شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

قدّم/ ي دعمك!
هل محتوى الصحة الجنسية والإنجابية باللغة العربية آمن؟ وكيف نحميه؟

هل محتوى الصحة الجنسية والإنجابية باللغة العربية آمن؟ وكيف نحميه؟

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

حياة نحن وحرية التعبير

الثلاثاء 31 يناير 202312:40 م

 يأتي هذا التقرير كجزء من مشروع "مش عَ الهامش"،

  والذي يسلط الضوء على الحقوق والحريات والصحّة الجنسيّة والإنجابيّة في لبنان.

"كيفية إنهاء الحمل مع البقدونس في المراحل المبكرة"؛ هذه أولى النتائج التي حصلت عليها ندى (اسم مستعار)، خلال بحثها عن طرق الاجهاض عبر الإنترنت.

أرادت ندى إجهاض الحمل، الذي حصل نتيجة علاقة جنسية خارج إطار الزواج، في وقت منعتها فيه القيود الاجتماعية من الذهاب إلى الطبيب والاطلاع على الطرق الآمنة أو إجراء عملية الإجهاض.

اعتقدت أنها وجدت في الإنترنت ملاذاً أقل ضرراً يحميها من الآراء المسبقة أو النظرة "الدونية" التي ستواجهها في حال طلبت المساعدة من مختص، غير أنها لم تكن تعلم بأنّ الإنترنت سيملي عليها توصيات غير صحيّة تسبّبت لاحقاً في مضاعفات استمرت لأشهر.

بقايا جنين ومعدلات الفقر الجنسي مقلقة

تقول ندى لرصيف22: "اعتمدتُ على البقدونس وإجهاد النفس، وهما حلّان مطروحان على المنصات الافتراضية بمجرد البحث عن الاجهاض حتّى وصل بي الحدّ إلى طلب المساعدة من طفل ليقوم بالقفز على بطني".

لم تحصد هذه المرأة أيّ نتيجة سوى مضاعفات كالمغص، وعدم القدرة على تناول الطعام والإسهال.

لذلك، لجأت إلى خيار آخر أكثر خطورةً، ومطروح عبر الإنترنت، فبدأت باستخدام "سايتوتك"، وهي حبوب مخصصة للإجهاض، من دون استشارة مختص.

تذكر ندى أنّ بقايا الجنين بقيت في الرحم لأشهر عدة، نتيجة استخدام الدواء بطريقة خطأ: "ما نضف الرحم دغري حتّى ما بقي عندي خيار إلّا روح عند الدكتور".

"اعتمدتُ على البقدونس وإجهاد النفس، وهما حلّان مطروحان على المنصات الافتراضية بمجرد البحث عن الاجهاض حتّى وصل بي الحدّ إلى طلب المساعدة من طفل ليقوم بالقفز على بطني"

في الواقع، إن المشكلة ليست في ندى إنّما في معاناة البلاد العربية من فقر كبير في التثقيف الجنسي.

تبيّن في استبيان وُزّع على 491 امرأةً غير متزوجة في جميع المحافظات اللبنانية، أنّ 8.8% منهنّ فقط لديهنّ معرفة كاملة بالصحة الجنسية والإنجابية.

شملت الدراسة نساءً تراوحت أعمارهنّ بين الـ17 و55 عاماً، وقُسّم الاستبيان إلى 9 أقسام: قسم الخصائص الاجتماعية والديموغرافية، قسم الأمراض المنقولة جنسيًاً، قسم فحوصات ما قبل الزواج، قسم اللقاحات...

ينعكس هذا الفقر في التثقيف الجنسي أيضاً على قنوات الإعلام التقليدية، فينحصر محتواها عن الصحة الجنسية والإنجابية، في التغطيات والتقارير المتعلقة بالأحداث.

وقد أوضح التقييم الوطني عن الحقوق الجنسية الصادر في العام 2019، عن المعهد العربي لحقوق الإنسان والأمم المتحدة للسكان، أنّ السبب يعود إلى غياب آلية إستراتيجية في وزارة الإعلام اللبناني تساعد على تطبيق الاتفاقيات المتعلقة بهذا الخصوص.

وأضاف التقرير أنّ الوزارة تعدّ الأمر خارجاً عن صلاحيتها والإعلام التقليدي لا يتطرق إلى محظورات يرفضها المجتمع.

أمّا لجهة المحتوى المنشور باللغة العربية على الإنترنت، نلاحظ وجود اختلاف حاد في المعلومات المنشورة. وهي لا ترتكز في معظمها على دراسات وآراء دقيقة إنّما على معتقدات البيئة التي نشأ/ ت فيها صاحب/ ة المنشور.

