شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

قدّم/ ي دعمك!
حان وقت الكشف... العنف ضد النساء في أماكن تقديم الرعاية الصحية

حان وقت الكشف... العنف ضد النساء في أماكن تقديم الرعاية الصحية

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

بكشل متكرر، تعلن نساء مصريات عن أشكال مختلفة من الانتهاكات يتعرضن لها أثناء العمل في أماكن تقديم خدمات الرعاية الصحية المختلفة، من مستشفيات ووحدات صحية وعيادات خاصة وفي مراكز إجراء الأسعافات والتحاليل الطبية.

الانتهاكات لا تفرق بين المريضات والعاملات إلا في نوعيتها ومدى تكرارها، وتبدأ من تجاهل شكاوى المريضات والتعامل معهن كـ"هيستيريات يبالغن في حقيقة مرضهن" مروراً بالانتهاكات الجنسية والتعرض للعنف اللفظي والجسدي والفجوة الواسعة بينهن وبين الرجال في الأجور والحقوق الوظيفية. وعرض رصيف22 سابقاً لجانب من تلك الانتهاكات في تقريره "التمريض في مصر... خيار مضمون للعمل تحت التهديد".

ظل العنف ضد النساء في أماكن تقديم الرعاية الصحية مسكوتاً عنه عدة سنوات، ومع بدء بعض الناجيات في طلب الدعم والمساندة، ونشر بعضهن شهادات على مواقع التواصل الاجتماعي، أصبح العنف موضوعاً مثاراً، يواجه بالانكار من البعض، بينما يبحث البعض الآخر عن حلول.

في كثير من الشهادات تم رصد قيام بعض الأطباء بالضغط على الممرضات مستغلين حاجتهن إلى العمل لعدم تقديم الشهادة القانونية ضدهم، أو الضغط عليهن لمنعهن من محاولة دعم المريضة في حالة تعرضها للعنف الجنسي أو النفسي

انتهاكات واستغلال

تتسم أماكن الفحص وتقديم الإسعافات للمرضى بقدر من الخصوصية تختل درجتها بين المستشفيات العامة والخاصة والعيادات وغيرها، لكنّ هناك قدراً كافياً يسمح بالتعرض لانتهاك من دون شهود عيان، بحسب شهادات عديدة تلقتها النيابة العامة في مصر وتتلقاها كذلك المراكز المعنية بتقديم الدعم والمساندة القانونية والنفسية للنساء في مصر، أو تعلنها الضحايا والناجيات عبر وسائل التواصل الاجتماعي.

يظهر في تلك الشهادات الخاصة بالتعدي على العاملات في الرعاية الصحية (طبيبات وممرضات) وعلى المريضات، استغلال الجناة ضعف المريضات أو العاملات جسدياً أو نفسياً بسبب المرض أو الحاجة إلى العمل. كما يتم استغلال أماكن الكشف والإسعاف التي تتسم بالخصوصية والخالية من الكاميرات.

وفي كثير من الشهادات التي رصدتها وحدة المساعدة في مؤسسة المرأة الجديدة، تم رصد قيام بعض الأطباء بالضغط على الممرضات مستغلين حاجتهن إلى العمل لعدم تقديم الشهادة القانونية ضدهم، أو الضغط عليهن لمنعهن من محاولة دعم المريضة في حالة تعرضها للعنف الجنسي أو النفسي. بل إن بعض الممرضات يتعرضن للعنف الجنسي واللفظي والتهديد لدى محاولة أي منهن التعبير عن رفضها ممارسات الطبيب. وقد رفضت إحداهن  الشهادة لصالح ناجية لجأت إلى وحدة الدعم النفسي في إحدى الجمعيات عندما طلبت منها ذلك، رغم أن تلك الممرضة نفسها تدخلت لإحالتها إلى مركز الدعم النفسي التابع لجمعية بناة المستقبل. وبررت رفضها الشهادة بخوفها من الطبيب الذي قد يستغل نفوذه المهني ضدها وهي في أشد الحاجة للعمل، وهذا ما دفع الناجية في النهاية للتنازل عن حقها في ملاحقة الطبيب المنتهك لها قانوناً، لأن قضيتها لن تفضي إلى شيء نتيجة غياب الشهود.

