شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

اشترك/ ي وشارك/ ي!

"تابو" الصحة الجنسية والإنجابية ودور الجمعيّات اللبنانية في نشر الوعي

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

حياة

الثلاثاء 29 نوفمبر 202203:00 م

يُعدّ التمتع بحياة صحيّة حقّاً من حقوق الإنسان. وبما أنّ الصحة الجنسية والإنجابية هي جزء لا يتجزأ من صحة الفرد، فهي حقّ لكل فرد، خصوصاً النساء والفتيات، إذ تشكّل الأزمات المتتابعة على اختلاف أنواعها الاقتصادية والاجتماعية والصحية، معطوفةً على انتشار الأوبئة ومشكلات اللجوء، عبئاً ثقيلاً يحول دون عناية النساء بصحتهنّ الجنسية والإنجابية.

تشمل الصحة الجنسية والإنجابية الوصول إلى المعلومات الصحية والعلميّة الصحيحة، والخدمات المتعلقة بوسائل تنظيم الأسرة والرضاعة الطبيعية وكيفية الوقاية من الأمراض المنقولة جنسياً وطرق الوقاية من سرطان الثدي وعنق الرحم، بالإضافة إلى الوقاية من الإجهاض ورعاية الأم والطفل.

التوعية أسلوب حياة

نشأت فاطمة (36 عاماً)، وهي سيّدة سورية وأم لخمسة أطفال، ومتطوّعة لتقديم جلسات توعوية للنساء في الغازية في قضاء صيدا، في عائلة تقليدية ومحافظة، وكان تناول مثل هذه المواضيع غير مقبول ضمن بيئتها وبيتها، وتالياً كان من غير الممكن أن تتحدّث مع أمها عن تلك المسائل.

تزوّجت فاطمة في عمر السابعة عشر، ولم تكن تعرف معنى الزواج، كما أنّ ولادتها الأولى كانت صعبةً جداً: "مستحيل خلّي الشي يلّي صار معي يصير مع بنتي، أو مع أي بنت تانية، طالما باستطاعتي توعيتها".

"أصبحت التوعية بالنسبة لي أسلوب حياة. أينما كنت وفي أيّ وقت، أجد نفسي أتحدّث مع النساء عن الرضاعة الطبيعية أو الحمل وتنظيم الأسرة وأهمية اللقاحات للأطفال. كما أنّني قمت بجلسات توعية خاصة بالرجال لأنّ الرجل شريك أساسي ولا بدّ من توعيته والنقاش معه حول الوسائل وأهمية المباعدة بين المواليد"

أدّت بها معاناتها إلى خوض غمار العمل التطوّعي. عندما وصلت فاطمة إلى لبنان، وقبل أن تتطوّع، لم تكن على دراية بوسائل تنظيم الأسرة بشكل كافٍ وصحيح. وعندما شاركت في جلسات التوعية، أرادت أن تنضمّ إلى فريق العمل: "كنت أرغب في توعية النساء كي لا يصبحن مثلي ويعشن ما عشته. التجارب التي مررت بها جعلتني أشعر بمسؤولية تجاه النساء والرغبة في أن أعمل على توعيتهنّ".

وتابعت قائلةً: "لقد أصبحت التوعية بالنسبة لي أسلوب حياة. أينما كنت وفي أيّ وقت، أجد نفسي أتحدّث مع النساء عن الرضاعة الطبيعية أو الحمل وتنظيم الأسرة وأهمية اللقاحات للأطفال. كما أنّني قمت بجلسات توعية خاصة بالرجال لأنّ الرجل شريك أساسي ولا بدّ من توعيته والنقاش معه حول الوسائل وأهمية المباعدة بين المواليد، حفاظاً على صحة المرأة، ومن أجل توفير سبل عيش لائقة وكريمة للأطفال، خصوصاً في ظل ظروف اللجوء والأوضاع الصعبة وانقطاع الأدوية وحليب الأطفال بشكل مستمر".