قد يكون سبب ذلك، الأعراف التي تقيّد الحديث عن أمور تتعلّق بـ"تابو" الصحة الجنسية، ونقص التعابير العلمية الجنسانية الدقيقة باللغة العربية.

حكي نسوي: لخلق قوّة معرفية جنسية

في الرابع من آب/ أغسطس عام 2010، كان الاحتفال الأول لليوم العالمي للصحة الجنسية تحت شعار "لنتحدث عنها"، بهدف دفع العالم بأسره إلى كسر الخوف المرافق للحديث عن الجنسانية، غير أن الواقع يختلف في العالم العربي، إذ بدأ مؤخراً في ترجمة جرأته عبر بعض المنصات المكتوبة والمسموعة في العالم الافتراضي.

من بين هذه المنصات: شريكة ولكن، مشروع ألف، موج، نبرة، حكي نسوي وغيرهم.

في الواقع، يستند معظم الأشخاص، الذين يرغبون بالحصول على معلومات جنسية وإنجابية، على الانترنت. لكن قد تواجه النساء حالات أكثر ضرراً على صحتهنّ الجسدية بسبب إصرار النظام الأبوي المحافظ على حرمانهنّ من هذا الحق إرضاخاً لإملاءاته المنشودة.

في هذا السياق، تشير سارة قدورة، صاحبة منصة "حكي نسوي"، إلى أنّ "المحتوى الذي أقدّمه عن الصحة الجنسية يخلق لدى النساء قوّة معرفية تدفع بهنّ إلى اتّخاذ قرارات حرّة حول مصير أجسادهنّ وعلاقاتهنّ الجنسية".

ساهم الخلط في منصة "حكي نسوي" بين المحتوى النسوي العام وذلك الذي يتعلّق بالصحة الجنسية، إلى التخفيف من ردة الفعل المعتادة التي تطلقها الجماهير العربية كلّما تعرضوا/ن لمحتوى "خادش للحياء" على حدّ تعبيرهم/نّ.

"المحتوى الذي أقدّمه عن الصحة الجنسية يخلق لدى النساء قوّة معرفية تدفع بهنّ إلى اتّخاذ قرارات حرّة حول مصير أجسادهنّ وعلاقاتهنّ الجنسية"

وتشرح قدورة لرصيف 22، أنّ "ردة الفعل التي أواجهها تهبّ وتخفت عند نشر فيديو جديد يتناول الصحة الجنسية، مضيفة: "الفيديو الذي نشرتُه منذ سنتين عن غشاء البكارة حصد مشاهدات عالية جدّاً مرفقةً بتعليقاتٍ سلبيةٍ، خاصة من قبل الرجال. الأمر نفسه حدث عندما تناولتُ الحق في الإجهاض".

تصل هذه التعليقات إلى حدّ التهديد بالاغتصاب، العنف الجنسي واستفزاز "رجولية" الذكور في العائلة بعبارات تحثّهم على تأديبها.

بالإضافة إلى ذلك، تشكو قدورة من حذف بعض منشوراتها المتعلّقة بالصحة الجنسية على منصة تيك توك تحت ذريعة انتهاك سياسة المنصة.

كيف نحمي محتوى الصحة الجنسية باللغة العربية؟

الحالة نفسها تتكرّر مع منصات كثيرة أخرى، حيث يقوم فيسبوك، وإنستغرام أو تيك توك، بإزالة بعض المحتويات التي يعدّونها منتهكةً لسياستهم.

يعزو مدير المشاريع في منظمة SMEX للحقوق الرقمية، موسى صالح، السبب إلى ضعف فهم اللغة العربية وتحليلها من قبل تلك الشركات والأدوات التي تستخدمها.

على سبيل المثال، قد يمسح فيسبوك منشوراً يتطرق إلى الدورة الشهرية كونه محتوى عنيفاً لمجرد احتوائه على كلمة "دم".

بالإضافة إلى ذلك، تتعرّض بعض المنصات لعملية ريبورت ممنهج، ترمي إلى إقفال الصفحة. من هنا، يحتّم هذا الواقع المقلق اتّخاذ بعض الإجراءات الوقائية لحماية محتوى الصحة الجنسية باللغة العربية.

في هذا الصدد، يقول موسى صالح: "بدأنا العمل منذ بداية العام 2022، على دعم مشاريع تتعلق بالصحة الجنسية في لبنان لناحية توعيتها على طرق الحفاظ على سلامتها الرقمية بما يتناسب مع احتياجاتها".