تراخٍ قانوني

تتنوع أشكال العنف الذي تتم ممارسته أثناء تقديم الرعاية الطبية للمريضات ليشمل العنف الجنسي والإيذاء النفسي، والعنف البدني بصور مختلفة. ولا يمارس هذا العنف من قِبَل الأطباء وحدهم بل يمتد للمرضين والممرضات والفنيين والعمال وموظفي الأمن.

رغم تغليظ عقوبة جريمة الختان وفقاً للقانون وإدانة المشاركين فيها، ما زالت جريمة تشويه الأعضاء التناسلية للنساء تُمارس في مصر على نطاق واسع، خاصة في الريف على يد الأطباء ومقدمي الخدمات الطبية

 على صفحة مؤسسة القاهرة للتنمية والحقوق على فيسبوك نُشرت هذه الشهادة تحت عنوان "حادث التحرش في أماكن تلقي الرعاية الصحية". تقول الناجية: "أعاني من حساسية في الصدر، وأثناء تلقي جلسة بخار بأحد المستشفيات العامة، طلب مني الممرض الجلوس في آخر حجرة الاستقبال التي لا يوجد بها أي شخص غيري، ولشدة مرضي واحتياجي لجلسة البخار نفذت ما طلب مني. ثم أحضر جهاز رسم القلب وقام بتوصيل الأسلاك الخاصة به، فطلبت منه جلسة بخار، وقلت له إني لا أرغب في إجراء رسم قلب، فطلب مني تركه يقوم بعمله. وراح يلمس أجزاء من جسدي، ثم أمسك يدي، ووضعها على أماكن حساسة بجسده، فأُصبت بحالة من التشنج جعلت الممرض المتحرش يخشي افتضاح أمره، فخلع الأسلاك الخاصة بجهاز رسم القلب؛ وطلب مني سداد الأجر".


وتصيف: "حاولت أن أتمالك أعصابي، وعندما استطعت التحرك اتصلت بأحد أقاربي الذي حضر على الفور ليتم تقديم شكوى إلى إدارة المستشفى التي لم تتخذ أي إجراء تجاه الممرض". تقدمت الناجية ببلاغ إلى الشرطة، وحوكم الممرض بتهمة هتك العرض وحكم عليه بالسجن ثلاث سنوات في القضية رقم 3735 لسنة 2020.

نجحت هذه الحالة في الوصول للعدالة والحصول على حكم قضائي منصف، لكن هناك العديد من الحالات التي لا تطلب الدعم خوفاً من الوصم الاجتماعي، أو لصعوبة الإثبات، أو لتأخر إجراءات التقاضي. منها حالة امرأة لجأت لمؤسسة المرأة الجديدة، وتحديداً مكتب المساندة النفسية والقانونية طلباً للدعم ومتابعة قضيتها بعد تقديمها بلاغاً ضد أحد الأطباء الذي لمس أجزاء حساسة من جسدها أثناء جلسات علاج طبيعي، ونُشرت شهادتها على صفحة المؤسسة على فيسبوك.

جراء ذلك، تعرضت المؤسسة والناجية لحملة تشهير ممنهجة. ولم يكتف الطبيب بذلك بل قدم شكوى ضد الناجية متهماً إياها بالتشهير. بدأت أحداث هذه الواقعة في أكتوبر/ تشرين الأول 2022 ولم تتم إحالة القضية حتى الآن للمحاكمة، رغم معاناة الناجية وأسرتها من الضغط والابتزاز للتنازل من قبل الجاني وأسرته.

الختان وجه آخر للانتهاكات الطبية

يتجلى شكل آخر من انتهاك النساء في استمرار إجراء عمليات تشويه الأعضاء التناسلية للإناث تحت مسمى الختان في مؤسسات تقديم الرعاية الصحية ولكن تحت ستار من التضليل الذي يصل إلى حد التزوير في المحررات الرسمية.

