أعلن الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش، أمس الإثنين 13 شباط/ فبراير، أن رئيس النظام السوري بشار الأسد، وافق على فتح معبرين حدوديين إضافيين بين تركيا وشمال غرب سوريا، لمدة 3 أشهر، مبيّناً أن "موافقة الأسد جاءت من أجل إدخال مساعدات إنسانية للمتضررين من الزلزال".
جاء في بيان غوتيرش، أن "الأمم المتحدة ترحّب بالقرار الذي اتّخذته دمشق اليوم بفتح معبري باب السلام والراعي بين تركيا وشمال غرب سوريا لفترة أولية مدّتها 3 أشهر"، وشدد الأمين العام على أنه "مع استمرار ارتفاع حصيلة الزلزال، فإن توفير إمدادات الغذاء والصحة والتغذية والحماية والمأوى والإمدادات الشتوية وغيرها من الإمدادات المنقذة للحياة لملايين الأشخاص المتضررين يُعد أمراً ملحاً للغاية".
بحسب البيان "سيسمح فتح هذين المعبرين -إلى جانب تسهيل وصول المساعدات الإنسانية، وتسريع الموافقة على التأشيرات، وتسهيل السفر بين المراكز- بدخول المزيد من المساعدات بشكل أسرع".
الولايات المتحدة، رحبت من جانبها بالقرار الصادر عن النظام السوري بفتح المعبرين الجديدين، واصفةً إياه بالأمر الجيد إذا كان "الأسد جادّاً"، وجاء هذا الترحيب بعد أن أيدت الخارجية الأمريكية قبل صدور قرار فتح المعبرين، الدعوات وعلى رأسها دعوة فرنسا إلى اللجوء إلى مجلس الأمن لإصدار قرار لفتح معابر إضافية لإيصال المساعدات إلى سوريا.
قرار فتح معبري باب السلام والراعي، جاء بالتزامن مع أزمة كبيرة بسبب آليات توزيع المساعدات في شمال غرب سوريا وفي المناطق الخاضعة لسيطرة النظام، حيث دخلت أمس الإثنين قافلة مساعدات قادمة من المناطق الخاضعة لسيطرة قوات سوريا الديمقراطية "مناطق الإدارة الذاتية"، بعد أن توقفت لمدة خمسة أيام نتيجة تعنّت النظام الذي كان مصرّاً على أن يتم تسليمها إلى الهلال الأحمر السوري، وسط رفض من الهلال الأحمر الكردي خوفاً من عدم تسليم المساعدات إلى مستحقيها، أو سرقتها كما ورد في بيانه قبل يومين.
قرار فتح معبري باب السلام والراعي، جاء بالتزامن مع أزمة كبيرة بسبب آليات توزيع المساعدات في شمال غرب سوريا
كُل هذه التطورات، تفتح الباب أمام تساؤلات عديدة حول سيناريوهات إدخال المساعدات خلال الأيام القادمة ومدى استجابتها للأضرار، وهل سيتم الاكتفاء بقرار الأسد فتح معبرين لثلاثة أشهر أم سيتجه المجتمع الدولي إلى إصدار قرار جديد من مجلس الأمن بتوسيع إدخال المساعدات لمدة أطول؟ أيضاً، لماذا لم تقم الأمم المتحدة باستجابة سريعة لضحايا الزلزال في سوريا خاصةً شمال غرب سوريا، أم أن المنظمة الدولية لم تكن ترغب في هذا التحرك؟ ولماذا لم يقم الأمريكيون بتحرك منفرد بإدخال المساعدات من خلال قواعدهم الموجودة في مناطق "قسد"؟
الاكتفاء بالمعبرين الإضافيين
مع ازدياد أعداد الضحايا بعد تضاؤل فرص نجاة من بقي من الأهالي تحت الأنقاض، دخلت أمس الإثنين أوّل قافلة قادمة من مناطق الإدارة الذاتية، وسط تكهنات قبل قرار النظام فتح معبري باب السلام والراعي، بعدد من الخيارات لإدخال المساعدات، إما عن طريق النظام برغم ما تحمل هذه الطريقة من مخاطر لسرقة المساعدات، كذلك تخوّف الكثير من السوريين وغيرهم من أن يكون هذا الواقع فرصةً لإضفاء شرعية على النظام.
بالإضافة إلى ذلك، كان هناك خيار الذهاب إلى مجلس الأمن وتوسيع قرار الإغاثة عبر إضافة معبر جديد، أو انتظار معبر باب الهوى الرئيسي والبقاء على بطء عمليات إدخال المساعدات والمخاطرة بالأرواح، لكن قرار النظام السوري أتى استباقاً لكل ذلك.
