شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

لنبدأ من هنا!
أطفال شمال سوريا بعد الزلزال... هل من يسأل عن صحتهم النفسية؟

أطفال شمال سوريا بعد الزلزال... هل من يسأل عن صحتهم النفسية؟

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

حياة نحن والحقوق الأساسية

الاثنين 27 فبراير 202305:18 م

تملك أم فارس الحمودي، وهي مهجرة من ريف دمشق، وتعيش في عفرين في ريف حلب، ثلاثة أطفال أكبرهم في سن السادسة. بدأت معاناتها المريرة معهم بعد الزلزال، خاصةً أن ابنها الأكبر أصيب بجروح في وجهه جراء انزلاقه ليلاً وهم يحاولون الفرار من المنزل.

تقول الحمودي، والتي تعمل مدرّسةً في إحدى روضات الأطفال، لرصيف22: "لقد بدأت ألاحظ خوفاً كبيراً عند أطفالي من أي هزة خفيفة أو ضجيج أو عند حديثي معهم بصوت عالٍ، بالإضافة إلى سهرهم معي لأوقات متأخرة وكأنهم ينتظرون شيئاً ما، عدا فقدانهم رغبتهم في تناول الطعام"، مضيفةً أن ابنها الأكبر يطلب مراراً منها الخروج من المنزل، وعند سؤاله عن السبب يفصح بالقول: "خايف يهز، في إشارة إلى البناء الذي نقيم فيه".

أيضاً، بدأت تلاحظ عند الأطفال في الروضة التي تعمل فيها، اختلافاً في سلوك بعضهم كالتحديق في سقف الصف، بالإضافة إلى طرح بعضهم أسئلةً، مثل: "آنسة ليش صارت تهز الأرض؟"، مشيرةً إلى أنها بدأت بالتواصل مع الأهالي والاتفاق معهم على سلسلة إجراءات لتجاوز هذه المحنة، وتهيئة بيئة آمنة من خلال ضبط تصرفات الأسرة والتعامل مع أطفالهم بطريقة تخرجهم مما هم فيه، بعد أن استشارت مختصاً نفسياً.

وترك الزلزال على الأسر السورية وخاصةً الأطفال ندوباً نفسيةً صعبةً ومأساويةً، فكثيرون منهم أُنقذوا من تحت الأنقاض بعد أن بقوا ساعات طويلةً أسفل الصخور والأتربة، ومنهم من عايش مشاهد قاسيةً بين الأشلاء وجثث أهله، ما خلّف عندهم ضغطاً نفسياً هائلاً، يضاف إلى ما تعرضوا له سابقاً من صدمات الحرب والقصف، عبر سنوات النزاع السوري.

أكثر من سبعة ملايين طفل (4.6 ملايين طفل في الجنوب التركي و2.5 ملايين طفل في شمال سوريا)، بحاجة إلى دعم عاجل

وتحذر منظمة الأمم المتحدة للطفولة (اليونيسيف)، من أن أكثر من سبعة ملايين طفل (4.6 ملايين طفل في الجنوب التركي و2.5 ملايين طفل في شمال سوريا)، بحاجة إلى دعم إنساني عاجل، مطالبةً بتحرك عاجل لإنقاذهم قبل تفاقم الوضع نظراً لخصوصية الحالة وحساسيتها واحتمال أن تتجاوز الخطوط الحمراء خلال الأيام المقبلة، وقالت المديرة التنفيذية لليونسيف، كاثرين راسل، إن "الصور التي نراها من سوريا وتركيا تدمي القلب وإن وقوع الزلزال الأول في الصباح الباكر عندما كان العديد من الأطفال مستغرقين في النوم زاد من خطورته كما تجلب الهزات الارتدادية مخاطر مستمرةً".

تقييم الحالات المأساوية

يقول صلاح الدين لكه، المختص في الصحة النفسية في منظمة إحياء الأمل HRO، العاملة في مجال الصحة النفسية والدعم النفسي والاجتماعي في المنطقة، إنه "لا يمكن توقع تشخيصات طبية ونفسية عن وضع الأطفال حالياً، أو معاناتهم بالضبط من دون جلسة تقييم نفسي اجتماعي كاملة تُنفّذ عن طريق مختص بالصحة النفسية، ومن المهم تجنّب إطلاق أوصاف وتشخيص اضطرابات نفسية خلال الفترة الأولى للحدث، بحسب توصيات متخصصي الصحة النفسية في الأزمات".

