بدأ تداول العملات الأجنبية في مصر صباح اليوم الخميس هادئاً. وتحرك سعر الدولار بين 29.6 (سعر البنك المركزي) و30.5 جنيه للدولار الواحد، بعد يوم عاصف واجهت فيه مصر "التعويم الحقيقي" لبضع ساعات، تخطى خلالها سعر الدولار 32.6 جنيه صعوداً من 27.6 في معظم البنوك عند بداية يوم التداول.
ما شهده الجنيه من انخفاض حاد بنهاية تعاملات أمس الأربعاء 11 يناير/ كانون الثاني 2022، أتى بعد ساعات قليلة من إفصاح صندوق النقد الدولي عن الشروط التي وضعها للحكومة المصرية للموافقة على إقراضها ثلاثة مليارات دولار، تتلقاها مصر على دفعات محدودة لا تتجاوز قيمة كل منها 376 مليون دولار كل ستة أشهر حتى العام 2026.
وفيما تتحفظ السلطات المصرية حتى الآن في إعلان الشروط المتفق عليها والالتزامات التي سترتب أعباء هائلة جديدة على قدرة المواطنين على العيش، أتى إفصاح الصندوق في مذكرته المطولة على موقعه ليؤكد أنه لن يتهاون في تطبيق شرط لتعويم الكامل للعملة المحلية وترك قيمتها تتحدد حسب العرض والطلب على أن "يُسمح" للبنك المركزي المصري التدخل، في حالات "التقلبات الشديدة" فقط، وهو ما رجح مراقبون اقتصاديون تحدثوا إلى رصيف22 أنه جرى يوم الأربعاء بعد ارتفاع سعر الدولار خمسة جنيهات دفعة واحدة ليعود وينخفض دون الثلاثين جنيهاً في البنك المركزي والبنوك الحكومية (الأهلي – مصر- القاهرة)، فيما بقي مرتفعاً في بنوك أخرى.
ماذا جاء في تقرير خبراء الصندوق؟ وما الذي ستضطر إليه السلطات المصرية كي لا تفقد حزمة الإنقاذ من أزمتها الاقتصادية والمالية التي تهدد وضع البلاد واستقرار اقتصادها؟
فيما أفصحت وكالة أنباء الشرق الأوسط - وكالة الأنباء الرسمية- عن أن الصرافات التابعة لبنكي مصر والأهلي المملوكان للحكومة، تلقيا دفعة بلغت 250 مليون دولار من صناديق استثمار خليجية، لتحويلها إلى العملة امصرية بغرض شراء أذون خزانة يحين أجلها في أكتوبر/ تشرين الثاني 2025 بفائدة منخفضة، وزعمت الوكالة أن هذا التحرك هو ما خفَّض سريعاً من سعر تداول الدولار، في نفي ضمني لتدخل البنك المركزي.
فماذا جاء في تقرير خبراء الصندوق؟ وما الذي ستضطر إلى فعله السلطات كي لا تفقد حزمة الإنقاذ من أزمتها الاقتصادية والمالية التي تهدد وضع البلاد واستقرار اقتصادها؟
أزمات كشفتها الحرب الروسية الأوكرانية
صدر تقرير الصندوق في 107 صفحات، وتناول تفصيلاً الشروط التي وافقت عليها مصر للحصول على القرض الأخير، والخطوات التي ستتبعها الدولة للتخارج من بعض الأنشطة الاقتصادية، وزيادة الدخل الحكومي، وآليات سداد الفجوة التمويلية التي تقدر بنحو 5.04 مليار دولار حتى نهاية يونيو/ حزيران المقبل فقط.
فيما تتحفظ السلطات المصرية حتى الآن في إعلان الشروط المتفق عليها، والالتزامات التي سترتب أعباء هائلة جديدة على قدرة المواطنين على العيش، أتى إفصاح الصندوق ليؤكد أنه لن يتهاون في تطبيق شرط لتعويم الكامل للعملة المحلية
يبدأ تقرير صندوق النقد الدولي ببيان أن الشروط التي تم الاتفاق عليها مع مصر جاءت بناءً على الوضع الاقتصادي الحالي واختلالاته "التي كانت موجودة من قبل الحرب الروسية الأوكرانية"، مؤكداً أن الأخيرة "ساهمت فقط في أظهار تلك الاختلالات وبلورت ضغوطاً كانت موجودة مسبقاً". وهو ما يتناقض كلياً مع خطاب السلطات المصرية التي ترجع الأزمة الخانقة التي تمر بها البلاد إلى الحرب الاوكرانية الروسية وقبها "أزمة كورونا".
