قال عنها إحسان عبد القدوس إنها شامخة مثل برج الجزيرة، وقال عنها سارتر "وجدت إلكترا مصر". استحقت سميحة أيوب مكانتها بين جيل العظماء، فهي واحدة من قامات الفن المصري.
ولدت في الثامن من شباط/ مارس لسنة 1932، ونشأت في حي شبرا وهو من الأحياء القاهرية العريقة الذي امتزجت فيه الثقافة الشعبية بأصالة الكلمة وقوة الحديث، حين كان للكتاتيب كلمتها وحضورها لتخرج لنا صوتاً ولغةً سيدة المسرح العربي، أثقلت تلك الموهبة بالعلم، فالتحقت سميحة بمعهد الفنون المسرحية وكان عمرها لا يتجاوز الرابعة عشرة، وتابعت الحصاد خطوة تلو خطوة.
قدمت للجمهور 170 عملاً مسرحياً، من بينها أهم الكلاسيكيات العالمية والعربية مثل "السلطان الحائر" لتوفيق الحكيم، و"أنطونيو وكيلوباترا" لأحمد شوقي، و"كوبري الناموس" و"سكة السلامة" لسعد الدين وهبة، و"الناس اللي في التالت" لأسامة أنور عكاشة، و"دائرة الطباشير" لبريخت، و"الوزير العاشق" لفاروق جويدة، و"حبيبتي شامينا" لرشاد رشدي، و"ست الملك" لسمير سرحان..
حصلت سميحة أيوب على تكريم قلما حصل عليه سواها، اختارتها الهيئة الدولية للمسرح لتكتب كلمة يوم المسرح العالمي الذي يصادف اليوم ، وهي كلمة تنشر في 27 شباط/ فبراير من كل عام، وهي كلمة سبق أن كتبها كبار الكتاب والمخرجين أمثال بيتر بروك، فيكتور هيغو، ايزابيل هيبوبرت، كريستوف فارليكوفسكي، بريت بيلي، داريو فو، سعد الله ونوس، وفتحية العسال، وغيرهم.
رصيف22 حاور سيدة المسرح العربي في يوم المسرح العالمي حول جديدها وذكرياتها، ورؤاها لواقع الفن العربي وقضايا المرأة والمجتمع، وحول تاريخها الطويل مع الفن والحياة. وفي ما يأتي نص الحوار.
في منطقة شعبية في أحد الأحياء البسيطة نشأتِ، كيف انقلبتِ على التقاليد والعادات السائدة في عمر صغير والتحقت بمهنة التمثيل؟
دخلت الفن بالصدفة، فلم يكون ذلك متاحاً ولا غايتي، كما لم يكن هناك أي تخطيط. ذهبت إلى معهد الفنون المسرحية بصحبة إحدى صديقاتي كي تقدم هي أوراقها لتلتحق بالمعهد، وأثناء دخولي معها سألني أحد الأساتذه "انت بتحبي التمثيل؟" فقلت له "أيوه"، ثم قال: "بتحبي مين من الممثلين؟" فقلت له أحب يوسف وهبي، وبالمصادفة كان يوسف وهبي ضمن فريق الاختبار والمكون بالإضافة له من جورج أبيض وزكي طليمات، لم أعرف وهبي وهو أحد الجالسين أمامي، وهو ما أثار ضحكهم، ثم قال لي يوسف وهبي قررنا أن نضمك إلى المعهد مع صديقتك، ولكن كمستمعة فقط لأن عمرك لا يزال صغيراً، وليس بصفة انتظامية، ولكن بعد أيام من التحاقي ودراستي بالمعهد لاحظ أستاذي زكي طليمات أنني موهوبة وسريعة الحفظ، فقال "لأول مرة يخونني ذكائي" وهو ما جعله يحصل لي على استثناء من مدير المعهد بتخطي حاجز السن وقبولي كطالبة انتظامية، إضافة إلى اختياره لي في فرقة التمثيل المسرحي، وبدأ تدريبي وتعليمي ليس في المعهد فحسب ولكن على خشبة المسرح القومي، ضمن فرقة المسرح، وأصبح زكي طليمات هو الداعم الأول والأهم في بداية مشواري الفني.قال عنها إحسان عبد القدوس إنها شامخة مثل برج الجزيرة، وقال عنها سارتر "وجدت إلكترا مصر"، كرمها جمال عبد الناصر، وحصلت على العديد من الأوسمة والجوائز والألقاب أهمها "سيدة المسرح العربي"