تحديات في مواجهة النساء

حاولت يارا (29 عاماً)، وهي شابة لبنانية وأم لطفلين، قبل فترة، البحث عن مركز رعاية قريب من منزلها يقدّم لها الخدمات بشكل شبه مجاني، وفق ما قالت لرصيف22: "كنت أتردّد إلى مركز رعاية بالقرب من منزلي، لأتفاجأ قبل فترة قصيرة بتوقفه عن تقديم الخدمات بسبب عدم استكمال الدعم وتوقف المنظمة الداعمة له عن تقديم الخدمات". وتابعت: "بينما كنت أتلقّى خدمة تنظيم الأسرة لقاء مبلغ رمزي هو 15.000 ل.ل.، أصبحت اليوم أدفع ثمن تلك الخدمة 100 دولار أمريكي في العيادات الخارجية".

تواجه رانيا (اسم مستعار)، تحدّياً من نوع آخر: بعد رفع الدعم عن الفوط الصحيّة، أصبح من الصعب توفير المستلزمات المتعلّقة بالدورة الشهرية لمعظم النساء، ممّا يؤثر على صحتهنّ الجنسية والإنجابية والنفسية أيضاً.

وتعليقاً على هذه النقطة، قالت لرصيف22: "نحن خمس فتيات في المنزل، ومع تدهور الأوضاع الاقتصادية ورفع الدعم عن الحاجات الأساسية للنساء وتوقف معظمنا عن العمل، لم يعد في استطاعتنا تأمين مستلزمات الدورة الشهرية نظراً إلى ارتفاع سعرها وتزايده باستمرار، بالإضافة إلى كثرة عددنا في المنزل. قد نلجأ إلى حيل أخرى أو نسعى إلى تأمين هذه المستلزمات عن طريق المنظمات والجمعيّات التي توزعها مجاناً".

تحديات على عاتق الجمعيات

في ظل تراجع خدمات الدولة على هذا الصعيد، تحمل الجمعيّات والمؤسسات على عاتقها مسؤولية تقديم برامج وخدمات تُعنى بالصحة الجنسية والإنجابية.

وتفرض التّحديات والصعوبات نفسها أمام ما تسعى الجمعيّات إلى تنفيذه، كارتفاع كلفة المواصلات مؤخراً، والتي أصبحت تشكّل عائقاً أمام النساء لجهة الوصول إلى مراكز الخدمات لتلقّي الخدمة الملائمة، كما أكدت لينا صبرا وهي المديرة التنفيذية لجمعيّة سلامة.

وفي سياق تعداد الأسباب التي تعيق وصول النساء إلى المعلومات والخدمات، أوضحت صبرا لرصيف22، أنّه في موازاة ارتفاع كلفة المواصلات، يأتي عدم تقبل المجتمع لهذه المواضيع ورفض الأهالي لفكرة جلسات التوعية لأبنائهم و/ أو بناتهم لأنّ هذه المواضيع "تابو"، وليست ذات أولوية، الأمر الذي يدفع بالعاملين/ ات في الجمعيّة إلى الذهاب، قدر الإمكان، إلى النساء والفتيات لتقديم هذه المعلومات.

"نحن خمس فتيات في المنزل، ومع تدهور الأوضاع الاقتصادية ورفع الدعم عن الحاجات الأساسية للنساء وتوقف معظمنا عن العمل، لم يعد في استطاعتنا تأمين مستلزمات الدورة الشهرية نظراً إلى ارتفاع سعرها وتزايده باستمرار"

وكشفت لينا أنّ نسبة إقبال النساء اللبنانيات والسوريات على العيادات لتلقّي الخدمات، قد ازدادت في الآونة الأخيرة نتيجة الوضع الاقتصادي الصعب.

تحاول الجمعيّة باستمرار مواكبة التطوّرات المتعلقة بالأوضاع الاقتصادية، وفق تأكيد صبرا: "في فترة انتشار وباء كورونا، قامت الجمعيّة بتغطية كلفة الولادات وفرق الضمان أو فرق الأمم"، ممّا ساهم في مساعدة النساء في ظل الحجر والوضع الاقتصادي. كما تولّت الجمعيّة توزيع حصص تتضمّن احتياجات العناية الخاصة بالنساء وبالأطفال المولودين حديثاً: "أخذنا على عاتقنا مسؤولية مساعدة النساء اقتصاديّاً، لكن ضمن اختصاصنا، إذ نحاول دائماً أن نذكّر النساء بأن صحتهنّ الجنسية والإنجابية أولوية".

