طلباً للمعلومات والموارد والإحالات، وبحثاً عن أشخاص مأمونين للحديث معهم/ن، وسعياً وراء حرية اختيار كيف يشيعون/يعشن في أجسادهم/ن، وأملاً في الأمان من العنف في العلاقات الحميمة وفي المنزل والشارع، ورغبةً في حقوق مدنية متساوية وخدمات صحية عالية الجودة بأسعار معقولة يتصّل عشرات الأفراد شهرياً بالخط الساخن للجنسانية التابع لمشروع الألف في لبنان.
مشروع الألف هو منظمة غير حكومية وغير هادفة للربح مقرها بيروت تُعنى بقضايا الجنسانية والصحة والحقوق الجنسية والإنجابية، بشكل أساسي للنساء الممتثلات للجندر والعابرات جنسياً والرجال العابرين والأشخاص ذوي الجندر غير النمطي.
بالنظر إلى قلة بيانات الصحة الجنسية والإنجابية في لبنان، يُصدر الخط الساخن للجنسانية من مشروع الألف تقريراً سنوياً يتضمن تحليلاً لأبرز ما جاء في المكالمات بهدف "تقديم صورة شاملة مقطعية عما يعاني منه الناس، وسد بعض الفجوات في الكتابات والمؤلفات العلمية" ذات الصلة. علماً أن الخط الساخن للجنسانية تأسس في تشرين الثاني/ نوفمبر 2016 لغرض تقديم الدعم والإرشاد والمعلومات والإحالات للأشخاص المعنيين/ات.
ويطبق التقرير الرابع الصادر في 50 صفحة إطار العدالة الإنجابية على البيانات التي تم جمعها من الخط الساخن للجنسانية التابع لمشروع الألف في العام 2020، 406 مكالمة، بما يُسلّط الضوء على "الطبيعة السياسية" للاستقلالية الجسدية والسلامة والوصول إلى خدمات صحية وأدوية بأسعار معقولة أو مجانية.
وذلك عبر قسمين رئيسيين، أولاً النتائج الكمية والنوعية المرتبطة بالمعلومات الديموغرافية (العمر والجندر ومكان السكن والجنسيّة) وكيفية التواصل مع الخط الساخن والموضوعات المطروحة. وثانياً التفاصيل أو النقاشات التي تمت مشاركتها عبر الخط الساخن مع عرضها من منظور العدالة الإنجابية.
"المعاناة التي نواجهها في لبنان معقدة ومترابطة… إطار العدالة الإنجابية أحد خطوات البداية لتفكيك ومقاومة الأنظمة المختلفة التي تضطهدنا". كيف؟
يُشار إلى أن التقرير يصنّف قصص المتصلين/ات ضمن أربعة موضوعات وهي: الجسد والمنزل والأرض والعيادة، ويشرح مع التحليل أثر الهياكل القمعية.
وعن الرابط بين مسائل الجسد والمنزل والأرض والعيادة وأطر العدالة الجنسية، يشرح التقرير: "غالباً ما يتم عزل موضوعات الجنسانية والصحة الإنجابية عن الخطاب السياسي العام ويتم التعامل معها على أنها قضايا ثانوية أو يتم تجاهلها تماماً". ثم يستدرك: "يساعدنا تطبيق إطار العدالة الإنجابية على تحطيم مزايا القمع الهيكلي، بما في ذلك العنصرية والتمييز الجنسي والطبقية والطائفية، لمساعدتنا على محاربة الأعراف التقليدية القمعية التي تجرم وتقيد نجاة المجتمعات المضطهدة واستمراريتها".
عن العدالة الإنجابية
والعدالة الإنجابية هي إطار تم تطويره من قبل النساء ذوات البشرة الملونة في الولايات المتحدة الأمريكية كشكل من أشكال الرفض للنهج الاختزالي المؤيّد لحق الاختيار الذي اعتُمِدَ خلال المؤتمر الدولي للسكان والتنمية عام 1994. في إطار هذا النهج، لم يكن العديد من النساء ذوات البشرة السوداء قادرات على دعم أسرهن وإعالتها، علاوة على تعرضهن تاريخياً للتعقيم القسري والإجهاض والتبني.
في المقابل، يسعى إطار العدالة الإنجابية إلى فضح القمع الإنجابي ومحاربة القوى الهيكلية التي تحد من استقلاليتنا ووصولنا إلى الصحة الجنسية والإنجابية. وكانت مجموعة "سيستر سونغ" النسائية أولى التشكيلات التي عالجت قضايا العدالة الإنجابية.
حدّدت "سيستر سونغ" مفهوم العدالة الإنجابية بدايةً بـ"حق الإنسان في الحفاظ على استقلاله الجسدي، سواءً بإنجاب الأطفال، أو عدم الإنجاب، وتربية أطفاله داخل مجتمعات آمنة ومستدامة". لكنه تطور بمرور الوقت وبات أكثر شمولاً وتكاملاً كمفهوم حقوقي رئيسي حالياً.