ويلفت إلى أنه "من المهم توقع أن الأطفال لو توفرت لهم الاحتياجات الأساسية، والأسرة الداعمة، والفرصة للتعبير واللعب، والانخراط مع أطفال آخرين، يمكن أن تتجاوز غالبيتهم هذه التجربة، ويتعافوا ويعودوا إلى حياتهم وأنشطتهم الطبيعية، ويستثنى من ذلك مؤشرات واضحةً عن تعطل القدرة على القيام بالأنشطة الاعتيادية، أو عدم القدرة على النوم بشكل متكرر، أو مشكلات في تناول الطعام، أو العزلة الشديدة، أو رفض اللعب والانخراط في الأنشطة أو التهديد أو محاولات إيذاء النفس أو الآخرين".

وبحسب لكه، فإن آلية عملهم في فترة الكوارث تجسدت في الاستجابات العاجلة عبر انتقال جميع الفرق في منظمة إحياء الأمل في الميدان، إلى وضعية الطوارئ، وتم تحويل جميع الموظفين للعمل كفرق خارجية لتقديم الخدمات التالية:

- الإحالات والوصول إلى الجهات الطبية المتوفرة وباقي الخدمات.

- تنفيذ أنشطة دعم نفسي اجتماعي للأطفال، بهدف التخفيف عنهم، وتوفير فرصة اللعب والفرح لهم خلال هذه الظروف.

- تطوير خريطة الخدمات، وتحديث نقاط اتصال المنظمة.

- استجابة العون النفسية الأولية PFA، بالإضافة إلى الدعم النفسي الاجتماعي الفردي والجماعي.

- تقديم خدمات الاستشارات النفسية الفردية والإحالات لمقدمي الخدمات التي يحتاجها المستفيدون، بالإضافة إلى تعيين 3 خطوط للإجابة أونلاين.

- تقديم خدمات حماية الطفل وتوثيق حالات الأطفال المنفصلين عن ذويهم.

- نشر المعلومات الأساسية حول ردود فعل البالغين والأطفال على الأزمات وحول الجوانب القانونية، وحقوق المتضررين.

- تطبيق استبيانات حماية الطفل واستبيانات رصد حماية الفئات الأشد ضعفاً في المخيمات والمجتمعات المتضررة.

بدأت ألاحظ خوفاً كبيراً عند أطفالي من أي ضجيج أو عند حديثي معهم بصوت عالٍ، بالإضافة إلى سهرهم معي لأوقات متأخرة وكأنهم ينتظرون شيئاً ما، عدا فقدانهم رغبتهم في تناول الطعام

وخلال الأسبوع الأول من كارثة الزلزال، استطاع الكثير من المنظمات المهتمة بالصحة النفسية تخصيص أرقام هاتفية، بغرض تقديم خدمات الاستشارة النفسية عبر الهاتف، عبر متخصصين في الإرشاد النفسي، ومنها:

منظمات: هيا ورحمة وحراس ومنظمة إحياء الأمل والجمعية السورية الألمانية DSV ومنظمة عطاء والجمعية السورية للصحة النفسية "سمح" والرابطة السورية للداعمين النفسيين وأطباء العالم وبيت سلام لاستشارات الصحة النفسية.

ضغوط ما بعد الصدمة

أبو إسماعيل باسل الأحمد (29 عاماً)، مهجر من ريف حماه الشمالي، ويقيم حالياً في مخيم إطمة، بعد أن نجا بأعجوبة هو زوجته وأطفاله الثلاثة قبل لحظات من سقوط المبنى الذي كان يقيم فيه في جنديرس في ريف حلب، ينفي حصول أطفاله على أي دعم نفسي من الفرق التطوعية الجوالة، لافتاً إلى أن أطفاله الثلاثة الآن في وضع صحي ونفسي سيئ، خاصةً ابنه الأصغر الذي يعاني بعد الزلزال من التبول اللا إرادي، والخوف الشديد.

ويلفت إلى أن أطفاله "لم يكونوا يعانون من أي آثار مرضية ونفسية من خوف أو غيره، إذ كانوا ينامون قبل المغرب، أما الآن فهم ينامون في وقت متأخر"، مضيفاً أنه لاحظ تأثر حالتهم وكثرة أسئلتهم حول كيفية موت أقاربهم بعد أن غافلوه وفتحوا جهازه الموبايل ونظروا إلى الصور المأساوية لأقاربهم الذين فارقوا الحياة جراء الزلزال.

