مع حلول شهر رمضان في المغرب، يتجدد النقاش حول الإفطار العلني والفصل 222 من القانون الجنائي الذي يجرم الإجهار بالإفطار في رمضان إذ ينص هذا الفصل على أن "كل من عرف باعتناقه الدين الإسلامي وتجاهر بالإفطار في نهار رمضان، في مكان عمومي، دون عذر شرعي، يعاقب بالحبس من شهر إلى 6 أشهر وغرامة لا تقل عن 200 درهم" أي حوالي 20 دولاراً أمريكياً.
القانون المغربي يعاقب كل من يكسر "حرمة" شهر رمضان، والمجاهرة بالإفطار قد تقود صاحبها إلى السجن. هذا ما ينص عليه الفصل 222 من القانون الجنائي المغربي، الذي لطالما أثار جدلاً واسعاً في المملكة بين الحداثيين والمحافظين، إذ تحول موعد حلول الشهر الفضيل إلى "مناسبة نضالية" تتجد خلالها الدعوات المطالبة بضرورة إلغاء هذا الفصل، على اعتبار أن الصوم من عدمه هو مسألة تخص الفرد وخالقه، في الوقت الذي يرى بعض "الغلاة" أن المجاهرة بالإفطار تشكل "زعزعة" لعقيدتهم وإمساساً بالدين الإسلامي، دون تفويتهم الفرصة للمطالبة بمزيد من التشدد في تطبيق القانون على كل من ضُبط وهو يأكل في نهار رمضان.
وعلى الرغم من أن النص القانوني واضح في هذا الإطار، فإن ذلك لم يمنع البعض من المجاهرة بالإفطار في رمضان إذ يسجل التاريخ الحديث للمملكة أن مجموعة من الشباب بادروا إلى تنظيم "إفطار رمزي" في نهار رمضان بغابة في مدينة المحمدية (قرب الدار البيضاء) في شتنبر 2009، ليس بهدف الأكل والاستفزاز وإنما لانتقاد السلطة وتسجيل موقف من تجريم الأكل والشرب في رمضان. إلا أن هذا التجمع الذي كان من تنظيم "الحركة البديلة من أجل الدفاع عن الحريات الفردية" المعروفة اختصاراً بـ "مالي " منعته مصالح الأمن، ثم تم اعتقال ومتابعة النشطاء الذين شاركوا في "النزهة". وقد أثار هذا الحدث آنذاك جدلاً واسعاً في الشارع المغربي ومواقع التواصل الاجتماعي والبرلمان والصحافة؛ حيث خصصت مجلة تيل كيل Telquel المعروفة بدفاعها عن الأقليات والحريات الفردية مقالاً افتتاحياً لرصد ردود الفعل العنيفة التي أعقبت محاولة الإفطار، معتبرةً أن " هذا الوضع يقتضي الشجاعة وبعد الرؤية من قبل النظام المغربي، الذي من واجبه أن يتحرك بحزم وذكاء لإنشاء منظومة اجتماعية مبنية على أسس جديدة تراعي الأصالة الدينية والثقافية للمجتمع، وتكسر في نفس الوقت ما يجب تكسيره من القيود النفسية للوصول إلى الحداثة. لكن الحقيقة هي أن النظام ينكمش على شرعيته الدينية، وذلك فقط لمجاراة الجهة الرابحة، أي تلك الحشود غير المتسامحة والتي قد تهدد يوماً ذلك النظام نفسه. بتصرفه هذا يكشف النظام خوفه، ويهيئ استسلامه."
