شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

ساهم/ ي في صياغة المستقبل!
نظرة نساء إلى أجسادهنّ تحت وطأة الضغوط النفسية والاجتماعية

نظرة نساء إلى أجسادهنّ تحت وطأة الضغوط النفسية والاجتماعية

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

حياة نحن والنساء

الجمعة 7 أبريل 202312:12 م

تندرج هذه المقالة ضمن "طيف22"، وهو مشروع مخصص لالقاء الضوء على التنوعات والاختلافات الجنسانية والجندرية والجسدية في بلدان الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، يشارك فيه صحفيون وصحفيات، ناشطون وناشطات وأفراد من مجتمع الميم-عين أو داعمون لهم/نّ، ليكون مساحة للتعبير بحرية عن مختلف المواضيع المتعلقة بالتوجّهات الجنسية والجندرية والصحّة الجنسية، بغرض كسر التابو والحديث بموضوعية عن هذه المسائل الشائكة.

إلى أي مدى ترضى المرأة عن مظهرها الخارجي، وسط المعايير الصارمة التي يضعها المجتمع والقيود المختلفة التي تكبّلها؟

تسمع نساء عديدات، خاصةً في عالمنا العربي، تعليقات سلبيةً عن أجسادهنّ بشكل شبه مستمر؛ عن مدى نحافتهنّ، عن وزنهنّ "الزائد"، عن طريقة تناولهنّ الطعام، عن الملابس التي تناسبهنّ أو تلك التي لا يجب عليهنّ ارتدائها، بسبب "تضاريسهنّ"، ما يؤثر بشكل مستمر على صورتهنّ الداخلية الشخصية وكيفية رؤيتهن إلى أجسادهنّ.

تعيش المرأة في ضغط مستمر بسبب رسائل العديد من القنوات الإعلامية والمنصات التسويقية التي تروّج لما تعدّه "الوزن المثالي"، وتعزز الصورة الغذائية المضطربة، كما أن وسائل التواصل الاجتماعي تعجّ بالإعلانات أو المنشورات التي تتحدث عن "كيفية الحصول على وزن مثالي" أو "أسهل وأسرع طريقة للنحافة في أسبوع فقط"، و"نحت الدهون وإزالتها في جلسة واحدة"، والعديد من الإعلانات عن منتجات "تفتيح" والبشرة و"تبييضها".

غالباً ما تقع النساء ضحايا لهذه المواد الترويجية، إذ ترى المرأة نفسها مضطرةً في بعض الأحيان إلى ركوب الموجة والامتثال لمعايير المجتمع وإن كان ذلك يؤثر سلباً على صحتها الجسدية والنفسية.

"ما بقدرش أتصور"

سارة، شابة مصرية، في الخامسة والعشرين من عمرها، وُلدت في القاهرة وترعرعت في أسرة متوسطة الحال، وعاشت مراهقةً مليئةً بالخوف من "الوزن الزائد"، إذ كانت تسمع تعليقات من عائلتها عن طريقة تناولها الطعام، واستحالة إيجاد شريك مناسب إذا استمر وزنها في الازدياد.

في هذا الصدد، قالت سارة لرصيف22: "كنت دائماً أتعجب من تعليقات عائلتي على وزني، وأنني بحاجة للذهاب إلى طبيب/ ة تغذية إن لم أتمكن من السيطرة على شهيّتي"، كاشفةً عن أن مثل هذه التعليقات تأتي من أقرب الناس إليها وتجعلها تكره جسدها.

تسمع نساء عديدات، خاصةً في عالمنا العربي، تعليقات سلبيةً عن أجسادهنّ بشكل شبه مستمر؛ عن مدى نحافتهنّ، عن وزنهنّ "الزائد"، عن طريقة تناولهنّ الطعام، عن الملابس التي تناسبهنّ أو تلك التي لا يجب عليهنّ ارتدائها

كوّنت سارة صورةً غير سليمة عن جسدها، استمرت معها منذ المراهقة وحتى هذه اللحظة: "ما بقدرش أتصور، ولو اتصوّرت لازم أعمل للصور فوتوشوب قبل ما أنزّلها"، وتابعت: "أمنع أصدقائي من الإشارة إلى صوري على وسائل التواصل الاجتماعي، قبل أن أشاهدها بنفسي لأتأكد من أنني لا أبدو سمينةً".