وحول الحلول التي يقدّمها الأحمد لأطفاله، أجاب بأنه يمنحهم حريةً أكبر في اللعب أمام الخيمة ومع بقية الأطفال، كما أنه يحاول أن يكون متفهماً أكثر في حال ارتكاب أحدهم خطأً ما.

ويبدو أنه من الضروري أن يكون الأهل مهيئين لفهم التغييرات التي لوحظت عند الأطفال بعد الأزمة، فالسلوكيات مثل الخوف وتجنّب الآخرين أو القتال أكثر مع الأطفال الآخرين هي ردود فعل شائعة بسبب التوتر، حسب لكه، موضحاً أنه لا بد من استشارة مختص الصحة النفسية على الفور، إذا لوحظت أعراض نفسية شديدة، أو أن الأطفال لم تنخفض تغيراتهم السلوكية أو تزداد تدريجياً بعد الكارثة.

مبادرات عاجلة

في تركيا، ودعماً للأطفال، سارعت مكتبة الشعب وهي مكتبة متنقلة، إلى دعم الأطفال المتضررين من كارثة الزلزال في ولاية قهرمان مرعش التي كانت بؤرة زلزال 6 شباط/ فبراير، وتضم المكتبة المتنقلة العديد من الكتب والمواد التعليمية وتقدّم خدمات الإنترنت والسينما والحاسوب والرفاهية من رسم ورياضيات وألعاب الذكاء.

تلفت منظمة "أنقذوا الأطفال" إلى انتشار ظواهر فقدان القدرة على النطق والعدوانية والخوف من الأصوات المرتفعة لدى أطفال شمال سوريا

أما في الشمال السوري، فالوضع مختلف تماماً، فإلى جانب الحرب الدائرة منذ 12 عاماً والتي خلّفت وراءها 1.2 مليون طفل يتيم، تأتي كارثة الزلزال لتعمق الجراح وتزيد مأساة الطفل السوري على الصعيد النفسي والجسدي، إذ يلفت تقرير لمنظمة "أنقذوا الأطفال" Save the children، إلى أن العائلات بعد 12 عاماً من الصراع في سوريا على حافة الهاوية وأن الأطفال يحتاجون إلى دعم عاجل للحصول على الطعام والمأوى والملابس لحمايتهم من العوامل الجوية، كما لفتت في تقارير سابقة لها إلى "ارتفاع عدد الأطفال المُصابين بالصدمات النفسية إلى درجة من الممكن أن تتسبب بضرر دائم مدى الحياة".

وقالت المنظمة: "الأطفال، خاصةً في مناطق الشمال السوري يعانون من أعراض اضطراب ما بعد الصدمة"، وأشارت إلى أنه تنتشر بينهم ظواهر فقدان القدرة على النطق والعدوانية والخوف من الأصوات المرتفعة.

أولى الخطوات

وفقاً لاختصاصين نفسيين، فإن الطفل في وقت الأزمات والكوارث قد يبدي جملةً من الأفعال التي تستوجب العناية والاهتمام كالتشبث بالأهل أكثر والاستثارة المفرطة وتغييرات في نمط الأكل، والنوم والخوف من أشياء لم تكن تخيفهم سابقاً، وإفراطهم في الحركة والخمول والانكفاء إلى سلوك أصغر من عمرهم كمص الإبهام والتبول اللا إرادي، والتوقف عن الكلام والكوابيس الليلية والحديث عن الحدث بطريقه متكررة.

وترى المعالجة النفسية المختصة بالأطفال لميس وتار، أن "تأثير الزلازل على الأطفال من الناحية النفسية تأثير مزدوج، ناتج عن الحدث الصادم (الزلزال) من جهة وعن ردة فعل المربي، أي الأب والأم، وحالتهما، عند لحظة التعرض لهذه الصدمة من جهة أخرى، فالطفل يتأثر بملامح وجهي والديه وحركات جسديهما والنبرة والبكاء والرعب".

وتضيف: "توافر مسكن أو مكان آمن ثابت والاحتياجات الأساسية لديه من طعام ونوم ورعاية جسدية وتفهّم مشاعره وتصرفاته، تساعد الطفل على تجاوز مرحلة الخطر بأمان وتقلل من خطر إصابته باضطراب الشدة بعض الصدمة في ما بعد".

