شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

ضمّ/ ي صوتك إلينا!
التوقف عن شرب الكحول قبل أربعين يوماً من رمضان... أسطورة السكارى المؤمنين المغاربة

التوقف عن شرب الكحول قبل أربعين يوماً من رمضان... أسطورة السكارى المؤمنين المغاربة

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

حياة

الاثنين 27 فبراير 202304:14 م

"شرب الخمر حرام. هذا مَعروف ومحسوم فيه بنص قرآني، لكني أشربُ الخمرَ وتوقفتُ الآن. لقد حلَّت 'الأربعون' قبل رمضان، التي يُحرَّم فيها احتساء الخمر لأنه يظلُّ عالقاً في الجسد طوال أربعين يوماً، وتالياً يجب تجنّب احتساء الخمر قبل أربعين يوماً من دخول شهر رمضان. هذا ما وجدنا عليه آباءنا"؛ كان هذا حديث أحدهم خلال نقاش حول حُكم شرب الخمر قبل شهر رمضان.

أسطورة راسخة

هذه الفكرة يرددها أشخاص كثر قُبيل حلول شهر رمضان في المغرب، وهي راسخة في الأذهان من دون سند ديني. يُرجعها مرددوها إلى عُرف دأبت عليه أجيال متلاحقة. حين تسألهم يرجعها البعض إلى سردية مجتمعية وآخر يرجعها إلى نوع من التقديس للأيام التي تسبق حلول رمضان والقاسم المشترك هو أنها تستمد شرعيتها من العُرف المجتمعي.

جاء في حديث منسوب إلى النبي، رواه ابن ماجة، أنه قال: "مَنْ شَرِبَ الْخَمْرَ وَسَكِرَ لَمْ تُقْبَلْ لَهُ صَلاةٌ أَرْبَعِينَ صَبَاحاً وَإِنْ مَاتَ دَخَلَ النَّارَ". عادةً ما يتم إسقاط هذا الحديث على الخمر في أذهان من يمتنعون عن شرب الكحول قبل أربعين يوماً من رمضان، وهم بذلك يدخلون نقاشاً عقيماً حول فهم النص الديني وإسقاطه على حالات عدة، وعن جدوى هذا التناقض بين عدم الالتزام بممارسة دينية، و"قدسيّة" شهر رمضان لدى المغاربة، الذي يُعدّ أهم أركان الإسلام في ممارستهم الاجتماعية.

 "الأربعين" عادة مغربية تندرج في باب العُرْف، ويعتقد القائلون بها بأن الجسد يحفظ الكحول أربعين يوما، فيما في الحقيقة تتبدّد المادة من الجسد بعد استهلاكها في أقل من نصف يوم

الأربعون: سردية المِخيال الشعبي

يرى رشيد الجرموني، الباحث في سوسيولوجيا التدين، في حديثه إلى رصيف22، أن مسألة الأربعين قبل رمضان تُطرح كل سنة ويمكن القول إنها مرتبطة بالتمثّلات الاجتماعية والمِخيال الاجتماعي، فالسردية الاجتماعية للمجتمع المغربي بدأت تنحتُ مجموعةً من السرديات والموروثات المرتبطة بما هو تقليدي وثقافي يستند في بعض الحالات إلى النصوص الدينية التي قد تكون صحيحةً أو عكس ذلك، لكن الصحيح أن المخيال الثقافي مرتبط بالدين في قضايا مختلفة.

حسب الباحث، العقل الثقافي المغربي "يحاول ما أمكن في تبريره لسلوكيات معينة -هو نوع من الإستراتيجيات التي يَتَفَتَّقُ عنها المخيال الاجتماعي التقليدي- إحالتها إلى المرجعية الدينية لتبرير سلوك معيّن أو تحريمه أو تقديسه أو تدنيسه".

يضيف الجرموني، أن شرب الخمر في المجتمعات فيه نقاش ووجهات نظر متعددة من حيث التحريم أو الإجازة، ولا يمكن القول إن شرب الخمر متوقف على الأربعين يوماً، فإذا افترضنا أنه حرام، فهو كذلك طوال السنة وليس فقط في الأربعين يوماً.

مسألة "الأربعين" أي التوقف عن شرب الكحول أربعين يوما قبل رمضان تُطرح كل سنة في المغرب ويمكن القول إنها مرتبطة بالتمثّلات الاجتماعية والمِخيال الاجتماعي أكثر مما هي دينية

للمغاربة قدسية وهالة في التعامل مع طقس الصيام، ولهذا نجد استعدادات وسلوكيات من بينها التوقف عن شرب الكحول قبل شهر رمضان، بهذه الإحالة التي ليس عليها إجماع وهي نوع من التبرير ليكون رمضان مرحلةً "قدسيّةً" للتطهر.

من الناحية الطبيّة، يبقى الكحول في جسم الإنسان حسب نسبة الكحول في المشروب، من ثلاث ساعات إلى ثماني ساعات، وفي بعض الحالات يمكن العثور عليه في الجسم في حدود اثنتي عشرة ساعةً، لكنه لا يمكن أن يظل في جسد الإنسان أكثر من ذلك.

أمام العلم والمخيال الشعبي، يلاحَظ ارتفاع استهلاك الكحول في المغرب، بحسب الأرقام الرسمية للمبيعات، ويورد الباحث أن هناك فئات في المغرب لم تعد تعير اهتماماً لتقليد "الأربعين"، ولا تُجمع عليه. بل هناك عيّنة قليلة تتجاوز هذه العادة فتجد الشخص يصوم رمضان ويستهلك الكحول بعد الإفطار. لقد وقع تحول في قضايا قيمية عدة، وهذا ما بدا في السنوات الأخيرة. فاليوم هناك جدل حول إعادة النظر في النصوص القانونية لكن هذه المفارقة تُفهَم في جدلية الديني والسياسي والديني بالمجتمعي، فالدولة ما زالت تربط بين هذين البعدَين، أي الديني والسياسي.