وتحدثت سارة عن صعوبة التعارف الإلكتروني لأنه ببساطة قائم على الصور، وبرأيها من يرى صورها ثم يراها في الحقيقة لن يصدّقها ولن يجدها متطابقةً: "أسمع الكثير من الخطابات التشجيعية والتحفيزية عن حب الجسد، لكن كلها تأتي من نساء نحيفات، فكيف أصدّق هذا الهراء؟".

علاقتي مع الوزن غير صحية

بدورها، تعاني زينة، وهي شابة لبنانية (30 عاماً)، من علاقة سيئة مع وزنها ومن مشكلات صحية بسبب فقدان الوزن، وفق ما أخبرت رصيف22: "أتلقى تعليقات قاسيةً عن مدى نحافتي. وزني 43 كيلو، وأعلم أن هذا ليس صحياً، لكن لا أستطيع السيطرة على نفسي، لذا أستمر في تطبيق أنظمة غذائية قاسية لأخسر المزيد من الوزن".

"أشعر بأن جسمي يكرهني لأنني أعذّبه بالطعام، وأنا أكرهه لأنني ما زلت لا أعلم كيف يمكن أن أتصالح معه"

وأضافت: "لا أفهم متى بدأ هوسي بفقدان الوزن، لكن أتذكر كلما كنت أقف أمام المرآة لا أرى غير دهون زائدة وعلامات بيضاء STRETCH MARKS تملأ جسدي، أما الآن فأتمنى أن أعود كما كنت من قبل".

أصبح الطعام بالنسبة لزينة كالعدو الذي يهدد وجودها بحيث تأكل يوماً وتستمر أياماً بلا طعام.

علاقة كراهية متبادلة

تعاني عليا، وهي شابة سورية (33 عاماً)، هاجرت إلى تركيا في العام 2013، من اضطراب نهم الطعام، وفق ما قالت لرصيف22: "وزني لا يوحي بأنني أعاني أبداً من اضطراب نهم الطعام، وفي الحقيقة لا يعلم أهلي بأنني أعاني من أي مرض، لا يمكنني أن أشاركهم أي تفاصيل لأنهم ببساطة لن يستوعبوا ما أشعر به".

وتابعت: "أتناول كميات ضخمةً من الطعام في السرّ، ثم أمتنع عن الطعام لأيام"، وفي ردّها على سؤال عن علاقتها بجسدها أجابت: "علاقة كراهية متبادلة، أشعر بأن جسمي يكرهني لأنني أعذّبه بالطعام، وأنا أكرهه لأنني ما زلت لا أعلم كيف يمكن أن أتصالح معه".

تزداد نوبات النهم عند عليا، وتصبح أكثر صعوبةً، بشكل خاص في الأوقات التي تعاني فيها من ضغوط نفسية: "لم يعد الأمر خاضعاً لسيطرتي، ولا أتحمل كلفة زيارة طبيب الآن، كل ما أحاول فعله هو أن أسيطر على هذه النوبات، لكنني أفشل في معظم الأحيان".

في حديثها إلى رصيف22، كشفت مستشارة التغذية الحسية، سهيلة محمد، عن تجربتها مع العديد من النساء اللواتي يعانين من اضطرابات نهم الطعام أو من تصورات غير صحيحة عن أجسادهنّ: "من أشهر ما سمعته من النساء حول الطعام بعض العبارات، مثل: 'ليست لديّ إرادة، فقد أفسدت النظام الغذائي'، أو 'أعرف كيف أسيطر على كل شيء في حياتي عدا الطعام'، وتصريحات أخرى مليئة باللوم والشعور بالكراهية تجاه أجسادهنّ ومظهرهن الخارجي، وشعور بعض النساء وكأنهنّ خارج أجسادهنّ ولديهنّ الكثير من التساؤلات التي يلمن فيها أجسادهنّ، في رحلة بحثهنّ عن الانتماء إلى إطار جسدي يرضى عنه المجتمع".

