قُتل إسرائيليان، أحدهما طفل عمره ست سنوات، وأُصيب خمسة آخرون، اثنان منهم غائبان عن الوعي وثالث حالته خطرة، في عملية دهس قرب محطة حافلات في حي راموت الاستيطاني في القدس، نفّذها شاب مقدسي يوم الجمعة في 10 شباط/ فبراير 2023.
وقُتل منفّذ العملية حسين قراقع (31 سنة)، وهو من سكان بلدة العيسوية الواقعة شمالي القدس الشرقية المحتلة ويتحدر أصلاً من مخيم الدهيشة، في موقع الحادث القريب من قرية النبي صموئيل، برصاص مستوطن إسرائيلي مسلّح قبل وصول الشرطة، وفق شهود عيان إسرائيليين.
ويصنّف الإسرائيليون مثل هذه العمليات باعتبارها "هجمات إرهابية"، في حين يتمسك الفلسطينيون بأنها "عمليات استشهادية" في إطار "مقاومة الاحتلال" الذي غصبهم أراضيهم ويستمر في قتلهم ونهب ممتلكاتهم وفرض القيود عليهم.
في رد فعل أولي، أمر رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بتعزيز تسليح أفراد الأمن في المنطقة، وزيادة وتيرة التحقيقات والاعتقالات في صفوف المواطنين العرب، والتحرك الفوري لإغلاق وهدم منزل منفّذ العملية.
ودهمت الشرطة الإسرائيلية منزل قراقع واعتقلت زوجته ووالده وشقيقيه، وأطلقت قنابل الغاز المسيل للدموع وقنابل الصوت على المواطنين المعتصمين في محيط المبنى المكون من أربعة طوابق تضم 12 شقة سكنية، والرافضين لهدمه وتشريد نحو 100 شخص، غالبيتهم من الأطفال.
ودخل الأهالي في اعتصام مفتوح أمام المبنى المهدد بالهدم في أي وقت، عقب مناوشات مع القوات الإسرائيلية التي استفزّتهم بإزالة الأعلام الفلسطينية من على المبنى. ونقلت صحيفة "هآرتس" الإسرائيلية عن مصادر رسمية أن الحكومة ستبحث هذه الخطوة في اجتماع الأحد لأن قراقع كان يسكن في شقة مستأجرة.
بعد مقتل نحو 42 فلسطينياً وتسعة إسرائيليين… تحذيرات من انفجار الوضع بين الفلسطينيين والإسرائيليين مع قرب حلول شهر رمضان، وحديث عن اندلاع انتفاضة ثالثة في #فلسطين
"الدرع الواقية 2"
لدى وصوله إلى مكان الحادث، واجه وزير الأمن القومي الإسرائيلي المتطرف إيتمار بن غفير غضب المستوطنين الذين استنكروا مقتل ما لا يقل عن تسعة منهم في غضون أقل من أسبوعين بعد وصوله إلى السلطة. علماً أن إسرائيل قتلت نحو 42 فلسطينياً منذ بداية العام.
حاول الوزير المتطرف تهدئة الغاضبين، فأمر بوضع نقاط تفتيش في جميع أنحاء العيسوية، موضحاً أنه كان يرغب في فرض إغلاق شامل على القدس الشرقية المحتلة لكن ذلك يتعذر بسبب قيود قانونية وعد بمحاولة التغلب عليها ببحث المسألة مع أعضاء حكومته. وتعهد كذلك بتقديم تشريع من شأنه تسهيل حمل الإسرائيليين للسلاح والسماح لأجهزة الأمن الإسرائيلية بتفتيش أي منزل دون إجراءات قانونية ملزمة.
وبينما أقر بأن كل هذه الخطوات "غير كافية" لوقف العمليات التي ينفّذها فلسطينيون ضد إسرائيل، شدد على أنه يطالب بفرض عقوبة الإعدام على مَن وصفهم بـ"الإرهابيين"، وذلك قبل أن يُعلن عزمه إطلاق عملية "الدرع الواقية 2"، يوم الأحد في 12 شباط/ فبراير 2023، "للتعامل مع ‘أعشاش الإرهاب‘ في القدس الشرقية" المحتلة. وقال بن غفير إن الهدف من العملية العسكرية هو "محاربة الإرهاب واجتثاث جذوره" والوصول إلى منازل المقاومين الفلسطينيين ووقفهم قبل تنفيذ العمليات ضد أهداف إسرائيلية.
وكانت عملية "الدرع الواقية" الأولى حملة عسكرية إسرائيلية على الضفة الغربية عام 2002 انطلقت إبّان الانتفاضة الفلسطينية الثانية واستمرت لأكثر من شهر، ووصفت بأنها "أضخم عملية عسكرية قامت بها إسرائيل منذ غزو لبنان عام 1982" إذ حُشد لها نحو 30 ألف جندي إسرائيلي للرد على مقتل نحو 131 إسرائيلياً في شهر.
