ما إن انتشر "البوستر" الدعائي الرسمي لمسلسل "تحت الوصاية" الذي تُشارك فيه النجمة المصرية منى زكي في الموسم الرمضاني المقبل، حتّى أُثيرت حوله ضجّة واسعة وردود فعل تراوحت بين الغاضبة والمُترقِّبة بسبب شكل الشخصية الرئيسية، وهي سيدة محجبة غير مهندمة المظهر.
ظهرت منى على "البوستر" بوجه شاحب وعابس بلا مكياج، وحاجبين عريضين، وفي ملابس متواضعة تتناسب مع شخصية من الطبقة الكادحة وأم عزباء مثقلة بالمسؤوليات والهموم.
لكن هذا المظهر كان كافياً لأن يتهمها منتقدو العمل الفني، استباقاً وقبل أن يُشاهدوا أي لقطات منه، هي وفريق عمل المسلسل، بـ"الإساءة للمرأة المصرية وخاصةً الدمياطيّة" و"محاولة تشويه الدين والحجاب تحديداً" عبر إظهار المحجبة بمظهر "قبيح"، في رأيهم. في حين رد عليهم آخرون بأنه لا يمكن "الحكم" على العمل قبل مشاهدته.
المنتقدون للعمل استدعوا دور منى زكي في فيلم "أصحاب ولا أعز" العام الماضي، لاتهامها بـ"سوء تمثيل المرأة المصرية"، مذكرين بواقعة "خلع الكيلوت (السروال الداخلي)" ضمن أحد مشاهد العمل، والذي أثار ردود فعل قوية لدى عرضه. في حين تكهّن آخرون بأنها ستقدم دوراً قوياً يجسد ما تعانيه شريحة من النساء المصريات على غرار عملها الرمضاني الأخير "لعبة نيوتن"، لافتين إلى أنها سبق أن جسّدت شخصية الشابة المحجبة في فيلم سهر الليالي بصورة إيجابية.
متهمة بـ"الإساء للمرأة المصرية" و"تشويه المحجبات"... انتقادات واسعة للنجمة منى زكي بسبب ظهورها محجبة في مسلسلها الرمضاني "تحت الوصاية"... ما دخل "أصحاب ولا أعز" في الهجوم عليها؟
ماذا نعرف عن العمل؟
يناقش العمل الذي يقع في 15 حلقة قانون الوصاية على الأطفال بعد وفاة الزوج. يمنح القانون المصري الوصاية المباشرة على الأطفال لوالد الأب المتوفي أو شقيقه الأكبر إذا كان جد الأطفال لوالدهم متوفياً أيضاً. وتأتي الأم في مرتبة متأخرة.
يدور المسلسل حول شخصية "حنان"، وهي سيدة مصرية في منتصف الثلاثين من محافظة دمياط الساحلية، يموت زوجها وتجد نفسها مسؤولة عن طفليها (طفلة رضيعة وطفل بعمر تسع سنوات) اللذين تحاول إثبات حقوقهما داخل أروقة محكمة الأسرة، مع اضطرارها للعمل بغية توفير حياة كريمة لها ولطفليها، في مهنة الصيد التي يندر أن تزاولها النساء.
يعرض المسلسل، وفق ما أوضح القائمون عليه لمواقع إخبارية محلية، الصراعات المتعددة التي تضطر "حنان" إلى خوضها دفاعاً عن حقوقها وحقوق طفليها. أولاً، مع أهل الزوج في ظل قانون أحوال شخصية يقيد سلطة الأم على أطفالها حتّى في حالة وفاة الأب. وثانياً مع بعض "الصيادين" الذين يرفضون أن تعمل في مهنتهم التي يعتقدون أنها ينبغي أن تظل مقتصرة على الذكور، حتّى أنها تظهر بمظهر رجل في بعض الحلقات لتتفادى مضايقاتهم.
المسلسل الاجتماعي من تأليف خالد دياب وشيرين دياب، وإخراج محمد شاكر خضير، وإنتاج ميديا هب - سعدي جوهر. أما البطولة فيتقاسمها مع منى زكي كل من دياب ونهى عابدين وأحمد خالد صالح ورشدي الشامي وآخرين.
الفنانة ريهام عبد الغفور جسّدت حديثاً شخصية الزوجة المحجبة المقهورة التي لا تهتم بمظهرها ويخونها زوجها، بما لا يختلف كثيراً عن دور منى زكي في "تحت الوصاية" وحظيت بإشادة واسعة من الجمهور "لعفويتها وواقعيتها"... هل تتعرض منى زكي لهجوم ممنهج؟
المحجبة في الدراما المصرية
عبر مواقع التواصل الاجتماعي، اتهم كثير من المعلقين منى زكي بـ"تشويه المحجبات"، ورسموا سيناريوهات متخيَّلة لقصة تتمحور حول الحجاب القسري تنتهي بخلعه و"تحرر" البطلة. ودعا بعضهم إلى مقاطعة المسلسل وعدم متابعته. مع اتهام عدد من الفتيات من محافظة دمياط للعمل بتشويه صورتهن وإظهارهن "قبيحات" و"لا يهتممن بنظافتهن الشخصية".
من هؤلاء عربي الذي غرّد ساخراً: "متقولّيش! دي أكيد قصة بنت محجبة أهلها بيضربوها بالنار كل يوم ويا عيني مش عارفة تخرج ولا تاكل ولا تعيش حياتها وطبعاً لازم حواجبها تبقى تقيلة وطبعاً في آخر المسلسل هتقلع الحجاب بقي وتتحرر كده وتجيب آيفون 17... إسلوب رخيص وبشع". وزادت هبة مستنكرةً: "لازم المحجبة تبقى قبيحة والملتحي حرامي وفيه كل العبر".