ومن أبرز المشكلات التي يعانيها الاقتصاد المصري، الاعتماد الكبير على مضاربات الأجانب في أدوات الدين المصري، واستخدام تلك الأموال في تمويل مشروعاتها وسداد احتياجاتها السلعية والتسليحية، واعتماد الدولة على روسيا وأوكرانيا بشكل يكاد يكون حصرياً في السياحة وواردات القمح.
وبحسب تصريحات سابقة لوزير المالية، محمد معيط، فقدت مصر 55 مليار دولار من الأموال الساخنة (الاستثمارات في السندات المصرية) خلال أربع سنوات، بدأت بخروج 15 ملياراً أثناء أزمة الأسواق الناشئة في 2018، ثم 20 مليار دولار بسبب جائحة كوفيد-19 عام 2020، ثم 20 ملياراً أخرى بسبب الحرب الروسية الأوكرانية في 2022، ومثلت النسبة الأخيرة أكثر من 90% من "استثمارات" الأجانب في مصر.
وتستورد مصر نحو ثلثي احتياجاتها من القمح من الخارج، أغلب هذه النسبة كانت تأتي من روسيا وأوكرانيا، كما تعتبر هاتان الدولتان من أهم الأسواق المصدرة للسياحة في مصر، إذ يشكل السياح الروس 33% من إجمالي السائحين الذين تستقبلهم مصر، تلك الصدمات عصفت باحتياطيات الدولة من الدولار.
وبنهاية ديسمبر/ كانون الأول 2022، وصل الاحتياطي النقدي من العملات الأجنبية في مصر إلى نحو 34 مليار دولار، مقابل 40.934 مليار دولار بنهاية ديسمبر 2021.
تستورد مصر نحو ثلثي احتياجاتها من القمح من الخارج، أغلب هذه النسبة كانت تأتي من روسيا وأوكرانيا، كما تعتبر هاتان الدولتان من أهم الأسواق المصدرة للسياحة في مصر، إذ يشكل السياح الروس 33% من إجمالي السائحين الذين تستقبلهم شواطئ البلاد
كما وصل معدل التضخم السنوي في ديسمبر/ كانون الأول 2022 إلى 21.9% مقابل 6.5% فقط في الشهر نفسه من عام 2021، بحسب بيانات الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء، مع العلم أن مستهدف الحكومة لمستوى التضخم كان معدله 7 بزيادة أو نقصان 2% خلال الربع الأخير من 2022.
وشهد الاقتصاد المصري خلال عام 2022، صدمات متلاحقة نتيجة ندرة الدولار، اضطرت الدولة لوضع قيود مشددة على الاستيراد، وخفض قيمة الجنيه بنسب تجاوزت 30% حتى نهاية ديسمبر/ كانون الأول 2022، وإعلان وثيقة سياسة ملكية الدولة لتخارج الحكومة من العديد من الأنشطة الاقتصادية، ثم الاتفاق مع صندوق النقد الدولي على حزمة تمويل قميتها 3 مليارات دولار فقط مقابل شروط فرضها الصندوق، ولا تزال تبعات الأزمة الاقتصادية مستمرة.
المشروعات القومية... الصندوق يطلب وقفها والسلطات ترفض وتصر
بحسب تقرير صندوق النقد الدولي، التزمت الحكومة بتخفيض النفقات وزيادة الدخل الحكومي، وتعديل بعض السياسات النقدية والمالية العامة لدعم أهداف البرنامج الذي بدأ تنفيذه في ديسمبر/ كانون الأول 2022، ويستمر حتى سبتمبر/ أيلول 2026. وفي إطار تقليل الإنفاق، التزمت الحكومة بـ"إبطاء الإنفاق على المشاريع العامة غير الإنتاجية" للحد من الضغوط على سوق الصرف الأجنبي والتضخم.
