"كنت ملك الممارسات الجنسية بالعالم، بس الحياة ما بقى بتخليكي تفكري تعملي علاقة"، بهذه العبارة انطلق شادي (اسم مستعار) للحديث عن تأثير الأزمات في لبنان على نشاطه الجنسي.
يعيش هذا الشاب الثلاثيني في بيروت، ويحاول، كغيره من الشباب اللبناني، البحث عن أمان وسط اللاستقرار المفاجئ الذي فُرض على اللبنانيين/ات. يشغل باله الكثير من أمور الحياة الأساسية، أولها الحفاظ على مكان سكنه، مأكله ومشربه.
أكد شادي أنّ عدم الاستقرار في وضع البلاد انعكس أيضاً على مشاعره: "كنتُ أشعر بمشاعر غضب أو حب تماماً كالأحداث التي تجري في البلد"، فاختار الهروب منها بزيادة وتيرة علاقاته الجنسية مع شريكاته، ووصل به الحدّ إلى تناول الأدوية المنشطة لزيادة الاستمتاع بالعلاقات، إلّا أنّه سرعان ما توقّف عنها خوفاً من تأثيرها السلبي.
من العلاقات الجنسية المتعدّدة إلى فقدان الرغبة
في ظل غياب حلولٍ جديّة مطروحة وشغور رئاسي وحكومي منذ نحو خمسة أشهر، يعيش لبنان وضعاً حالكاً يتصاعد منذ بداية الأزمة في العام 2019. يُضاف إلى ذلك "فلتان" سوق الدولار، وما سبقه من انفجار بيروت في العام 2020، وأزمة كورونا وغيرها.
كل ذلك، عوامل تزيد التوتّر لدى اللبنانيين/ات، وتعزّز لديهم/نّ الشعور بالخوف الذي أثقل كاهلهم/نّ.
"أصبحتُ أخاف من التلامس الجسدي بعد كورونا، انخفض الشعور باللهفة والاشتياق حتّى أطفأهما الخوف بطريقة لا إرادية"
مع تدهور الأوضاع الاقتصادية أكثر، اضطر شادي لتناول مضادات الاكتئاب، ففقد الرغبة الجنسية بعدما كان التقارب الجسدي يشعره بالأمان. لم يعد يشعر بحاجة إلى اتّخاذ أيّ خطوة نحو الحل، وفق ما قال لرصيف22: "كنت أعمل كثير علاقات جنسية، بس هلق لشو؟ ما عندي الرغبة".
وبالرغم من متابعته الدائمة لدى معالج نفسي إلّا أنّه يؤكّد بأنّ الأخير غير قادر على مساعدته، مكرّراً: "أكيد بسبب أوضاع البلد، أكيد بسبب أوضاع البلد".
يعزي الأطباء سبب انخفاض الرغبة الجنسية إلى إطلاق هرمون الكورتيزول أو ما يُعرف بهرمون التوتر، وهو استجابة طبيعية يطلقها الجسم من الغدة الكظرية عند الشعور بالإجهاد.
وفي دراسة نُشرت في العام 2008، تبيّن أنّ غالبية النساء اللواتي أظهرن ارتفاعاً في مستويات الكورتيزول استجابة للمنبهات الجنسية كان لديهنّ مستويات أقل في مجالات معينة من حياتهنّ الجنسية.
ممارسة الجنس ليست أولوية
لا يختلف وضع سمر(اسم مستعار) عن شادي لكونها تعاني المشكلة نفسها، مشيرة إلى أنّ الوضع كان مختلفاً كثيراً قبل العام 2019 وبدء جائحة كورونا، فقد رافقتها مشاعر من الخوف الشديد على حياتها نتيجة التعبئة العامة التي أُعلنت في البلاد: "أصبحتُ أخاف من التلامس الجسدي بعد كورونا، انخفض الشعور باللهفة والاشتياق حتّى أطفأهما الخوف بطريقة لا إرادية".