كيف كان رد فعل العائلة على ذلك القرار المفاجئ لدخولك مجال الفن؟
تمّ طردي من البيت، ثم مقاطعتي، ولم أجد معيناً إلا خالي، هو وحده الذي دعمني وشجعني على انتهاج الفن والالتحاق بمعهد الفنون المسرحية، فنقلت إقامتي إلى عنده، واستمرت المقاطعة العائلية سنوات طويلة حتى ذاع صيتي وأصبحت في مكانة اجتماعية وثقافية كبيرة، ولهذا لم أكن أكتب سابقاً لقب العائلة "أيوب" إلى جانب اسمي، وهو ما أثر على نفسيتي، حتى أنني غيرت الإسم أكثر من مرة، ففي السينما "سميحة سامي" وفي الإذاعة أسميت نفسي "عذراء الربيع" ثم تجاسرت وقلت في نفسي أنا لم أقدم شيئاً معيباً، بل على العكس أنا أقدم للجمهور أعمالاً عظيمة لها أهداف سامية ورسالة نبيلة، وهنا قررت أن احتفظ بإسمي "سميحة أيوب" دون أن أعطي نفسي مجالاً للتفكير في موقفهم مني ومن مهنتي التي بدأت أتعلق بها جداً، ثم مرّت سنوات وأنا أستقبل نصوصاً مختلفة أختار من بينها ما يبني ويعلم ويزيد الوعي، فحققت النجاح في الكثير منها، وشغلني هذا النجاح عن كل شيء وعن أي أحد في العائلة، لم يكن يشغلني حينها إلا رؤية أمي وأبي فقط، فلم يكن لدي وقت للزيارات أو التواصل مع الأهل، ومع مرور الوقت وصعود نجمي بدأ الجميع يتواصلون معي ويعيدون حبل المودة من جديد.رغم بدايتك القوية في التعلم والتدرب في المسرح كانت بدايتك إذاعية مع "سمارة"، ما حكاية العبارة الشهيرة "هذه هي سمارة"؟
بالفعل كانت هذه البداية في الخمسينيات مع مسلسل "سمارة"، ترددت كثيراً في قبول هذا العمل، ولكن إصرار المخرج علي قيامي أنا تحديداً بهذا الدور حيرني لدرجة أنه قال لي "تعالي إعملي بروفا وإذا وجدتِ نفسك في الدور كملي"، وهذا ما قمت به، إلى أن تعايشت مع الشخصية وشعرت فيها بسميحة أيوب ذاتها، وقد كان العمل من تأليف عبد المنعم السباعي وإخراج يوسف الحطاب وبطولتي أنا ومحسن سرحان وتوفيق الدقن وسعد أردش.في الخمسينيات قامت ببطولة المسلسل الإذاعي "سمارة" الذي تسبب بمشكلة بين وزارتي الإعلام والتعليم العالي لتغيب الطلاب عن المحاضرات في وقت عرضه
كان مسلسلاً اجتماعياً من قلب الحارة المصرية، وتعلق به المستمعون لدرجة أنه كان سبباً في حدوث أزمة بين وزارة التعليم العالي ووزارة الإعلام، فقدم أساتذة جامعة طلباً لوقف عرض المسلسل، إذ كان الطلاب يمتنعون عن حضور محاضراتهم لكي يستمعوا إلى المسلسل في الإذاعة. ولا أبالغ إذا قلت إن المسلسل كان يُحدث أزمة في حركة المرور لحرص الجميع على الوصول للبيت وسماعه وقت إذاعته الخامسة مساءً.