وأسفرت العملية العسكرية آنذاك عن مقتل عشرات الفلسطينيين واعتقال بضعة آلاف منهم، علاوة على عمليات نهب وتخريب تخللت تفتيش المنازل والمنشآت وإساءة المعاملة والعنف والتعذيب بحق الكثيرين أيضاً، وفق مؤسسات فلسطينية وحقوقية دولية . وتعذّر إحصاء عدد ضحايا العملية بدقة إذ أُضيفوا إلى أعداد ضحايا الانتفاضة. لكن يُعتقد أنه ناهز 250 قتيلاً ونحو 5000 معتقل.
هذه المرة، يأتي الإعلان عن "الدرع الواقية 2" في ظل وضع أمني يُنذر بالانفجار بين الفلسطينيين والإسرائيليين وفي ظل دائرة من العنف والعنف الانتقامي، إذ نفّذت إسرائيل عدة مجازر رد عليها مواطنون فلسطينيون بعمليات انتقامية. وكانت إسرائيل قد ارتكبت، يوم الخميس في 26 كانون الثاني/ يناير 2023، مجزرة في مخيّم جنين، راح ضحيّتها تسعة فلسطينيّين بينهم امرأة مسنّة، وأصيب 20 آخرون بجروح متوسّطة وأخرى خطيرة.
على غرار "أضخم عملية عسكرية قامت بها إسرائيل منذ غزو لبنان"... أعلن الوزير الإسرائيلي المتطرف إيتمار بن غفير عن بدء عملية "الدرع الواقية 2" من موقع حادثة الدهس في حي راموت الاستيطاني. لكن انتقادات واسعة طالت قراره "الخطير"
وكان الرد الفلسطيني على ذلك بعمليتين. في الأولى، مساء الجمعة 27 كانون الثاني/ يناير، قتل الشاب المقدسي خيري علقم سبعة إسرائيليين وجرح خمسة آخرين في عملية إطلاق نار داخل مستوطنة النبي يعقوب. بعد ذلك بساعات، نفّذ فتى فلسطيني يُدعى محمد عليوات (13 عاماً) عملية إطلاق نار ثانية في سلوان أسفرت عن إصابتين خطرتين.
وفجر السادس من شباط/ فبراير، ارتكبت إسرائيل مجزرة جديدة في مخيم عقبة جبر في مدينة أريحا في الضفة الغربية المحتلة، أسفرت عن مقتل نحو خمسة شبان فلسطينيين وإصابة خمسة آخرين واعتقال 19 شخصاً بينهم سيدة. وجاء الرد الفلسطيني بعملية الدهس التي نفّذها قراقع.
بالعودة إلى "الدرع الواقية 2"، قال مكتب بن غفير في بيان إن القرار بانطلاقها أعقب "اجتماع تقييم الوضع في مقر قيادة شرطة القدس، مع مفوض الشرطة كوبي شبتاي، وقائد منطقة القدس دورون تورجمان، ومسؤولي الشرطة في المنطقة". لكن وسائل إعلام إسرائيلية عدّة نقلت عن مصادر عسكرية رسمية أن ما أعلنه الوزير المتطرف لا يعدو كونه تصريحاً استعراضياً لإسكات المستوطنين الغاضبين.
من هؤلاء المعلق العسكري للإذاعة العامة الإسرائيلية روعي شارون الذي قلل من أهمية إعلان بن غفير، قائلاً إنها تصريحات "جوفاء خالية من أي مضمون" إذ لا أهداف يمكن إنجازها في القدس الشرقية لأن "عمليات الذئاب المنفردة (أي التي يرتكبها أفراد لا ينتمون إلى أي منظمة) ليس لها دواء ناجع".
أما زعيم المعارضة في إسرائيل يائير لابيد، فانتقد إعلان بن غفير لصدوره دون مشاورات في المجلس الوزاري الأمني المصغر (الكابينيت) أو تقييم للوضع الراهن. ووصف القرار غير المتفق عليه بأنه "خطير وسخيف مثله".
ونقلت هيئة البث الإسرائيلي الرسمية (كان) و"هآرتس" عن مصادر سياسية وعسكرية لم تسمها أن بن غفير أعلن عن العملية المزعومة دون تشاور مسبق مع المؤسسة الأمنية، وأنه بعد الإعلان عنها طُلب منه تقديم تفسير حوله. وأعربت المصادر عن دهشتها لأن قراراً بهذا الحجم لا يمكن إعلانه من موقع الحادث، أي دون دراسة، لافتةً إلى عدم وجود نيّة لفرض إغلاق كلي في القدس الشرقية المحتلة.
انتفاضة ثالثة وشيكة؟
تأتي هذه التطورات عقب أيام من تصريح مدير وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية بيل بيرنز بأن ما لمسه في زيارته للمنطقة قبل أيام يُشبه ما رآه قبيل اندلاع الانتفاضة الفلسطينية الثانية، محذراً من احتمال اندلاع انتفاضة ثالثة أو خروج الوضع عن السيطرة.
وتعهّد بيرنز بالعمل من خلال وكالته مع الأجهزة الأمنية الفلسطينية والإسرائيلية لمنع "انفجارات العنف" التي حدثت في الأسابيع الأخيرة، مكرراً تعبيره عن "قلقه" جراء ما قد يتدهور إليه الوضع.
