مَلِكٌ بلا مُلك باعتراف بريطاني وعلى أراضٍ برتغالية، يقود نحو 15 مليون مسلم في آسيا. إنه الإمام الـ49 للطائفة المسلمة الإسماعيلية النزارية، كريم آقا خان، المنحدر من جذور إيرانية.
تعود قصة فرقة الإسماعيلية إلى العام 148هـ/765م، حين توفى الإمام جعفر الصادق، الإمام السادس عند الشيعة، وحدث خلاف بين أتباعه، فتبع بعضهم ابنه موسى وأصبحوا شيعة الاثنى عشر إماماً، وتبع البعض الآخر ابنه الأكبر إسماعيل، واعترفوا به إماماً لهم، وعرفوا بالإسماعيليين.
تُعتبر الإسماعيلية الجماعة الشيعية الثانية بعد الاثني عشرية، وتمتد في 25 دولة، معظمهم في آسيا الوسطى وجنوب آسيا وإيران والصين، وشرق إفريقيا (كينيا وزنجبار) وسوريا واليمن، وفي أوروبا والقارة الأميركية. تفاصيل أكثر حول الطائفة تجدونها في تقرير سابق لرصيف22.
بذلك ورث كريم، إمامةَ المسلمين الإسماعيليين، إذ من أهم مسؤولياته، تجاه أتباعه الذين يعتبرونه من أحفاد الرسول محمد، السهر على الجانب الديني لهم وتحسين ظروف عيشهم أينما تواجدوا
ولد الأمير كريم آقا خان الرابع في مدينة جنيف السويسرية سنة 1936، كان جده الآقا خان الثالث قد لعب دوراً كبيراً في استقلال باكستان من الهند. من ثم قطن في بريطانيا ودول أوروبية وحظي باهتمام الأسرة المالكة، لذلك يعترف الملك في إنكلترا بمسمى "سمو الأمير" لزعيم الطائفة الإسماعيلية.
کریم آقا خان في شبابه
درس الأمير كريم بجامعة هارفارد التي حصل منها على شهادة بكالوريوس في تخصص التاريخ الإسلامي. وخلال فترة دراسته بالولايات المتحدة، خلف جده السلطان محمد شاه آقا خان الثالث. وبذلك أصبح في عام 1957، وهو في العشرين من العمر، الإمام آقا خان الرابع.
تولي الإمامة
ذكر الباحث مصطفى غالب في كتاب "تاريخ الدعوة الإسماعيلية": "ولما توفي آقا خان الثالث في سويسرا توجه زعماء الاِسماعيلية من مختلف أنحاء العالم إلى مقر الآقا خان في قصر بركان، حيث حضروا فتح وصيّة الاِمام الراحل التي كانت مودعة في بنك (لويدز) في بريطانيا. واستناداً إلى هذه الوصية فقد تم إعلان إمامة كريم بن علي شاه الحسيني، ولُقّب بآقا خان الرابع".
وشرح المؤرخ في كتابه: "قد خاب أمل علي خان لما فُتحت وصيّة والده والتي تنصُّ على إمامة حفيده كريم بن علي شاه الحسيني، ولا أجد تفسيراً لها إلا بنشوب الخلافات بينهما. ومما جاء في وصيته التي أبطل بها إمامة ابنه :"ونظراً إلى الظروف التي تغيّرت تغيّراً أساسياً في العالم في السنوات الاَخيرة، ومن بينها اكتشاف العلوم الذرية، فإنّي على يقين أنّ مصلحة الطائفة الإسماعيليّة تقتضي أن يخلفني شابٌ نشأ وترعرع في السنوات الأخيرة وسط هذا العصر الحديث، وأن تكون له نظرةٌ جديدة للحياة عند تولّي زعامة الطائفة الاِسماعيليّة، لذلك أختار حفيدي كريم خان، ليكون خليفة لي وزعيماً للطائفة من بعدي".
كان آقا خان الثالث أول رئيس لرابطة عموم مسلمي الهند. وقد عمل على النهوض بالأجندات الإسلامية وحماية حقوق المسلمين في الهند، وتأتي معتقداته بأنه يجب على المسلمين أن يبنوا أولاً عاصمة اجتماعية عن طريق التعليم المتقدم قبل الانضمام للسياسة. وبنى لنفسه علاقات ودية مع البريطانيين، ودشن شركات اقتصادية، كما أصبح أول رئيس عصبة الأمم من 1937 إلى 1938.
