شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

لنبدأ من هنا!
الناجون من زلزال شمال سوريا... المساعدات تراجعت والأطفال بلا تعليم ولا أحد يسأل

الناجون من زلزال شمال سوريا... المساعدات تراجعت والأطفال بلا تعليم ولا أحد يسأل

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

حياة نحن والحقوق الأساسية

السبت 18 مارس 202312:24 م

"توقعت أنّني سأتكمن من حماية أطفالي بعد نجاتنا من القصف والزلزال، لكن لم أعلم بأن الحريق كان ينتظرهم"؛ بهذه الكلمات يعبّر خالد أبو زاهر، عن فاجعته بفقد طفليه حرقاً في أحد المخيمات التي لجأوا إليها بعد نجاتهم من الزلزال.

فقد خالد اثنين من أطفاله نتيجة حريق نشب في خيمة نزوحهم في أحد مخيمات ريف إدلب الغربي، بعد نجاتهم من الزلزال في بلدة عزمارين في شمال إدلب، نتيجة حريق بالمدفئة التي تعمل على مادة الفحم، والمقدّمة من قبل المنظمات. يتحدث عما حصل معه، قائلاً: "خرجنا من بلدتنا جرجناز شرق إدلب بسبب القصف، قبل ثلاث سنوات، واستقر بنا المطاف في بلدة عزمارين، ثم نجونا من الزلزال ولجأنا إلى مخيم غزالة الواقع بالقرب من البلدة. خلال فترة المساء قامت زوجتي لإشعال المدفأة من خلال إضافة القليل من المازوت على الفحم الحجري، كي يشتعل، وفجأةً انفجرت المدفأة وأحرقت الخيمة، كان صوت انفجارها قوياً جداً كصوت القصف".

احترق خلال هذا الحريق طفلاه، وثلاثة من أطفال جيرانه. أسعفهم إلى مستشفى مدينة "دركوش" غرب إدلب، لكنهم لم يستطيعوا علاجهم نتيجة نسبة الحروق الكبيرة في وجوههم، فقاموا بتحويلهم إلى المستشفيات التركية للعلاج، وبعد ساعة من وصول الأطفال إلى مستشفى مدينة "أضنة" التركية، فارقوا الحياة.

يعيش الرجل اليوم صدمةً كبيرةً بعد فقدانه أطفاله، ويصف شعوره بعبارة: "حاولت كثيراً أنّ أبعدهم عن الموت، لكن الموت كان أقوى مني".

كانت أبرز الأصناف التي توزَّع للناجين من أجل التدفئة، مادة الفحم الحجري، الذي يُعرف بأنه من الأنواع الرديئة في المنطقة

مع بداية إنشاء مراكز الإيواء في محيط المدن والبلدات المنكوبة جراء زلزال 6 شباط/ فبراير الماضي، والذي تأثرت به مناطق شمال غرب سوريا بشكل كبير، قدّمت المنظمات الإنسانية العديد من أشكال المساعدات، وعلى رأسها المساعدات المتعلقة بالتدفئة، وكانت أبرز الأصناف التي توزَّع للناجين من أجل التدفئة، مادة الفحم الحجري، الذي يُعرف بأنه من الأنواع الرديئة في المنطقة، ويستغرق وقتاً طويلاً في الاشتعال.

مياه غير صالحة للشرب وحمامات معدومة

عملت المنظمات الإنسانية على تزويد مراكز الإيواء بخزانات للمياه، تتم تعبئتها بشكل شبه يومي، ليستخدمها السكان في احتياجاتهم اليومية والشرب، لكن بعض المراكز تعاني من سوء هذه المياه، أو قلة الكميات المزودة خلال الأيام الأخيرة.