تستمر أزمة صراع النساء على ملكية أجسادهنّ، ومنهنّ من ما زلن يقعن تحت رغبات المجتمع الاستهلاكي والمعايير الصارمة على حساب أجسادهنّ الخاصة، وتحديداً في ظل الضغوط والتعليقات المسيئة

وأضافت سهيلة: "يمكن أن يكون إرضاء الشركاء سبب من أسباب اتّباع النساء للأنظمة الغذائية القاسية، لكن الفئة الأكبر تبدأ مشكلاتها من العائلة، ومن تنمّر أحد الوالدين أو كليهما، من عدم قدرة المرأة على ارتداء ما تختاره وإجبارها على ارتداء ملابس أخرى، أو أن تبدأ العلاقة المضطربة مع الطعام كمحاولة للسيطرة على الطعام، وسط أحداث كثيرة تفقد فيها نساء قدرتهنّ على السيطرة عليها، مثل العنف الأسري أو المعنوي من أحد الوالدين، وكل ما يستطعن أن يفعلنه في هذا الوقت هو الاهتمام بأجسادهنّ والانغماس في سيطرتهنّ على الوزن سعياً إلى الحب والقبول".

شاركت بعض النساء مع سهيلة، رغبتهنّ في تغيير نمط تعاملهنّ مع الطعام فقط "لأجل أنفسهنّ" مما يدعو إلى التفكير: هل هؤلاء النساء يفعلن هذا لأنفسهنّ وليس رغبةً في الحب والقبول؟

وأضافت سهيلة: "بالطبع لا عيب في ذلك، في كل الحالات نشجع المرأة على أن تفعل ما تشاء، وما تختار، وما ترضى، لكن فقط نتساءل: إن كانت النساء محبوبات ومقبولات في أشكالهنّ وحالاتهنّ كافة، هل سيواصلن في الرغبة في السيطرة على علاقتهنّ بالطعام؟".

وأوضحت قائلةً: "في الأغلب، تبدأ اضطرابات الطعام والصور غير المتصالحة مع الجسد في سن المراهقة أو بعد صدمات تعرضت لها النساء، وفي بعض الأحيان لا تعي غالبية النساء بإصابتهن باضطرابات نهم الطعام، بل منهنّ من يضعن مسميات أخرى، منعاً للمواجهة أو في محاولة منهنّ للإنكار أو لعدم معرفتهنّ الفعلية بالأمر".

واستدركت سهيلة: "في أثناء الرحلة العلاجية، لا أفضّل التشخيص أو الإشارة إلى اضطراب طعام معيّن إلا إذا كان الأمر يستدعي ذلك، لكنني أعمل على التعامل مع نمط الحالة، حيث تبدأ بعض النساء بالتركيز على حالاتهنّ أكثر من التركيز على العلاج، فبدلاً من أن يصبحن مهتمات بمعرفة كل ما يخص الاضطراب بشكل يصل إلى الهوس، نعمل معاً على حلّ تعقيدات النمط مع خلق مساحة آمنة للمشاركة، حيث يصعب على الإنسان أن يحكي تفاصيل خاصةً بسهولة".

تستمر أزمة صراع النساء على ملكية أجسادهنّ، ومنهنّ من ما زلن يقعن تحت رغبات المجتمع الاستهلاكي والمعايير الصارمة على حساب أجسادهنّ الخاصة، وتحديداً في ظل الضغوط والتعليقات المسيئة، سواء أكانت من قبل الأهل أو الضغوط الناجمة عن رغبة الشريك في جسد "مثير" من وجهة نظره، وفي ظل ترويج بعض وسائل الإعلام والمنصات الإلكترونية لما يجب أن يكون عليه جسد المرأة.

وفي الختام يبقى الوزن مجرد رقم لا أكثر، والأهم هو أن تتصالح المرأة مع جسدها وأن تحتضنه.

هذا المشروع بالتعاون مع Outright Action International.


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

منبر الشجعان والشجاعات

تكثُر التابوهات التي حُيِّدت جانباً في عالمنا العربي، ومُنعنا طويلاً من تناولها. هذا الواقع هو الذي جعل أصوات كثرٍ منّا، تتهاوى على حافّة اليأس.

هنا تأتي مهمّة رصيف22، التّي نحملها في قلوبنا ونأخذها على عاتقنا، وهي التشكيك في المفاهيم المتهالكة، وإبراز التناقضات التي تكمن في صلبها، ومشاركة تجارب الشجعان والشجاعات، وتخبّطاتهم/ نّ، ورحلة سعيهم/ نّ إلى تغيير النمط السائد والفاسد أحياناً.

علّنا نجعل الملايين يرون عوالمهم/ نّ ونضالاتهم/ نّ وحيواتهم/ نّ، تنبض في صميم أعمالنا، ويشعرون بأنّنا منبرٌ لصوتهم/ نّ المسموع، برغم أنف الذين يحاولون قمعه.

Website by WhiteBeard
Popup Image