مثل غلاف مميز لإحدى الروايات، يعود القارئ لتأمّله بعد أن ينتهي من القراءة، عبّر الأفيش الرئيسي لمسلسل "تحت الوصاية" (محمد شاكر خضير 2023) عن قصة العمل بإيجاز وعذوبة: طفلان نائمان من التعب الواضح، والأم التي تحمل الرضيعة ويستند إلى ظهرها الطفل الأكبر، تحدق بأعين مفتوحة نحو المجهول، على خلفية من البحر والأفق المفتوح.
إذا كان على التقييم أن يجمع بين الإشادة النقدية والانتشار الجماهيري، فإن المسلسل الذي لعبت بطولته منى زكي، قد تبوّأ مقدمة أعمال الدراما الرمضانية بجدارة، بانتشار جيد للغاية في مصر وعلى امتداد العالم العربي، وإعجاب نقدي بالغ، واهتمام اجتماعي وبرلماني بقضية الوصاية على أموال القصّر، والأهم؛ التميز الواضح لعناصر الإخراج جميعها، وفي مقدمتها أداء الممثلين.
لا يمكن تجاهل أن قدراً واسعاً من الإحباط والشعور الجماهيري بأن "نكداً" بالغاً هيمن على نهاية مسلسل "تحت الوصاية"، وقسوة درامية شهدتها حلقته الأخيرة، التي تكاد تعلن انتصار الشر
مع ما سبق، لا يمكن تجاهل أن قدراً واسعاً من الإحباط والشعور الجماهيري بأن ثمة "نكد" بالغ هيمن على نهاية المسلسل، وقسوة درامية شهدتها حلقته الأخيرة، التي تكاد تعلن انتصار الشر، متمثلاً في الهجوم الغوغائي الذي حرّضه المنافسون التجاريون في الميناء، والذي أدى إلى احتراق المركب الذي لم يكن هو كل ثروة الأبناء فقط، بل كان معادلاً لحلم الأرملة حنان، ورمزاً لكفاحها من أجل أسرتها، ولا يكتفي السيناريو بذلك فحسب، بل يزج حنان نفسها في السجن، ليفقدها طفلاها بعد أن فقدا الأب بالوفاة التي تسببت في بدء المأساة برمتها.
إنها نهاية تثير بلا شك مشاعر الحزن، بل الحزن الشديد، خصوصاً أنها تضع أحداثاً أخرى موضع التساؤل، مثل مقتل "عم ربيع" الذي قدمه السيناريو كشخصية راعية، وأب بديل لحنان. باحتراق المركب والنهاية المأساوية، يصبح موت عم ربيع بلا معنى تقريباً، تضحية بلا ثمن، اللهم إلا إذا تمسّكنا بالأمل، متخيلين أن تضحيته تلك، أو وجوده المحوري في تجربة حنان، سيكون له الأثر على شخصيتها في المستقبل المتخيل بعد نهاية الأحداث!
لم يستطع بعض المشاهدين ألا يلاحظوا أن النهايات غير السعيدة هي من سمات "آل دياب"، في إشارة إلى "خالد وشيرين دياب" مؤلفي المسلسل، وكذلك شقيقهما الأكثر شهرة، المخرج محمد دياب، صاحب أفلام "اشتباك" و"678" و"أميرة"، ومؤلف "الجزيرة" و"ألف مبروك" وأفلام أخرى.
بينما رأى آخرون أن النهايات الحزينة هي ديدن الأعمال "الهادفة"، التي تثير قضية أو تناقش مشكلة، فالخوف من تفريغ شحنة التعاطف يدفع المؤلف إلى تجنب النهايات السعيدة. كلا النقطتين، "سمات آل دياب"، و"الفن الهادف"، اجتمعا في تصريح المؤلف خالد دياب بعد نهاية عرض "تحت الوصاية"، كتب على موقع فيسبوك: "بعد انتهاء العرض مش بطلب من الجمهور اللي تابع مسلسل (تحت الوصاية) إنهم يتكلموا عن المسلسل، لأ. بطلب منهم إنهم يكونوا جزء من القضية ويتكلموا عن قانون الوصاية".
إن قانوناً يحرم الأم من الولاية على مال أبنائها، ويعود تشريعه إلى أكثر من سبعين عاماً، هو السبب الرئيسي، لا السيناريو، في النهايات المأساوية في مسلسل "تحت الصواية"
بالطبع كان ثمة انتقادات أخرى أكثر فنية لنهاية العمل، رأت أن الخيوط العديدة المتشابكة قد انتهت بصورة متعجلة، وأن التراجيديا – المبالغ فيها من وجهة النظر هذه – كانت حلاً سهلاً لإنهاء كل تلك المسارات معاً.
لكن نظرة أخرى غير متعجلة أو انفعالية، قد ترى أن النهاية على هذا النحو الحالك، هي الأفضل لعدد من الأسباب، على رأسها الطفلان، فرح (لعب دورها التوأمتان فرح وفريدة) وياسين (الطفل عمر شريف). فوجود الطفلين مع الأم في هذه الرحلة الصعبة، بلا قدرة على استخراج أوراق رسمية لهما، ومن ثم عدم استطاعة تسجيلهما في المدارس، يعني أن هذه الرحلة كان عليها أن تنتهي وأن تنتهي الآن. وقد يكون دخول الأم السجن لمدة سنة واحدة عقاباً قاسياً على رغبتها المشروعة في النجاة بأولادها من تحكم العم والجد، لكنه، في رأي آخرين، أفضل من الهرب الأبدي، بمخاطره الكبيرة، في ظل مطاردة الشرطة وضغوط المجتمع المحافظ.