أما بالنسبة إلى الصعوبات، فأشارت لينا إلى أنّ التمويل في الفترة الأخيرة أصبح ضعيفاً خصوصاً بعد حرب روسيا وأوكرانيا، إذ تمّ توجيه غالبية المساعدات إلى إعانة اللاجئين الأوكرانيين، غير أنها استدركت قائلةً: "لكننا نسعى إلى أن نستمرّ في عملنا كوننا عضواً في الاتحاد الدولي لتنظيم الأسرة، كما أننا ضمن شبكة لجنة العاملين في مجال الصحة الجنسية والإنجابية، ونعمل على التشبيك مع كل الجمعيات الأخرى العاملة في مجالنا، أو في مجال العنف القائم على النوع الاجتماعي. كما أننا نعمل على إحالة بعض الحالات إلى المراكز والجمعيّات المختصّة".

في المقابل، ارتفع منسوب تجاوب النساء وإقبالهنّ على خدمات الصحة الجنسية والإنجابية، وفق ما أشارت إليه صبرا: "نقوم بإعطاء الجلسات بطريقة صحيّة علمية مبنية على الحقوق، ونسبة المستفيدات تتزايد باستمرار. ففي السنة الماضية، وصل عدد الخدمات المقدّمة إلى نحو 50.000 خدمة"، مشددةً على أن الهدف من الحديث عن الصحة الجنسية والإنجابية هو في الدرجة الأولى إنقاذ حياة: "عندما نقوم بالتوعية حول الأمراض المنقولة جنسياً كي لا تتطوّر وتؤدّي إلى الموت، فإنّنا بذلك ننقذ حياة أشخاص. وعندما نتابع الحمل بطريقة صحية والإنجاب بطريقة صحية أو نقدّم للسيدة وسيلة تنظيم أسرة مناسبة لها، نتجنّب الحمل غير المرغوب فيه ونمنعها من الإجهاض غير الآمن الذي يعرّض حياتها وحياة جنينها للخطر، وتالياً نمنعها من محاولات الإجهاض بطرق تقليدية مؤذية".

برامج ومبادرات لزيادة الوعي

أشارت كلارا الورّاق، مديرة المشاريع في منظمة البحث عن أرضية مشتركة، التي نفّذت مشروعاً حمل عنوان "شركاء من أجل العدالة"، إلى أنّ الهدف العام من المشروع كان الحدّ من العنف ضدّ النساء عن طريق إشراك الرجال والفتيان في العمل مع النساء والفتيات كي يكونوا حلفاء حقيقيين في إرساء العدالة والمساواة الجندرية.

وشرحت كلارا، تفاصيل بداية المشروع، لرصيف22: "بعد العام 2019، رأينا أنّ الوضع قد تدهور وتلاحقت الأزمات السياسية والاجتماعية والاقتصادية، ولم تعد الحقوق والصحة الجنسية والإنجابية أولويةً، بل يتم وضعها جانباً بشكل دائم، علماً أنّ هذه الحقوق هي حقوق مهمة جداً. لذلك، وجدنا من الضرورة الحديث عنها في المشروع، لأنها جزء لا يتجزأ من تحقيق التوازن والعدالة والمساواة".

وأضافت: "كان من الضروري أن يتم تسليط الضوء على هذه المواضيع مع الجمعيّات المحلية بجانب حثّ الرجال والشباب على تبنّي المفاهيم والتصوّرات والسلوكيات العادلة تجاه مواضيع الحقوق والصحة الجنسية والإنجابية. لذلك، قمنا بتدريب مجموعة من الشبان والشابات من جمعيّات محلية في مختلف المناطق اللبنانية على مواضيع متعلّقة بالصحة الجنسية والإنجابية، فتمّ عرض مواضيع عدة بطريقة شبابية صحية وعلمية، منها: الجندر والنوع الاجتماعي، العنف، الحقوق الجنسية والإنجابية، الرضاعة الطبيعية، تنظيم الأسرة، فيروس نقص المناعة المكتسب (الإيدز) وكيفية انتشاره، سرطان الثدي وعنق الرحم، وغيرها من المواضيع".