لكن قبل نشر بيان الصندوق المتفق على شروطه في وقت سابق تلقت مصر بموجبه الدفعة الاولى من القرض في ديسمبر/ كانون الأول الماضي، استبقت الحكومة إفصاح صندوق النقد عن تفاصيل اتفاقه معها، ونشرت الجريدة الرسمية في 4 يناير/ كانون الثاني 2023، قرار رئيس مجلس الوزراء رقم 69 لسنة 2023، بشأن ترشيد الإنافق العام بالجهات الداخلة في الموازنة العامة للدولة والهيئات العامة الاقتصادية. ومن أبرز بنود هذا القرار "تأجيل تنفيذ أية مشروعات جديدة لم يتم البدء في تنفيذها ولها مكون دولاري واضح"، وتأجيل الصرف على أية احتياجات لا تحمل طابع الضرورة القصوى. وهذا ما يشير إلى أن المشروعات غير الإنتاجية التي بدأتها الدولة والتي تثير انتقادات عديدة ضدها في الداخل والخارج، مثل العاصمة الإدارية الجديدة، والمدن الذكية السياحية والمونوريل وغيرها، ستستمر الدولة في استكمالها على الرغم من أن لها مكوناً دولارياً يبلغ المليارات.
بينما كان الاقتصاديون يطالبون الدولة بالإبطاء في إتمام المشروعات التي بدأتها قبل سبع سنوات، ظهر الرئيس السيسي في أكثر من مناسبة ليؤكد أنه لن يتراجع عن استمرار تلك المشروعات
يأتي قرار الحكومة متأخراً، رغم المطالبات المتكررة من صندوق النقد الدولي والمعارضة المصرية، وحتى خبراء الاقتصاد المؤيدين والمحايدين، الذين طالبوا بوقف المشروعات الإنشائية غير المجدية التي تصر عليها مؤسسة الرئاسة كما جاء في تصريحات الرئيس عبد الفتاح السيسي رداً على المطالبة بوقف الإنفاق عن العاصمة الإدارية التي يعدها هو درة مشاريعه وأهمها.
وفي تصريح سابق لرصيف22، قال وزير المالية الأسبق وأستاذ الاقتصاد الدكتور جودة عبد الخالق، إن الدولة كان بإمكانها سلك سبل أخرى لمواجهة الأزمة الاقتصادية بعيداً عن الاستدانة، من خلال جدولة ما يسمى بالمشروعات القومية، وتخفيض الإنفاق عليها بنسب مؤثرة، "لأن الدولة تمر بوقت صعب يحتاج إلى إجراءات حاسمة"، مشيراً إلى أن المشروعات القومية الكبرى التي شرعت الدولة في إنشائها ومدن الجيل الرابع مثل العاصمة الإدارية الجديدة ومدينة العلمين الجديدة، نسبة المكون الأجنبي (الدولار وغيره من العملات الأجنبية) فيها مرتفع، وبالتالي هي مصدر من مصادر الضغط على النقد الأجنبي في مصر.
وبينما كان الاقتصاديون يطالبون الدولة بالإبطاء في إتمام المشروعات التي بدأتها قبل سبع سنوات، ظهر الرئيس السيسي في أكثر من مناسبة ليؤكد استمرار تلك المشروعات، ففي يوليو/ تموز 2022، أثناء افتتاحه عدداً من مشروعات مصر الرقمية، قال: "كتير من اللي بيسمعوني بيقولولي انتوا بتعملوا العاصمة ليه ادونا الفلوس نعيش بيها، البلاد ما بتعش كدا، البلاد بتفضل تبني وتعمر في نفسها علشان تاخد مكانها وسط الأمم، وده مش بيجي غير بالأفكار والصبر والتضحيات".
وخلال المؤتمر الاقتصادي، في أكتوبر/ تشرين الأول 2022، صرح الرئيس السيسي بأنه كان بإمكان الدولة زيادة الدعم المقدم للفئات الأكثر احتياجاً لكنه اختار زيادة فرص العمل مع تغيير الواقع: "ممكن أقول نزود كل واحد 1000 جنيه، بس كدا هبقى زودت الإنفاق وماعملتش حاجة، لكن ممكن ادفع فلوس واوفر فرص عمل واغير الواقع، أنا لما بتكلم عن العاصمة الإدارية، مصر كلها لازم تبقى زي العاصمة الإدارية، لا ناكل ولا ننام ولا نرتاح، أنا مش قلقان المشروع ده مشغل 5 أو 6 مليون من 7 سنين".