قدمتِ العديد من الأدوار لكتاب مصريين وعالميين مثل توفيق الحكيم، وسعد الدين وهبة، وجان راسين، وشكسبير، ومولتير، وأنطون تشيكوف، وسارتر، إلا أن سارتر هو من حرص على رؤية روايته "الندم" بأدائك المسرحي، فكيف حدث ذلك؟
كنت أقوم بعملي في تجسيد الشخصية بطلة الرواية، على المسرح القومي، وكان من بين المداومين على الحضور باستمرار رئيس مجلة "نوفل أوبزرفاتور" الفرنسية، وتعجب من أدائي لهذا الدور يومياً، خاصة أن المسرحية في فرنسا كانت تعرض مرتين في الأسبوع فقط، وكان صديقاً لسارتر وأخبرني أنه دعاه لمشاهدة المسرحية، وبالرغم من انبهاره بأدائي لم يكن يتوقع رأي سارتر في الأداء خاصة أنه شخص حاد اللسان لا يقبل المجاملات إطلاقاً ولا يتوقَع ردود فعله أحد.ولهذا، يوم أن علمت بحضور سارتر إلى المسرح كنت خائفة جداً من ردة فعله، فقررت أن أقوم بأداء دوري في المسرحية وعند الانتهاء أتوجه سريعاً للخروج متعللة بعملي بعد المسرحية، ولكن ما لم أتوقعه أن يقوم سارتر بالصعود إلى الخشبة لدى انتهاء المسرحية ويقول لي "الآن وجدت إلكترا مصر"، من شدة إعجابة بتمثيلي وأدائي لدور البطلة. ساعتها تنفست الصعداء من ردة فعله، التي اعتبرتها علامة مميزة وشهادة لي في بداياتي المسرحية.
سينمائياً رشّحتك السيدة أم كلثوم لتجسيد دور رابعة العدوية رغم أن ممثلة أخرى كانت قد اختيرت لهذا الدور من قبل المخرج، كيف تم هذا الأمر وما هي حكايته؟
كان المنتجون يعدون لمسرحية رابعة العدوية من تأليف يسري الجندي وإخراج عثمان أباظة، وبالفعل كانت ممثلة أخرى قد اختيرت لهذا الدور وبدأت في بروفات المسرحية، إلا أن السيدة أم كلثوم اتصلت بعثمان أباظة وطلبت منه أن أجسد أنا دور "رابعة"، وقالت إن الدور يحتاج إلى بطلة لها صوت معين كونها –أي البطلة- ستقدم وتغني أشعار المسرحية، وهذا الصوت لا بد أن يكون صوت "سميحة أيوب"، عندما عرض عليَّ الأمر رفضت، فتبعاً لقواعد المهنة فإن ممثلة أخرى قد بدأت بروفاتها، ولكن عثمان أباظه شرح الأمر وقام بالاعتذار لهذه الممثلة، ولم أقبل الدور إلا بعد أن أستأذنت منها، والحمد لله حققت في الدور تعاطفاً كبيراً من الجمهور، رغم صعوبته وصعوبة لغته على المتلقي البسيط.لماذا تغيرت أنماط الكتابات التراجيدية في المسرح المصري، وأصبحت الصفة الغالبة هي الكوميديا؟
الجمهور هو الذي يؤثر في نوع المحتوى المقدم من أي وسيلة إعلامية، يختلف ذلك من مرحلة لأخرى، ولعل مسرح القطاع الخاص الذي صارت له اليد الطولى في السنوات الماضية قد أثر في ذلك بشكل كبير. طبعاً لا أغفل أن التراجيديا لا تزال موجودة ولكن في المسرح القومي. ومع ظهور جيل جديد من الفنانين والكتاب الذين يميلون إلى الكوميديا تأثروا بموجة الأفلام السينمائية الكوميدية التي سيطرت على شباك التذاكر طوال السنوات الماضية، فتغيرت الأعمال المعروضة على المسرح شيئاً فشيئاً نحو الكوميديا.هل تعتقدين أن التلفزيون قلل من أهمية الفنون الاستعراضية التي كانت سائدة في مصر سابقاً، أو بكلمات أخرى تراجعت أهمية الأغنية الحية "غير المسجلة" والرقص الاستعراضي لصالح السيناريو أو القصة؟
