"تحدّثنا الكتب أنه كان شيخاً بامتياز، صاحب مكانة ومجد رفيع، وله عقارات وأراضٍ زراعية كثيرة، لكنه إنسان أمّي بالنتيجة. أما اليوم، وبعد نشر مذكراته اليومية، فاتضح للجميع أنه كان أكثر تفهماً وإدراكاً من معظم رجال النظام الملكي، فإدماجه للخصال القبلية والأرستقراطية المدنية جعلته جريئاً وشجاعاً"؛ هذا شرح حول حياة الوزير أسد الله عَلَم، أحد أبرز رجال الشاه محمد رضا بَهْلَوي، وهو من أصول عربية (عرب خُراسان)، كان قد أطلقه رئيس جامعة طهران، ووزير الاقتصاد آنذاك، علي نقي عاليخاني.
وتُعدّ مذكرات أسد الله علم، التي طُبعت في سبع مجلدات، وثائق مهمةً لمعرفة الشاه الإيراني وحقبته، حيث كان عَلَم، الوحيدَ الذي سجل خواطره وذكرياته على مدى عشر سنوات، وأودعها في بنك سويسري.
أصوله
حينما وصل المسلمون إلى إيران، قطن بعضهم برفقة أسرهم في تلك المناطق، لإدارة شؤونها، ومنهم بنو تميم في خراسان، وهو إقليم واسع يقع اليوم في شرق إيران وأفغانستان، وتركمانستان، وطاجيكستان، وأوزبكستان وقيرغيزستان، فأسهم هؤلاء العرب في القضاء على تمرد السكان ضد الخليفة الأموي، ومن ثم العباسي.
بنى علاقاته الودية مع الشاه الشاب محمد رضا بهلوي، الذي تولى الحكم في سنة 1941، فأوكل إلى أسد الله عَلَم، مهام وزارة الزراعة، ثم وزارة العمل، ثم شغل منصب رئيس العقارات الملكية
على مرّ التاريخ، كان بنو تميم ومن التحق بهم من قبائل عربية شتى في ما بعد، يسيطرون على الحكم في خراسان، سيطرةً كاملةً أحياناً، وجزئيةً أحياناً أخرى. وعندما أنشأ الصفويون حكمهم بمعزل عن الدولة العثمانية، بقي عرب خراسان يحكمون تحت لواء الفرس، وبدأت من هنا انتماءاتهم إلى الهوية الفارسية عبر الزمن.
وشرح السير البريطاني بيرسي مولسورث سايكس، في مطلع القرن العشرين، عنهم أكثر قائلاً: "أسرة خزيمة عَلَم، سيطرت على زمام الأمور في قائن ونهبندان حتى هرات (في أفغانستان)، كما وسعوا نفوذهم إلى جنوب إيران، وبعد نهاية الدولة الصفوية في القرن الثامن عشر، حققوا لأنفسهم حكومةً شبه مستقلة".
أمير قائنات
بعد وصول رضا خان إلى سدة الحكم، ليصبح شاه إيران في عام 1925، قضى على حكم المماليك المحروسة في البلاد، فبايعه الحاكم العربي على شرق إيران محمد إبراهيم خان عَلَم، ولقبه "أمير قائنات"، وقائنات مسقط رأسه ومركز حكمه هناك.
وكان إبراهيم خان علم، رجلاً حداثياً ومفتوناً بالأدب والفن الفارسيين، وله علاقات جيدة مع البريطانيين، فأصبح وزيراً للبريد والتلغراف في عهد الشاه رضا بهلوي، كما احتفظ بسطوته على مسقط رأسه التي تُعدّ مركز إنتاج الزعفران.
كان لإبراهيم خان علم ابن یُدعى أسد الله خان، درس الزراعة في كلية كرج في طهران، وتزوج بأمر الشاه من "ملك تاج" ابنة أحد الأعيان، ثم عاد إلى مدينة قائنات، كي يهتم بحقول الزعفران، وأنجب ابنتين؛ رُودَابة ونَاز.
عيّنته الحكومة الإيرانية حاكماً على إقليم سيستان وبلوشستان، لما له ولأسرته من نفوذ في شرق إيران، كما بقي أسد الله خان، متمسكاً بلقب أجداده العرب "أمير قائنات"، برغم نهاية حكمهم عند حلول الشاه رضا خان وتأسيس الدولة الإيرانية الحديثة.