وقبل أيام، أثناء افتتاحه عدداً من المشروعات في محافظة سوهاج، في 5 يناير/ كانون الثاني 2023، قال: "أنا بتابع السوشيال ميديا وتعليقات كل الناس، وبجد مثلاً حد يقول يا كامل يا وزير مش كفاية أسفلت بقى؟ ده أول حاجة تتعمل الأسفلت، شبكة الطرق علشان نوصلكم وتوصلولنا، بشوف التعليقات دي بقول الناس اللي بتقول كدا عايشة في مناطق ماتعرفش أهالينا في مناطق تانية عايشة ازاي وبيمشوا ازاي والبنية عندهم ازاي".
فاينانشال تايمز: صندوق النقد قدم اعترافاً نادراً بكيفية توسَّع الجيش في الاستحواذ على الاقتصاد المصري منذ أن تولى الرئيس الحالي السلطة، وطالما اشتكى اقتصاديون ورجال أعمال مصريون من أن دور الجيش في الاقتصاد يزاحم القطاع الخاص ويخيف المستثمرين الأجانب
مواجهة أصحاب المصالح
وبحسب بيان صندوق النقد الدولي، تبلغ الفجوة التمويلية حتى نهاية يونيو/ حزيران 2023 نحو 5.04 مليار دولار، و17 مليار دولار خلال الأربع سنوات المقبلة، وستعمل على حشد تدفقات نقدية من شركائها الأجانب لسداد هذه الفجوة عن طريق الاقتراض بواقع: مليار ومائة مليون دولار من البنك الدولي، و400 مليون دولار من البنك الآسيوي للاستثمار في البنية التحتية، و300 مليون دولار من صندوق النقد العربي، 300 ومليون دولار من بنك التنمية الأفريقي ومليار دولار من بنك التنمية الصيني، إضافة إلى بيع أصول قيمتها مليارا دولار إلى مستثمرين أجانب، وبشكل خاص، دول مجلس التعاون الخليجي، إذ تعهدوا عدم مطالبة مصر بودائعهم الموجودة في البنك المركزي المصري بقيمة 28 مليار دولار حتى سبتمبر/ أيلول 2026.
وفي العام المالي 2023/ 2024، يتعين على الدولة المصرية أن تبيع أصولاً قيمتها 4.6 مليار دولار، ويتبعها في العام المالي 2024/ 2025 بيع أصول قيمتها 1.8 مليار دولار، كل ذلك في إطار وثيقة سياسة ملكية الدولة التي تم الإعلان عنها خلال العام الماضي. وفي هذا الصدد، أشار الصندوق إلى أن تخارج الدولة من الاقتصاد سيقابل مواجهة من أصحاب المصالح الخاصة، وهو ما يجب على الحكومة التغلب عليه حتى تتخارج من: شركات القطاع العام، شركات قطاع الأعمال، الشركات المملوكة للجيش.
نظام السيسي تعهد في السابق تقليص دور الجيش في الاقتصاد وخصخصة الشركات المملوكة لهيئاته، لكن لم يتم إحراز أي تقدم يذكر
وبحسب فاينانشيال تايمز، فإن صندوق النقد الدولي قدم اعترافاً نادراً بكيفية توسَّع الجيش في الاستحواذ على الاقتصاد المصري منذ أن تولى الرئيس الحالي السلطة بشكل غير رسمي في عام 2013، مشيرة إلى أنه لطالما اشتكى اقتصاديون ورجال أعمال مصريون من أن دور الجيش في الاقتصاد يزاحم القطاع الخاص ويخيف المستثمرين الأجانب، خاصة أنه معفى من الضرائب وأعماله مشهورة بأنها مبهمة.
وأضافت الصحيفة أن الرئيس السيسي حدد الجيش باعتباره "الأداة الرئيسية للمساعدة في إعادة بناء الاقتصاد المنهار بعد الاضطرابات التي اندلعت بسبب ثورة يناير/ كانون الأول 2011"، ومنذ ذلك الحين تم تكليفه بتولي المئات من مشاريع البنية التحتية، وتوسع نطاق مصالحه في قطاعات تراوح بين المعكرونة والمشروبات والأسمنت.
وتابعت أن نظام السيسي تعهد في السابق تقليص دور الجيش في الاقتصاد وخصخصة الشركات المملوكة لهيئاته، لكن لم يتم إحراز أي تقدم يذكر، ويأمل رجال الأعمال أن يؤدي حجم الأزمة الحالية إلى إجبار السلطات الآن على التحرك.