حرص على قدسية رمضان

يرى الباحث السوسيولوجي مصطفى بنزروالة، أن الحديث عن تيمات الدين والتَّدَيُّن، وقضايا المعتقد، يكتنِفها الكثير من الخلط بين التمثلات الاجتماعية والحس المشترك من جهة، وبين السرديات والمقولات الأكاديمية من جهة ثانية، لذلك لا ضير من التذكير بأهمية الحذر الإبستيمي (المعرفيّ)، والمنهجي، في هذا السياق، حرصاً على الموضوعية وطلباً للدقة اللازمة في مقاربة هكذا مواضيع.

يورد الباحث في حديثه إلى رصيف22، أن شهر رمضان في الفهم العام، وصورته في المخيال الجمعي، صورة تكاد تتطابق، إذ إن الآراء والانطباعات تقوم على مركزية شعيرة الصيام، ضمن الممارسات الطقوسية والشعائر الدينية عند المغاربة، وهو ما يتجسّد في حرص عامة المغاربة على الالتزام بها والانضباط لأحكامها والمعايير المصاحبة لها. بل إن تقديس هذه الشعيرة لا يخص المتدينين فقط، ويتعداهم إلى فئة غير الممارسين لبقية الشعائر، فتجد الفرد أحياناً غير حريص على أداء الصلاة ولا الزكاة ولا بقية الفرائض، لكنه حريص على أداء شعيرة الصيام. كما تتجلى أهمية رمضان في بعض ردّات الفعل التي قد تنزلق إلى أبعاد عنيفة أحياناً تجاه من لا يحترم المعايير الاجتماعية الخاصة بشهر رمضان، من قبيل تعنيف المفطرين علانيةَ.

شهر رمضان في الفهم العام، وصورته في المخيال الجمعي، صورة تكاد تتطابق، إذ إن الآراء والانطباعات تقوم على مركزية شعيرة الصيام

يُفسر بنزروالة، أن أهمية رمضان بالنسبة للمغاربة تتجلى في مفارقة: مستهلكو المشروبات الكحولية، ومدمنو المخدرات حريصون على تحرّي ما يمكن أن نصطلح عليه "الزمن الطقوسي"، وحريصون على مطالعة رأي الفقه والفقهاء وفتاوى الشبكة العنكبوتية بخصوص جواز استهلاك هذه المشروبات قبل رمضان بأربعين يوماً، لذلك نسمع عبارات درج استعمالها مغربياً مثل: "شْعْبَان دْخْلْ" و"الرْبْعِينِيَّةْ"، وهما عبارتان تدلّان على تحرّي الزمن واحترام الشعيرة، برغم أن هذه الفئة غير متدينة على العموم، أو تدينها ضعيف على مستوى الممارسة الشعائرية.

هل يوجد نص قطعي؟

من جهته، يرى الباحث في مركز المغرب الأقصى للدراسات والأبحاث، منتصر حمادة، في تصريح لرصيف22، أنه معلوم فقهياً أن شرب الخمر عند المسلمين محرّم شرعاً، بإجماع أغلب المذاهب، وهذا يعني مجمل المشروبات الكحولية، على غرار محرّمات أخرى، سواء كان الأمر سائداً عند المسلمين أو عند غيرهم، لأنه لا يخلو دين من ثنائية التحليل والتحريم. أما انقطاع المغاربة عن الشرب أربعين يوماً قبل قدوم شهر رمضان، فلا يوجد نص ديني قطعي صريح حول هذه الجزئية بالتحديد، وقد يكون مردّه عند المغاربة إلى عدم قبول صلاة من شرب الخمر طوال أربعين يوماً.

يورد الباحث أنه طبيّاً، لا تتجاوز مدة بقاء الكحول في جسم الإنسان نصف يوم، قبل المرور إلى التصفية النهائية عبر الكليتين، وبالرغم من ذلك، يعمل العديد من المغاربة، من المعنيين بشرب الخمر بهذا العرف، وربما السّبب روحي أكثر منه مادي صرف.

حسب منتصر، "الأربعون" عادة مغربية تندرج في باب العُرْف، وبحكم تبنّي المغاربة المذهب المالكي الذي يتميز بخصائص عدة منها أن مالك بن أنس يُصنّف عَمَل أهل المدينة دليلاً من الأدلة التأصيلية أو الشرعية في حال عدم وجود نص ديني قطعي من قبيل آية قرآنية أو نص ديني متفق عليه أو حديث نبوي. وقد جرى العمل في الساحة المغربية بهذا العرف كونه أحد مميزات التَّدَيُّنِ عند فئة من المعنيين بالتعامل مع شرب الخمر قبل قدوم شهر رمضان، وهذا عرف نادر في المنطقة العربية على الأقل، بما يفسر تأييد الوعاظ المغاربة له.

وِفقَ الباحث، "من الصعب الحديث عن ازدواجية في المواقف لدى بعض المغاربة لأنه إذا فُتح باب خلع هذا التقييم، فالازدواجية لا تهم هذا الموضوع وحسب، لكنها تتعداه إلى موضوع شرب الخمر بالتحديد". 


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

Website by WhiteBeard
Popup Image