يعدّ القارئ الطبيب أحمد نعينع في عداد أبرز العلامات في التلاوة بمصر، إذ اشتهر بقوة الأداء وجمال الصوت والالتزام الكامل بأحكام التجويد الممتزجة بأصول التلاوة الصحيحة.
فكان بذلك التلميذ الأنجب لأستاذه الشيخ مصطفي إسماعيل الذي صحبه وتتلمذ على يديه مبكراً فتأثر به وسار على نهجه، لكنه استطاع ألا يكون مقلداً، وأن يؤسس لنفسه قراءة مختلفة يتميز بها. وقدنال الإجازة في القراءات على يد سيدة من المحكمات في القراءات.
رصيف22 التقاه، وكان معه هذا الحوار.
حصلت على الإجازة في قراءة القرآن الكريم من سيدة مصرية، وكأن القدر يريدك أن تتذكر دائماً أن المرأة هي شريك أساسي وذات أثر في نجاحك؟
الحمد لله أولاً وآخراً، بالفعل شاءت الأقدار أن تكون من تمنحني الإجازة هي الشيخة "أم السعد" وهي أشهر حافظة للقرآن بالقراءات، وكانت تمنح الإجازة في مصر، وكل من نال إجازة في القرآن في الإسكندرية في أية قراءة حصل عليها منها مباشرة، أو من أحد الذين منحتهم هي الإجازة.
فتلك السيدة العظيمة تمكنت من إثبات قدرتها على التفوق في مجال كانت كل المنافسة فيه للرجال، فنجحت وتفوقت على أقرانها فى علم القراءات لتظل خلال حياتها رافداً مهماً من روافد منح الإجازات في حفظ وختم القرآن الكريم للمئات من الرجال والنساء في مصر ومعظم البلاد العربية، وكانت هي وزوجها حاصلين على الإجازة بسند متصل.
منحت الشيخة أم السعد نعينع إجازة قراءة القرآن بالقراءات العشر المتواترة، وكل من نال إجازة في القرآن في الإسكندرية في أية قراءة حصل عليها منها مباشرة، أو من أحد الذين منحتهم هي الإجازة
هل يعني هذا أن زوجها هو الذي أعطاها الإجازة؟
(يضحك) بل هي التي أجازته هو وعدداً كبيراً من القراء، إذ كان يأتيها الكثير منهم من أنحاء العالم الإسلامي للحصول على الإجازة في القراءات العشر، وأصبح بذلك لها المئات من التلاميذ الذين صاروا من مشاهير القراء. وحتى هذه اللحظة لا يمنح شيوخ معهد القراءات إجازة لأحد إلا بوضع إسمها في السند المتصل للرسول صلى الله عليه وسلم. ليس في مصر وحدها، فقد منحت الشيخة أم سعد إجازات للعشرات من قراء السعودية ولبنان وفلسطين والسودان وباكستان وقت سفرها للحج والعمرة.
من أين بدأ مشوارك فى عالم تلاوة القرآن الكريم؟
في طفولتي التحقت بكتَّاب قريتي، فحفظت أجزاء من القرآن الكريم عن طريق التلقين، ثم تعلمت القراءة والكتابة، وانتقلت للحفظ على يد الشيخ أحمد الشوا، وكان رحمه الله أحد الأعلام في تحفيظ القرآن في مركزنا بمدينة مطوبس في محافظة كفر الشيخ، فحفظت على يديه القرآن الكريم كاملاً بالتجويد، وفي المرحلة الجامعية التحقت بكلية الطب في جامعة الإسكندرية، وخلال سنوات الدراسة، تعلمت القراءات على يد الشيخ فريد النعمان، وزوجته الشيخة أم السعد، وحصلت على الإجازة بقراءة القرآن بالقراءات العشر المتواترة.
