شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

قدّم/ ي دعمك!
طلاب القرآن في السودان يتخرّجون على غناء مروة الدولية

طلاب القرآن في السودان يتخرّجون على غناء مروة الدولية

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

حياة نحن والحريات العامة

الأحد 5 فبراير 202302:50 م

أثار ملصق دعائي نشرته المغنية مروة الدولية في حسابها على فيسبوك، عن إحيائها حفلاً غنائياً في 3 فبراير/ شباط الجاري، خلال تخريج طلاب جامعة القرآن الكريم المُتشدّدة، جدلاً واسعاً في السودان، ما استدعى إدارة الجامعة للتبرّؤ منه.

تركّز الجدل على شيئين: الأول، شخصية المغنية التي تؤدي أغاني تُسمي محلياً بـ "الزنق والهجيج"، وهي أغانٍ راقصة عادة ما تؤدّى في حفلات مراسم الزواج، وذلك خلافاً لحفلات التخرّج التي عادة ما تكون أكثر رصانة، وفقاً لمفاهيم المجتمع السائدة.

فيما تمحور الشيء الآخر على استعانة طلاب الجامعة، المرتبطة في الأذهان بالتزمّت، بمغنية معروفة بأغانيها الراقصة، والتي يتمايل جسدها المثير معها.

الاستعانة التي يراها أستاذ علم الاجتماع محمد الطيب، جزءاً من التحولات الاجتماعية التي يشهدها السودان، منذ انطلاق الاحتجاجات الشعبية في ديسمبر/ كانون الأول 2018.


ربانية الأمة وإسعاد الإنسانية

في العام 1991، أي بعد أقل من عامين على استيلاء الرئيس المعزول عمر البشير على السُّلطة، عبر انقلاب عسكري مدعوم من الحركة الإسلامية، أُنشئت كلية في مدينة ود مدني، بولاية الجزيرة القريبة جداً من العاصمة الخرطوم، تتبع لجامعة القرآن الكريم والعلوم الإسلامية.

كبرت الكلية، وتوسع نشاطها، وهو ما دعا البشير في 19 يوليو/ تموز 2007 لترفيعها إلى جامعة القرآن الكريم وتأصيل العلوم، التي أصبحت تضم اليوم 14 كلية، يدرس فيها أكثر من أحد عشر ألف طالب.

وتعمل الجامعة، وفق ميثاق تأسيسها، على "تأصيل الأساس المعرفي والقيمي للحياة بكادر رسالي وشراكات ذكية لتحقيق ربانية الأمة وإسعاد الإنسانية"!

لا تنفصل الفكرة التي أُنشئت بموجبها الجامعة عن سياق مفاهيم الحركة الإسلامية الخاصة بإعادة صياغة المجتمع السوداني ليصبح رسالي، حيث حاولت طوال 30 عاماً تنفيذ مفاهيمها، سواء عبر القوانين، أو عبر إنشاء مدارس وجامعات بمسميات إسلامية، وليس انتهاء بتكوين قوات خاصة، مثل قوات الدفاع الشعبي أو شرطة النظام العام لمساعدتها.

ويشير محمد الطيب إلى أن الحركة الإسلامية في مفاهيمها أغفلت أمراً مهماً، خلاصته أن المجتمعات تظل بشكل دائم عُرضة للتغيير، لذا لا يمكن أن تفرض عليها شيئاً ولو بالقوّة، ولهذا شهد المجتمع السوداني تحولات عديدة منذ انطلاق الاحتجاجات. تحولات تمثلت في إصرار الجيل الجديد على التمرّد على السلطة، سواء كانت سياسية أو دينية أو ثقافية.

ويرى الطبيب أن بيان الجامعة عن التبرّؤ من الحفل بمثابة محاولة يائسة لفرض أمر لا تستطيع تنفيذه.


مروة الدولية نجمة الأفراح

لمع نجم مروة الدولية في سماء ليل الخرطوم بأغاني "الزنق والهجيج" الراقصة، وهي الأغاني التي تنشر في الأفراح والحفلات الراقصة، الأغاني التي يبتهج بها الجميع في سمرهم، لكن لا مانع من المزايدة عليها أخلاقياً قبل فنياً.

لكن تلك المزايدة لم تمنع مروة من فرض حضورها الطاغي على وسائل المواصلات العامة، فضلاً عن تزايد أعداد متابعيها على تطبيق توك توك.

الأزمة الحالية حول تقديمها لحفلة تخرج جامعة القرآن، ليست الأزمة الأولى التي تتعرّض لها على خلفية "مزايدات أخلاقية"، ففي آب/ أغسطس 2021، تعرّضت مروة لاعتداء من قبل عناصر الشرطة خلالها مشاركتها في حفل غنائي بأحد مزارع العاصمة الخرطوم.

ولم ترتكب الدولية آنذاك جرماً سوى الغناء بعد الساعة الثانية عشرة ليلاً، لكن أذهان عناصر الشرطة رأت ذلك مُنكراً يستحق الاعتداء عليها

ولم ترتكب الدولية آنذاك جرماً سوى الغناء بعد الساعة الثانية عشرة ليلاً، لكن أذهان عناصر الشرطة رأت ذلك مُنكراً يستحق الاعتداء عليها، وهذا أمر سايرهم فيه القضاء الذي فرض عليها وعلى الذين أُوقفوا معها، 8 نساء و21 رجلاً، غرامة مالية بتهم الإزعاج العام والإخلال بالسلام العام!