بنى علاقاته الودية مع الشاه الشاب محمد رضا بهلوي، الذي تولى الحكم في سنة 1941، فأوكل إلى أسد الله عَلَم، مهام وزارة الزراعة، ثم وزارة العمل، ثم شغل منصب رئيس العقارات الملكية، فوزع الأراضي بين المزارعين في مدينة جُرجان، وفي ما بعد عدّ الشاه هذه الخطوة، بداية إلغاء قانون الإقطاعية في البلاد.
رئيس وزراء إيران
نفاه رئيس الوزراء محمد مصدق، إلى مسقط رأسه. وبعد الانقلاب العسكري ضد مصدق في سنة 1953، عاد ليتولى وزارة الداخلية، ثم تم تعيينه رئيساً للوزراء عام 1962، بيد أنه لم يمكث في المنصب سوى 20 شهراً، وذلك بسبب الأوضاع السياسية والاجتماعية المتوترة، بما في ذلك مشروع "إصلاح الأراضي" وملكياتها وإلغاء الإقطاعية الذي سبب ضجةً واسعةً في البلاد.
حينها، أصبح أسد الله رئيس جامعة شيراز، بيد أنه سرعان ما استلم منصباً مهماً آخر: وزير الديوان الملكي، فبات أقرب رجال الدولة إلى الشاه على مدى عشر سنوات.
جدد أسد الله عَلَم، نظام الديوان ورفع من مكانته في السياسة الداخلية والخارجية، وأصبح للشاه المستبد ديوان كبير يتدخل في معظم شؤون الدولة.
"يعتقد علم أن أركان الدولة ثلاثة: المذهب الشيعي، واللغة الفارسية، والنظام الملكي".
ومن أبرز أعماله حينما كان وزير الديوان، إقامة حفل اعتلاء العرش الملكي للشاه، وإقامة "احتفالات 2500 عام من الملكية"، وهو مهرجان ضخم وفاخر أقيم تكريماً لمرور ألفين وخمسمئة سنة على تأسيس الإمبراطورية الفارسية (الدولة الإخمينية)، على يد كورش أو قورش الكبير.
وحينما وُجّهت إليه الانتقادات حول البذخ في الحفل بینما الفقر يسود الوطن، رد الأمير عَلَم: "حتى لو لم يكن لدينا ما يكفي لكان على شعب إيران، بيع بطانياته وأفرشته لنقيم هذا الحفل".
وصلت العلاقات في تلك الفترة بين وزير الديوان والملك، إلى درجة كبيرة من الثقة، حتى قيل إنه لم يحظَ رجل من رجال الدولة بعلاقات كبيرة مع الشاه، كما الأمير أسد الله.
واهتم عَلَم بتوثيق خواطره اليومية، إذ كان يرسل أوراقها برفقة مجلات فارسية وفرنسية وإنكليزية إلى بنك سويسري كل عشرة أيام، وعُدّت تقاريره، من أدق الشروح حول تفاصيل الديوان الملكي ومحادثات الملك ويومياته. وكان قد أوصى بألا تُنشر مذكراته إلا بعد وفاته ووفاة الشاه وإسقاط الأسرة الحاكمة، كي لا يمسّ الملك وعائلته بسوء، وبعد مرور عقد على انتصار الثورة الإسلامية في سنة 1979، نشرت أسرته مذكراته في سبع مجلدات.
ملف البحرين وصيد الملك فهد
في المذكرات تفاصيل كثيرة حول نشاط الشاه السياسي والاجتماعي والجنسي حتى، وعن استقلال البحرين عن إيران. كتب الأمير عَلَم: "لا أعرف هل مقابل هذا السخاء، نستلم جزر الطنب وأبو موسى؟ على أي حال لا بد أن نأخذها. حينما كنت في الجنوب حلّقت فوق الجزر. لا يوجد فيها شيء ولكن إذا وقعت بيد العدو سوف تكون مصدر قلق بالنسبة لنا".
كما أردف في يوم آخر: "حاكم رأس الخيمة كان ضيفاً لدى وزير الخارجية، محور البحث يدور حول نقل ملكية جزر الطنب لإيران. طبعاً لم يُحسم الموضوع في هذه الرحلة، لأنه يخشى الغضب العربي تجاه أنه يسلّم الأراضي العربية للإيرانيين. الأمان من وقاحة العرب. إنهم يعدّون الأراضي التي اغتصبتها الإمبراطورية البريطانية من الإيرانيين، ملكهم".
وورد في مذکراته: "وصلنا تلغراف من الأمير فهد، المملكة العربية السعودية، طالباً من جديد صيد طير الحباري (في إيران)، فقال الشاه: اكتب له بتوقيعي، أن هذا (منع الصيد) قانون، والقانون ساري المفعول حتى بالنسبة لي، فكيف أسمح بصيد هذا الطائر وهو محظور؟".