على سبيل المثال، ترفض العدالة الجندرية الفكرة القائلة إن قيمة النساء تكمن في قدرتهن على أن يكن فتيات وزوجات وأمهات "جيدات"، وتُصر بدلاً من ذلك على أن قيمة المرأة ليست موضع نقاش.
"غالباً ما يتم عزل موضوعات الجنسانية والصحة الإنجابية عن الخطاب السياسي العام ويتم التعامل معها على أنها قضايا ثانوية أو يتم تجاهلها تماماً… يساعدنا تطبيق إطار العدالة الإنجابية على تحطيم مزايا القمع الهيكلي لمساعدتنا على محاربة الأعراف التقليدية القمعية"
كذلك، النساء ممتثلات الجندر والعابرات جنسياً والرجال العابرون جنسياً والأشخاص ذوي الجندر غير النمطي أحرار في استخدام أجسادهن/م بالطريقة التي يختارونها دون أن يتعرضن/وا للوم. بما في ذلك اختيار الامتناع عن ممارسة الجنس أو اختيار ممارسته، أو إنجاب الأطفال من عدمه. علماً أن إطار العدالة الإنجابية يوضح مدى تأثر هذه القرارات أو تحديدها بالتوقعات الاجتماعية.
يُصر التقرير الرابع للخط الساخن للجنسانية على أن "المعاناة التي نواجهها في لبنان معقدة ومترابطة" وأن "إطار العدالة الإنجابية أحد خطوات البداية لتفكيك ومقاومة الأنظمة المختلفة التي تضطهدنا".
نتائج لافتة
مع العلم أن كل مكالمة هي حالة خاصة لا تُشبه غيرها، وأنه لا يتسنى دائماً الحصول على البيانات الديموغرافية للمتصلين، شكّلت النساء الممتثلات للجندر النسبة الغالبة من المتصلين/ات بالخط الساخن للجنسانية التابع لمشروع الألف بواقع 232 متصلة (نحو 66%) من إجمالي 350 متصل/ة وافق/ت على تحديد النوع الاجتماعي. شكّل الرجال الممتثلون للجندر 20.5% من المكالمات، تلاهم الرجال العابرون بنسبة 6%.
عقّب التقرير على هذه النسب بأنه "تُضطر النساء الممتثلات للجندر والعابرات والرجال العابرون والأشخاص ذوو الجندر غير النمطي إلى البحث عن منصات بديلة توفر مساحة لاستكشاف الجنسانية والصحة الجنسية والإنجابية ومناقشتها بحرية من دون تحيز للمعايير الأبوية".
ومن أصل 345 مكالمة سجّلت عمر المتصل/ة، ظهر أن أكثر من ثلاثة أرباع المتصلين/ات (نحو 88%) تقل أعمارهم/ن عن 30 عاماً. يفسر التقرير ذلك بأنه "كلما كنت أصغر سناً، كلما كان لديك استقلالية وخصوصية ودعم وثقة أقل عند الحديث عن الجنسانية" بالتالي يكون البحث عن مصادر مثل الخط الساخر للجنسانية "للحصول على المعلومات والتحدث مع شخص ما لاستكشاف موضوعات الجنسانية والصحة الجنسية".
من بين 331 مكالمة حددت جنسية المتصل/ة، كان 77.5 من حملة الجنسية اللبنانية مقابل 3.5% من حملة الجنسية السورية و2.5% من حملة الجنسية المصرية و2% من حملة الجنسيات (البحرينية والإثيوبية والعراقية والسعودية) و1% من حملة الجنسية الفلسطينية. علماً أن 67% من المتصلين غير اللبنانيين تواصلوا مع الخط من داخل لبنان.
وينبه التقرير إلى أن الجنسية تلعب دوراً في التحيز الجندري في لبنان. على سبيل المثال، المرأة اللبنانية غير قادرة على ممارسة الحقوق المدنية والسياسية نفسها مثل نظرائها الذكور، ما يجعلها "مواطنة من الدرجة الثانية" في بلدها. أما اللاجئات الفلسطينيات والسوريات والعاملات المهاجرات، فيُحرَمن من الوصول إلى الكثير من الخدمات وأشكال الدعم بسبب القوانين العنصرية.
من جملة المتصلين/ات الـ406، كان 48% يبحثون عن "معلومات"، و23% يريدون أحداً للحديث معه/ا، و20% ينشدون "الإحالة إلى مقدم/ة رعاية صحية". أما أبرز الموضوعات التي جرت مناقشتها في المكالمات فهي: الإجهاض (11.3%) والحمل غير المرغوب فيه (9.1%) والالتهابات المنقولة جنسياً (8.6%) ووسائل منع الحمل (8.2%) والخوف من الحمل (4.7%) واللذة (4.5%) والعنف (4.5%) والصحة الجنسية والإنجابية (4.3%)، علاوة على الصحة النفسية والعلاقات والجنس المهبلي والمداعبة بنسب متفاوتة.