بينما يحذّر خبراء أمنيون أمريكيون وإسرائيليون من "انتفاضة ثالثة" وشيكة، قال الصحافي الفلسطيني ناصر اللحام إن الانتفاضة بدأت بالفعل و"طوّرت ذاتها وأدواتها فصارت معركة استنزاف"، مشيراً إلى العمليات ضد الاقتحامات والاعتداءات اليومية للجيش الإسرائيلي وعربدة المستوطنين
التحذيرات الأمريكية تزامنت مع تحذيرات أطلقها خبراء ومحللون أمنيون من الجانبين الإسرائيلي والفلسطيني ومن مصر التي تتوسط بين الطرفين لوقف العنف قبيل بدء شهر رمضان الذي يشهد عادةً ارتفاعاً في وتيرة العنف والعمليات الانتقامية.
في مقال تحليلي في "هآرتس"، حذّر الصحافي الإسرائيلي عاموس هرئيل من أن "الضفة الغربية تغلي" و"لا يمكن أن يهدأ الجانب الفلسطيني مع استمرار ارتفاع أعداد القتلى الفلسطينيين على أيدي الجيش الإسرائيلي وإنْ كان معظمهم مسلحين"، مستبعداً استقرار الوضع على المدى المنظور.
أما الصحافي الفلسطيني ورئيس تحرير وكالة معاً الفلسطينية للأنباء، ناصر اللحام، فاعتبر أن العمليات ضد إسرائيل هي بالفعل "انتفاضة" لكن "بالتسيير الذاتي"، إذ "طوّرت ذاتها وأدواتها فصارت معركة استنزاف" انطلقت قبل عام ونصف العام ضد الاقتحامات والاعتداءات اليومية للجيش الإسرائيلي وعربدة المستوطنين.
وأضاف اللحام في افتتاحية هذا الأسبوع أنها "انتفاضة ذاتية القيادة من دون قيادة موحدة. من دون رأس، ومن دون قائد رمز، وبالتأكيد من دون مموّل يتحكم بها مالياً. هي انتفاضة جيل وانتفاضة غضب حقيقي على الأوضاع المأسوية التي يعيشها الشعب الفلسطيني في الأرض المحتلة".
ورداً على سؤال طرحه في مقاله: مَن يغذي الرغبة في تنفيذ العمليات الفردية لدى الشباب الفلسطيني؟ أجاب: "الذي يضمن تواصل الانتفاضة الآن هو كمية الاستفزاز التي يبثها الإعلام العبري وكمية العنصرية والكراهية التي يتحدث بها أعضاء كنيست ووزراء صهاينة بحيث أغلقوا نوافذ الأمل أمام جيل كامل يدافع عن حريته".
وأردف: "من وجهة نظري، إن العامل الأول لبقاء الانتفاضة واستمراريتها الآن هو بن غفير وأمثاله من المستوطنين وأعضاء الكنيست، وكذلك الصحافيين الإسرائيليين الذين يكتبون بعنصرية حاقدة ويستفزون مشاعر كل فلسطيني. ومثلهم يفعل الوزراء الدمويون في حكومة نتنياهو العنصرية. وإن الذي يغذي تواصل الانتفاضة هو تصريحات الأبارتهايد عبر شاشات التلفزيون كل يوم وعبر التواصل الاجتماعي كل ساعة".
في خضّم هذه المخاوف والتحذيرات المتزايدة، قال مسؤولون مصريون إنه في إطار محاولات بلدهم تسريع جهود الوساطة التي يبذلها لتهدئة الأوضاع، وصلت وفود من حماس والجهاد الإسلامي إلى القاهرة هذا الأسبوع في أعقاب مفاوضات جرت مع الجانب الإسرائيلي على أمل التوصّل إلى اتفاق وتقليل فرص اندلاع أعمال عنف في القدس والضفة الغربية المحتلتين خلال شهر رمضان الذي يبدأ في الثلث الأخير من شهر آذار/ مارس المقبل.
وذكر المسؤولون المصريون لوسائل إعلامية أنهم يخشون من أن "الوضع قد يخرج عن السيطرة" بشكل أساسي بسبب "الحساسيات الفلسطينية بشأن السيطرة الإسرائيلية على مدخل القدس والمسجد الأقصى خلال شهر رمضان"، لافتين إلى أنهم طلبوا تدخل واشنطن لثني إسرائيل عن ارتكاب المزيد من أعمال العنف. وختمت المصادر المصرية: "مصر تسابق الزمن لوقف أي تصعيد قد يؤدي إلى مزيد من إراقة الدماء".
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يوممتى سوف تحصل النساء في إيران على حقوقهم ؟!
مستخدم مجهول -
منذ يومفاشيه دينيه التقدم عندهم هو التمسك بالتخلف
مستخدم مجهول -
منذ يومعظيم
Tester WhiteBeard -
منذ يومينtester.whitebeard@gmail.com
مستخدم مجهول -
منذ يومينعبث عبث
مقال عبث من صحفي المفروض في جريدة او موقع المفروض محايد يعني مش مكان لعرض الآراء...
مستخدم مجهول -
منذ 6 أيامرائع