في هذا الاطار، تدعو منظمة SMEX، إلى اللجوء إلى منصة دعم السلامة الرقمية الهادفة إلى حماية قنوات الإعلام البديل، الصحافيين/ ات، الناشطين/ ات والفئات المهمشة الذين/ اللواتي يواجهون/ ن حالات تهديد عبر الإنترنت أو أي خطر يتعلّق بالأمن السيبراني.

تشمل هذه التهديدات: عمليات حظر المحتوى، تعليق الصفحة من قبل شركات التواصل الاجتماعي عن طريق الخطأ، التنمّر، خطاب الكراهية وسرقة الحسابات.

تقول مديرة منصة دعم السلامة الرقمية والقسم التكنولوجي، سمر حلال، لرصيف22، إنّه "يمكن لأي مستخدم أو وسيلة طلب المساعدة عبر أرقام الوتساب، سيغنال أو البريد الإلكتروني المتاحة على الموقع الإلكتروني للمنظمة، إلا أنّ طريقة المعالجة تختلف بحسب الشكاوى والتعقيدات المرافقة لها".

تدعو منظمة SMEX، إلى اللجوء إلى منصة دعم السلامة الرقمية الهادفة إلى حماية قنوات الإعلام البديل، الصحافيين/ ات، الناشطين/ ات والفئات المهمشة الذين/ اللواتي يواجهون/ ن حالات تهديد عبر الإنترنت أو أي خطر يتعلّق بالأمن السيبراني

من خلال عملها، تحاول SMEX جاهدةً تحسين واقع إدارة المحتوى في المنطقة العربية عبر التواصل مع تلك الشركات والتحشيد لخلق سياسات تتناسب وسياقات المنطقة.

بالإضافة إلى ذلك، توصي حلال، "باتّباع إجراءات وقائية تعزّز السلامة الرقمية لكل من الأفراد والمنصات"، وهي كالتالي:

1-وضع كلمة سرّ قوية تشكّل مزيجاً من "capital letters" و"small letters"، وأرقام و"characters".

2-إرفاق الكلمة بخاصية التحقق بخطوتين، بحيث تصل رسالة على رقم الهاتف كلّما حاول المستخدم/ ة تسجيل الدخول على إحدى منصات التواصل الاجتماعي، فيحمي بذلك حساباته/ ها من السرقة.

3 - إيكال مهمة النشر إلى شخص واحد فقط مع تفعيل خاصية النسخ الاحتياطي. الأخير يسمح للناشر/ ة باسترجاع الملفات الموجودة أو قواعد البيانات في حال حدث خطأ تقني أو تعطّل الجهاز. وتوجد أنواع عدة منه، بما في ذلك النسخ الاحتياطي الكامل، النسخ الاحتياطي الجزئي، النسخ الاحتياطي الذكي، النسخ الاحتياطي الشبكي والنسخ الاحتياطي الزمني.

4- النشر من خلال الشبكة الافتراضية الخاصة (VPN)، التي تقوم بتشفير حركة البيانات الخاصة بالمستخدمين/ ات وإخفاء هويتهم/ نّ الإلكترونية، وهي شبكة تجعل تتبّع الناشر/ ة عبر الإنترنت أو سرقة بياناته/ ا صعباً للغاية.

تُعدّ حماية المحتوى العربي أمراً في غاية الأهمية، لكن الأهم والأصعب هي حماية المستخدم/ ة من المعلومات الكاذبة أو غير الصحيحة.

بالإضافة إلى دور المنصات الإلكترونية في خلق ثقافة جنسية دقيقة، يبقى الدور الأبرز للمستخدم/ ة نفسه/ ا، بحيث يجب أن يعتمد على المصادر الموثوقة الآمنة التي تحتوي على آراء طبية ودراسات علميّة مؤكّدة، كذلك تلك التي لا تعرّض سلامة بياناته/ ا الشّخصية للخطر، فيتجنّب النقر على روابط تحتوي على الإلحاح أو الأخطاء في صياغتها. 


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

معيارنا الوحيد: الحقيقة

الاحتكام إلى المنطق الرجعيّ أو "الآمن"، هو جلّ ما تُريده وسائل الإعلام التقليدية. فمصلحتها تكمن في "لململة الفضيحة"، لتحصين قوى الأمر الواقع. هذا يُنافي الهدف الجوهريّ للصحافة والإعلام في تزويد الناس بالحقائق لاتخاذ القرارات والمواقف الصحيحة.

وهنا يأتي دورنا في أن نولّد أفكاراً خلّاقةً ونقديّةً ووجهات نظرٍ متباينةً، تُمهّد لبناء مجتمعٍ تكون فيه الحقيقة المعيار الوحيد.

Website by WhiteBeard
Popup Image