كان لافتاً أن استكشف 2 إلى 3% من المتصلين/ات موضوعات مثل الحيض والجنس الفموي والعنف الجنسي والتوجه الجنسي ورعاية ما بعد الإجهاض وغيرها للمرة الأولى. وناقش 1% من المتصلين/ات قضايا مثل التشنج المهبلي والإمتاع الذاتي والانزعاج الجسدي/ الجندري والتراضي والألعاب الجنسية إلخ. بلغ عدد المواضيع التي جرى استكشافها عبر الخط الساخن في 2020 أكثر من 46 موضوعاً.
"هل أصلح للزواج؟"/ "هل أصلح أن أكون أماً؟"/ "هل أصلح للحب؟"، تلك بعض أبرز النقاشات التي تدور عبر الخط الساخن للجنسانية والناجمة عن المعايير النمطية والأبوية التي يتم تلقينها للنساء والرجال وأثرها على نظرة الأشخاص وتقييمهم لأنفسهم/ن
"أجسادنا لنا ولكن…"
بشكل تحليلي، فكّك التقرير الرابع للخط الساخن للجنسانية الموضوعات المرتبطة بالجسد في سياق العدالة الإنجابية، مشدداً "أجسادنا لنا إلا أنها محكومة من قبل معايير أبوية تتناقلها عائلاتنا ومجتمعنا ومدارسنا ووسائل الإعلام ومكان العمل والحي والدين وحتى الأصدقاء، وتردد المكالمات اليومية إلى الخط الساخن صدى ضغوط المعايير الأبوية والاجتماعية وتكشف أن التوقعات السائدة… لها تأثير سلبي على عافية العديد من المتصلين/ات".
"هل أصلح للزواج؟"/ "هل أصلح أن أكون أماً؟"/ "هل أصلح للحب؟"، تلك بعض أبرز النقاشات التي تدور عبر الخط الساخن للجنسانية والناجمة عن أثر المعايير النمطية والأبوية التي يتم تلقينها للنساء والرجال على السواء عن هذه المنظومات الاجتماعية في نظرة الأشخاص وتقييمهم لأنفسهم/ن. على سبيل المثال، يتم تلقين المرأة أن الجنس للمرة الأولى هو فعل إعطاء (في حالة الجنس الزوجي) أو فقدان (في حالة الجنس خارج الزواج) يشكل جزءً لا يتجزأ من نفسها، ما قد يؤدي إلى شعور بالذنب والندم في حالة ممارسة الجنس قبل الزواج، وإن كان ذلك ممتعاً وبالتراضي.
كذلك، تستخف وتتجاهل "الأمومة القسرية"، أي التوقع من المرأة ولادة أطفال وتربيتهم وإلزامها بذلك، وفق التقرير، الصعوبات الجسدية التي تقترن بالأمومة وترفض شكاوى النساء في ما يتعلق بصعوبات الحمل بحجة أن الولادة واجب جسدي ووظيفة أساسية للمرأة.
وفي سياق العلاقة مع الجسد، حذّر التقرير من أن "الضغط الاجتماعي لأجل ‘أن نحب أنفسنا‘ أو ‘أن نحب الجلد الذي نعيش فيه‘ وجميع الأشكال الأخرى من المصطلحات المماثلة تعد أسلوباً مختزلاً للخطاب حول صورة الجسد لأنه يحد من فهمنا لما يعنيه أن نكون راضين/ات عن صورتنا الذاتية في التوقعات الاجتماعية للجمال".
وأردف: "قد تكون المطالبة الاجتماعية بحب أنفسنا سامّة في بعض الأحيان، لأنها تتجاوز المعايير الجمالية الجسدية، فتستخدم ‘الجمال‘ كمصطلح شامل يعادل أداء النمطية المغايرة والقدرة الجسدية والأداء الصحي والنشط والمنتج"، متابعاً "يجب أن تستند إعادة تعريف حب أنفسنا إلى ما يجعلنا نشعر بالراحة والاتصال بأجسادنا فقط" كما "يجب ألا يكون للمعايير الأبوية والتوقعات النمطية أي رأي في كيفية رؤيتنا لأجسادنا ومعالجتها ورعايتها".
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ 5 ساعاترائع
مستخدم مجهول -
منذ 5 أيامربما نشهد خلال السنوات القادمة بدء منافسة بين تلك المؤسسات التعليمية الاهلية للوصول الى المراتب...
مستخدم مجهول -
منذ 6 أيامحرفيا هذا المقال قال كل اللي في قلبي
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعبكيت كثيرا وانا اقرأ المقال وبالذات ان هذا تماما ماحصل معي واطفالي بعد الانفصال , بكيت كانه...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ أسبوعرائع. الله يرجعك قريبا. شوقتيني ارجع روح على صور.
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعحبيت اللغة.