وكشف الكثير من التعليقات المنتقدة عن حالة من الترصد لمنى زكي تحديداً بسبب "أصحاب ولا أعز". كتب أحدهم من حساب يُدعى "مصري": "وبعد ما حكيت لكم حكاية كيلوت منى زكي، هحكيلكم حكاية حواجبها اللي واصلة لقفاها".
وعلّق حساب آخر باسم مستعار: "كانت في آخر ظهور لها تخلع آخر قطعة ملابس تغطي موضع عفتها ثم عادت للظهور محجبة لا لتتوب وتدعوا للحجاب بل لتشوه الحجاب". وقال محمد شوقي إن "رسالة منى زكي الفنية: خلع الأندر حرية وتقدم، ولبس الحجاب قهر وتخلّف".
دفع هذا البعض للقول إن هناك هجوماً ممنهجاً ضد منى زكي، بالإشارة إلى "بوستر" مسلسل رمضاني آخر للفنانة ريهام عبد الغفور من مسلسل "رشيد" حيث تظهر بصورتين إحداهما بالحجاب والأخرى بدون حجاب. تساءل أحمد: "إشمعنى أفيش ريهام عبد الغفور متهاجمش مع أنه واضح من الأفيش أنها كانت محجبة وحتقلع الحجاب في المسلسل…. الهجوم اللى على منى زكي من بس حواجبها!؟".
على الجانب الآخر، اعتبر معلقون أن إبداء الآراء في العمل قبل عرضه أمر غير منطقي. تداولت شيماء صورة من العمل، وعلّقت عليها: "الناس بيقولوا مني زكي هتشوه المحجبات وتطلعهم مش مهتمين بنفسهم. أنا ضد الحكم عالعمل قبل ما يطلع، بس اللي قريته أن المسلسل عن قصة كفاح لست بسيطة والقصة حقيقية أصلاً. بعيداً بقى عن البوستر، ده شكل مني زكي في المسلسل، بأمانة بتشوف كام ست ‘عظيمة‘ زي دي حواليك في الشارع كل يوم؟".
واعتبرت إيمي: "طب ما ديه يا جماعة وشوش المحجبات في الشوارع. هما صناع المسلسل جايبين حاجة من بيت أبوهم ما من الواقع!". وكتبت تمر حنة: "معترضين على مسلسل منى زكي عشان طالعة وحشة بالحجاب طيب مهو فكرة الحجاب في الدين عشان الست تداري جمالها حتى لا تثير الفتن... طبيعي اي ست من غير حجاب أحلى من اللي بالحجاب مية مرة، فين المشكلة؟".
"الهجوم اللى على منى زكي من بس حواجبها!؟".
وسألت سارة: "اللي بيهاجمو #منى_زكي ليه ما دوروش في غوغل على قصة المسلسل بدل ما يألفوا سيناريوهات ويصدقوها ويهاجموها؟ منى زكي بتعمل شخصية مستوحاة من الحاجة صيصة اللي اضطرت تشتغل مع الرجال عشان تصرف على أولادها واتخلت عن أنوثتها. أمال لو كانت عملت نفس شكلها بالظبط كنتوا عملتوا إيه؟".
و"الحاجة صيصة" هي سيدة من محافظة الأقصر الجنوبية تخفّت في ملابس الرجال أكثر من 40 عاماً، بعد وفاة زوجها، لتتمكن من إعالة نفسها وأسرتها عبر التدرج بين مهن عديدة تُشتهر بأنها حكراً على الرجال مثل نقل الطوب ومستلزمات البناء، ومسح الأحذية، والزراعة ونقل البضائع وغيرها.
وأعرب حساب باسم "خائفة من شيء ما" عن الدهشة، بقوله: "بتقعدوا تقولوا الحجاب مش بيظهر في التلفزيون ليه، أنتو مبتصوروش المجتمع بتاعنا صح ليه، وبعدين أول ما منى زكي تطلع محجبة تقولوا هتطلعوها مقهورة وبتقلع الحجاب ليه أنتو بتحاربوا الدين"، مستطردةً بأن هذا "عشان هو ده المجتمع بتاعنا".
وبوجه عام، زاد تمثيل المحجبات في الأعمال الفنية المصرية في الآونة الأخيرة، وتنوعت تمثيلهن تبعاً لتنوع سخصياتهن في الواقع. ففي مسلسل "عايزة أتجوز"، ظهرت أم البطلة - سهير - محجبة وشخصية مرحة. وظهرت عدة شخصيات نسائية بالحجاب في مسلسلي "سابع جار" و"بيت العيلة" اللذين حققا نجاحاً كبيراً أخيراً، ولم ينتقد الجمهور أياً منها.
اللافت أن الفنانة ريهام عبد الغفور جسّدت حديثاً شخصية الزوجة المحجبة المقهورة التي لاتهتم بمظهرها ويخونها زوجها، وبمظهر لا يختلف كثيراً عن الذي ظهرت به منى زكي في "تحت الوصاية" وحظيت بإشادة واسعة من الجمهور على "عفويتها وواقعيتها". كان ذلك في قصة "ربع قيراط" ضمن سلسلة "إلا أنا" الدرامية التي تناقش مواضيع اجتماعية واقعية.
وجسّدت منى زكي شخصية الشابة المحجبة "المودرن" والثريّة في فيلم "سهر الليالي". كذلك، هند صبري كانت الصديقة "الجدعة" المحجبة للبطلة- يسرية - في فيلم "أحلى الأوقات".تُشير هذه النماذج وغيرها إلى عدم وجود "تشويه ممنهج" للمحجبات والحجاب في الدراما المصرية، وإنما فرضت "الضرورة الدرامية" هذا المظهر الذي ظهرت به منى زكي وأثار حفيظة البعض.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 5 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...