بذلك ورث كريم إمامة المسلمين الإسماعيليين، إذ من أهم مسؤولياته تجاه أتباعه الذين يعتبرونه من أحفاد الرسول محمد، السهرَ على الجانب الديني وتحسين ظروف عيشهم أينما وجدوا.
الحياة الشخصية
نمط حياته لا يشبه نمط حياة أي زعيم مسلم آخر، فهو يعيش في القصور كما السلاطين ويهتم بالإنسانية والمعرفة أكثر من الشريعة وأحكامها، ويحاول آقا خان أن يُظهر للعالم وجهاً عقلانياً ومسالماً للإسلام. وهكذا يطالب أتباعه، كما اشتهر، بإمام العصر النووي، تلميحاً إلى ما جاء بوصية جده حول أهمية عصر اكتشاف علوم الذرة.
كريم آقا خان و إليزابيث الثانية ملكة الممكلة المتحدة السابقة
في عام 1969، تزوج عارضة الأزياء البريطانيّة السابقة سارة فرانسيز كروكر بول، التي لقبت بـ"بيجوم ساليما آقا خان". رزقا ثلاثة أطفال، زهراء ورحيم وحسين.
استمر زواجهما 25 سنة، لكنهما انفصلا. وفي عام 1998، تزوج غابرييلا زو لينينجين ولقبت بـ"بيجوم إنارة آقا خان"، حظي الزوجان بولد واحد هو علي محمد آقا خان من مواليد عام 2000. وانتهى هذا الزواج في عام 2014.
جذور إيرانية
تنحدر جذور أئمة الطائفة من إيران، وما زال هناك أتباع لهم في بعض المدن، وأما لقب "آقا خان" ويعني السيد النبيل باللغة الفارسية، فقد أطلقه "فتح علي شاه القاجاري" ثاني ملوك القاجاريين في بداية القرن التاسع عشر، على الإمام "حسن علي شاه" الإمام السادس والأربعين للشيعة الإسماعيلية، ومنذ ذلك الوقت، يُطلق على الإمام الإسماعيلي اسم الآقا خان. ويتمتع بنفوذ ملكي كبير في بلاد فارس، بيد أن علي شاه الآقا خان الثاني ولظروف خاصة هاجر إلى الهند واحتضنه أتباع الإسماعيلية هناك.
وكان الإمام الحالي رياضياً محترفاً، وقد شارك في الأولمبياد الشتوية عام 1964 في النمسا لصالح إيران، كما كان يحظى باحترام خاص لدى الملك محمد رضا شاه، ويلقب في إيران بـ "سمو الأمير".
کریم آقا خان والرئيس الإيراني الأسبق محمد خاتمي
وبعد تأسيس نظام الجمهورية الإسلامية عام 1979، لم تفلح محاولات الآقا خان الرابع في التقرب من النظام الإسلامي بزعامة الولي الفقيه، ولم تمنحه إيران كرسياً لإمام الإسماعيليين في مجمعها لتقريب المذاهب الإسلامية، انطلاقاً من عدم إيمانها بأحقية هذه الطائفة الشيعية. وكان قد التقى الأمير كريم برئيس الجمهورية الإيرانية الأسبق محمد خاتمي على هامش مؤتمر حوار الأديان والحضارات في باريس عام 2005.
ديوان أميري في البرتغال
رغم قصوره الكثيرة في دول أوروبية والهند وباكستان وغيرها، يعيش الآقا خان الرابع في لشبونة عاصمة البرتغال، وفي عام 2019 منحته الدولة الجنسية البرتغالية وأبرمت عقداً مع الإمام الـ49 للإسماعيليين بغية السماح له بإنشاء "الديوان الإمامي الإسماعيلي" الدائم في لشبونة، بعدما أقرّه البرلمان البرتغالي. ويعمل الديوان كبلاط ملكي لشؤون الإمام الإسماعيلي مع علم ملكي خاص، بيد أن أتباعه موزعون في دول آسيا الوسطى.
وتعد هذه الاتفاقية ثاني اتفاقية لحكومة علمانية غربية مع مؤسسة دينية، بعد الكنيسة الرومانية الكاثوليكية.
آقا خان الرابع معروف بفطنته التجاريّة على غرار آقا خان الثالث، وتشمل مقتنياته الخاصة الواسعة الفنادق وشركات الطيران والمصانع والصحف. ويعد واحداً من أغنى عشرة أمراء في العالم، ومن أبرز أعماله القضاء على الفقر العالمي، والترويج والتنفيذ للتعددية العلمانية، والنهوض بوضع المرأة، وتكريم الفن والهندسة الإسلامية.