فرغم تغليظ العقوبة وفقاً للقانون وإدانة المشاركين في هذه الجريمة، ما زالت جريمة تشويه الأعضاء التناسلية للنساء تُمارس في مصر على نطاق واسع، خاصة في الريف على يد الأطباء ومقدمي الخدمات الطبية على ألا تسجل في الكشوف والمحررات الرسمية الخاصة بالوحدات الصحية التي تجري فيها أو على أيدي أطبائها.

وبحسب منظمة اليونيسيف، فإن مصر لديها أعلى نسبة تطبيب لختان الإناث في العالم، حيث يتم إجراء أكثر من 80٪ من حالات تشويه الأعضاء الجنسية للإناث بواسطة أطباء.

وعلى الرغم من التغييرات التي أُدخلت على قانون مكافحة ختان الإناث عام 2021، والتي تشدد العقوبات على الأطباء وغيرهم ممن يمارسون تشويه الأعضاء الجنسية للإناث لتصل إلى 10 سنوات كحد أدنى و20 سنة كحد أقصى – إذا أدى الختان إلى وفاة الضحية- إلا أن رصد الواقع من خلال الشكاوى والقضايا التي ينظرها القضاء يبين أن هذه التغييرات لم تؤثر في زيادة معدلات الإبلاغ عن حوادث ختان الإناث، أو مقاضاة الأطباء الذين يرتكبون هذه الجريمة. ولا تزال المناهج المقررة في كليات الطب لا تتضمن في مقرراتها الدراسية رسائل مناهضة لتشويه الأعضاء الجنسية للإناث. فوفقاً لبعض الدراسات الحديثة أن 10٪ من طلاب كليات الطب يقوموا بمزاولة هذه الممارسة بعد التخرج، وذلك بحسب البيان الصادر عن "قوة عمل مناهضة ختان الإناث في مصر".

الطبيب في بعض الحالات ينصّب من نفسه وصياً على سلوك النساء، ويعطى الحق لذاته في تقييم السلوك، وتحديد العقاب، وهو الوضع المنافي لجميع الأعراف الطبية، والحقوقية

الأطباء "يربّون" المريضات

في بوست لطبيب نشره عبر حسابه الشخصي وتداولته الصحف والمواقع الصحافية تباهى بتعمده الإيذاء الجسدي لمريضة واتخاذ إجراء طبي قاس ومؤلم لا داعي له "تأديباً لها".

يحكي الطبيب أن مريضة جاءته برفقة زوجها تشكو جرحاً في إصبع يدها: "جايلي في الاستقبال واحدة كدة متعورة بسبب البوتاجاز فتح صباعها من عند العقلة، ومجرجرة جوزها وراها عشان تتخيط، وجوزها يقولي والله ما مستاهلة خياطة بس هي صممت تيجي المستشفى وعاوزه تشوفها... أنا شفت الجرح لقيته خربوش ومش مستاهل، فقلت لها لو عاوزين خياطة هناخد 3 غرز وعملتها من غير بنج عشان تتربى".

طبيب آخر كتب منشوراً يعلن فيه سخطه على مريضات يرى أنهن يدعين المرض، فيعاقبهن بحقن الكحول تحت الجلد أو ضخه في الأنف، مسبباً لهن ألماً شديداً، وبعد انتشار البوست والتهديد بتقديم بلاغ ضده في نقابة الأطباء ووزارة الصحة، حذف الطبيب البوست، ولكن بعد أن انتشر وأخذت له صور لتوثيقه.  

نشر مركز القاهرة للتنمية بياناً تعليقاً على هذه الواقعة، جاء فيه "هذا الفعل الخاص بتعذيب المرضى، خاصة النساء يقوم به كثير من الأطباء. وترى مبادرة مراكز رعاية طبية آمنة للنساء، أن ما قام به هذا الطبيب هو انتهاك صارخ لحقوق المريضات، الواجب معاملتهن بشكل لائق [...]. وتؤكد المبادرة على أن تبني الأعراف المجتمعية التي تحط من شأن النساء، واعتمادها من قِبَل من يقدمون الخدمات الطبية المختلفة أمر شديد الخطورة، ويعرض حياة النساء للخطر. كما أن الطبيب في هذه الحالة نصّب من نفسه وصياً على سلوك النساء، وأعطى الحق لذاته في تقييم السلوك، وتحديد العقاب، وهو الوضع المنافي لجميع الأعراف الطبية، والحقوقية".