متى قدمت نفسك للناس كقارئ للقرآن الكريم؟
بدأت رحلتي كقارئ عندما كنت صغيراً في المرحلة الابتدائية والإعدادية، كنت أقرأ بين الإقامة والصلاة في مسجد سيدي عبد الوهاب، بعدها في حفلات المدارس، وفي المناسبات المختلفة مثل المولد النبوى الشريف. وفي المدرسة الثانوية برشيد كان ناظر المدرسة جرجس موسى يحرص على افتتاحي الإذاعة المدرسية كل صباح بالقرآن الكريم. في ذلك الوقت كنت دائم التردد على المناسبات التي كان يقرأ فيها الشيخ أمين هلالي، وكان بعض الناس يناديني للقراءة لدى استراحته، أو بعد انتهائه من القراءة. وقتها كانت الناس تعرفني بـ"ماهر"، وكان الشيخ أمين، رحمة الله عليه، عملاقاً ذا حنجرة متميزة، وكان صوته أجمل من معظم أصوات قراء الإذاعة. ولأنه كان كفيفاً لم يستطع الذهاب إلى القاهرة حتى ينال الشهرة الكبيرة مثل أقرانه من أصحاب الأصوات الذهبية
نعينع: "كان ناظر المدرسة في طفولتي الأستاذ جرجس موسى يحرص على افتتاحي الإذاعة المدرسية كل صباح بالقرآن الكريم
من سياق حديثك نفهم أنك قرأت في الإذاعة قبل أن يتم اعتمادك فيها رسمياً، كيف حدث ذلك؟
كانت هذه من الغرائب التي لم تتكرر، فقد قرأت على الهواء قبل الاعتماد، وفي تاريخ الاذاعة المصرية لم يحدث هذا الأمر، كان ذلك بقراءتي أمام الرئيس أنور السادات، حيث تمت دعوتي بعدها لحضور اللجنة في الإذاعة عام 1979، وكان يرأسها الشيخ مرسي علم رحمه الله، والشيخ خليل حبة، وكان أعضاء اللجنة من الأزهر، ومعهم من الموسيقيين محمود كامل، والملحن أحمد صدقى، والحمد لله نجحت من أول اختبار، وما زالت تسجيلاتي تذاع حتى الآن، وعلى حسب درجتي كنت في الدرجة الأولى، وقد سجلت المصحف المرتل في 31 ساعة وأهديته كاملًا للإذاعة، كما سجلت المصحف المجوّد في 80 ساعة وأهديته أيضاً للإذاعة.
كم كنت تتقاضى من الإذاعة من أجر في أول التحاقك بها؟
قروش ثم جنيهات معدودات، لكن الإذاعة كانت صاحبة الفضل الأكبر لما وصلت إليه، فلولاها لما زرت كل بلاد العالم تقريباً.
قرأتَ القرآن الكريم في الكعبة في موسم الحج، وكذلك في يوم عرفة، وهذه من النوادر التي سمح بها لقارئ ليس من المملكة العربية السعودية بذلك، صحيح؟
فضل من الله ومنة منه أن أنال شرف تلاوة القرآن الكريم في يوم عرفة وذلك بدعوة من وزير الحج السعودي الشيخ عبد الوهاب عبد الواسع، لعامين متتاليين 1990 و1991.
أنت طبيب أم قارئ؟
درست في كلية الطب في جامعة الإسكندرية، وبعد تخرجي عملت في المستشفى الجامعي بالإسكندرية، ثم التحقت كطبيب بطاقم أطباء الرئيس السادات، فمهنتي الأساسية طبيب، لكن مع الوقت تفرغت تماماً للقراءة وأعمل مستشاراً صحياً لإحدى الشركات، وأمارس الطب على من حولي إن استدعت الحاجة.
للرئيس السادات الفضل الأول في شهرة القارئ أحمد نعينع كيف حدث ذلك؟
التقيته عندما كنت مجنداً فى القوات البحرية، وخلال فترة تجنيدي كنت أقرأ في احتفالات القوات البحرية، وفي إحدى المرات حضر الرئيس السادات، فاستمع لصوتي عندما قرأت أمامه، وكان هذا الاحتفال مذاعاً على الهواء، وبعد الانتهاء ناداني وصافحني وقال "صوتك جميل"، ثم قرأت مرة أخرى أمامه في الاحتفال بيوم الصيادين، ويومها أعطاني شيخ الصيادين الشيخ على زرق "مقطف سمك" كأجر على قراءتي.
ثم كانت نقطة التحول بقرار السادات، عندما أصدر تعليماته أن أقوم بقراءة القرآن في الاحتفالات التي يحضرها، أو في صلاة الجمعة، أو في أي مناسبة، إلى جانب تكليفي كطبيب خاص له ضمن ثلاثة أطباء، ولهذا فإن علاقتي به كانت حميمة، ما جعلني صديقاً للأسرة بعد وفاته.