وقد دُشّنت حملة تضامن معها حينها من قبل الرافضين للردة المجتمعية والمدافعين عن الحريات العامة. حينها، كانت الأجواء تسمح لتلك الأصوات بالظهور، لكن اليوم، وفي ظل الحكم العسكري، تبدلت الأحوال وتغيرت الأجواء تماماً.

الجامعة تتنصل

فجأة وجدت إدارة جامعة القرآن الكريم نفسها في مأزق، خصوصاً بعد أن انتشر إعلان حفلة مروة بالجامعة، وحدث تلاسن بين الطلاب المحافظين الرافضين لما وصفوه بالرقاعة، وآخرين يرون أن عقارب الساعة لا يمكن أن تعود إلى الخلف، فأصدرت إدارة العلاقات العامة والإعلام بالجامعة بياناً، أشارت فيه إلى "أن الجامعة لا علاقة لها من قريب أو من بعيد بمثل هذه الاحتفالات، ولا تتوافق رسالتها البتة مع طرق وأنماط الاحتفالات غير المضبوطة، والمبطنة بالمنكر"، وطالبت الطلاب بالحصول على أذونات معتمدة وموثقة بخاتم الجهات الأمنية والشرطية بعد موافقة عمادة شؤون الطلاب، لإقامة احتفالاتهم، وإلا ستضطر، آسفة، لاتخاذ ما يتناسب مع المخالفات المترتبة على الزجّ باسم الجامعة في المحتويات الإعلانية الضارة، والمنافية لرسالة وأهداف وضوابط المؤسسة.

تحدث رصيف22 مع أحد الطلاب (اشترط إخفاء اسمه) الذي استهجن بيان الجامعة، خاصة وأن حفل التخرّج مموّل بالكامل من الطلاب، ويُنظم خارج الحرم الجامعي، مشيراً إلى أن الإدارة تحاول فرض توجهاتها على الخريجين، وتُظهر نفسها بأنها حامية لقيم المجتمع، دون أن تفهم احتياجات الشباب.

وجرت نقاشات مطولة بين طلاب الجامعة في مواقع التواصل الاجتماعي، خاصة فيسبوك، عن البيان، تركز بصورة رئيسية على أن إدارة الجامعة تحاول رسم صورة في أذهان الناس بمدى حرصها على التشدّد، مستدلّين بصمتها على إنجاب طالبة طفل على سطح مبنى إحدى الكليات ومحاولة رميه.

(جرت العادة في السودان أن تتخلص الفتيات من الطفل الذي يُنجب خارج نطاق الزواج).

 الطريقة التي جرى عبرها تنفيذ التوجيه الفكري للحركة الإسلامية طوال 30 عاماً، لم تراعي احتياجات المراحل العمرية خاصة الشبابية

الحركة الإسلامية والاحتياجات العمرية للشباب

تقول أستاذة علم النفس بجامعة الأحفاد، مروة علي، إن تفضيل طلاب جامعة القرآن الكريم للمغنية مروة الدولية سببه أنها تُشكّل شخصيتهم وفنهم، دون النظر إلى الجامعة والمنهج الذي درسوه، وخلفية الجامعة التاريخية وردود أفعال أساتذتهم الذين ربما يعدّوهم مثل الأساطير.

وتشير، خلال حديثها لرصيف22، إلى أن الطريقة التي جرى عبرها تنفيذ التوجيه الفكري للحركة الإسلامية، طوال 30 عاماً، لم تراعي احتياجات المراحل العمرية خاصة الشبابية، كما أنها منافية لطبيعة البشر في مرحلة المراهقة والشباب الذين يبحثون في هذه الفترة عن الانفتاح والاندماج في المسكوت عنه.

ويُرجح أن تُقيم المغنية مروة الدولية الحفل مثار الجدل، حيث لا تملك الجامعة سلطة تغييره، بحكم أنه مموّل من قبل الطلاب ومُقام خارج دورها، مثلما أحييت قبل أيام حفلاً في جامعة أم درمان الإسلامية التي كانت أحد أذرع النظام السابق.


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

قد لا توافق على كل كلمة ننشرها…

لكن رصيف22، هو صوت الشعوب المضطهدة، وصوت الشجعان والمغامرين. لا نخاف من كشف الحقيقة، مهما كانت قبيحةً، أو قاسيةً، أو غير مريحة. ليست لدينا أي أجندات سياسية أو اقتصادية. نحن هنا لنكون صوتكم الحرّ.

قد لا توافق على كل كلمة ننشرها، ولكنك بضمّك صوتك إلينا، ستكون جزءاً من التغيير الذي ترغب في رؤيته في العالم.

في "ناس رصيف"، لن تستمتع بموقعنا من دون إعلانات فحسب، بل سيكون لصوتك ورأيك الأولوية في فعالياتنا، وفي ورش العمل التي ننظمها، وفي النقاشات مع فريق التحرير، وستتمكن من المساهمة في تشكيل رؤيتنا للتغيير ومهمتنا لتحدّي الوضع الحالي.

شاركنا رحلتنا من خلال انضمامك إلى "ناسنا"، لنواجه الرقابة والترهيب السياسي والديني والمجتمعي، ونخوض في القضايا التي لا يجرؤ أحد على الخوض فيها.

Website by WhiteBeard
Popup Image