"توقفوا/ن عن اتباع نظام غذائي وابدأوا/ن في تذوّق طعامكم/نّ بدلاً من ذلك"، هذه النصيحة ، استهلّت بها تارا باركر بوب مقالها الذي ورد في صحيفة نيويورك تايمز.
وبالرغم من غرابة هذه النصيحة، غير أن هناك أدلة علمية متزايدة تشير إلى أن تقييد الطعام يجعل المرء يرغب في تناول المزيد من المأكولات.
وعلى المدى البعيد، يمكن أن يؤدي اتباع نظام غذائي صارم إلى نتائج عكسية، أبرزها: إبطاء عملية التمثيل الغذائي وصعوبة فقدان الوزن في المستقبل.
غير أن قرار الإقلاع عن الدايت لا يعني الابتعاد عن العادات الصحية التي تفيد الجسم، بل يتمثل في التخلي عن الأفكار القديمة التي تدور حول حساب السعرات الحرارية بشكل هوسي، وحظر الأطعمة المفضلة ومراقبة الوزن لتحديد مدى نجاح الحمية الغذائية.
نهج جديد
يشجع العديد من الباحثين في مجال الوزن على اتباع نهج جديد للأكل الصحي يعتمد على علم الدماغ، بحيث يمكن استخدام مجموعة متنوعة من التقنيات التي تشجع على الوعي الكامل بكيفية تناول الطعام، والقبول المرتبط بالأطعمة التي نريد تناولها وتمارين الأكل البديهية لقمع الرغبة الشديدة وإعادة تشكيل عاداتنا الغذائية.
في هذا الصدد، قال الدكتور جودسون بروير، الأستاذ المشارك في العلوم السلوكية والاجتماعية في كلية الصحة العامة في جامعة براون، والذي درس ممارسات الأكل الواعي: "النماذج حول قوة الإرادة لا تعمل". وتابع: "عليكم/نّ أن تعرفوا/ن كيف يعمل عقلكم/نّ".
قرار الإقلاع عن الدايت لا يعني الابتعاد عن العادات الصحية التي تفيد الجسم، بل يتمثل في التخلي عن الأفكار القديمة التي تدور حول حساب السعرات الحرارية بشكل هوسي، وحظر الأطعمة المفضلة ومراقبة الوزن لتحديد مدى نجاح الحمية الغذائية
لا شك أن اتباع عادات الحمية الغذائية في هذا الوقت من العام هو أمر صعب بشكل خاص بسبب الظروف الصعبة التي نعيشها وخطط إنقاص الوزن الدخيلة التي تحاول جذب المستخدمين/ات من خلال الزعم بأنها ضد النظام الغذائي التقليدي، وذلك بغية فرض ممارسات تناول طعام مقيّدة بمجرد الاشتراك.
تشير ترايسي مان، التي ترأس مختبر الصحة والأكل في جامعة مينيسوتا، إلى أنه بالإضافة إلى خيبة الأمل المتمثلة في عدم الحفاظ على الوزن، فإن اتباع نظام غذائي صارم يؤثر أيضاً على الجسم بعدد من الطرق السلبية، إذ يمكن أن يؤثر تناول الطعام المقيّد مثلاً على الذاكرة، ويؤدي إلى أفكار هوسية عن الطعام وإلى زيادة معدل الكورتيزول، وهو هرمون التوتر.
واعتبرت ترايسي أن هذا النظام الغذائي هو "وسيلة غير سارة وقصيرة الأمد لمحاولة إنقاص الوزن"، بغض النظر عن الإرادة التي يمكن أن يتمتع بها البعض.
كيف تتشكل عادات الأكل؟
كما أشرنا في السابق، يمكن أن يؤدي اتباع نظام غذائي مقيّد وفقدان الوزن السريع إلى تغييرات دائمة قد تُبطئ عملية الأيض، وتُحدث تغييرات في الهرمونات التي تنظم الجوع، كما تعيق جهود الحفاظ على الوزن.
وبالمثل، تشير الدراسات إلى أن الجسم الذي يشهد انخفاضاً في الوزن يستجيب للطعام والتمارين الرياضية بشكل مختلف عن الجسم الذي لم يتبع نظاماً غذائياً، وقد تحرق عضلات الشخص الذي يتبع نظاماً غذائياً سعرات حرارية أقل مما هو متوقع أثناء التمرين.
إذن ما الحلّ؟
قام الطبيب النفسي وعالم الأعصاب، جادسون بروير، باختبار عدد من تقنيات اليقظة الذهنية لمساعدة الأشخاص على الإقلاع عن التدخين، تقليل القلق والسيطرة على الأكل العاطفي، كما أطلق تطبيقاً يسمى Eat Right Now لمساعدة الأشخاص على تغيير عاداتهم الغذائية.
في هذا الصدد، وجدت دراسة أجرتها جامعة براون على 104 امرأة، أن تدريب اليقظة قلّل من الأكل المرتبط بالشغف بنسبة 40%، ووجدت دراسة أخرى قام بها علماء في جامعة كولومبيا، أن التدريب على الأكل الذي يتسم بالحدس واليقظة أدى غالباً إلى فائدة واحدة على الأقل للتمثيل الغذائي أو صحة القلب، مثل تحسين مستويات الغلوكوز أو خفض الكوليسترول أو تحسين ضغط الدم.