إذا أضيف إلى ذلك التحوّل الدرامي في شخصية العم، إثر صدمة احتراق المركب، وإدراكه أنه لم يتسبب في ضياع ميراث الطفلين فحسب، بل تسبب كذلك في الطعن في "شرف" أرملة أخيه، ووجود الخالة الحنون، ووفاة الجد، يبدو أن الأحداث سوف تتجه إلى مسار إيجابي في النهاية، كل ما في الأمر أننا كمشاهدين لن نشهدها!
هل كان دخول "حنان" إلى السجن ضرورة رقابية حتمية، لأنها، في نظر القانون الحالي، قد "سرقت" ميراث طفليها وبددته؟ ربما. الأكيد، أن قانوناً كهذا، يحرم الأم من الولاية على مال أبنائها، ويعود تشريعه إلى أكثر من سبعين عاماً، هو السبب الرئيسي، لا السيناريو، في النهايات المأساوية.
انضم/ي إلى المناقشة
jessika valentine -
منذ 5 أيامSo sad that a mom has no say in her children's lives. Your children aren't your own, they are their father's, regardless of what maltreatment he exposed then to. And this is Algeria that is supposed to be better than most Arab countries!
jessika valentine -
منذ 4 اسابيعحتى قبل إنهاء المقال من الواضح أن خطة تركيا هي إقامة دولة داخل دولة لقضم الاولى. بدأوا في الإرث واللغة والثقافة ثم المؤسسات والقرار. هذا موضوع خطير جدا جدا
Samia Allam -
منذ شهرمن لا يعرف وسام لا يعرف معنى الغرابة والأشياء البسيطة جداً، الصدق، الشجاعة، فيها يكمن كل الصدق، كما كانت تقول لي دائماً: "الصدق هو لبّ الشجاعة، ضلك صادقة مع نفسك أهم شي".
العمر الطويل والحرية والسعادة لوسام الطويل وكل وسام في بلادنا
Abdulrahman Mahmoud -
منذ شهراعتقد ان اغلب الرجال والنساء على حد سواء يقولون بأنهم يبحثون عن رجل او امرة عصرية ولكن مع مرور الوقت تتكشف ما احتفظ به العقل الياطن من رواسب فكرية تمنعه من تطبيق ما كان يعتقد انه يريده, واحيانا قليلة يكون ما يقوله حقيقيا عند الارتباط. عن تجربة لم يناسبني الزواج سابقا من امرأة شرقية الطباع
محمد الراوي -
منذ شهرفلسطين قضية كُل إنسان حقيقي، فمن يمارس حياته اليومية دون ان يحمل فلسطين بداخله وينشر الوعي بقضية شعبها، بينما هنالك طفل يموت كل يوم وعائلة تشرد كل ساعة في طرف من اطراف العالم عامة وفي فلسطين خاصة، هذا ليس إنسان حقيقي..
للاسف بسبب تطبيع حكامنا و أدلجة شبيبتنا، اصبحت فلسطين قضية تستفز ضمائرنا فقط في وقت احداث القصف والاقتحام.. واصبحت للشارع العربي قضية ترف لا ضرورة له بسبب المصائب التي اثقلت بلاد العرب بشكل عام، فيقول غالبيتهم “اللهم نفسي”.. في ضل كل هذه الانتهاكات تُسلخ الشرعية من جميع حكام العرب لسكوتهم عن الدم الفلسطيني المسفوك والحرمه المستباحه للأراضي الفلسطينية، في ضل هذه الانتهاكات تسقط شرعية ميثاق الامم المتحدة، وتصبح معاهدات جنيف ارخص من ورق الحمامات، وتكون محكمة لاهاي للجنايات الدولية ترف لا ضرورة لوجوده، الخزي والعار يلطخ انسانيتنا في كل لحضة يموت فيها طفل فلسطيني..
علينا ان نحمل فلسطين كوسام إنسانية على صدورنا و ككلمة حق اخيرة على ألسنتنا، لعل هذا العالم يستعيد وعيه وإنسانيته شيءٍ فشيء، لعل كلماتنا تستفز وجودهم الإنساني!.
وأخيرا اقول، ان توقف شعب فلسطين المقاوم عن النضال و حاشاهم فتلك ليست من شيمهم، سيكون جيش الاحتلال الصهيوني ثاني يوم في عواصمنا العربية، استكمالًا لمشروعه الخسيس. شعب فلسطين يقف وحيدا في وجه عدونا جميعًا..
محمد الراوي -
منذ شهربعيدًا عن كمال خلاف الذي الذي لا استبعد اعتقاله الى جانب ١١٤ الف سجين سياسي مصري في سجون السيسي ونظامه الشمولي القمعي.. ولكن كيف يمكن ان تاخذ بعين الاعتبار رواية سائق سيارة اجرة، انهكته الحياة في الغربة فلم يبق له سوى بعض فيديوهات اليوتيوب و واقع سياسي بائس في بلده ليبني عليها الخيال، على سبيل المثال يا صديقي اخر مره ركبت مع سائق تاكسي في بلدي العراق قال لي السائق بإنه سكرتير في رئاسة الجمهورية وانه يقضي ايام عطلته متجولًا في سيارة التاكسي وذلك بسبب تعوده منذ صغره على العمل!! كادحون بلادنا سرق منهم واقعهم ولم يبق لهم سوى الحلم والخيال يا صديقي!.. على الرغم من ذلك فالقصة مشوقة، ولكن المذهل بها هو كيف يمكن للاشخاص ان يعالجوا إبداعيًا الواقع السياسي البائس بروايات دينية!! هل وصل بنا اليأس الى الفنتازيا بان نكون مختارين؟!.. على العموم ستمر السنين و سيقلع شعب مصر العظيم بارادته الحرة رئيسًا اخر من كرسي الحكم، وسنعرف ان كان سائق سيارة الاجرة المغترب هو المختار!!.