سعر صرف مرن وتحرير أسعار المحروقات
وبحسب ما اتفقت عليه مصر مع صندوق النقد الدولي، تعهدت الدولة بالتحول لنظام سعر صرف مرن، لكنه مقترن بإمكانية تدخل البنك المركزي لضبط سعر الصرف في حالة التقلب المفرط في أسعار الصرف، شريطة ألا يكون هناك لجوء لتدخلات النقد الأجنبي أو استخدام صافي الأصول الأجنبية للبنوك بقصد تثبيت أو ضمان مستوى سعر الصرف.
رشاد عبده: "سعر الدولار كان 31 في السوق السوداء، لما البنك رفع السعر لـ32، كدا حصّل السوق الموازية وأدى لانخفاض السعر فيها، وبعد سحب كمية مناسبة من السيولة عاد بسعر الدولار لـ29.70"
كما وافقت مصر على سياسات متعددة لزيادة دخل الدولة، بما في ذلك التنفيذ الكامل لآلية ربط أسعار الوقود بالأسعار العالمية، والنظر في إدخال آلية لربط الأسعار المحلية للغاز الطبيعي بالأسعار العالمية، وفرض ضرائب إضافية على الوقود.
في هذا الصدد قال الخبير الاقتصادي ورئيس المنتدى المصري للدراسات الاقتصادية، رشاد عبده، إن ما يشهده الاقتصاد المصري حالياً، عبارة عن تطبيق لاشتراطات صندوق النقد الدولي: "الصندوق حط شروط والدولة ما بتقولش لإننا محتاجين الدعم، ومن أبرز الشروط التحول لسعر صرف مرن، وفقاً للعرض والطلب، وهو ما أوصل السعر اليوم إلى 29.70 جنيه للدولار".
وعلق عبده لرصيف22 على تجاوز سعر الدولار حاجز الـ32 جنيهاً ثم عودته إلى 29.70 جنيه، موضحاً أن هذا التحرك له علاقة بسعر الدولار في السوق الموازية: "سعر الدولار كان 31 في السوق السوداء، لما البنك رفع السعر لـ32 كدا حصّل السوق الموازية وأدى لانخفاض السعر فيها، وبعد سحب كمية مناسبة من السيولة عاد بسعر الدولار لـ29.70".
وأكد عبده أن رفع سعر الدولار يعني ارتفاع تكلفة الاستيراد وبالتالي ارتفاع الأسعار، وهو ما يفسر جدوى طرح الحكومة شهادات ثلاثية بفائدة 25%، لسحب السيولة من السوق والسيطرة على التضخم.
وعن رفع الدعم عن أسعار المحروقات قال عبده، إن هناك وعداً من الحكومة خلال المؤتمر الاقتصادي الذي عقد في أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، بإرجاء رفع الدعم عن أسعار الوقود حتى يونيو/ حزيران المقبل، مشيراً إلى أن المتبقي على موعد الوفاء بالوعد خمسة أشهر وهي فترة يمكن للحكومة تنسيقها مع صندوق النقد الدولي: "الأمر متوقف على شطارة الحكومة في التفاوض مع الصندوق، ممكن يقدروا على تنفيذ الوعد في شهر يونيو، وممكن نلاقي الدعم ارتفع في شهر مارس أو أبريل المقبل، لكنه يرجح نجاح الحكومة في تأجيل رفع الدعم لنهاية العام المالي الجاري".
وعبر صفحته على فيسبوك، قال الخبير الاقتصادي مدحت نافع إن الصناعة هي المخرج الطويل الأمد من قيد العملة الصعبة: "كما أن هناك من يدير الأزمة في الأجل القصير، يجب أن يتم تشكيل فريق لإدارة المخاطر والأزمات في الأجلين المتوسط والطويل، الصناعة ستتوقف تماماً لو لم يتم توفير بدائل تمويل بأسعار فائدة مقبولة أو مدعومة، الصناعة بمفهومها الشامل هي المخرج الطويل الأجل من قيد العملة الصعبة، العالم الآن يستعد لحقبة صعبة وتغير في هيكل الاقتصاد".