تتعلّم أدمغتنا أن البوظة تجعلنا نشعر بالرضا في أوقات التوتر، ما يعزز حلقة العادة، ومع مرور الوقت، يمكننا تطوير عدد من حلقات العادات التي تدفعنا إلى تناول الطعام عندما نشعر بالملل أو الغضب أو التوتر أو التعب بعد العمل
أشار الدكتور بروير إلى أن بعض سلوكيات الأكل، مثل الإفراط في تناول رقائق البطاطا أو تناول الحلوى، غالباً ما تكون نتيجة حلقات العادات التي يتم تعزيزها مع مرور الوقت، شارحاً أن حلقات العادة هذه يمكن أن تتشكل من التجارب الجيّدة والسيئة: الآيس كريم، على سبيل المثال، قد نأكله أثناء الاحتفالات، وبالتالي، يتعلم الدماغ ربط تناول الآيس كريم بالشعور بالرضا.
في حين أنه ليس من الخطأ تناول الآيس كريم، إلا أنه يمكن أن يتحول إلى مشكلة عندما نبدأ في تناوله بعد محفّز عاطفي، مثل الشعور بالتوتر أو الغضب. بمعنى آخر، تتعلّم أدمغتنا أن البوظة تجعلنا نشعر بالرضا في أوقات التوتر، ما يعزز حلقة العادة، ومع مرور الوقت، يمكننا تطوير عدد من حلقات العادات التي تدفعنا إلى تناول الطعام عندما نشعر بالملل أو الغضب أو التوتر أو التعب بعد العمل.
وعليه، أوضح الدكتور بروير أنه من خلال فهم حلقات العادات الخاصة بنا والمحفّزات الكامنة وراءها، يمكن المساعدة في كسر دائرة السيطرة من خلال تحديث عقلنا بمعلومات جديدة، فتمارين اليقظة التي تدفعنا إلى الإبطاء والتفكير في كيف ولماذا تأكل، يمكن أن تعلم عقلنا أن الطعام الذي "يشعرنا بالرضا" لا يجعلنا نشعر بالرضا فعلاً، ما يعني كسر حلقة العادة.
Eat Right Now وكيفية تطبيقه
يجب البدء في ممارسة الوعي عن طريق التباطؤ والتفكير في ما نأكله ولماذا نتناوله، بالإضافة إلى عدم التركيز على إنقاص الوزن أو تقييد الطعام أو استبعاد الأطعمة المفضلة من نظامنا الغذائي، كما أنه يجب تجنّب تصنيف الأطعمة على أنها "جيّدة" أو "سيئة".
الهدف هو التركيز على مذاق وقوام الطعام، وكيف نشعر قبل الأكل وأثناءه وبعده.
"توقفوا/ن عن اتباع نظام غذائي وابدأوا/ن في تذوّق طعامكم/نّ"
في السطور التالية، تمارين بسيطة من برنامج Eat Right Now التي قد تساعدكم في التحكم بنوبات الجوع، بعيداً عن بعض الأنظمة الغذائية المرهقة والتي لا تجدي نفعاً.
تناول الوجبة بوعي
ليس هناك حاجة لتتبع ما نأكله أو تقييد نظامنا الغذائي، إنما يمكن فقط التحقق من جسدنا في كل مرة نأكل فيها: تحديد مدى جوعنا الآن وذلك على مقياس يتراوح من صفر إلى 10، (الصفر معدة فارغة و 10 ممتلئ بشكل غير مريح)، بعد ذلك، يجب أن ننظر إلى الطعام ونركز على القوام والألوان، وبعدها نشم رائحة طعامنا ومن ثم نتناول قضمة وننتبه جيداً لمذاق الطعام وشعوره في فمنا. بعد عدة قضمات، نتحقق من جسدنا لمعرفة ما إذا كنّا نشعر بالشبع أم لا.
رسم خريطة لعاداتنا الغذائية
يعمل هذا التمرين على سلوك الأكل الذي نرغب في تغييره، مثل الإفراط في تناول الوجبات الخفيفة أو طلب الوجبات السريعة.
تتكون عاداتنا الغذائية من ثلاثة عناصر: المحفز والسلوك والنتيجة. من خلال تحديد عاداتنا، يمكن تزويد عقلنا بمعلومات جديدة حول كيف تجعلنا هذه العادة نشعر حقاً.
البدء باختيار سلوك أكل واحد نرغب في تغييره: ربما نرغب في تناول وجبات خفيفة أقل خلال النهار، أو تقليل تناول الطعام في الخارج أو الآيس كريم والحلويات. بينما لا حرج في الاستمتاع بهذه الأطعمة، فقد حددنا أن هذه الأطعمة تجعلنا ننغمس في عادات خاطئة.
التحفيز: يجب التفكير في مصدر التحفيز، هل هو الجوع؟ القلق؟ الغضب؟ الملل؟ أم أننا ببساطة نكافىء أنفسنا بهذا النوع من الطعام؟
التركيز على النتيجة: قبل أن نأكل، يجب أن نسأل أنفسنا بعض الأسئلة: ما الذي أحصل عليه من هذا الطعام؟ كيف سيجعلني تناول هذا الطعام أشعر؟ هل استمتعنا به؟ هل انتهى بنا الأمر بتناول الكثير من الطعام؟ هل شعرنا بالامتلاء أو الغثيان؟ هل شعرنا بالذنب؟
إن التفكير في الشعور قبل وأثناء وبعد تناول الطعام يحدث تحديثاً للمعلومات التي يمتلكها دماغنا حول ما إذا كان يعتبر الطعام مكافأة أو لا، ويمكن أن يساعد في كسر قبضة طعام معيّن وسيطرته علينا.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 5 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...