وعن المرجعية الشيعية ومكانتها لدى الشاه: "وصل خبر وفاة آية الله حكيم الطباطبائي، وهو مرجع شيعة العراق وجزء من إيران، فناقشنا كيفية تعاطف الشاه مع الحدث لأكثر من عشر مرات؛ هل نعلن الحداد؟ وهل سيشارك الملك في مجلس التأبين؟ جرى الروتين على هذا المنوال؛ أي عالم يتلقى برقية تعزية الشاه، سيصبح المرجع القادم. أمر الشاه أن نوجه رسالة العزاء إلى الحاج السيد كاظم شريعتمداري في مدينة قم... وبعد محادثات أقنعته بأن يوجه رسالةً إلى (السيد أحمد) خوانساري كذلك".
تجلى في أسد الله علم الانتماءُ القومي الفارسي، والاهتمام النادر بهويته العربية والسكان العرب في خراسان أكثر من آبائه، ويعود ذلك لأسباب عدة أهمها ابتعاده عن مسقط رأسه ودخوله الديوانَ الملكي
وحول اهتمامه بالعِلم، جاء في مذكراته: "أوصيت جزءاً من وصيتي لابنتي رُودَابه، أهمها تربية أساتذة في شتى العلوم، لصالح منطقة بيرجند (جنوب خراسان)، وسيستان وبلوشستان، وقلت لها لا بد أن يتم تخصيص 400 ألف دولار من ثروتي لهذا الأمر"، فأودعت عائلته بعد وفاته المبلغ في بنك إيراني وأنفقت أرباحه في تقديم منح جامعية خارج البلاد للجامعيين من تلك المنطقة، ولكن بعد انتصار الثورة تمت مصادرة المبلغ.
"يا أحمق أترتدي الزي العربي؟"
تجلى في أسد الله علم، الانتماء القومي الفارسي، وقلة الاهتمام بهويته العربية والسكان العرب في خراسان أكثر من آبائه، ويعود ذلك لأسباب عدة أهمها ابتعاده عن مسقط رأسه ودخوله الديوان الملكي والحياة البرجوازية في العاصمة طهران، وعلاقاته الوطيدة مع الأدباء الإيرانيين والقوميين منهم، وزواجه من امرأة فارسية.
ووصل به الحال أن قال في حق رئيس جهاز الاستخبارات تيمور بختيار، الذي نُفي من البلاد بسبب خلافاته مع الشاه: "أصبح بختيار المستشار الخاص لرئيس جمهورية العراق (أحمد حسن) البكر، وقطن قصراً إلى جانب قصر الرئيس. تباً له إنه يرتدي الزي العربي، أقسم بالله إن طردني الشاه من البلد وأصدر حكم إعدامي فلن أغادر وطني... يا أحمق إن أردت أن تفعل شيئاً فافعله ولكن كن إيرانياً حراً، فلماذا ترتدي الزي العربي وتتجنس بالجنسية العربية؟".
ابتُلي وزير الديوان بسرطان الدم، وحينما كان يتعافى في فرنسا، اتصل به الشاه وطلب منه أن يقدّم استقالته من منصبه، ثم توفي في 14 من نيسان/أبريل سنة 1978، فعاد جثمانه من الولايات المتحدة إلى طهران، ودُفن في مقبرة مرقد الإمام علي بن موسى الرضا في مدينة مشهد، بالقرب من مسقط رأسه.
"كانت لديه معرفة تامة بالأدب الفارسي، وكان يحتفظ بأشعار الشعراء الإيرانيين الكبار كحافظ الشيرازي، وأبي القاسم فردوسي، ونظامي الكنجوي، كما كان يتقن اللغة العربية... يعتقد علم أن أركان الدولة ثلاثة: المذهب الشيعي، واللغة الفارسية والنظام الملكي"؛ هكذا قال مصحح كتاب مذكرات الأمير عَلَم، علي نقي عاليخاني.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
HA NA -
منذ يومينمع الأسف
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت بكل المقال والخاتمة أكثر من رائعة.
Eslam Abuelgasim (اسلام ابوالقاسم) -
منذ أسبوعحمدالله على السلامة يا أستاذة
سلامة قلبك ❤️ و سلامة معدتك
و سلامك الداخلي ??
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعمتى سوف تحصل النساء في إيران على حقوقهم ؟!
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعفاشيه دينيه التقدم عندهم هو التمسك بالتخلف
مستخدم مجهول -
منذ أسبوععظيم