شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

ضمّ/ ي صوتك إلينا!
إنجاح التكيّف: تقرير دولي يدعو إلى التصدي لتغير المناخ في سوريا والعراق واليمن

إنجاح التكيّف: تقرير دولي يدعو إلى التصدي لتغير المناخ في سوريا والعراق واليمن

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

من ارتفاع درجات الحرارة وندرة إمدادات المياه والجفاف والأمطار الغزيرة، كآثار مباشرة للتغيرات المناخية، وصولاً لنزاعات مدمرة أثرت على الموارد الطبيعية وعطّلت قدرة الجهات الفاعلة على التصدي لتلك التغيرات أو التكيف معها، يبدو مشهد الواقع البيئي وتالياً الإنساني في عدد من دول المنطقة العربية، قاتماً للغاية ويحتاج تحركاً عاجلاً لاحتوائه والتعامل معه.

لكن هذا التحرك ما يزال حتى اليوم، وخاصة ضمن أكثر الدول ضعفاً وهشاشة وانعداماً للاستقرار، ضعيفاً جداً، كما أن مستوى تمثيل هذه الدول وهي الأكثر حاجة للتدخلات المناخية والإنسانية، ما يزال دون المطلوب ضمن المناقشات الدولية المتعلقة بالمناخ والنزاعات المسلحة والاحتياجات الإنسانية.

تُفاقم النزاعات المسلحة العواقب الإنسانية الناجمة عن تدهور البيئة وتغير المناخ.

من هذا المنطلق، أصدرت اللجنة الدولية للصليب الأحمر بالشراكة مع الصليب الأحمر النرويجي، تقريراً يحمل عنوان "إنجاح التكيف"، يتناول الواقع البيئي والإنساني في كل من سوريا والعراق واليمن، ويعرض "كيف تُفاقم النزاعات المسلحة العواقب الإنسانية الناجمة عن تدهور البيئة وتغير المناخ"، ويوضح أن "العمل المناخيّ لا يزال محدوداً في المناطق المتأثرة بالنزاع المسلح، وأن التمويل حالياً يكاد يستبعد بالكامل أكثر المناطق هشاشة وغير المستقرة"، ما يستدعي عملاً عاجلاً عبر مختلف القطاعات لوضع أسس مستدامة لعمل مناخي عادل طويل الأجل.

حول هذا الإصدار، تشير المتحدثة باسم اللجنة الدولية للصليب الأحمر في سوريا، سهير زقوت، في تصريح لرصيف22، إلى أن "اللجنة الدولية للصليب الأحمر أرادت بالتعاون مع الصليب الأحمر النرويجي وبدعم تقني من مركز المناخ التابع للهلال والصليب الأحمر، تسليط الضوء على الحاجة الماسة للبدء في دعم برامج التكيّف وضمها إلى مبادرات التمويل وآلياته، للتصدي للآثار المضاعفة لتغير المناخ وتدهور البيئة والنزاعات في الشرق الأدنى والأوسط، وتحديداً ضمن ثلاثة بلدان هي سوريا والعراق واليمن".

وعن آلية العمل توضح بأن التقرير استعان بخبرات باحثين ومؤلفين، واستند إلى مؤلفات أكاديمية وغير أكاديمية مثل مؤلفات وتقارير صادرة عن الأمم المتحدة وغيرها من منظمات غير حكومية، وكذلك البيانات البيئية والمناخية المتاحة للجمهور، إلى جانب التعاون مع فرق اللجنة الدولية العاملة على الأرض في البلدان التي شملها التقرير، والمنظمات المحلية الشريكة لها.

وتضيف: "جميعنا يعرف آثار النزاعات على المجتمعات المتأثرة بها، وكلنا يرى ويدرك التغير المناخي. ما يغيب في الكثير من الأحيان عن أذهان العامة وصناع القرار هو العواقب الإنسانية الوخيمة التي يتعين على المدنيين المنهكين بفعل النزاعات التعامل معها، في ظل شح تمويل العمل الإنساني للاستجابة للاحتياجات الطارئة والمزمنة، إلى جانب إغفال هذه المجتمعات من تمويل البرامج التي يمكن أن تعينها على التكيّف مع آثار التغير المناخي".

تحديات جمة

تعتبر البلدان الثلاثة التي اختار التقرير تسليط الضوء عليها من أكثر البلدان حول العالم تأثراً بفعل تدهور البيئة وتغير المناخ، إلى جانب النزاعات طويلة الأمد والتي فاقمت من خطورة الواقع الإنساني والبيئي فيها، ولكل ذلك تداعيات نراها واضحة على مختلف القطاعات وعلى رأسها الزراعة والاقتصاد والأمن الغذائي وغيرها.

