

فلنتشارك في إثراء مسيرة رصيف22

هل ترغب/ ين في:

  • الدخول إلى غرفة عمليّات محرّرينا ومحرراتنا، والاطلاع على ما يدور خلف الستارة؟
  • الاستمتاع بقراءاتٍ لا تشوبها الإعلانات؟
  • حضور ورشات وجلسات نقاش مقالات رصيف22؟
  • الانخراط في مجتمعٍ يشاركك ناسه قيمك ومبادئك؟

إذا أجبت بنعم، فماذا تنتظر/ ين؟

    Website by WhiteBeard
    Popup Image