وبحسب وتار، فإننا قد نجد الأطفال تحت سن الخامسة يعبّرون عن مشاعر الخوف والحزن والفقد من خلال الغضب أو البكاء أو العدوانية على الأشخاص أو الأشياء، فالطفل في هذه المرحلة العمرية لم يتعرف على مشاعر الفقد بشكل كبير، فهي مشاعر مبهمة جديدة بالنسبة له، لذلك يعبّر عنها بالطرائق التي يعرفها مثل البكاء والعدوانية، كما أن الأطفال فوق سن السابعة قد تظهر ردود أفعالهم عبر إعادة الحدث الصادم عن طريق الألعاب، وهذا صحي وجيد، ويُفضّل في هذه الحالة اللعب معهم وترتيب الأحداث لهم، فترتيب الأحداث في مكان آمن يساعد الطفل على تجاوز هذه المرحلة بأمان.

احتياجات الأطفال

تلخص وتار، احتياجات الأطفال بعد الزلزال، بثلاثة نقاط وهي صالحة للمراهقين أيضاً:

أولاً: تأمين الأمور المادية الفيزيائية، كالسكن والمشرب والطعام وإعادة روتين حياتهم اليومي السابق، كتنظيم النوم ومواعيد الأكل واستعمال الأجهزة أو التعليم والتدريس، فترتيب روتين الحياة يعاكس الأثر المرضي للصدمة التي بعثرت روتين الحياة، كما أن الأنشطة الحركية الرياضية والمسابقات والأنشطة الإبداعية الفنية من رسم وكتابة وطبخ واللعب بالطين والمعجون أشياء تساعد الطفل كثيراً على التكيف والتعافي وإخراج ما في داخله من حالات الخوف والقلق.

أعراض كثيرة يجب التنبّه إليها لدى الأطفال ما بعد الصدمة، وبالتالي التعامل معهم بالطريقة الأمثل لكي يتمكنوا من تخطي ما يعانونه... فكيف يُمكن مساعدتهم على ذلك؟

ثانياً: توفير شعور الأمان أهم ما يحتاجه للتكيف والتعافي المبكر ويكون من خلال الحضن والعطف والتلامس الجسدي والبقاء إلى جانب الطفل أو المراهق، وفي حال كان الطفل فاقداً الرعاية الوالدية (الأب والأم توفيا)، فيجب التفكير مباشرة في تأمين المسكن الثابت له والجهة الثابتة الراعية البديلة عن الأب والأم، ويُفضّل أن يتولى شخص واحد محدد مسؤولية العناية به بشكل دائم، فهذا الشخص الثابت سيجعل الطفل يشعر بالثبات والأمان.

ثالثاً: التفاعل مع الطفل وشرح ما جرى بإجابات موضوعية حقيقية، والحديث بصراحة عن مشاعرنا، بالإضافة إلى الاستماع لمشاعره بغرض إتاحة المجال له للتعبير عن رأيه أو مشاعره تجاه الزلزال، والتحدث معه ومشاركته في الخطط القادمة للأسرة والإمكانيات المستقبلية المتاحة.

وتنبّه وتار في ختام حديثها، إلى أنه يجب إعلام الطفل بوفاة والديه بهدوء وموضوعية بعيداً عن المبالغة العاطفية، ويُفضّل أن يتم ذلك من قبل الشخص الثابت الذي تحدثنا عنه سابقاً، كما يُفضّل أن يرى الطفل بعد سن السابعة والديه المتوفيين ليتسنى له وداعهما، وتجنّب رؤيتهما في حال كانا مشوّهين، أما في عمر ما قبل السابعة، فيُفضّل إخباره من خلال توفير القصة التي تقرّب إلى ذهنه عملية الفقد التي حصلت ومفهوم الموت بأنه عملية انتقال من حياة إلى حياة أفضل، والتأكيد على أن المتوفى لن يعود، لكننا سنتذكره دائماً.


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

فلنتشارك في إثراء مسيرة رصيف22

هل ترغب/ ين في:

  • الدخول إلى غرفة عمليّات محرّرينا ومحرراتنا، والاطلاع على ما يدور خلف الستارة؟
  • الاستمتاع بقراءاتٍ لا تشوبها الإعلانات؟
  • حضور ورشات وجلسات نقاش مقالات رصيف22؟
  • الانخراط في مجتمعٍ يشاركك ناسه قيمك ومبادئك؟

إذا أجبت بنعم، فماذا تنتظر/ ين؟

    Website by WhiteBeard
    Popup Image