شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

ادعم/ ي الصحافة الحرّة!
مئة عام من

مئة عام من "الاحتباس"... هل تتغير فلسفة قوانين الأحوال الشخصية في مصر؟

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

حياة نحن والنساء

الثلاثاء 24 يناير 202304:15 م

مئة عام من من الطاعة والاحتباس، هذه هي فلسفة قوانين الأحوال الشخصية التي سرت وتبدلت في مصر طوال 102 من الأعوام مرت منذ صدور القانون المنظم لأحوال الأسرة في العام 1920.

منذ القانون الأول جرى تعديل وإقرار قوانين جديدة للأحوال الشخصية في مصر مراراً، لكن جوهرها بقى واحداً في ضوء وضع المفاهيم الفقهية وتفسيرات الشريعة التي هي على رأس مصادر تشريع قوانين الأسرة والأحوال الشخصية، وانتخاب تفسيرات بعينها لرسم طريق التشريع في ظل سلطات ومجالس تشريعية (برلمانية) يسيطر عليها رجال محافظون.

من هنا تعامل المشرِّع طوال مئة عام مع النساء وفق قوانين تضمن طاعتهن للزوج، وتمتع الزوج باحتباسهن مقابل النفقة، من خلال رُخصة انتماء القوانين للشريعة الإسلامية، ما جعل النساء يعشن أسيرات قوانين أسرة تمييزية لا تراعي أي مبدأ للشراكة والمساواة وعدالة تقسيم الثروة داخل الأسرة.

كل من عاشت تجربة انفصال، عاشت تجربة سنوات من الألم والعنف والضغط النفسي، وسنوات من الارهاب والتهديد بأحكام "الطاعة" سيئة السمعة، واستصدار أحكام تعاقب النساء على "النشوز".

رغم تغير الأوضاع وتحمُّل المصريات مسؤولية الإنفاق على الأسرة سواء بشكل كامل أو جزئي، لا يزال القانون يستخدم مفردات الإنفاق والطاعة والاحتباس مع ما تفرضه هذه المصطلحات من ثقافة ونظرة اجتماعية تعاني منها النساء في حياتهن اليومية

الانفاق مقابل الطاعة والاحتباس

 في قانون الأحوال الشخصية الحالي مقاربات ثنائية واضحة، المهر مقابل العلاقة الجنسية (استحلال الفرج)، والإنفاق مقابل الاحتباس والطاعة. ورغم أن الواقع في مصر تجاوز "المهر" منذ عشرات السنوات، ليتحول عبء الزواج الى عبء مشترك تساهم فيه النساء بنصف نفقاته تحت ما يسمى بجهاز العروس، الذي أصبح بدوره عبئاً ثقيلاً على الأسر، ويغالي فيه المجتمع بمطالب خرافية. إلا أن العلاقة الجنسية لا تزال فرضاً على النساء، لا يُعاقَب الزوج على حرمان المرأة منه في حالات الهجر داخل مسكن الزوجية، ولا على ممارسة العلاقة الزوجية من دون رضا الزوجة واغتصابها في إطار علاقة الزوجية (الاغتصاب الزوجي)، بل يحصل العكس في حالات الطلاق الرجعي- أي رد الزوجة بقرار منفرد من الزوج ومن دون اشتراط موافقتها خلال فترة العدة-. يعتبر القانون المصري المستمد من الشريعة أن قيام الزوج باغتصاب زوجته بمثابة ردها إلى عصمته، ويكون عليها الطاعة والالتزام بـ"حق الزوج في الاحتباس" بدءاً من لحظة الإكراه على المعاشرة الجنسية.

والحق في الاحتباس والامساك، الذي يكفله قانون الأحوال الشخصية للزوج على زوجته، يعني منعها من العمل والحركة من دون إذنه، فيحول القانون الزوجة من مواطن كامل الأهلية إلى مواطن مقيد الحركة، وليس لديه الحق في الاختيار واتخاذ القرار، ويحوّل الحياة الزوجية لسجن والزوج لسجان يمارس محو حرية زوجته برخصة من القانون. ورغم تغير الأوضاع وتحمُّل النساء مسؤولية الانفاق على الأسرة سواء بشكل كامل أو جزئي لما يزيد على 30% من الأسر المصرية، لا يزال القانون يستخدم مفردات الإنفاق والطاعة والاحتباس مع ما تفرضه هذه المصطلحات من ثقافة ونظرة اجتماعية تعاني منها النساء في حياتهن اليومية.

لم تبين تصريحات وزير العدل شيئاً عن فلسفة القانون، وإن كانت الرؤية ستتغير لتتناسب أكثر مع حقوق النساء الدستورية، وهل ستتوافق مع التزامات مصر الدولية التي تنظمها الاتفاقيات والمواثيق التي صدقت عليها مصر في السبعينيات والثمانينيات من القرن الماضي؟

 تصريحات وزارة العدل: هل هي مؤشر لتغير الحال

منذ تحدث الرئيس عبد الفتاح السيسي عن ملامح قانون الاحوال الشخصية الجديد في نهاية ديسمبر/ كانون الأول الماضي، وجد المسؤولون التنفيذيون مجالاً للحديث عن القانون ولكن بقيت البنود -باستثناء ما كشف عنه الرئيس نفسه- غامضة.

يظهر ذلك في التصريحات التي أدلى بها وزير العدل وأعضاء اللجنة المسؤولة عن إعداد مشروع القانون والتي جاءت لتؤكد على "رضا طوائف كثيرة من المجتمع" عن مشروع القانون الغامض.

