شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

اترك/ ي بصمَتك!
هل يفضل القراء العاميةَ؟ وهل يفكر الكتابُ في نصوصهم بالفصحى؟

هل يفضل القراء العاميةَ؟ وهل يفكر الكتابُ في نصوصهم بالفصحى؟

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

ثقافة

الأربعاء 1 فبراير 202310:28 ص

لطالما حظي شعر العامية المصرية بجماهيرية واسعة مقارنة بغيره من الأعمال الأدبية. فمنذ سنوات طويلة، عرفت العامية طريقها إلى المسرح، وتسللت إلى الرواية والقصة وأدب الطفل على حساب العربية الفصحى إلاّ أنها فرضت نفسها بقوة في الفترة الأخيرة بعدما راجت على موقع فيسبوك قصص وروايات ومقالات أدبية وتاريخية وعلمية مكتوبة باللهجة العامية، واستطاعت أن تجد جمهوراً كبيراً بين المراهقين والشباب، وخاصة الكتابات المتعلقة بأدب الرعب والخوارق والجريمة والسخرية.

برزت أسماء كُتّاب يكتبون أدباً ومقالات بالعامية المصرية

وعلى الفضاء الأزرق، برزت أسماء كُتّاب يكتبون أدباً ومقالات بالعامية المصرية، مثل: محمد عصمت وهند عبدالله أو نور مانجا ومحمد أمير وقسمة الشبيني ونور إسماعيل ونسمة عاطف ووليد يسري وإسلام شاهين وأحمد عاطف ورامي يحي ومحمد مهني وغيرهم، يمتلكون جمهوراً واسعاً وآلاف المتابعين.

وفي ظل ضعف الإقبال على الكتاب الورقي مقابل نظيره الرقمي أو الصوتي، وانخفاض معدلات القراءة بشكل عام بين الأجيال الجديدة، تسعى مؤخراً بعض دور النشر، التي تواجه خسائر كبيرة جراء ارتفاع أسعار الورق وما تتعرض له من قرصنة إلكترونية وسطو على كتبها، إلى محاولة استقطاب شرائح جديدة من القراء واللعب على وتر "التريند"، عبر تقديم المحتوى المثير للجدل والأغلفة اللافتة للأنظار، وإصدار مؤلفات أدبية مكتوبة كُلياً باللهجة العامية أو مترجمة إليها، تهدف لمخاطبة شريحة عريضة ممن لا يقرأون اللغة الفصيحة.

ومؤخراً صدرت كتب للأطفال وقصص الأنبياء بالعامية المصرية محدثة ضجيجاً ثقافياً، وحتى «رسالة الغفران» لأبى العلاء المعري صدرت بطبعة عامية.

وخلال يناير/ كانون الثاني 2023 أصدرت إحدى دور النشر رواية أرنست همنغواي "العجوز والبحر" باللهجة العامية المصرية، وهو ما تسبب في جدل وانتقادات واسعة، تماماً كما حدث العام الماضي حين صدرت الترجمة العامية لرواية "الغريب" لألبير كامو، وسبق في العام 2016 أن تُرجمت مسرحية شكسبير «حلم ليلة صيف» للعامية، ورغم حالة الجدل تلك، فإن ترجمة عمل أدبي باللهجة العامية ليست أمراً جديداً إذ سبق أن ترجم المحلل النفسي مصطفى صفوان مسرحية "عطيل" إلى العامية المصرية قبل أكثر من 20 سنة، وترجم المهندس البريطاني وليم ويلكوكس مقطوعات لشكسبير بالعامية في عام 1892.

تفضيلات وشرائح القُرّاء

ورغم وجود جمهور للكتابات العامية فإن قطاعاً كبيراً من الوسط الثقافي يتهمها بالسطحية وتشويه الأدب وإفساد الذوق العام وحتى التآمر على اللغة العربية، ويتساءل معارضوها ما هو المستوى اللغوي من العامية المناسب للكتابة؟ وهل يُقصد بالعامية اللهجة القاهرية التي يتحدث بها سُكان العاصمة أم اللكنة الصعيدية أم لهجة السواحل أم اللهجة البدوية أو النوبية؟

بينما يعتبر المثقفون المدافعون عنها أن العامية المصرية ليست درجة ثانية من اللغات، إذ تطورت لتصبح لغة قائمة بذاتها.