فالعراق اليوم يعتبر خامس أكثر البلدان في العالم ضعفاً تجاه آثار التغير المناخي، وفق ما تشير إليه تقارير أممية، ومن أكثر هذه الآثار وضوحاً الجفاف الطويل الأمد والعواصف الرملية المتكررة وتدهور الأراضي الزراعية وارتفاع درجات الحرارة وانتشار الأمراض والتلوث. هذا الوضع دفع مكتب إعلام اللجنة الدولية للصليب الأحمر في بغداد وفي تصريح لرصيف22، لوصف العراق على أنه "عبارة عن تحدٍ بحد ذاته، ومع افتقار البلد أي مقومات وانعدام الدعم يبدو التكيف مستحيلاً، فكل ما سبق من ظواهر هي أمور لا يمكن أن يتكيف معها أي إنسان".

تعتبر البلدان الثلاثة التي اختار التقرير تسليط الضوء عليها من أكثر البلدان تأثراً بفعل تدهور البيئة وتغير المناخ، إلى جانب النزاعات طويلة الأمد والتي فاقمت من خطورة الواقع الإنساني والبيئي، ولكل ذلك تداعيات على مختلف القطاعات وعلى رأسها الزراعة والاقتصاد والأمن الغذائي وغيرها

وفي سوريا، التي تعاني بدورها من ارتفاع درجات الحرارة وندرة الموارد المائية وفقدان الأشجار والتلوث وغيرها من الظواهر، خلص التقرير إلى تحديات أساسية وفق ما تشير المتحدثة باسم اللجنة الدولية سهير زقوت، وهي: فقدان المؤسسات القدرات والموارد والمعارف التنظيمية، وانقطاعها عن الجهود الدولية، وتوجيه الأولويات للاستجابة للآثار المترتبة على طول النزاع، وعدم قدرتها على الاستعانة بمنظمات المجتمع المدني والقطاع الخاص.

ويتمثل التحدي الثاني في الأضرار التي لحقت بالبيئة والبنية التحتية، كنتيجة مباشرة للنزاع، أو نتيجة لآليات التعايش الضارة، الأمر الذي يقوض سبل العيش والنظام البيئي التي تستند إليها المجتمعات الصحية. أما التحدي الثالث فهو في التأثير الضار على الأمن البشري، ويرجع ذلك إلى الأضرار التي تلحق بنظم كسب العيش أو البنية التحتية والنظم البيئية التي تستند اليها.

وهنا تشير زقوت إلى أن "أزمة المناخ تأتي لتضيف طبقة جديدة من التحديات وتفاقم أزمات موجودة بالفعل، إذ أثقل أكثر من عقد من النزاع في سوريا كاهل الناس وأثّر على مناحي الحياة كافة، من الحصول على الرعاية الصحية الكافية والوصول للخدمات الرئيسة وضعف البنية التحتية، بالإضافة إلى الأزمات المتتابعة أثناء هذه السنوات مثل جائحة كوفيد والكوليرا".

وفي اليمن لا يختلف الوضع المأسوي كثيراً، إذ نرى أيضاً مؤشرات خطيرة على تدهور الوضع البيئي والتأثر بالتغيرات المناخية، ومنها ارتفاع درجات الحرارة والفيضانات وعدم انتظام سقوط الأمطار والإجهاد المائي والتلوث وانتشار الأمراض، وهي عوامل تؤثر على جودة الحياة والأمن الغذائي والاقتصادي وغيرها من القطاعات بشكل واضح.

ضرورة العمل المشترك

وسط كل هذه التحديات وضعف البلدان المذكورة بمواجهتها والقدرة على التعامل معها، يدعو تقرير "إنجاح التكيف" إلى بذل المزيد من الجهد والعمل بطريقة تكاملية بين مختلف الجهات الفاعلة لتعزيز العمل المناخي، من خلال تسهيل إمكانية حصول البلدان والمجتمعات المتضررة من النزاعات على التمويل اللازم للتكيف مع تغير المناخ، والاستثمار في برامج التكيف التي تلبي الاحتياجات في جميع القطاعات، وتقديم الدعم للنازحين والأشخاص المعرضين للنزوح، ودعم التكيف الذي تقوده أطراف محلية والمصمم ليناسب البيئات المتضررة من النزاعات، والتعاون بين القطاعات لتعزيز القدرة على التكيف لدى الأفراد والمجتمعات.

وضمن هذا السياق، تشير زقوت إلى أن "الحكومات في البلدان المتضررة من النزاعات بما فيها سوريا، يصعب عليها الاستفادة من التمويل المقدم من أطراف متعددة، وغالباً ما تكون آليات التمويل غير مستعدة للتعامل مع المخاطر التي تنفرد بها البيئات المتضررة من النزاعات، ولذلك لا تتلقى البلدان الهشة تمويل التكيّف الكافي. وهنا يتعين على الجهات الفاعلة في العمل الإنساني والبيئي والإنمائي والحكومات أن تعمل معاً للمساعدة في تحقيق الاستدامة طويلة الأجل وتعزيز قدرة المجتمعات على الصمود".