تصريحات وزير العدل كشفت عن أن لجنة إعداد مشروع القانون جرى تشكيلها بقرار من الرئيس السيسي في يونيو/ حزيران الماضي. لم تبين تصريحات الوزير شيئاً عن فلسفة القانون، وإن كانت الرؤية ستتغير لتتناسب أكثر مع حقوق النساء الدستورية، وهل ستتوافق مع التزامات مصر الدولية التي تنظمها الاتفاقيات والمواثيق التي صدقت عليها مصر في السبعينيات والثمانينيات من القرن الماضي؟ وهل سينهي القانون الجديد معاناة النساء من النظرة الدونية وتكريس العنف والتمييز اللذين يمارسان عليهن منذ مئة عام باسم القانون؟

نتيجة لمعاناة النساء لسنوات طويلة من قانون الأسرة الحالي، ومعاناة الأطفال في ظل قوانين لا تراعي المصلحة الفضلى للطفل، أصبح الجميع في انتظار القانون الجديد، ينظرون بترقب وأمل

التصريحات اكتفت بالإشارة إلى عدد محدود من التعديلات، مثل قضية "الطلاق الشفهي" التي كانت محور صراع شبه مكتوم بين الرئيس السيسي وشيخ الأزهر، ويبدو أن القانون وفّق بين وجهتي النظر، فيما كان الرئيس يدعو إلى عدم الاعتراف بالطلاق الشفهي والاعتراف فقط بالطلاق الموثّق؛ بينما شيخ الأزهر يرفض هذا الطرح كونه يتجاوز قواعد الشريعة المستقرة؛ يلزم القانون في ثوبه الجديد الزوج بتوثيق الطلاق.

التوافق مهم هنا، لأن الدستور يلزم الدولة باستشارة الأزهر الشريف في القوانين المدنية، إلا أن هذا من شأنه أن يثير القلق بشأن "مدنية" هذا القانون ومناسبته للتطور الاجتماعي.

أسئلة مشروعة حول القانون الغامض

تناولت التصريحات موضوع صندوق دعم الأسرة المصرية الذي أحدث جدلاً واسعاً، ربما لتعلقة المباشر بالظروف الاقتصادية التي يعاني منها الشباب، فهل سيستمر السيناريو الحالي ومسؤولية بنك ناصر الذي يقوم بصرف مبلغ 500 جنية كنفقة لكل طفل، فيصبح على الأم الانفاق شبه الكامل على هذا الطفل، في ظل الأوضاع الاقتصادية القائمة؟ وهل سيوفر هذا الصندوق راتب تفرغ للأم لرعاية الأبناء، في ظل حق الزوج في الاحتباس الذي حرمها بموجبه سنين من العمل والتدريب والترقي؟ وهل ستتغاضى الدولة عن حق الزوجة في اقتسام الثروة المشتركة وتقسيم موارد الأسرة بشكل عادل بين الزوجين والأبناء؟ وهي إشكالية تتعلق أيضاً بفلسفة القانون للتعامل مع النفقة كبديل للأجر والتعويض والتوزيع العادل للثروة.

رغم فتح الباب لتلقي المقترحات من المجتمع المدني، ورغم تقديم المجلس القومي للمرأة لمحددات قانون الأحوال الشخصية وتقديم المنظمات الأهلية لمقترحات وبيانات، لا يوجد أي معلومات عن استلام اللجنة لهذه المقترحات أو أي طرح لمناقشة هذه الأفكار

 الحوار المجتمعي حول القانون

قانون الأحوال الشخصية هو قانون يخص ويهم كل المجتمع وهو حجر زاوية في تحرر النساء في الفضاءين العام والخاص، ونتيجة لمعاناة النساء لسنوات طويلة من قانون الأسرة الحالي، ومعاناة الأطفال في ظل قوانين لا تراعي المصلحة الفضلى للطفل، أصبح الجميع في انتظار القانون الجديد، ينظرون بترقب وأمل.

عملت المنظمات النسوية المصرية لسنوات للضغط لتغيير القانون، وشارك بعضها مثل مؤسسة قضايا المرأة المصرية في صياغة قانون جديد وطرحه على فئات المجتمع المختلفة والقيادات الطبيعية، ورغم كل هذا الزخم فوجئنا بالتكتم الشديد حول القانون منذ تأسيس اللجنة المشكلة بكاملها من القضاة من دون أي طرف من المتخصصين والمحامين والاخصائيين الاجتماعيين والنفسيين.

 ورغم فتح الباب لتلقي المقترحات من المجتمع المدني، ورغم تقديم المجلس القومي للمرأة لمحددات قانون الأحوال الشخصية وتقديم المنظمات الأهلية لمقترحات وبيانات، لا يوجد أي معلومات عن استلام اللجنة لهذه المقترحات أو أي طرح لمناقشة هذه الأفكار.

حتى أن البيان الرسمي الصادر عن لجنة الحوار الوطني حول  محاور النقاش في اللجان، يشير إلى أن لجنة الحوار لم تدرج مشروع قانون الأحوال الشخصية ضمن محاور النقاش بلجنة الأسرة والتماسك المجتمعي كما كان متوقعاً، فهل يوجد أي أمل بأن تختلف صناعة قانون الأحوال الشخصية عن آليات وضع القوانين المعتادة بفتح مجال حقيقي للنقاش المجتمعي حول القانون؟

إنضمّ/ي إنضمّ/ي

رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

ثورتنا على الموروث القديم

الإعلام التقليديّ محكومٌ بالعادات الرثّة والأعراف الاجتماعيّة القامعة للحريّات، لكنّ اطمئنّ/ ي، فنحن في رصيف22 نقف مع كلّ إنسانٍ حتى يتمتع بحقوقه كاملةً.

Website by WhiteBeard