السينما أولاً وأخيراً صناعة، فهي تبحث عن المكسب والنجاح، لذلك لا بد أن يضمن المنتج أن أمواله ستزداد بعد نجاح العمل الفني. الأفلام الاستعراضية والغنائية يصعب توقع نجاحها وضمان عودة المكسب إلى المنتج، خاصة أن تكلفة هذه النوعية من الأفلام ضخمة في العادة، لذا عادة يفضل المنتجون اللعب في المضمون إن صح التعبير؟ واستثمار أموالهم في أفلام الكوميديا أو الأكشن المضمونة العائد، إذ يقبل الجمهور عليها، لذلك يعتبر الجميع أن استثمار النقود في الأفلام الاستعراضية والغنائية أصبح أمراً صعباً لأن المنتجين لا يضمنون أن يتقبلها الجمهور العربي بسهولة. وبالتالي لا أحد من المنتجين سيغامر ويضع نفسه تحت ضغط التوقع والتساؤل إن كان الجمهور سيتقبل العمل أم لا، وهل سيغطي العمل تكاليفه أم لا، وهل سينجح فنياً أم لا. أمر آخر يمكن أن يكون سبباً في البعد عن الأفلام الاستعراضية هو غلبة التدين السلفي على المنطقة في العقود الأخيرة.حصلتِ على العديد من التكريمات العربية والعالمية. حدثينا عن هذه التكريمات وأهمها من وجهة نظرك؟
الحمد لله أشعر بالارتياح والامتنان، فقد أحبني الناس وقدروني، وأعتقد أن هذا أفضل تكريم حصلت عليه على مدار مشواري الفني والمسرحي، كما أن تكريمي من الزعيم الراحل جمال عبد الناصر هو أهم تكريم، فأنا من محبي جمال عبد الناصر رحمه الله، وحصولي على وسام الجمهورية في العلوم والفنون منه في منتصف الستينيات أسعدني للغاية، كما أسعدني نيلي جائزة الدولة التقديرية، وجائزة النيل للعلوم والفنون وهي جائزة لم يحصل عليها أي ممثل في مصر خاصة أنها تمنح لصناع الإبداع، علماً بأن تصنيفهم للممثل مؤدياً أي "مشخصاتي" فقط وليس بمبدع، وهذا ما أرفضة تماماً، فلولا إبداع الفنان لما كان الفهم للإطار المكتوب أو إبراز الشخصية التي يؤديها، وهذا ما قدرتة لي الدولة حين اقتنعت أن ما تقوم به سميحة أيوب من أدوار وما قدمته على مدار مسيرتها الفنية هو إبداع وليس مجرد أداء. كما كرّمني الرئيس الفرنسي جيسكار ديستان سنة 1977 وحصلت على الوسام الذي كان بدرجة "فارس" وهو أحد الأوسمة العريقة.سميحة أيوب: سعي الإنتاج للربح السريع وغلبة التدين السلفي أثّرا على تراجع الفنون الاستعراضية لصالح الكوميديا والآكشن
جسدتِ العديد من الأدوار على خشبة المسرح، ما هو الدور الذي يعتبر نقطة البداية الحقيقية؟
أعتبر مسرحية "زقاق المدق" التي حاول نجيب محفوظ فيها الخروج بالمرأه من المألوف إلى التحرر والانفتاح هو أفضل أدواري وأقربها إلى قلبي، فقد قدمت من خلال هذا العمل الكثير من القيم والمبادئ التي كنت ولا أزال أومن بها حول المرأة وفهم المجتمع لدورها، وأثلج صدري أن تخيلي لواقع المرأة متطابق مع مفردات الشخصية ومتسق مع ما أؤمن به من مبادئ الحرية والخير والجمال التي تستحقها المرأة المصرية والعربية.ماذا كسبت المرأة المصرية وماذا خسرت منذ الخمسينيات؟