وأضافت الورّاق: "لاحظنا بعد التدريب أهمية الحاجة إلى فتح تلك المواضيع مع الشبان والشابات، بهدف تصحيح المعلومات المغلوطة ومن ثم نقلها إلى أقرانهم بطريقة صحيحة، لأنّ هذه المواضيع لا زالت تُعدّ ‘تابو’ في المجتمع، وتؤثر بشكل كبير على حياة الشبان/ الشابات. من هنا جاء دورنا في كسر الصور النمطية عبر المبادرات وجلسات التوعية التي نفذها الشبان والشابات على الأرض".

وعن التحديات، قالت كلارا: "تحديات كثيرة واجهتنا لأنّ هذه المواضيع حسّاسة والحديث عنها في المجتمع يخلق جدلاً واسعاً، فهناك خلل في التوعية والمعرفة، انطلاقاً من البيت أو المدرسة أو المحيط. لذلك، كان دورنا، بجانب التوعية، الإضاءة على المصادر التي يتم من خلالها أخذ المعلومات الصحيحة والموثوقة، بالإضافة إلى سبل حصولهم على الخدمات".

واللافت أنه تمّ اختيار جمعيّات محلية من مختلف المناطق اللبنانية المهمّشة مثل البقاع (القاع وبرّ الياس وعرسال)، وشمال لبنان (عكار ونهر البارد والبداوي)، وجنوب لبنان (صيدا القديمة وصور)، وجرى تنفيذ مبادرات عدة سهّلت وصول بعض السيدات والفتيات إلى خدمات مقدَّمة في مناطقهنّ تتعلّق بالصحة الجنسية والإنجابية. وقد وصل عدد المستفيدين والمستفيدات إلى 921 عبر تنفيذ المبادرات التي فتحت طريقاً لعرض المواضيع بطريقة توعوية جديدة. ومن بين هذه المبادرات مسرحية "لأ مش عيب" في صيدا، التي لاقت حضوراً ورواجاً واسعَين.

وبحسب تأكيد الورّاق، فإنّ محاولات سدّ الهفوات الموجودة في المواضيع المتعلقة بالصحة الجنسية والإنجابية متواصلة، لكن، وفق رأيها، ذلك لا يكفي فـ"المطلوب العمل على صعيد أوسع لأنّ هذه المواضيع هي من أولى المواضيع التي تُهمَّش ولا توليها الدولة والسلطات المحلية أيّ اهتمام خصوصاً في ظل الأزمات".

"عندما نقوم بالتوعية حول الأمراض المنقولة جنسياً كي لا تتطوّر وتؤدّي إلى الموت، فإنّنا بذلك ننقذ حياة أشخاص. وعندما نتابع الحمل بطريقة صحية والإنجاب بطريقة صحية أو نقدّم للسيدة وسيلة تنظيم أسرة مناسبة لها، نتجنّب الحمل غير المرغوب فيه ونمنعها من الإجهاض غير الآمن"

هذا وشدّدت كلارا الورّاق، على أنّ إهمال هذه الحقوق وعدم الوعي يؤدّيان إلى زيادة العنف القائم على النوع الاجتماعي والعنف الجنسي: "من الضروري الحديث عنها انطلاقاً من أنها مواضيع صحيّة علميّة حقوقية وعلى الدولة والجمعيات العاملة في هذا المجال معرفة كيفية تنفيذ وتطبيق أنشطة تسعى إلى إشراك الرجال والنساء والفتيات في جلسات التوعية والنقاش، لأنهم شركاء أساسيون وعليهم تحمّل مسؤولية سلوكهم على صعيد الصحة الجنسية والإنجابية، بجانب أدوارهم الاجتماعية والأسريّة".

في ظل هذا التقاعس الواضح من قبل الدولة، وعدم الاهتمام بالصحة الجنسية والإنجابية وصحة النساء على أهميتها، وارتفاع أسعار الخدمات المقدّمة ارتفاعاً مستمراً وممنهجاً، تبقى الحاجة ضروريةً وملحّةً إلى تضافر الجهود والتعاون بين الجمعيّات والدولة، قدر الإمكان، من أجل وضع خطط وطنية واضحة تضمن تأمين هذه الخدمات للنساء بما يضمن حقوقهنّ وصحتهنّ، وإلا ستصبح النساء في لبنان في مواجهة وضع كارثي. 


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

WhatsApp Channel WhatsApp Channel
Website by WhiteBeard