من أشكال العنف عند الولادة عدم وجود غرف رعاية وحضانات في المستشفيات، وإجراء تضييق فتحة المهبل، من أجل امتاع الزوج في ممارسة العلاقة الحميمة، وأحياناً يتم إخضاع المرأة لها دون علمها

عنف الولادة

عنف الولادة له أشكال متعددة ومختلفة، منها تعرض المريضة لفحص مهبلي متكرر قبيل الولادة، من دون ضرورة طبية ملحة ومن دون موافقة.

تعرضت مريضات سجلن شكاوى في مركز المساندة النفسية والقانونية في مؤسسة المرأة الجديدة إلى الحقن بمحفزات الطلق الزائد لتسريع عملية الولادة، والإهمال الطبي، واشتكت مريضات من تعرضهن لاعتداء جسدي أثناء الولادة من قبل الطاقم الطبي. كما يجري بشكل متكرر حرمان النساء من تناول مسكنات الألم أثناء الوضع، وتجاهل طلبهن للمسكنات بعد الولادة مباشرة، وانعدام الخصوصية في أكشاك الولادة، خاصة في المستشفيات العامة، وتجاهل توعيتهن بحقوقهن، التي تتضمن اختيار نوع الولادة، سواء كانت طبيعية أو قيصرية.

كذلك تشمل أشكال العنف عند الولادة عدم وجود غرف رعاية وحضانات في المستشفيات، وإجراء تضييق فتحة المهبل، من أجل امتاع الزوج في ممارسة العلاقة الحميمة، وأحياناً يتم إخضاع المرأة لها دون علمها.

وفي تقرير مصور لقناة الحرة تم رصد هذه الظاهرة ومناقشتها بناء على دراسة صدرت عن منظمة الصحة العالمية بيّنت أشكال العنف الذي تعرضت له النساء أثناء الولادة في بعض دول أفريقيا.

العنف في أماكن الرعاية الصحية يجب إيقافه عبر قانون شامل يضمن تقديم المجرمين للعدالة، ومدونة سلوك خاصة بمقدمي الخدمات الطبية تكون جزءاً من الدراسة في كليات الطب ومعاهد التمريض وغيرها من الكليات والمعاهد التي يتخرج منها مقدمو الخدمات الطبية، بغية أن يصبح الالتزام بها جزءاً من التعاقدات الخاصة بالمستشفيات الحكومية والخاصة، ومتابعة تطبيقها مسؤولية مباشرة لإدارة المستشفى.

وهناك دور واضح لنقابة الأطباء في توفير الحماية للناجيات من العنف واتخاذ شكواهم بجدية، وسرعة التحقيق فيها واتخاذ تدابير رادعة ضد الأطباء الذين يمارسون أي شكل من أشكال العنف ضد النساء أثناء تلقي الرعاية الطبية سواء في المستشفيات أو في العيادات الخاصة.


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

WhatsApp Channel WhatsApp Channel

ما زلنا في عين العاصفة، والمعركة في أوجها

كيف تقاس العدالة في المجتمعات؟ أبقدرة الأفراد على التعبير عن أنفسهم/ نّ، وعيش حياتهم/ نّ بحريّةٍ مطلقة، والتماس السلامة والأمن من طيف الأذى والعقاب المجحف؟

للأسف، أوضاع حقوق الإنسان اليوم لا تزال متردّيةً في منطقتنا، إذ تُكرّس على مزاج من يعتلي سدّة الحكم. إلّا أنّ الأمر متروك لنا لإحداث فارق، ومراكمة وعينا لحقوقنا.

Website by WhiteBeard