وورث عن أجداده ثروة هامة، إلا أنها تضاعفت بالأموال التي تأتي من المؤسسات الدولية، ومن زكاة المسلمين الإسماعيليين المدفوعة للإمامة (العشر).
شبكة آقاخان للتنمية
ينشط آقا خان في تنمية بلدان فقيرة مثل آسيا وإفريقيا بواسطة مؤسسة خان للتنمية (AKDN)، وبخلاف المنظمات الأممية، فإن مؤسسة خان تهدف، في بعض الأحيان، إلى تحقيق الربح من أنشطتها.
كريم آقاخان وتشارلز الثالث ملك المملكة المتحدة
تمثل شبكة الآقاخان للتنمية القوة الرئيسية الدافعة للتنمية في المجتمعات الجبلية في آسيا الوسطى، بمجالات التعليم والصحة والتدريب والثقافة والفنون، وقد نمت الشبكة منذ أسّسها محمد شاه الآقاخان الثالث على مدى قرن من الزمان، وهي اليوم أكبر وكالات التنمية الخاصة في العالم.
تعمل المؤسسة في أكثر من 30 بلداً، وهنالك نحو 140 هيئة منفصلة تنتمي للشبكة. وفي المجال التعليمي تدير الشبكة حوالى 300 مدرسة. وهناك أيضاً جامعة الآقاخان في كراتشي الباكستانية وثلاث جامعات في آسيا الوسطى، وبرامج أكاديمية وبحثية لتطوير التعليم في مختلف أنحاء العالم، وفي المجال الصحي تدير الشبكة سلسلة من المستشفيات والعيادات والصيدليات في عدة دول، وفي برامج التنمية العامة تساعد الشبكة في التنظيم الاجتماعي للقرى والتجمعات السكانية، وتطوير الأراضي الزراعية والطاقة الكهربائية، والاستثمار الاجتماعي وتمويل المشروعات الصغيرة والتنمية الريفية.
جوائز الشبكة
وفي مجال الثقافة والفنون تدير الشبكة مجموعة واسعة من مشروعات العمارة والفنون والتطوير المعماري والفني للمدن والحدائق والمباني وترميم المباني والآثار التاريخية، والتعليم المعماري.
من أشهر أقواله: "لم تعد التعددية مجرد أصل أو شرط أساسي للتقدم والتنمية؛ بل إنها أمر حيوي لوجودنا"
وأطلق الإمام الإسماعيلي ضمن شبكة الآقاخان للتنمية ثلاث جوائز عالمية في فئة البيئة والهندسة المعمارية والموسيقى بغية الاهتمام بإنجازات المسلمين في آسيا وأفريقيا.
أقواله المشهورة
يحرص إمام الشيعة الإسماعيلية على اللقاءات مع أتباعه في كل من الهند وباكستان وتاجيكستان ودول أخرى، ويدعوهم بأن يصبحوا مواطنين صالحين في البلدان التي يقيمون فيها، ويؤكد على التعايش السلمي مع الآخرين، وأن يغادروا البلدان التي يواجهون فيها المشاكل والاضطهاد.
ومن أشهر أقواله: "لم تعد التعددية مجرد أصل أو شرط أساسي للتقدم والتنمية؛ بل إنها أمر حيوي لوجودنا"، و"ليس هناك ما هو خاطىء في كون المرء ميسور الحال ما دام المال له قيمة اجتماعية وأخلاقية ولا يعني أن يصبح مالكه جشعاً".
وحول الموسيقي قال الإمام كريم آقا خان: "في كثير من الأحيان لا تلتقي كلمتا "مسلم" و"موسيقى" في المخيلة العامة. أما يجب أن يجلسا معاً فلطالما رحب التراث الثقافي للإسلام بلغة الموسيقى كتعبير عن جوهرة الروحانية البشرية. الاستماع إلى الموسيقى وممارسة الموسيقى ومشاركة الموسيقى وأداء الموسيقى جزء من حياة المجتمعات الإسلامية في أنحاء العالم".
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
HA NA -
منذ يومينمع الأسف
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت بكل المقال والخاتمة أكثر من رائعة.
Eslam Abuelgasim (اسلام ابوالقاسم) -
منذ أسبوعحمدالله على السلامة يا أستاذة
سلامة قلبك ❤️ و سلامة معدتك
و سلامك الداخلي ??
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعمتى سوف تحصل النساء في إيران على حقوقهم ؟!
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعفاشيه دينيه التقدم عندهم هو التمسك بالتخلف
مستخدم مجهول -
منذ أسبوععظيم