يتكبد عامر خربطلي (60 عاماً)، عناء تربية أحفاده الثلاثة بعد وفاة والديهما جرّاء الزلزال، في مدينة جنديرس في ريف حلب الشمالي، ولجوئه مع أحفاده إلى مركز إيواء في قرية التوامة، في ريف حلب الغربي، وما يزيد من معاناته، مرض أحفاده المستمر بسبب المياه التي يشربونها. يقول: "المياه في مكان تواجدنا لها طعم غريب، وهي غير صالحة للشرب، فيومياً أقوم بأخذ الأطفال إلى الطبيب، نتيجة معاناتهم من أمراض معوية ناتجة من سوء هذه المياه".

وتعاني قرابة ثمانين عائلةً ناجيةً في مركز إيواء قرية البردقلي، في ريف إدلب الشمالي، من تخفيض كميات المياه التي تزوّدهم بها إحدى المنظمات العاملة في المنطقة، ويقول محمود عرعور (35 عاماً)، وهو أحد سكان المركز: "مع الأسبوع الأول من إقامتنا هنا، كانت تصلنا المياه بشكل جيد وبكميات كافية، لكن اليوم أصبحت كميات المياه قليلةً، إذ قاموا بتقليصها إلى النصف، حتى باتت لا تكفي حتى منتصف اليوم، وتالياً أصبحنا مجبرين على شرائها من المنشآت الخاصة، وجميع الموجودين هنا لا يمتلكون شيئاً، إذ خرجنا بثيابنا التي نرتديها فقط، وبهذه الحالة نضطر إلى تقليل وإلغاء عملية الاستحمام لنا ولأطفالنا الذين يلعبون في المنطقة ويتّسخون نتيجة الطين والمياه الملوثة في الطرقات، الناتجة من غياب وجود شبكات صرف صحي".

في المركز ذاته، تغيب المرافق المخصصة للاستحمام كلياً، ما يجبر السكان على الاستحمام في خيمة سكنهم أو في المراحيض. مازن طعمة (40 عاماً)، وهو أحد السكان أيضاً، يتخوّف من انتشار الكوليرا نتيجة قلّة الاستحمام وغياب وسائل النظافة، ويقول: "النظافة هنا صفر، في حال أصيب أحد السكان بمرض جلدي كالجرب أو القمل أو الكوليرا، سينتقل المرض إلى الجميع لغياب وسائل النظافة، ناهيك عن عدم وجود حمامات وقلة المراحيض إذ هناك حمامات ثلاثة مخصصة لمئتي شخص".

"توقعت أنّني سأتكمن من حماية أطفالي بعد نجاتنا من القصف والزلزال، لكن لم أعلم بأن الحريق كان ينتظرهم. مات أطفالي نتيجة حريق المدفأة في مركز الإيواء. الموت أقوى منّي"

مخاوف الأهالي تأتي مع خوف الجهات الطبية في المنطقة من ازدياد أعداد الإصابات بمرض الكوليرا المتفشي أصلاً في المنطقة، فقد سجلت شبكة الإنذار المبكر والاستجابة للأوبئة ثلاث إصابات جديدة في المنطقة، ليصبح العدد الكلي للإصابات 577 حالةً.

غذاء ضعيف

خلال الأيام الأولى بعد الزلزال، كانت المنظمات تقدّم وجبات غذائيةً جاهزةً للسكان في مراكز الإيواء، بالإضافة إلى بعض السلال الغذائية المكوّنة من بعض المواد الغذائية الأولية، لكن مؤخراً توقفت الوجبات الغذائية وانخفضت كميات السلال، في الوقت الذي لا يمتلك معظم السكان فيه أي أموال لشراء الطعام من الأسواق، ولعل أبرز التحديات التي تواجه السكان تكمن في توفير الحليب للأطفال الرُضّع.

