شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

ادعم/ ي الصحافة الحرّة!
لماذا تثير الترجمة إلى اللهجة العامية ذعر المصريين؟

لماذا تثير الترجمة إلى اللهجة العامية ذعر المصريين؟

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

رأي

الأربعاء 19 يناير 202209:58 ص

"اكتب زي الناس ما بتنطق"؛ هكذا قال الشاعر أحمد فؤاد نجم، في أغنية سايجون، لكنه لم يشهد حالة الجدل التي أثيرت مؤخراً بسبب الكتابة مثلما ينطق الناس؛ فقد أثارت ترجمة رواية الغريب لألبير كامو، للمترجم هكتور فهمي، إلى العامية المصرية، حالة جدل في الوسط الثقافي المصري، وتجددت "معركة الفصحى والعامية"، وأطلق البعض اتهامات للترجمة إلى العامية، بالإسفاف، والاستسهال، ومحاولة تدمير الكلاسيكيات، والخوف من ضياع اللغة العربية الفصحى، وضياع قدسية النص، ووصف البعض الأمر بأنه عبث يفوق عبث كامو.

وما أشعل الجدل، أن الرواية المترجمة، قد كُتب عليها، أنها نُقلت إلى "اللغة المصرية"، وفسّر المترجم أنه ينقل اللغة إلى ما أسماه "اللغة المصرية الفصحى"، وأنه يعدها لغةً منفصلةً عن اللغة العربية، وأكمل قائلاً إن المصرية لها مستويات مختلفة، مثلها مثل كل اللغات، تمتلك مستوى فصيحاً يمكننا أن ندوّن به الأعمال الأدبية، ومستوى عامياً نستخدمه في حياتنا اليومية. وقد اختار مستوى لغوياً أدبياً مناسباً للترجمة.

"إن رفض قطاع كبير من المثقفين المصريين المساهمة في نشر الثقافة باللغة المصرية، يجعلهم بشكل ما خلفاء لرجال الدين الإسلامي.

ومصطلح "اللغة المصرية" تبنّاه أيضاً المؤرخ، والمترجم، د.شريف يونس، فقد ذكر سابقاً أن رفض قطاع كبير من المثقفين المصريين المساهمة في نشر الثقافة باللغة المصرية، يجعلهم بشكل ما خلفاء لرجال الدين الإسلامي، الذين يمتلكون علماً شرعياً، ولغوياً، لكن لا أحد يستطيع أن يتكلم به، وأن المثقفين كذلك يكتبون بلغة، قد لا يستطيع أن يفهمها كل من لا يمسك بناصية اللغة العربية جيداً، وأنه طالما ظلّت الفصحى هي لغة الثقافة، ستظل العامية في المرتبة الثانية، فيصبح الشعر العامي "زجلاً"، أي أقل درجة من الشعر المكتوب بالفصحى، وذهب إلى أبعد من ذلك متسائلاً: لماذا لا نفكر في ترجمة معاني القرآن الكريم إلى العامية؟

أثارت ترجمة رواية الغريب لألبير كامو، للمترجم هكتور فهمي، إلى العامية المصرية، حالة جدل في الوسط الثقافي المصري، وتجددت "معركة الفصحى والعامية"، وأطلق البعض اتهامات للترجمة إلى العامية، بالإسفاف، والاستسهال، ومحاولة تدمير الكلاسيكيات

والعامية المدوّنة لم تبدأ أبداً مع ترجمة رواية الغريب، فقد جمعت أستاذة اللغويات، مديحة دوس، التراث المدوّن باللهجة العامية من عام 1401 حتى عام 2009، من نثر وشعر ومسرحيات، في كتاب العامية المصرية المكتوبة.

"ويتفرقوا الناس اللي كانوا في القعدة دي، بعدما يكونوا قعدوا يتكلموا، في الجنة قد عمرهم في الدنيا أضعاف مضاعفة"؛ رسالة الغفران، ترجمة ناريمان الشاملي.

وحديثاً، نقلت المترجمة ناريمان الشاملي، رسالة الغفران، وكذلك المترجم محمود حسنين، رواية لبن النمرة من الألمانية، والمترجم عبد الرحيم يوسف، حلم ليلة صيف لشكسبير، بعنوان "حلم فــ ليلة صيف"، كما ترجم د.مصطفى صفوان، مسرحية عطيل إلى العامية المصرية، وكان الأخير يمتلك آمالاً تتعلق بالكتابة باللهجة العامية، وكان يتساءل أيضاً: لماذا يحتقر الناس اللغة التي ينطقون بها؟ وغير الترجمة، هناك كتب دُوّنت بالعامية، مثل مذكرات لويس عوض، "مذكرات طالب بعثة"، و"المولودة" لنادية كامل، وحتى الروايات المكتوبة بالفصحى، فكثيراً ما يُكتب الحوار بالعامية.

وعلى مستوى العالم العربي، نقل المترجم ضياء بوسالمي، الأمير الصغير لأنطوان سانت إكزوبيري، إلى الدارجة التونسية، بعنوان "الأمير الصغرون"، كما ترجم رواية الغريب أيضاً إلى التونسية. والأمير الصغير التي سبق لهكتور فهمي ترجمتها بالعامية المصرية، تُعد ثاني أكثر الكتب التي تُرجمت في العالم، بعد الكتاب المقدس، وقد نُقل إلى كثير من اللغات، حتى الميتة، وكثير من اللهجات، ومؤخراً أيضاً تُرجمت إلى اللهجة المغربية، ونقلها إلى الإماراتية الكاتب عبد الله الكعبي.

"الوردة اللي بتحبها مش في خطر، أنا هرسم كمامة للخروف بتاعك، أنا هرسم لك درع للوردة بتاعتك"؛ الأمير الصغير، ترجمة هكتور فهمي.

