شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

ساهم/ ي في صياغة المستقبل!
اللغة العربية ومستقبل الفصحى

اللغة العربية ومستقبل الفصحى

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

ثقافة

الأربعاء 16 فبراير 202211:00 ص

يبدو وكأنه يوم للفصحى، فمن الصعب الكلام عن عربية جامعة وواحدة إن لم تكن الفصحى. لكن هذا يعيد طرح المشكل الأساسي لهذه اللغة والذي يطبع حضورها اليوم ويجعله شائكاً ومعقداً وبدون مخارج. مشكلة توزعها على لغة كتابية وعاميات كثيرة. لغة كتابية غير محكية، وتبقى مع ذلك اللغة الأم، ولغة الثقافة ولغة الأدب ولغة الجمع والمنصات المشتركة، لغة الإذاعات والمحطات التلفزيونية والمؤتمرات والبيانات الرسمية والدولة. أي أنها في كل ما يخرج عن المعاش والاستعمال اليومي.

ليست الفصحى لغة الحياة والراهن واليوم، لذا أمكن لمثقفي القرن الماضي مقارنتها باللاتينية وتوزيعها فيما بعد على لغات استقلت الواحدة منها بنفسها وبثقافتها وأدبها. كانت هذه المقابلة بديهية ،بل وبدت تاريخية وطبيعية. بالطبع استفزت من وجدوا فيها خروجاً على الدين، إذ انزل القرآن بالعربية التي صارت بذلك لغة مقدسة، لغة الله، ولا يجوز، لذلك، تحويرها أو العبث بها. كانت هذه بطبيعة الحال حجة دامغة.

مع ذلك، كانت تعارض تاريخية اللغة وراهنيتها وصلتها بالمعاش والاجتماع والحياة اليومية. كانت الحجة الدينية قوية بطبيعة الحال، لكن تجارب كالتجربة الأتاتوركية كانت تقدم نموذجاً عملياً يمكن التفكير فيه بدون الوقوع في الضلالة أو الخروج. المهم أن المقابلة بين تاريخ اللاتينية والعربية بقيت قائمة بل وفاعلة. مع العصر الحديث، تم اعتماد العامية في جملة المرافق التي جاء بها العصر.

لقد اعتمدت في المسرح والسينما والحوارات الروائية والإذاعية. رغم الاحتياط الديني ورغم استمراره، كانت العامية تنتشر وتكاد تعم. بالطبع بقيت للدين حجته، لكن عربية الدين صارت تفترق عن العربيات اليومية والعربيات التي تستمد من الحياة اليومية والمعاش. كان نوع من الحل يملي نفسه. عربية الدين غير عربية اليوم. تجاورت عربيتان بدون غضاضة وبدا أن كلاً منهما تمهد لنفسها وتواصل نموذجها ومثالها. لم يكن هناك صراع ظاهر بين العربيتين. لكن الأدب بقيت الفصحى عمدته، كذلك الصحافة. والخطابة، سياسية أو غير سياسية.

إننا اليوم أمام لغة وسيطة، أمام فصحى محكية، أمام فصحى تتبسط وتقترب من المحكي. لكن إلى أين ينتهي ذلك؟ لسنا أمام أي مستقبل واضح. شأننا في ذلك شأننا أمام كل شيء يتصل بحياتنا، سياستنا أو ثقافتنا أو مستقبلنا كله

دور السياسة

 أخذت السياسة مع الوقت تطغى، سقوط فلسطين أسهم في ذلك، ومع طغيان السياسة غلبت اللغة السياسية، وهذه بقيت ملتزمة بالفصحى. الفصحى كانت لذلك لغة ما فوق اليومي. لقد حلت بالرتل حيث حلت السياسة في حياتنا.

لقد صار لها المقام الأعلى الذي منحته للسياسة الحركة القومية. مقام شبه أرستقراطي ،مقام علوي ومثالي استحق لذلك أن يقرن باللغة الأعلى. اللغة الأم واللغة المقدسة، خاصة أن الحركة القومية كانت أيضاً استعادة للماضي المجيد، على نحو ما، كانت بعثاً، ولا بد لهذه الاستعادة أن تكون أيضاً استعادة للغتها.

لا بد لذلك من القول إن السياسة الانبعاثية، كانت على هذا النحو، انتصاراً للفصحى. قالت السياسة التي هي شاغل اليوم، بلغة الماضي. يمكننا من هنا أن نفهم أي سياسة كانت هذه، وأي فكر يمكن أن يبنى على هذه السياسة.

العامية تتوسع

لقد أنقذت الخطابة الفصحى، وبوسعنا هنا ان نتكلم عن سياسة فصحى مع الوقت. وفيما كانت العامية تتوسع، كانت الصحافة ومعها الإذاعات، أي كل ما يتصل بالسياسة، ترسي نوعاً من لغة كتابية تمزج بخطابة مبسطة ودعوية مباشرة وانبعاثية شبه دينية. فصحى كهذه كانت تتغلغل في نوع من يومية مبسطة، نوع من فصحى يومية. في ذات الوقت كانت المدن تتأسس وتمتلك بالتقادم معاشها ويومياتها، ومع الوقت لغتها الخاصة.

عربية الدين غير عربية اليوم. عربية الدين صارت تفترق عن العربيات التي تستمد من الحياة اليومية والمعاش

لم تعد هذه سليلة الريف والبداوة، لم تعد العامية المبنية على الريف والأرق البدوي. لقد تكونت عامية أكثر يومية وأكثر تبسيطاً وأقل صناعة وبلاغة وخطابية. إننا هكذا أمام عامية تقترب من لغة الصحافة والإذاعة وبعدهما التليفزيون، أي من نوع قريب من الفصحى ويمكن رده إلى الفصحى بسهولة، بل يبدو أنه يحمل هذه الفصحى في جذره، بحيث يرجع بدون مشقة إليها.

إذا راجعنا على سبيل المثال المحطات التليفزيونية، سنرى أن المتكلمين بالفصحى ليسوا فقط الكتاب والصحافيين، إنهم، وياللعجب، من كل الفئات. إنهم في الوقت نفسه، المهنيون والعسكر وأهل الشارع. بل هم أيضاً أجانب مسلمون، أفغان وباكستانيون وسواهم.

إننا هكذا أمام لغة وسيطة، أمام فصحى محكية. لا نعرف إلى أين يصل ذلك، لكننا نفهم أننا لسنا أمام مشروع واضح. لن تغدو الفصحى محكية، لكن لا شيء يدل على أنها في طور الاختفاء. إنها تتبسط وتقترب من الحكي. لكن إلى أين ينتهي ذلك؟ لسنا أمام أي مستقبل واضح. شأننا في ذلك شأننا أمام كل شيء يتصل بحياتنا، سياستنا أو ثقافتنا أو مستقبلنا كله.


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

Website by WhiteBeard
Popup Image