نعينع: "علاقتي بمبارك كانت في إطار العمل فقط، والرئيس السادات هو من دعمني، وجمعتني به وبأسرته علاقة من الود والصداقة، ومن بين الرؤساء، كان يحب اختيار الآيات التي يود سماعها في الاحتفالات الرسمية"
ومن أطلق عليك لقب "مقرئ الرئاسة"؟
الناس هى من لقبتني بقارئ الرئيس، ولا عجب فقط اعتادوا ان يروني أقرأ أمام الرؤساء فقد قرأت القرآن الكريم فى مناسبات كثيرة للرؤساء فى داخل مصر وخارجها، وفى أوقات مختلفة، وأمام أكثر من رئيس، ففى الداخل قرأت فى أكثر من مناسبة أمام الرئيس السادات حتى قبل تعيينى في الرئاسة، ثم قرأت أمام الرئيس الأسبق مبارك لمدة 30 عاماً، وقرأت أمام الرئيس عبد الفتاح السيسى يوم حفل تنصيبه في المحكمة الدستورية 2014، وفي الخارج قرأت أمام كثير من الملوك فى السعودية والأردن والجزائر والمغرب، أمثال الملك الحسن الثاني ملك المغرب الذي كان يعشق القراء المصريين، والملك حسين في الأردن.
قرأت أمام الرئيس الأسبق حسنى مبارك لمدة 30 عاماً، ماذا لاحظت عليه؟
فعلاً كانت الفترة طويلة، إلا أن تلك العلاقة بدأت في عهد المرحوم السادات عندما كان نائباً له، ولما تولى رئاسة الجمهورية توطدت العلاقة به، وكنت أقرأ القرآن بحضوره في كل المناسبات بحكم كوني القارئ المفضل لديه حتى رحيله عن الحكم، كانت علاقتي بالرئيس حسني مبارك في إطار العمل فقط.
هل كان الرؤساء يختارون آيات بعينها أم كان لك حرية اختيار الآيات؟
عادة القراءة كانت في مواسم ومناسبات وكنت دائماً أستفسر عن المناسبة التي يقام من أجلها الحفل وأختار الآيات المناسبة لذلك، والتي تتناسب مع المناسبة وفي العادة كان يترك لي اختيار الآيات في المناسبات المختلفة، إلا أن الرئيس السادات كان يطلب احياناً بعض السور التي كان يسمعها من الشيخ مصطفى إسماعيل رحمه الله.
هنالك إجماع أنك رائد مدرسة الشيخ مصطفى إسماعيل وأكثر المتأثرين بها؟
طبعاً، فالشيخ مصطفى كان علماً لا يجاريه أحد، وكنت ولا زلت مولعاً به لدرجة تصل إلى العشق، وذلك منذ طفولتي فقد كانت بداية ولعي به مذ كنت صبياً في منطقة اللبان في مدينة الإسكندرية، وأذكر أن من قدمني له يومها عمي أحمد خليل رحمه الله وكان موسيقاراً معروفاً، وقال للشيخ "الولد ده بيقلدك فاستمع إليه"، فقرأت أمام الشيخ مصطفى إسماعيل وفرح بصوتي، ومنذ ذلك الحين أصبحت من المقربين إليه، كان ذلك عام 1970، بعدها صرت أذهب معه وأستمع إليه وأتعلم منه فقد كان بمثابة الأب الروحي لي رحمه الله.
نعينع: في العام 1970 صرت أذهب مع الشيخ مصطفى إسماعيل إلى القراءات، وأستمع إليه وأتعلم منه فقد كان بمثابة الأب الروحي لي منذ طفولتي
يقول البعض عنك إنك مقلد للشيخ مصطفى إسماعيل، فما تعليقك؟
أحببت الشيخ مصطفى إسماعيل كثيراً وتعلقت بصوته العذب وطريقة تلاوته الرائعة وأداءه الرائع الذي لا ينازعه فيه أحد، ولكني أعتقد أن طريقة أدائي تختلف عنه. لا يمكن لشخص أن ينجح إذا كان مقلداً فقط، يمكن أن تتأثر بطريقة قراءة وأداء شيخ، ولكن يجب أن يكون لكل قارئ صبغة خاصة به.