إلهامي الميرغني: "إذا كان مفيش إنتاج كافي وصادراتنا ضعيفة هنجيب الفرق منين؟ مهما رفعوا الأسعار ومهما باعوا في الأصول المشكلة بتزيد مش بتقل، وفي النهاية المواطن هو اللي بيدفع فاتورة العاصمة الإدارية والمونوريل وباقي المشاريب اللي ماشربهاش"
وفي مداخلة تليفزيونية لنافع، قال إنه طالما ما زلنا نعتمد على الاستيراد، ستنتقل الطفرات في أسعار صرف الجنيه بشكل مباشر إلى أسعار السلع، مشيراً إلى أن مصر تأثرت كثيراً بالظروف الوبائية والعسكرية، وستظل رهناً لأي تغير في السياسات المؤثرة على الاقتصاد، كالتطور العسكري بين روسيا وأوكرانيا، أو استمرار الولايات المتحدة في رفع أسعار الفائدة، وحتى تداعيات الانفتاح الاقتصادي الذي بدأته الصين بعد عام كامل من الإغلاق بسبب كوفيد-19.
وعلق الباحث والمفكر الاقتصادي والاجتماعي، إلهامي الميرغني، على توجه الدولة لبيع الأصول وخفض سعر الجنيه، عبر صفحته على فيسبوك قائلاً، إن هذه التحركات لن تحل الأزمة الاقتصادية التي تمر بها مصر، بل قد يزداد الأمر سوءاً وسوف يتحمل المواطن نتيجة فشل السياسات الاقصادية.
وأوضح الميرغني أن سعر الدولار في البنك المركزي لا يزال عند 27.60 جنيه، وبحسبة بسيطة يمكننا معرفة حجم الأزمة: "الديون الخارجية تجاوزت 170 مليار دولار، يعني حوالي ثلاثة تريليون جنيه إذا كانت قيمة الدولار 18 جنيهاً في زمن الاقتراض، أما الآن وبعد وصوله لـ27.60، فقد أصبحت الديون الخارجية تعادل بالمصري 4.7 تريليون جنيه، بزيادة 1632 مليار جنيه".
وأضاف أن نفس الكلام ينطبق على الواردات، إذ تستورد مصر سلعاً قيمتها 87.3 مليار دولار، أي 1.6 تريليون جنيه إذا كان سعر الدولار 18 جنيهاً، أما الآن فيصل السعر إلى 2.4 تريليون جنيه بزيادة 838 مليون جنيه، مع سعر 27.60 جنيه للدولار: "إذا كان مفيش انتاج كافي وصادراتنا ضعيفة هنجيب الفرق منين؟ مهما رفعوا الأسعار ومهما باعوا في الأصول المشكلة بتزيد مش بتقل، وفي النهاية المواطن هو اللي بيدفع فاتورة العاصمة الإدارية والمونوريل وباقي المشاريب اللي ماشربهاش".
شرط الشفافية
ومن شروط صندوق النقد الدولي، بذل المزيد من الجهود لتعزيز الشفافية والتواصل، ومن هذه الجهود قيام البنك المركزي بنشر تقارير نصف سنوية عن الاستقرار المالي باللغتين العربية والإنجليزية، وضمان إصدار جميع التعليمات والتوجيهات للبنوك من خلال قنوات إخطار خطية رسمية. كما سيطلب من جميع الشركات المملوكة للدولة تقديم حسابات مالية إلى وزارة المالية على أساس نصف سنوي، ستضمن بدورها الوصول المفتوح إلى هذه البيانات.
بالإضافة إلى ذلك، ستعمل السلطات على تحقيق تكافؤ الفرص بين القطاعين العام والخاص، من خلال إلغاء المعاملة التفضيلية للشركات المملوكة للدولة، إضافة إلى نشر معلومات يسهل الوصول إليها في غضون 30 يوماً من نهاية كل شهر عن جميع عقود المشتريات التي تتجاوز 20 مليون جنيه مصري في ذلك الشهر، ومعلومات أخرى عن جميع العطاءات المقدمة والعطاء الفائز.
وفي حالة إقدام الدولة على التعاقد المباشر بين الكيانات العامة وبين بعضها البعض، تتولى السلطات توضيح الشروط التي تبرر هذا التعاقد، وهي أيضاً ملزمة بإزالة الإعفاءات الضريبية للشركات المملوكة للدولة ومعاملة تلك الشركات بموجب قانون المنافسة.
كذلك تعهدت الحكومة نشر تقرير سنوي شامل عن النفقات الضريبية نهاية أبريل/نيسان المقبل، يتضمن تفاصيل وتقديرات الإعفاءات الضريبية بما في ذلك المقدمة للشركات في المناطق الاقتصادية الحرة وجميع المؤسسات المملوكة للدولة وشركات قطاع الاعمال والقطاع العام والشركات المملوكة للجيش والسلطات الاقتصادية والمشاريع المشتركة والشراكات.