يقول المحلل السياسي السوري والصحافي المطلع على ما يحصل، عقيل حسين، خلال حديثه إلى رصيف22، إن "المجتمع الدولي سيكتفي بفتح المعبرين بالإضافة إلى معبر باب الهوى بين مناطق سيطرة المعارضة وتركيا، وقد بدا واضحاً من خلال جلسة مجلس الأمن، أن الدول الأعضاء اكتفت بهذا القرار ووجدته جيداً وعملياً، وفي الواقع هذه الدول لا تحتاج إلى أكثر من ذلك، فهذه الدول ذهبت إلى اجتماع المجلس وهي تريد الوصول إلى فتح معابر إضافية لتسهيل دخول المساعدات إلى شمال غرب سوريا".
ويضيف: "النظام السوري كان ذكياً في الاستجابة لنصائح حلفائه وشركائه وخاصةً الإمارات العربية المتحدة التي أرسلت وزير خارجيتها عبد الله بن زايد إلى دمشق من أجل إفهام بشار الأسد بضرورة استباق اجتماع مجلس الأمن، وإصدار قرار فتح المعبرين لقطع الطريق على أي تطورات إضافية يمكن أن تلجأ إليها الدول الغربية كان يمكن أن تؤدي إلى الإضرار به".
برأيه، "حقق النظام مكاسب دعائيةً إلى جانب المكاسب السياسية من هذا القرار، فأظهر نفسه متفاعلاً مع إرادة المجتمع الدولي في الاستجابة للكارثة وهو يقدم تنازلات إنسانيةً في قضايا سياسية، ويقدّم معاناة الناس على مصالحه السياسية، أي أن النظام نجح في إدارة اللعبة من خلال إصدار هذا القرار".
الحسابات السياسية
في الوقت الذي تملك فيه الولايات المتحدة قواعد عسكريةً في مناطق "قسد" وفي الرقة، إلا أنها لم تقم بأي تحرك منفرد كاستجابة للزلزال في شمال غرب سوريا، إذ كان بإمكانها تقديم أنواع مختلفة من الدعم بشكل عاجل وفوري، بل قامت مع فرنسا بحشد الجهود في مجلس الأمن الدولي من أجل إصدار قرار جديد بفتح معابر إضافية لإدخال المساعدات.
كارثة الزلزال تحوّلت إلى بازار سياسي، فإذا قامت الولايات المتحدة بإرسال المساعدات من تلقاء نفسها ومن دون أي ترتيبات ومن دون أي ضجيج أو حسابات، فإنها لن تحقق النتائج التي ترجوها من هذه الخطوة
في هذا السياق، يرى حسين، أن "كارثة الزلزال تحوّلت إلى بازار سياسي، فإذا قامت الولايات المتحدة بإرسال المساعدات من تلقاء نفسها ومن دون أي ترتيبات ومن دون أي ضجيج أو حسابات، فإنها لن تحقق النتائج التي ترجوها من هذه الخطوة".
برأيه، بالنسبة للولايات المتحدة وغيرها من الدول، فإن وصول المساعدات ليس هدفاً لها أو لأي دولة، إنما كل خطوة لها حساباتها السياسية، وبحسب المكاسب السياسية التي تحققها هذه الخطوة يتم التحرك، فلو أرسلت الولايات المتحدة المساعدات فلن يعود بمقدورها الضغط على النظام السوري وحلفائه لفتح المعابر، وتالياً لا تلجأ إلى هذه الخطوة إلا إذا وجدت أن مصالحها تتطلب ذلك، وفي الحقيقة فإن مصالح الولايات المتحدة لا تتطلب إرسال المساعدات بشكل منفرد.
من جانب آخر، "مهما أرسلت الولايات المتحدة مساعدات من قواعدها، فإنها لن تكون كافيةً، فهي تضع في قواعدها مخزوناً إستراتيجياً يكفي عناصر قواتها لمدة محددة وتالياً لا يمكنها التحرك بشكل منفرد، الكارثة تحتاج إلى مساعدات ضخمة وجهود من المجتمع الدولي"، يختم حسين.
الاستجابة المخجلة
لم يتلقَّ الشمال السوري والدفاع المدني "الخوذ البيضاء"، أي دعم أممي في جهود الإنقاذ، بعد وقوع الزلزال
لم يتلقَّ الشمال السوري والدفاع المدني "الخوذ البيضاء"، أي دعم أممي في جهود الإنقاذ، بعد وقوع الزلزال، في الوقت الذي أقرّ فيه مارتن غريفيث، وكيل الأمين العام للأمم المتحدة للشؤون الإنسانية ومنسق الإغاثة في حالات الطوارىء، بأن الأمم المتحدة خذلت الناس في شمال غرب سوريا، وأن الأهالي يملكون الحق بالشعور بتخلي المنظمة الدولية عنهم.
فبعد وقوع الزلزال بأربعة أيام لم تكن هناك أي مساعدات أممية قد دخلت عبر معبر باب الهوى، ولم يكن هناك شيء للمساعدة في جهود الإنقاذ، ما يدل على أن فشل الأمم المتحدة في الاستجابة بسرعة لهذه الكارثة كان أمراً مخزياً، خاصةً مع تصاعد النداءات من شمال غرب سوريا بضرورة التدخل العاجل.