اعترافات شاب يفطر رمضان
لم يتردد أسامة في سرد حكايته لرصيف22، وهو يدخن سيجارته في واضحة النهار في غرفته. يقول إنه مثل معظم الناس، ترعرع وسط عائلة "مؤمنة" ، قامت بتربيته على القيم الدينية منذ صغر سنه. "لقد منحني والداي "عدسة" لكي أكتشف بها الحياة وأخوض تجربتي فيها. تلك العدسة كانت هي الإسلام؛ لقد آمنت منذ نعومة أظافري بوجود إله واحد وقرآن منزل من السماء وبكل تلك الأشياء التي تشكل المادة الخام للإيمان لدرجة أنني كنت أحاول أن أصوم حتى قبل أن أصل إلى سن البلوغ مثلما كان يفعل كل أقراني، لأنني كنت أعتقد بأن في ذلك أجراً عظيماً.. لن أنسى تلك اللحظات التي كنت أبذل فيها جهداً وأقاوم الجوع والعطش على الرغم من أنه لم يكن مفروضاً علي أن أصوم قبل البلوغ. تلك كانت هي الحجة على أنني كنت مقتنعا بالصوم" . لكن، ما الذي حدث لأسامة حتى تغيرت كل قناعاته رأساً على عقب؟ "لما وصلت إلى مستوى البكالوريا، بدأت في قراءة الكتب بشكل كبير جداً. لقد منحني كل كتاب أفكاراً جديدة ومفاهيم أخرى عن الحياة والدين والوجود.. كانت كلها كتباً تتناول موضوع الإلحاد".القانون المغربي يعاقب كل من يكسر "حرمة" شهر رمضان، والمجاهرة بالإفطار قد تقود صاحبها إلى السجن
هل سنصل يوماً إلى مرحلة تقبل الآخر واحترام قناعاته دون أي نزعة كراهية أو عنف؟هكذا إذن دخل أسامة في سلسلة من المراجعات ستقوده في النهاية إلى "الإلحاد" ومن ثم إلى "إفطار" شهر رمضان : "في العام الماضي؛ وبعدما تغيرت كل قناعاتي الدينية وأصبت ملحداً، قررت أن أفطر رمضان وأنا مقتنع بهذه الخطوة. لم تمر أيام كثيرة حتى انكشف أمري؛ لقد صدمت والدتي وبدأت تبكي لما علمت بأنني لم أعد مقتنعاً بالصوم وبالإسلام بصفة عامة بينما والدي لم يكتشف ذلك إلا بعد مرور بضعة أشهر؛ لقد فاجأني رد فعله لما قال لي "افعل ما تشاء؛ لكن لا تأكل في بيتي أمام عيني في نهار رمضان" . لقد صدمتني الطريقة التي تعامل بها والدي مع هذا التحول، لأنه يبقى تصرف غير متوقع من أب مغربي." كيف يقضي إذن أسامة شهر رمضان في البيت؟ "في الحقيقة أمتنع عن الأكل، لكنني أشرب الماء دون أن يراني أحد لأن شرب الماء سهل جداً. لكن الأكل صعب في الحقيقة؛ بحيث لا أتوفر على الطعام خلال فترة النهار إلا إذا حافظت على بعض الطعام من وجبة العشاء، بالتالي أجد نفسي مضطراً لكي أقاوم الجوع إلى حين موعد الإفطار." أما الطرائف التي رافقت هذا التحول؛ فإنها كثيرة ومضحكة. "مرة لم أستطع مقاومة الجوع، فدخلت إلى المطبخ ووجدت صحناً صغيراً من الشباكية (حلوى مغربية شهيرة) فأخذت واحدة بسرعة ودلفت إلى غرفتي إلا أن والدتي فطنت إلى حدوث نقص في عدد "الشباكية" التي كانت موجودة في الصحن؛ وجاءت إلي لتؤاخذني على ذلك." كيف ينظر أسامة إلى الفصل 222 الذي يجرم الإفطار العلني في رمضان؟ بالنسبة له، فإن الإفطار في نهار رمضان كان يجب أن يكون أمراً عادياً بين الناس؛ إلا أن الواقع المغربي يجعل ذلك أمراً مستحيلاً نظراً للقناعات المتشددة التي يتبناها عدد من الناس منذ صغرهم تجعل من المجاهرة بالإفطار في رمضان جريمة لا تغتفر. "يوم الخميس الماضي، قمت بتدخين سيجارة بجوار الجامعة خلال النهار، أنا ومجموعة من الشبان الذين لا يصومون رمضان.. لقد بدا الأمر عادياً بيننا.. لكن لا يمكن أن تفعل ذلك في الشارع العام أمام أنظار الناس.. السؤال الآن هو هل سنصل يوماً إلى مرحلة تقبل الآخر واحترام قناعاته دون أي نزعة كراهية أو عنف؟" بنبرة متشائمة أجاب أسامة عن تساؤله مؤكداً أن ذلك صعب جداً في المغرب، ولن يتحقق في ظل هيمنة الفكر المتشدد على مختلف طبقات المجتمع.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومينكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 6 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...