المرأة المصرية في كفاح مستمر منذ وجودها على هذه الأرض، فقد كانت ولا تزال القوة والسند للمجتمع، فلعبت دوراً بارزاً فى كل الأحداث السياسية والاجتماعية الكبرى التي مرت بالوطن، وحديثاً هي النموذج الأمثل في ظل الأوضاع الصعبة التي مرت بمصر منذ ثورة 25 يناير، ومنذ الـ30 من يونيو/ حزيران حتى الآن، ما يؤكد إدراكها العميق المخاطر التى تحيط بالوطن، كما أنها لم تتوان عن تقديم التضحيات في كل هذه المراحل. صحيح أنه حدث تراجع بعض الشيء عن القيم والهوية المصرية في كثير من الأمور الخاصة بالمرأة في مرحلة ما، لكن حصل تدارك للأمر حالياً، إذ اكتسبت الفتيات الكثير من المزايا فأصبحن هن قاطرة التنمية، كذلك أرى أن ملف تمكين المرأة المصرية وحصولها على حقوقها كاملة شهد تقدماً هائلاً على أيدي هؤلاء الفتيات، لم يعد هناك سقف لطموحهن، وقد مُهد لهن الطريق لمشاركة واسعة النطاق في القطاعات الاقتصادية والسياسية والاجتماعية والثقافية.ما هي أوجه التشابة وأوجه الاختلاف بين ممثلي الحاضر وممثلي أيام زمان من أمثال سميحة أيوب ويوسف وهبي؟
يجب أن تكون الثقافة جزءاً لا يتجزأ من تكوين الفنان، وبقدر المامه بمختلف جوانب الحياه يصير الممثل مبدعاً، ولا أعتقد أنني كنت سأصبح سميحة أيوب الآن، لولا قراءاتي ومحاولاتي الدائمة للبحث والاطلاع، فإذا عرض علي دور في مسرحية لمؤلف معين كنت أبحث عن العديد من روايات وكتابات هذا المؤلف حتى يتسنى لي معرفة مقصده ورؤيتة الفنية واتجاهاته. للأسف هنالك الكثير من ممثلي هذه الأيام لا يدركون أهمية الثقافة للفنان، بالطبع فإن عدداً منهم تنبه إلى ضرورة أن يكون الفنان مثقفاً ومبدعاً وليس مؤدياً، لكن يبدو أن ظهور أشخاص غرباء على المهنة غير دارسين أو قارئين عنها هو ما أفرز هذا النمط من ممثلي هذا العصر.ترى سميحة أيوب أن المرأة المصرية في كفاح مستمر، لكن الفتيات أصبحن هن قاطرة التنمية، وأن التراجع الذي حدث في ملف تمكين المرأة قد تم تداركه
قدمتِ معظم الأنماط المسرحية بداية من الكلاسيكي مروراً بالتراجيدي وحتى الكوميدي، ولكن المسرح التجريبي لم يكن ضمن خياراتك. لماذا؟
المسرح في الأساس مرآة لمجتمعه، الصالح فيه والطالح. الكلاسيكي والتراجيدي والكوميدي من أهم الأنواع المسرحية التي تميزنا بها كعرب وأبدعنا فيه، لأنه لصيق بمجتمعنا، لذلك لم يجد المسرح التجريبي سبيلاً لقلوب الجمهور العربي. أعتقد أن المسرح التجريبي هو نمط دخيل علينا، ولم يكن ضمن الأنماط المسرحية التي اعتدنا عليها، فهذا النوع وجد أساساً بعد الحرب العالمية وما عاشته أوروبا من ضيق وعناء شديدين في المعيشة، وكانت فكرتة قائمة على التجريب، فالكل يجرب ويفعل ما يريده سواء كان مفهوماً أو غير مفهوم، كما أنه يقوم على نظرية الإسقاطات والتغريب واللامعقولية، وهو ما لم يقبله الجمهور العربي؛ وإن لم يخل المسرح العربي من هذا النوع، فقد جسدت مسرحية توفيق الحكيم "يا طالع الشجرة" هذا النوع من الكتابة التجريبية، ولاقت المسرحية نجاحاً كبيراً، ورغم ذلك لم يكتب الحكيم هذا النوع المسرحي مرة ثانية.كيف ترين ما يسمى بالمسرح الشبابي؟