يواجه بشار محمد (39 عاماً)، وهو ناجٍ يسكن في مركز إيواء الكمونة في شمال إدلب، صعوبات في تأمين الطعام والحليب لأطفاله، بسبب قلّة المساعدات التي تصلهم من قبل المنظمات. يروي: "لجأت إلى هذا المخيم بعد أن دمّر الزلزال منزلي. الدعم هنا قليل، وأنا معوّق ولدي طفل تأثر ببعض الأحجار المتراكمة من المباني في لحظة الزلزال، ولديّ حسين ويبلغ من العمر سنةً وشهرين وهو بحاجة إلى غذاء كافٍ، فأنا أقوم بشراء معظم الغذاء من خبز وحاجات أخرى، كما أنني بحاجة إلى حليب لطفلي وحفاضات ولا أملك ثمن هذه الأغراض، خاصةً أن سعرها في الفترة الأخيرة أصبح مرتفعاً".

فقد جميع السكان ما كانوا يدّخرونه من مؤونة ومواد غذائية تحت الركام، واستقروا في مراكز الإيواء من دون أي شيء؛ لا موادّ غذائية ولا حتى معدات للطهي، ما زاد من صعوبات الحياة عليهم.

أميرة الحمد (41 عاماً)، أمّ لثمانية أطفال معظمهم توائم، توفي والدهم وترك لها مسؤولية تربيتهم، تحمل أعباء توفير متطلبات الحياة لهم منذ سنوات، وازدادت الأعباء هذه بعد انتقالهم للعيش في مركز الإيواء. تقول معبّرةً عن وضعهم الحالي: "الغذاء غير متوفر هنا، والمساعدات قليلة جداً لا تكفي لشيء، الأطفال أحياناً ينامون بلا طعام، وأنا غير قادرة على فعل شيء وحدي".

تضررت 419 منشأةً تعليميةً في شمال غرب سوريا جراء الزلزال بحسب إحصاء منظمة "منسقو استجابة سوريا

التعليم صفر

تُعدّ مشكلة غياب المراكز التعليمية في مراكز الإيواء، من أهم المشكلات التي تواجه آلاف الأطفال الناجين من الزلزال، إذ تضررت 419 منشأةً تعليميةً في شمال غرب سوريا جراء الزلزال بحسب إحصاء منظمة "منسقو استجابة سوريا"، والأطفال المتواجدون في مراكز الإيواء أو المدن المنكوبة بشكل كامل، كمدينة جنديرس شمال حلب، لم يتلقّوا تعليمهم منذ أكثر من شهر.

يخشى أديب علاوي (27 عاماً)، وهو أحد الناجين من الزلزال، على مستقبل أطفاله في حال استمرار انقطاعهم عن التعليم، في ظل عدم وجود مراكز تعليمية ضمن مركز الإيواء الذي يقطن فيه، وعدم قدرته على تسجيل أطفاله الثلاثة في المدارس الخاصة الموجودة في المنطقة، ويصف حاله اليوم بالقول: "لم يتبقَّ لدينا شيء نخاف عليه بعد كلّ هذه الخسائر سوى مستقبل أطفالنا، لكن استمرار الوضع على هذا الحال سيؤدي إلى كره الأطفال للمدرسة وفقدان رغبتهم في التعلّم".

كذلك، يواجه سكان مركز إيواء التوامة، مشكلة بُعد المدارس عن مكان سكنهم، فالمركز أنشئ في منطقة جبلية بعيدة عن القرية، ولا توجد فيها خيمة أو نقطة تعليمية، والأهالي يخشون على أطفالهم من إرسالهم يومياً إلى مدارس القرية، إذ تقول إلهام الحسان (32 عاماً)، وهي أم لطفل في الصف الرابع: "المسافة بيننا وبين أقرب مدرسة تزيد عن 3 كم، وأخشى إنّ أرسلت طفلي يومياً أنّ يتعرض لأذى من قبل الكلاب الضالة في الطريق، أو أنّ يضيع في طريق العودة خصوصاً أنّنا لسنا من سكان المنطقة".