ولكن هل أصبح القُرّاء يُفضّلون فعلاً هذا النوع من الكُتب أم لا؟ وما الأسباب التي تدفع بعض القُرّاء للإقبال على الكتابات العامية أو الإحجام عنها؟ ولماذا تصبح هذه الكُتب في مرمى نيران الهجوم والانتقادات؟

القارئ المبتدئ، والقارئ الواعي

من خلال عملها كمديرة لغروب "نادي القراء المحترفين" نحو ثلاث سنوات وقد زاد عدد أعضائه عن 500 ألف عضو، تقسم مرام شوقي الشاعر، مديرة التسويق الإلكتروني بإحدى دور النشر المصرية، القراء شريحتين هما: القارئ المبتدئ الذي يتعاطى مع العمل الأكثر شهرة من خلال منصات التواصل الاجتماعي وترشيحات القراء، حتى لو كانت تلك الشهرة غير مستحقة، والقارئ الواعي الذي يعتمد على نفسه في تكوين صورة كاملة لتفضيلاته الشخصية ويصعد سلم القراءة خطوة بخطوة بدءاً من القراءة البسيطة وصولاً للأكثر فائدة من حيث اللغة والمضمون.

وتوضّح مرام لرصيف22 أن تفضيل القارئ للقراءة بالعامية أو الفصحى يختلف من شخص لآخر حسب التصنيف السابق من كونه قارئاً مبتدئاً أو واعياً؛ فالأول قد يرضى بالعامية في بادئ الأمر، لكن لا يستسيغها بعد ذلك مع تقدمه في القراءة، ولكن ما الضرر في القليل من العامية إذا كانت في سياق الرواية أو الحوار المقبول، والعامية استخدمها الكثير من كبار الكتاب ولكن بحد مقبول وغير مبتذل.

في ظل غلاء أسعار الورق، ومواكبة لـ"الترند"، ورغبة في مخاطبة شرائح أوسع من القراء، اً صدرت دور للنشر كتباً للأطفال وقصصاً الأنبياء بالعامية المصرية محدثة ضجيجاً ثقافياً، وحتى «رسالة الغفران» لأبي العلاء المعري صدرت بطبعة عامية... فهل تتفقون معها؟

وتشدد مرام مضيفة: "لا نستطيع حصر القراء في نوع معين للقراءة خاصة مع وجود كل هذا الكم من الإصدارات المتنوعة، بالإضافة إلى أنه عكس المتداول تماماً عن تراجع عدد القراء في العالم العربي، وببساطة إذا اطلع أي باحث أو قارئ أو حتى كاتب على وسائل التواصل الاجتماعي، خاصة غروبات القراءة، يجد أن هناك تنوعاً كبيراً في الأذواق، فمنهم من يفضل الفانتازيا والرعب وأدب الجريمة والرومانسي والاجتماعي ومنهم لا يفضل الروايات برمتها".

اللهجة هي إحدى تجليات اللغة

‏يرى عمار قواسمية، المترجم الجزائري ‏والباحث في مستويات اللغة‏ واللسانيات، أن العامية هي إحدى تجليات اللغة، لكن من غير الممكن أن تنفصل الأولى عن الثانية، لا يمكن بأي حال من الأحوال أن تستقل العامية عن الفصحى، والأسباب إن عددناها كثيرة؛ فلا يمكن للعامية استيعاب كل المفاهيم المعاشة؛ فهي لا تمتلك القدرة اللغوية التعبيرية لذلك، كما أن العامية أو اللهجة المحببة تختلف من بلاد إلى أخرى؛ فإن استطاع الليبي أن يفهم الجزائري، فمن غير المرجح أن يفهم اللبناني التونسي وهكذا. بل إن اختلافات العامية تتجلى أحياناً في استعمال أبناء البلاد الواحدة؛ فقد لا يفهم قاطنو الإسكندرية لغة أهل الصعيد وهكذا، مشدداً على أن العامية لم تنفصل عن الفصحى ولم تتطور بصفتها لغة مستقبلة.

ويشير قواسمية إلى أنه لا توجد للهجة عربية موحدة الكتابة والألفاظ وحتى اللكنات؛ فالڨَط في الجزائر هو القطوس في تونس والبسينة في لبنان. وفي هذا المثال البسيط تتجلى الاختلافات في اللفظ والكتابة واللكنة، أي النطق: في الجزائر /ڨـ/ وفي تونس /قـ/.

مؤخراً، يذكر الباحث، الذي فاز في جائزة المجلس الأعلى للغة العربية بالجزائر "معجم العامية الجزائرية" بالجائزة الأولى، وهو "عمل فردي أنجزه أستاذ جامعي مشكوراً، بمثل هذه المبادرات ترقى العربية ويُحفَظ موروثها، ونؤسس لثقافاتنا وندون ذاكرة تاريخنا للأجيال القادمة".