لذا إذا نظرنا إلى حركة الترجمة في العالم إلى اللغات الدارجة، لن نجد الأمر جديداً، أو بدعةً، ولم يؤدِ ذلك إلى اختفاء اللغات الرسمية، فلماذا كل هذا الخوف من اللغة الدارجة، أو العامية المدوّنة؟ هل لكونها ستدمر الفصحى، أو ستحل محلها؟ في كتاب "مستويات العربية المعاصرة في مصر"، للدكتور السعيد محمد بدوي، ذكر أن من الأفكار الشائعة التي تصل إلى حد المسلمات، أن التركيب اللغوي للمجتمع المصري يقوم على محورين؛ الفصحى في أقصى اليمين، والعامية في أقصى اليسار، من دون أن يكون بينهما أي لقاء مشروع، أو حتى غير مشروع.

إذا نظرنا إلى حركة الترجمة في العالم إلى اللغات الدارجة، لن نجد الأمر جديداً، أو بدعةً، ولم يؤدِ ذلك إلى اختفاء اللغات الرسمية، فلماذا كل هذا الخوف من اللغة الدارجة، أو العامية المدوّنة؟

لماذا نقدّس اللغة العربية؟

ربما يرجع رفض الترجمة من الفصحى إلى العامية، واستهجانها، إلى قدسية اللغة العربية، لغة القرآن الكريم، وهو الأمر ذاته الذي تسبب في منع كتاب "فقه اللغة العربية"، في مصر، عام 1981، للكاتب لويس عوض، والذي كان ينزع فيه عن اللغة العربية قداستها، كما كان يرى أن العرب أمة حديثة نسبياً، إذا ما قورنت بالأمم المجاورة. ويصف الدعاوى التي تقول إن اللغة العربية هي أصل اللغات، بأنها مجرد تهريج. وبالطبع كانت المصادرة، والاتهام بمعاداة الإسلام أحكاماً جاهزةً، من نصيب لويس عوض.

*ألفين سنة ويِفْضَل كلامي جميل - فؤاد حدّاد

وقد شمل الجدل الأخير حول الترجمة إلى العامية، حججاً عدة، لم تكن جديدةً؛ أولاً السخرية من تحويل نص فلسفي كلاسيكي إلى العامية المصرية، وكيف سينطق كامو باللهجة العامية، وسأل البعض هل العامية المستخدمة هي عامية القاهرة، أو الريف؟ على الرغم من أن أقدم كتاب عن الريف المصري، قد كُتب في الأساس بالعامية، وهو كتاب "هز القحوف في شرح أبو شادوف"، وهو من الكتب النادرة التي تناولت أحوال الريف في القرن السابع عشر، أي أن لغة أهل ريف ليست عصيةً على التدوين، والكتابة. كما أننا في الغالب نقرأ الشعر العامي، مثل أشعار فؤاد حداد، وصلاح جاهين، بلهجة قاهرية، أو لهجة مفهومة لمعظم المصريين.

ومن ضمن الاتهامات أيضاً، أن اللهجة العامية فقيرة، ولن تستطيع إيصال المعاني الفلسفية، العميقة، في الرواية، إلى اللهجة العامية، وهو الاتهام الذي ردت عليه الراحلة مديحة دوس، أستاذة اللغويات، من قبل، بأنه لا توجد لغة قاصرة. كما أن هناك محاولاتٍ حديثةً بالفعل لترجمة نصوص فلسفية، وتاريخية، إلى العامية المصرية، يقوم بها موقع كتب مملة.

وقد تساءل البعض عن الفائدة المرجوة، من تحويل هذا النص إلى العامية، وهل من لا يستطيع قراءة كامو بالفصحى، يحتاج إلى أن يقرأه من الأساس باللهجة المحكية؟

يرى البعض أن اللهجة العامية، لغة قائمة بذاتها، مختلفة ومستقلة، عن العربية، وليست تابعةً لها، ولها أيضاً جمالياتها، وتراكيبها، ولها موسيقاها الخاصة، وأن لها قواعد بالفعل، لكن لا نتعلمها في المدارس

بعض المهتمين بتدوين اللهجة العامية، أو المصرية، مثل سامي حرك، يقول في كتاب "بنتكلم مصري"، إنه يتبنى فكرة أن "اللغة الطبيعية هي اللي بينطقها الناس، بالطريقة اللي ورثوها عن أمهاتهم، وأبهاتهم، وجدود جدودهم، بيتكلموها، ويضيفوا عليها، يشيلوا منها، ويحطوا فيها، حسب حاجتهم"، ويرى البعض الآخر أن اللهجة العامية، لغة قائمة بذاتها، مختلفة ومستقلة، عن العربية، وليست تابعةً لها، ولها أيضاً جمالياتها، وتراكيبها، ولها موسيقاها الخاصة، وأن لها قواعد بالفعل، لكن لا نتعلمها في المدارس، فأنت مثلاً تقول: "مش عاوز آكل"، وليس "آكل عاوز مش". إذاً هناك قواعد، لكن ربما نحتاج إلى توحيد طريقة كتابتها. والبعض رأى أن التدوين بالعامية، بمثابة وثيقة تاريخية للطريقة التي يتحدث بها الناس في هذا العصر، لكن سواء أكان سبب الترجمة إلى العامية أيديولوجياً، أو حباً بالعامية، أو إثراء الساحة الثقافية، أو الوصول إلى شرائح أخرى من القرّاء، أو حتى بغرض اللعب، سيكون الفيصل هو جودة الترجمة ذاتها.


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

WhatsApp Channel WhatsApp Channel


* يعبّر المقال عن وجهة نظر الكاتب/ة وليس بالضرورة عن رأي رصيف22

Website by WhiteBeard