الحكومات في البلدان المتضررة من النزاعات، يصعب عليها الاستفادة من التمويل المقدم من أطراف متعددة، وغالباً ما تكون آليات التمويل غير مستعدة للتعامل مع المخاطر التي تنفرد بها البيئات المتضررة من النزاعات، ولذلك لا تتلقى البلدان الهشة تمويل التكيّف الكافي

وتطرح مثالاً يبين أهمية أن تقود الأطراف المحلية أي دعم يستهدف التكيف، كونها على دراية بخصوصية البيئات التي تعمل ضمنها: "تعتبر تربية النحل من الأنشطة المدرة للدخل لعدد كبير من العائلات في محافظة طرطوس السورية، لكن العائلات واجهت تحديات بسبب تدهور البيئة والظروف الاقتصادية، وطلب النحالون من اللجنة الدولية دعمهم في تعزيز عملهم. من خلال زيارات ميدانية واجتماعات مع ممثلي وحدات الإرشاد الزراعي والخبراء، جرى الاتفاق على النهج الأنسب وهو زيادة معدل التلقيح، وحصل النحالون الذين يملكون أقل من 15 خلية على ست خلايا إضافية والأدوات اللازمة لرعايتها، مما أدى الى تقليل تكاليف الإنتاج".

أما عن العوائق التي يمكن أن تحول دون هذا العمل المشترك وزيادة مستوى الدعم، فهي تكمن كما تقول زقوت "في الظروف المتغيرة وغير المستقرة التي لا يمكن التنبؤ بها في كثير الأحيان، ونقص البيانات والأدلة التي يسترشد بها التكيف، بالإضافة لمعوقات علمية وقانونية ومؤسسية تعترض تلبية احتياجات السكان النازحين، رغم أنهم معرضون أكثر من غيرهم للصدمات والضغوط المرتبطة بالمناخ. ولا ننسى التآكل التدريجي لقدرة الناس على التكيف والصمود نتيجة الأزمات المتكررة".

ويضيف المكتب الإعلامي للجنة الدولية في بغداد ضمن نفس السياق، حول "ضرورة القضاء على الفساد وهي الآفة التي يعاني منها العراق منذ عام 2003، كخطوة أولى نحو زيادة إشراكه في مشاريع مكافحة التغير المناخي، فالفرص متاحة عبر الدعم الدولي لكن الفساد يقف حائلاً أمام استمرار تلك المشاريع، ومن الحلول المطروحة إشراك منظمات دولية مثل منظمة الأمم المتحدة للبيئة كوسيط ومراقب لأي دعم يقدم للعراق بهذا الصدد، لا سيما أن الفساد لم يعد مقتصراً على الحكومة بل وصل حتى إلى المنظمات المحلية ذات الصلة".

ولا يخفي المتحدثون باسم مكاتب اللجنة الدولية مخاوفهم من النتائج التي قد تترتب على عدم التعامل مع التحديات السابق ذكرها. تقول زقوت: "في ظل غياب الدعم المقدم للتكيّف، تستمر آثار تغير المناخ على المجتمعات المتضررة أصلاً في التفاقم، الأمر الذي يؤدي الى زيادة الاحتياجات الإنسانية، كما أن هناك خطراً محدقاً متمثلاً في لجوء المجتمعات إلى طرق ووسائل تكيف غير ملائمة، مما يفاقم من المعضلة ويسهم دون قصد في سوء التكيف. من هنا نهيب كلجنة دولية بالدول والمنظمات والمانحين بألا يتم إغفال هذه البلدان من الحصول على التمويل اللازم لتحقيق التكيّف المناخي المطلوب".

الصور من تقرير "إنجاح التكيف"


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

WhatsApp Channel WhatsApp Channel

ما أحوجنا اليوم إلى الثقافة البيئية

نفخر بكوننا من المؤسّسات العربية القليلة الرائدة في ﻣﻴﺪﺍﻥ ﺇﺫﻛﺎﺀ ﺍﻟﻮﻋﻲ البيئيّ. وبالرغم من البلادة التي قد تُشعرنا فيها القضايا المناخيّة، لكنّنا في رصيف22 مصرّون على التحدث عنها. فنحن ببساطةٍ نطمح إلى غدٍ أفضل. فلا مستقبل لنا ولمنطقتنا العربية إذا اجتاحها كابوس الأرض اليباب، وصارت جدباء لا ماء فيها ولا خضرة.

Website by WhiteBeard
Popup Image