وماذا تعلمت من أخلاق الشيخ مصطفى إسماعيل؟
تعلمت من المقرئ الراحل مصطفى إسماعيل التعامل الحسن مع الجميع، وبخاصة مع صغار المقرئين، وكان يقول لي "عمري ما حسيت نفسي أحسن من حد"، على الرغم من أنه كان الأفضل، فقد كان متواضعاً للغاية وبشوشاً وودوداً ويحب الضحك.
وقد تأثرت به كثيراً، فكنت أسمعه وكلي آذان مصغية، وأنظر في عينيه أثناء التلاوة وأرى كيف يقرأ وينتقل بين الآيات، تتبعته وذهبت خلفه إلى الصعيد وكان يستطيع أن يستمر في القراءة لمدة ساعة ونصف، كان يرتب صوته بشكل رائع، ويحافظ على قوته لآخر لحظة في التلاوة وإن طالت.
أنت من المحظوظين، فقد عاصرت عمالقة القراء أمثال الشيخ مصطفى اسماعيل، وعبد الباسط عبد الصمد، ومحمد صديق المنشاوي، والحصري، وغيرهم من عظماء مدرسة التلاوة ، حدثنا عن ذلك الزمن، وعن كيفية لقاءك ومعرفتك بالشيخ الحصري؟
ولدت في مرحلة عظيمة بها عدد كبير جداً من القراء العمالقة الذين تربيت على أصواتهم، أمثال الشيخ محمد رفعت، ومصطفى إسماعيل، وعبد الفتاح الشعشاعى، وعبد الباسط عبد الصمد، ومحمد صديق المنشاوي، والبهتيمي، وخليل الحصرى، وأحمد عامر، ومحمود عبد الحكم. هؤلاء هم من شربت منهم القراءة، غير أن الشيخ مصطفى هو أستاذي الذي قضيت معه جل وقتي حتى حضرت وفاته.
وقد شاء القدر أن ألتقي بالشيخ المعلم أو المعلم الأول وشيخ مشايخ القراء كما أطلق عليه الشيخ محمود خليل الحصري، وتم ذلك أثناء إحدى المناسبات التي أقيمت في الإسكندرية، وكان يقرأ بها الشيخ الحصري، وبعدما انتهي الاحتفال أخذنى إلى منزله ونمت على سريره، وشاء القدر أن أصبح قارئاً لمسجد الحسين مثله رحمة الله عليه، وحتى الآن تجمعني علاقة طيبة بأولاده وأهل بيته.
التقيتَ بالموسيقار محمد عبد الوهاب وصارت بينكما علاقة عمل ومحبة، صحيح؟
بالفعل، تعرفت على محمد عبد الوهاب بعدما سمعني في مسجد "سيدي المرسي أبو العباس" أثناء صلاة الفجر، فطلب من "مجدي العمروسي" أن يحدد معي موعد للقاء، وبالفعل تم اللقاء وطلب مني تسجيل القرآن الكريم لشركته وسجلت ما يزيد عن 30 ساعة، وخلال التسجيل حدثت بيننا لقاءات كثيرة استمرت بعد ذلك حتى صرنا نتقابل كل خميس.
جمعت الدكتور نعينع صداقة عميقة بالموسيقار محمد عبد الوهاب بعد سماع الأخير له في مسجد "سيدي المرسي أبو العباس"، فكانا يلتقيان كل خميس
من وجهة نظرك هل اختفت الأصوات الجميلة التى تحمل راية جيل العمالقة في المدرسة المصرية للتلاوة؟
لم تختف، ولكنها موجودة فى نطاق محدود، هناك أصوات حتى وإن كانت محدودة إلا انها جميلة وقوية. المشكلة في طبيعة تعاطي الجمهور مع الأصوات، فنحن الآن فى أشد الحاجة إلى جمهور قادر على الفرز بين من يقرأ بإجادة ومن يحترف النغم. ودائماً ما أنصح الأغلبية العظمى من جيل الشباب بالاجتهاد والالتزام بمزيد من الإتقان والدقة فى الأحكام والتجويد، وألا يؤثر النغم على إتقان القراءة ، وطبعاً البعد عن التقليد والميل إلى التجديد، كما أنني استمعت إلى الكثير من الأصوات الجميلة الرائعة المبشرة من الأطفال ، وذلك من خلال مسابقات تحكيم التجويد وأتوسم أن يخرج منهم جيل من القراء المبشرين الذين لا يحتاجون إلا إلى تعليم وتوجيه صحيح.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومينكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 6 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...