في هذا الإطار، أظهر تحليل ضمّن 21 دراسة، أنّ القيود المفروضة أثناء انتشار وباء كورونا أدت لانخفاض النشاط الجنسي وارتفاع بمعدلات العجز، وبدا أنّ هذا التغيير كان أكبر لدى النساء مقارنة مع الرجال. اعتمد التحليل على تجميع بيانات علمية من ديسمبر/كانون الأول 2019 إلى نهاية يناير/ كانون الثاني 2021، مستنداً على تقييم 2454 امرأة و3765 رجلاً.
"كنت ملك الممارسات الجنسية بالعالم، بس الحياة ما بقى بتخليكي تفكري تعملي علاقة"
تراجع شعور سمر بالخوف من العلاقات الجنسية مع العودة التدريجية إلى نمط الحياة السابق، لكن أوضاع البلاد كانت أسرع من قدرتها على معالجة الموضوع بشكل نهائي، إذ وجدت نفسها غير قادرة على فهم الأحداث المفاجئة التي حلّت على لبنان، لتصبح حالتها أسوأ بعد حدوث انفجار مرفأ بيروت في الرابع من آب/ أغسطس 2020.
أثرت الصدمة النفسية التي أُصيبت بها سمر على حالتها الصحية والنفسية معاً، حتّى فقدت قدرتها على الحركة بشكل مؤقت، وفق ما شرحت لرصيف22: "كأنّ الأمور انفجرت دفعة واحدة، وفُرض علينا ترتيبها الواحدة تلو الأخرى، بما في ذلك العودة إلى نشاطي الجنسي"، مؤكّدة بأنّه في السابق كان يدفعها الشغف بالعيش واكتشاف تجارب جديدة إلى ممارسة علاقة جنسية، أمّا الآن، فهذه الحاجة تحتلّ آخر سلم أولوياتها، بعدما فقدت الرغبة في اكتشاف كل ما هو جديد أو بذل مجهود إضافي عن مشاغل الحياة الأساسية التي تشغل تفكيرها.
تحاول الشابة العشرينية أيضاً البحث عن إجابات منطقية لكل ما يحدث، بما في ذلك السبب وراء إقامة هذا النوع من العلاقات، وأردفت بالقول: "ربما لا زلتُ أشعر بالرغبة إنّما أحاول كبتها، لا أعلم إن كان يزعجني الموضوع لأنّه لم يعد يعنيني"، منوّهة بأنّ هذا الكبت قد يكون سبباً لبعض أوجاعها الجسدية، كآلام المهبل أو ظهور بعض الفطريات.
العلاقات الجنسية إمّا ملاذ آمن أو خطر يتفاداه الدماغ
نفسياً، قد تؤثّر الصدمات والصعوبات التي يمرّ بها الإنسان على ممارسته للعلاقة الجنسية، لكنّها وبحسب الأخصائية النفسية المتخصصة بالصدمات النفسية، وردة بو ضاهر، فقد يكون تأثيرها إيجابياً أو سلبياً: "غالباً ما يجري ذكر التأثير السلبي بسبب ربط الحديث عن الصدمات بالصدمات الجنسية كالاغتصاب، وتأثيرها على العلاقات".
ونوّهت بو ضاهر بأنّنا نتعرّض في لبنان لنوع آخر من الصدمات والصعوبات، كالأزمة الاقتصادية، انفجار مرفأ بيروت والهزات، كاشفة أن هذه الأزمات قد تزيد من الرغبة في ممارسة العلاقة الجنسية، إذ يعتبرها البعض ملاذاً آمناً وفرصة لحصد المزيد من مشاعر الدعم التي يوفّرها التقارب الجسدي مع الشريك/ة.