بعد الدفعة الأولى من قرض صندوق النقد الدولي تحصل مصر على دفعات قرض صندوق النقد الدولي في مارس/أذار وسبتمبر/أيلول من كل عام بدءًا من العام الجاري حتى 2026
وبموجب الشروط يكون لجهاز حماية المنافسة سلطة التصرف بشكل مستقل ضد الممارسات الاحتكارية عن طريق موافقة البرلمان على تعديلات قانون المنافسة فيما يتعلق بإضافة فصل جديد حول عمليات الاندماج والاستحواذ، وستدرج الدولة الشركات المملوكة لها في البورصة المصرية كجزء من إستراتيجية الحد من البصمة الحكومية في النشاط الاقتصادي، كما تطرح حصصاً في صندوق ما قبل الاكتتاب العام للصندوق السيادي لمصر، الذي يسعى إلى تسييل الأصول المملوكة للدولة.
وتم تحديد مجموعة أولية من الشركات لصندوق ما قبل الاكتتاب العام بهدف جمع 2.5 مليار دولار في المرحلة الأولى من مبيعات حصص ما قبل الاكتتاب بحلول يونيو/ حزيران 2023، فيما سيتم إيداع عائدات مبيعات الأصول المملوكة للدولة وكذلك المبيعات المباشرة في حساب مخصص في البنك المركزي.
واشترط الصندوق على الحكومة معالجة الفقر وعدم المساواة بزيادة الأنفاق على الصحة والتعليم والحماية الاجتماعية، والتوسع في برنامج تكافل وكرامة ليشمل خمسة ملايين أسرة بنهاية يناير/ كانون الثاني الجاري.
وبعد الدفعة الأولى من قرض صندوق النقد الدولي تحصل مصر على دفعات قرض صندوق النقد الدولي في مارس/أذار وسبتمبر/أيلول من كل عام بدءًا من العام الجاري حتى سبتمبر/ أيلول 2026، مقابل تطبيق جدول متابعة لأداء الاقتصاد المصري في يونيو وديسمبر، حتى يونيو/ حزيران 2026.
اضطراب في أسعار الذهب: "لكن اشتروا"
عقب انخفاض قيمة الجنيه مقابل الدولار، شهد سوق الذهب في مصر المرتبط ارتباطاً وثيقاً بالدولار ارتباكاً دفع العديد من تجار الذهب إلى أيقاف التعاملات إلى حين العودة والاستقرار.
سعر الذهب مرتبط ارتباطاً وثيقاً بسعر الدولار في السوق الرسمية والموازية، لأن الحكومة تمنع تمويل استيراد الذهب بالدولار من أموال البنوك، ويضطر التجار لشراء الدولار من السوق السوداء لاستيراد الذهب
في هذا الصدد قال نادي نجيب، سكرتير عام شعبة الذهب بغرفة التجارة، إنه لم يصدر أي بيان من الشعبة بوقف عمليات بيع وشراء الذهب، مؤكداً أن عمليات البيع مستمرة، وأن ما فعله بعض التجار جاء نتيجة ارتباك سعر الدولار في بداية تعاملات الأربعاء 11 يناير 2023، إذ قفز السعر فجأة جنيهين وصولاً إلى خمسة جنيهات مقارنة بأسعار الأمس، ثم عاد للاستقرار عند 29.70 جنيه للدولار.
وأكد نجيب لرصيف22 أن هذا الارتباك أثر على سعر الذهب، إذ وصل عيار 21 الأكثر تداولاً إلى 1950 جنيهاً، ومع عودة السعر إلى 29.70، استقر عند 1850 جنيه في منتصف تعاملات اليوم.
وأشار إلى أن سعر الذهب مرتبط ارتباطاً وثيقاً بسعر الدولار في السوق الرسمية والموازية، لأن الحكومة تمنع تمويل استيراد الذهب بالدولار من أموال البنوك، ويضطر التجار لشراء الدولار من السوق السوداء لاستيراد الذهب: "وجود السوق السوداء ليه مبرراته وهي إن الذهب ممنوع تمويله من البنوك، وأصلا فيه نقص شديد في البنوك في الدولار".
ونصح سكرتير عام شعبة الذهب المواطنين الذين يمتلكون أموالاً فائضة بشراء ما يمكنهم من الذهب، مؤكداً أنه استثمار طويل الأمد ولن يتسبب لهم في خسائر.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومينكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 5 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...