انحراف لغوي عن الأصل

من جهة أخرى، يرفض الأستاذ الدكتور عاطف إسماعيل محيسن، أستاذ اللسانيات العربية بجامعة الفِرات - تركيا، مثل تلك المقترحات التي تمس الفصحى، إذ يرى أنه "لم ولن توجد لهجة تسمو سمو العربية ولا تكون بديلاً لها في يوم من الأيام، والذي نحن فيه هو ازدواجية في المستوى اللغوي وليس تعدداً لغوياً، والازدواجية اللغوية قدر جميع لغات العالم".

"اللغة العامية" تحتل المجتمعات العربية، مما أنتج تنوعاً واختلافاً في اللهجات المحكية، كما أنتج بعضاً من سوء الفهم بسبب اختلاف معنى المفردات، وظلت اللهجة العامية المشتركة بين كل الشعوب العربية هي اللهجة المصرية، بسبب السينما والتلفزيون

ويشدد بلهجة تجسد رأياً عاماً لا يزال حاكماً الكثير من القائمين على اللغة العربية: "العربية الفصحى هي الأصل، والعامية انحراف لغوي عن ذلك الأصل، وبالتالي العلاقة بينهما علاقة الجزء بالكل، ولم ولن تنفصل العامية عن الفصحى لتصل إلى درجة اللغة المستقلة، فهل للعامية نظام صوتي مستقل، أو نظام صرفي، أو نحوي خاص بها كي يحكم بعض السطحيين عنها بأنها لغة".

للعامية عبقريتها

وتستبعد الناقدة والأكاديمية اللبنانية المحاضرة في الكتابة الإبداعية الدكتورة لنا عبد الرحمن أن تلغي العامية استخدام العربية الفصحى، وترى أنه يتوجب على الكاتب استخدام اللغة الفصحى، وألا يستعين بالعامية إلا في حدود ضيقة جداً، وأن يضعها ضمن قوسين، للدلالة على اختلافها، بالنسبة لها لا يمكن أن ننكر أن للهجة العامية عبقريتها الخاصة في التعبير والتي تتجلى مثلاً في الأمثلة الشعبية، التي تأتي معبرة وموجزة، وربما لو احتاج الكاتب أن يقول نفس الجملة بالفصحى، فسوف يحتاج إلى فقرة كاملة.

العالم العربي كله اعتاد اللهجة المصرية

وتشدد الناقدة على أن "اللغة العامية" تحتل المجتمعات العربية، مما أنتج تنوعاً واختلافاً في اللهجات المحكية، كما أنتج بعضاً من سوء الفهم بسبب اختلاف معنى المفردات، وظلت اللهجة العامية المشتركة بين كل الشعوب العربية هي اللهجة المصرية، بسبب السينما والتلفزيون، لأن العالم العربي كله اعتاد اللهجة المصرية.

ولا تميل د. لنا للتفكير في أن هناك مؤامرة على اللغة العربية، بل تعتقد أن هناك عدم مجاراة للتغيرات العالمية من القائمين عليها، إذ تحتاج اللغة الفصحى إلى تطوير في المناهج التعليمية كي تكون أقرب للطلاب، وتجعلهم مقبلين على تعلمها بحب، ورغبة في القراءة بها واكتشافها خارج نطاق الدراسة. وللأسف هذا لا يحدث.

وعلى النقيض، يرى الناشر والشاعر المصري عادل متولي، مؤسس بورصة الكتب، أن العربية الفصحى من اللغات الحية المتطورة التي تستوعب عدداً كبيراً من الألفاظ والمصطلحات الجديدة، وبالتالي لن تضعف بتأثير من العامية، فهي تبقى لغة الكتابة والدراسة، مشيراً إلى أن اللغة شيء مجتمعي بالأساس يتفق عليه الناس، ومن هنا ظهرت اللهجات العامية في حدود ضيقة، وكثير من ألفاظ اللهجات العامية تعود إلى العربية الفصحى، لكن ربما حدث اضمحلال وضعف في استخدام اللغة على مواقع التواصل الاجتماعي ووسائل الإعلام.

ويعتقد الناشر أن اختيار مستوى لغة الكتابة يرجع لأسلوب الكاتب نفسه، متسائلاً: هل يفكر الكتاب في نصوصهم بالعامية أم بالعربية الفصحى؟ 


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

Website by WhiteBeard
Popup Image