أمّا سبب انخفاض الرغبة فتعزيه أبو ضاهر إلى الدماغ، مصدر الرغبة الجنسية، قائلة لرصيف22: "يحاول الدماغ، عندما يتعرّض الإنسان إلى صدمة أو ضغط حياتي، أن يحميه، فيعمل على إبقائه واعياً".
بالإضافة إلى أنّ الضغط يجعل جسم الإنسان متشنجاً، مما يعيق ارتياحنا أثناء ممارسة العلاقة الجنسية وبالتالي الشعور باللذة.
بحسب أبو ضاهر، لا يرتبط التأثير الإيجابي أو السلبي بعمر أو جنس معيّن، بل بنظرة الأشخاص إلى العلاقة الجنسية وهدفهم/نّ منها: "لكنّنا قد نجد بشكل عام أنّ التأثير لدى فئة الشباب/ات البالغين/ات ما دون الثلاثين عاماً يعود إلى الشعور بالقلق والغضب اليومي، أمّا، لدى الفئة الراشدة أي ما فوق الثلاثين، فقد يكون مرتبطاً بصعوبات في تحقيق الذات، ما ينعكس سلباً على علاقاتهم/ن الجنسية".
الكبت ليس حلاً
يستند العلاج إلى التشخيص العلمي والسبب الكامن وراء هذه الحالة، ومن غير الدقيق القول بأنّ المجتمع اللبناني بأسره يعاني من اضطراب ما بعد الصدمة.
وفي هذا السياق، أكدت بو ضاهر بأنّ الصراحة والوضوح مع الشريك/ة قد تساعدان في حل المشكلة: "يعتقد البعض بأنّ الحل قد يكون عن طريق كبت المشاعر إلّا أنّ الحديث مع الشريك والتعبير عن الذات يساعدان في تصحيح مسار العلاقات وحل أمور كنا نعتقد بعدم صلاحية الحديث عنها".
تؤثّر حالتنا النفسية على وتيرة علاقاتنا الجنسية إمّا بانخفاضها أو زيادة وتيرتها، حيث تتفاعل أجسادنا مع القلق والضغوطات بطرق مختلفة، لذلك، من الضروري أن نتفهّم طريقة التعبير هذه لاتّخاذ الإجراءات اللازمة في سبيل الحفاظ على صحتنا الجنسية والإنجابية
لذلك، وفي حالة التأثير السلبي، شدّدت بو ضاهر على ضرورة استشارة أخصائي/ة نفسي/ة أو التعمّق بالقراءة عن الموضوع.
يمكن للأفراد أيضاً تجربة العديد من التقنيات التي قد تساعد على الاسترخاء، ومنها الابتعاد عن مشاهدة أو قراءة الأخبار، إجراء تمارين للاسترخاء كالتأمل والتنفس، ممارسة الرياضة بمفردهم/نّ أو مع شريك/ة، اعتماد نظام غذائي صحي، الحصول على قسط من الراحة وإحاطة أنفسهم/نّ بأصدقاء داعمين/ات غير سلبيين/ات.
وعليه، تؤثّر حالتنا النفسية على وتيرة علاقاتنا الجنسية إمّا بانخفاضها أو زيادة وتيرتها، حيث تتفاعل أجسادنا مع القلق والضغوطات بطرق مختلفة، لذلك، من الضروري أن نتفهّم طريقة التعبير هذه لاتّخاذ الإجراءات اللازمة في سبيل الحفاظ على صحتنا الجنسية والإنجابية.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ يومرائع. الله يرجعك قريبا. شوقتيني ارجع روح على صور.
مستخدم مجهول -
منذ يومحبيت اللغة.
أحضان دافئة -
منذ يومينمقال رائع فعلا وواقعي
مستخدم مجهول -
منذ 6 أياممقال جيد جدا
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعحب نفسك ولا تكره الاخر ولا تدخل في شؤونه الخاصة. سيمون
Ayman Badawy -
منذ أسبوعخليك في نفسك وملكش دعوه بحريه الاخرين