ما الحل للمستقبل؟

ترى المنظمات الإنسانية أنّ هذه المراكز أنشئت بشكلٍ مؤقت، وهي ليست حلاً جيداً للعيش لفترات طويلة، ويجب العمل على حلول أفضل من الإقامة ضمن المخيمات.

يقول مدير مكتب إدلب في جمعية عطاء للإغاثة الإنسانية، معاذ بقبش، إنّ "مراكز الإيواء الحالية بلا خدمات جيدة ولا تحتوي على بنى تحتية، إذ تم إنشاء أغلب مراكز الإيواء على عجل، بالحد الأدنى من مقومات الحفاظ على الحياة، وكان هدف أغلب المنظمات توفير الخدمات الأساسية من مياه وطعام وتدفئة، فغالبية المراكز لا تتوفر فيها بنى تحتية، ولا حتى مساحات صديقة للطفل، أو مشاريع خاصة متعلقة بالتعليم والدعم النفسي، وكان همّنا منذ اليوم الأول، تشكيل لجان لاستحداث مراكز إيواء في مناطق مختلفة، وتأمين الخدمات الأساسية".

ويرى بقبش أنّ هذه المراكز المؤقتة ليست حلاً بديلاً، ويجب العمل على مشاريع تساعد السكان على ترميم منازلهم أو توفير بيوت لهم.

لم يتبقَّ لدينا شيء نخاف عليه بعد كلّ هذه الخسائر سوى مستقبل أطفالنا، لكن استمرار الوضع على هذا الحال سيؤدي إلى كره الأطفال للمدرسة وفقدان رغبتهم في التعلّم

من جهته، يؤكد منسق العمليات في منظمة هيومن أبيل (Human Appeal) في سوريا ثائر بكور، أنّ "مراكز إيواء الناجين من الزلزال تم بناؤها كاستجابة سريعة للزلزال، وغالبيتها كانت في الحدائق العامة أو بالقرب من المخيمات الموجودة مسبقاً في المناطق القريبة من التجمعات السكنية، لذلك الخدمات بشكل عام تُعدّ غير كاملة في هذه المراكز، خصوصاً البنى التحتية فيها، فالمنظمة عملت على نقل بعض العوائل إلى قرية سكنية كانت مجهّزة".

ويضيف: "كان هناك مشروع قد بدأ منذ 2022، لبناء 1،000 بيت في جبل بلدة "كللي" في ريف إدلب، وكان المشروع في نهايته إلا أنّه بسبب الزلزال تمت الموافقة على استخدام هذه المنازل البالغ عددها ألف منزل، وتوزيعها على العائلات المتضررة من الزلزال وتم نقل العائلات من مراكز التجمع المؤقتة إلى البيوت المبنية حديثاً، والتي تُعدّ حلاً جيداً وبديلاً أفضل من المخيمات".

وتحتوي القرية على مركز صحي وبعض النقاط المخصصة لتصبح حدائق ومساحات صديقةً للطفل بحسب البكور.

واقع معيش صعب فرضه الزلزال على الأطفال السوريين الناجين في مراكز الإيواء، في الوقت الذي حذرت فيه المديرة التنفيذية للمنظمة الأممية للطفولة "يونيسف" كاثرين راسل، بعد زيارة دامت يومين إلى سوريا، من أخطار متزايدة تحدق بـ3.7 ملايين طفل في المناطق المتضررة جراء الزلزال المدمر في عموم سوريا.


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

بالوصول إلى الذين لا يتفقون/ ن معنا، تكمن قوّتنا الفعليّة

مبدأ التحرر من الأفكار التقليدية، يرتكز على إشراك الجميع في عملية صنع التغيير. وما من طريقةٍ أفضل لنشر هذه القيم غير أن نُظهر للناس كيف بإمكان الاحترام والتسامح والحرية والانفتاح، تحسين حياتهم/ نّ.

من هنا ينبثق رصيف22، من منبع المهمّات الصعبة وعدم المساومة على قيمنا.

Website by WhiteBeard
Popup Image