غريفيث أقر في تصريحات صحافية، بأن سبب فشل المساعدة في الوصول في الوقت المناسب هي البيروقراطية، مبيناً أن الأمم المتحدة تطلب من مجلس الأمن السماح بوصول المساعدات عبر معبرين حدوديين إضافيين، وهو نهج مضلل أهدر وقتاً ثميناً.
وأشار غريفيث إلى أنه "يجب على الأمم المتحدة أن تعمل بشكل أفضل، فمن الواضح أن شيئاً ما ينكسر إذا كان النظام الذي تم إنشاؤه لحماية وإنقاذ الأرواح البشرية في أثناء حالة الطوارئ، يترك الأطفال يموتون تحت الأنقاض مع مرور الدقائق والساعات الثمينة".
التحرك المنفرد؟
تخاذل الأمم المتحدة يدعو إلى التساؤل حول آليات المنظمة الدولية في الاستجابة، ولماذا لم يسارع الأمين العام للأمم المتحدة إلى مبادرة منفردة يتخطى فيها مجلس الأمن الدولي وفق الوسائل المتاحة خاصةً في الجمعية العمومية للأمم المتحدة، وعلى رأسها القرار 182/46 لعام 1992، والذي ينص على تأسيس مكتب إدارة الشؤون الإنسانية، ويتمثل التكليف المناط به في حشد وتنسيق الجهود الجماعية للمجتمع الدولي، خاصةً تلك الجهود التي تقوم بها منظمة الأمم المتحدة استجابةً لحالات طوارئ إنسانية معقدة كأزمات سياسية أو نزاعات، أو كوارث طبيعية أو كوارث تقنية، بالإضافة إلى الوسائل المتاحة الأخرى للمنظمة.
يرى المعتصم الكيلاني، المتخصص في القانون الجنائي الدولي، والباحث القانوني في المركز الأمريكي لدراسات الشرق الأوسط، في حديثه إلى رصيف22، أنه "وبكل تأكيد، كانت الاستجابة بطيئةً ومخجلةً جداً، حيث كان يمكن أن تكون هنالك استجابة أسرع لتقديم المساعدات الفورية إلى سوريا، وفي الوقت نفسه فإن آليات الأمم المتحدة الحالية لا تسمح للأمين العام بتخطّي مجلس الأمن".
الأمم المتحدة ليست بحاجة إلى موافقة الدولة المتضررة أي سوريا وحكومة الأسد، لأنه معمول في أجندة مسبقة لإيصال المساعدات الانسانية إلى المناطق الخارجة عن سيطرته... فما الذي حصل؟
لكن بحسب الكيلاني، كان "يمكن للأمين العام أن يدعو إلى اجتماع الجمعية العمومية، وأن يطلب التصويت على ‘الاتحاد من أجل السلام’، وهي آلية يتم اللجوء إليها في حال الكوارث أو في حال استحالة تمرير القرارات في مجلس الأمن بسبب استخدام بعض الدول لحق النقض ‘الفيتو’، لكن حتى استجابة الأمين العام للأمم المتحدة جاءت مخيبةً للآمال، فالأمم المتحدة ليست بحاجة إلى موافقة الدولة المتضررة أي سوريا وحكومة الأسد، لأنه معمول في أجندة مسبقة لإيصال المساعدات الانسانية إلى المناطق الخارجة عن سيطرته".
ويلفت إلى "تسييس عملية المساعدات، من خلال الدور الكبير لروسيا وحلفائها في تعطيل عملية إدخال المساعدات بشكل كبير، والعمل على إظهار بشار الأسد الذي لا يملك في الأصل أي سلطة على المعابر الحدودية، قادراً على أن يصدر قراراً بفتح معبرين، وذلك كلّه يصب ضمن سياسات التعويم التي يتم استغلال الكارثة فيها بطريقة غير إنسانية".
كارثة الزلزال في سوريا وخاصةً منطقة شمال غربها، استطاعت خلال أيام معدودة كشف الوجه اللاإنساني للأمم المتحدة والدول الكبرى من خلال تعاطيها مع عملية إدخال المساعدات إلى هذه المنطقة، ما يظهر الخلل الواضح فيها وبآلياتها وتفضيل المكاسب السياسية للمجتمع الدولي، وإن كان على حساب الضحايا.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومينرائع
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعربما نشهد خلال السنوات القادمة بدء منافسة بين تلك المؤسسات التعليمية الاهلية للوصول الى المراتب...
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعحرفيا هذا المقال قال كل اللي في قلبي
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعبكيت كثيرا وانا اقرأ المقال وبالذات ان هذا تماما ماحصل معي واطفالي بعد الانفصال , بكيت كانه...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينرائع. الله يرجعك قريبا. شوقتيني ارجع روح على صور.
مستخدم مجهول -
منذ اسبوعينحبيت اللغة.