للأسف الكتابة المسرحية اليوم لم تعد ضمن المستوى المطلوب، وأصبحت مشوهة للفكر والثقافة، ودائماً تتخللها الألفاظ والكلمات الرديئة والبذيئة، ويعتمد فيها على الكلمات والإيحاءات غير المسموحة والتي لا تعبر عن حال المجتمع ولا ترتقي به، بل تنحدر به إلى المستويات الدنيا من الأخلاق. وأعتقد أن السبب الرئيسي في هذا هو تقديم الربح والمصلحة على القيم والمبادئ. كما أن مستوى الفنانين على المسرح لم يعد في المستوى المقبول.علمنا أنك كنتِ بصدد العودة إلى المسرح من خلال مسرحية الـ"مورستان". فماذا حدث؟
رأيت أثناء تجربتي في الإعداد لمسرحية المورستان أكبر دليل على ما وصل إليه حال المسرح الآن، فبعد أن قرأت سيناريو المسرحية وهي مأخوذة من مسرحية "بير السلم" التي كتبها سعد الدين وهبة في الستينيات، قيل لي إنها إعادة للمسرحية في ثوب وشكل جديدين، ولكنني فوجئت في البروفات بأنها لا تمت لمسرحية "بير السلم" بصلة، وأنها تجسيد لحال المسرح اليوم من الابتذال والتدني في كثير مما يقدمه. وأنا لا أقبل أن أعود إلى المسرح بعد فترة انقطاعي الطويل في هذا العمل. أحب أن أظل في ذاكرة الجمهور بالشكل الذي احترمت نفسي به، فالعودة للعمل المسرحي بالنسبة لي هو أمل ولكن بشرط أن يكون العمل ذا هدف ويقدم قيمة فنية وثقافية.بدأت في العمل الدرامي والسينمائي مجدداً بعد انقطاع دام سنوات طويلة. ما تعليقك؟
لم أنقطع عن تقديم الأعمال الفنية عن تعمد، ولكن ما قدم إليَّ في هذه الفترة لم يكن يستحق المشاركة، فأنا قدمت وسأقدم ما أراه ملائماً مع مبادئي ومعتقداتي الأخلاقية والاجتماعية ولا يخدش الحياء العام بشكل أو لفظ. إذا عرض علي دور في عمل لا أهتم إذا كان طويلاً أو قصيراً. المهم أن أحترم ذاتي في هذا العمل وأن يكون على المستوى المطلوب. مشاركتي في مسلسلي "إجازة مفتوحة"، أو "الست بيجا" الذي يجسد حياة العائلة المصرية بكل أفراحها وأتراحها هو ما يجب أن تقدمه الدراما المصرية إذ عليها أن تحترم عادات الأسرة وتقاليدها.
إذا كان لي أن أختار ممثلة جديدة لتمثل حياتي في السبعة عقود الماضية سأختار حنان مطاوع بدون تردد
كامرأة ناجحة حققتِ الكثير من الإنجازات، ما هي نصيحتك للفتيات الصغيرات في بداية حياتهن وما الذي يستحق أن تخوض المرأة معركتها لأجله؟
يجب أن تثق المرأة في ذاتها وتتحدى الجميع في سبيل تحقيق ما تؤمن به، وحتى إن أخفقت يجب ألا تتراجع، فالنجاح لا يأتي سريعاً، ولكن يحتاج إلى مثابرة واجتهاد وتحدياً لذواتنا، أحياناً يجب أن تؤمن المرأة بأنها تستطيع حتى تصل إلى ما تريده.إذا طلب منكِ أن ترشحي فنانة تستطيع أن تجسد دور "سميحه أيوب " ومشوارها الفني لأكثر من سبعة عقود، فمن ستختارين؟
أختار حنان مطاوع فهي من أفضل الفنانات القادرات على توظيف نفسها في الدور الذي تريده، كما أن لديها فصاحة وقوة في الأداء وطريقة إلقاء رائعة، فهي تعرف نطق الحروف العربية بطريقة أكثر من رائعة، وقد قابلتها وهي طفلة مع والديها كرم مطاوع وسهير المرشدي، وقلت لهما "البنت ده لازم تكون ممثلة".رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومينكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 5 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...