شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

ساهم/ ي في صياغة المستقبل!
عن لعنة الجغرافيا... حوار لرصيف22 مع الناشطة الأويغورية روشان عبّاس

عن لعنة الجغرافيا... حوار لرصيف22 مع الناشطة الأويغورية روشان عبّاس

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

ثمة شعوب لا تزال ضائعة بين الدول الكبرى، تكاد تطحنها مسننات السياسة والجغرافيا المتضافرة مع المصالح الاقتصادية، ومن هذه الشعوب شعب الأويغور، وهو أقلية تركية تنتمي عرقياً وثقافياً إلى منطقة وسط وشرق آسيا، ويُعرّف أبناؤها بأنهم مواطنون في منطقة "شينجيانغ" الأويغورية ذاتية الحكم في جمهورية الصين الشعبية. وتُعتبر هذه الأقلية واحدة من بين 55 أقلية عرقية معترف بها رسمياً في الصين، لكن الحكومة الصينية ترفض اعتبار أبنائها من السكان الأصليين، ولا تعترف بهم إلا على أنهم أقلية إقليمية داخل دولة متعددة الثقافات.

تاريخياً، سكن الأويغور في سلسلة من الواحات المنتشرة عبر صحراء "تكلامكان" التي تضم حوض "تاريم"، وهي منطقة خضعت لسيطرة العديد من الحضارات تاريخياً بما في ذلك الإمبراطويات الصينية، والمغولية، والتيبت، والحضارات التركية أيضاً. وفي القرن العاشر، دخل معظم الأويغور في الإسلام، وبحلول القرن السادس عشر أصبحوا جميعاً مسلمين، وهو ما أحدث تغيُّراً في هويتهم الثقافية.

حالياً، 80% من أويغور إقليم "شينجيانغ" يعيشون في حوض "تاريم"، وفي مدينة "أورومتشي"، كما أن لديهم تجمعاً كبيراً في مقاطعة تاويوان، شمال وسط خونان.

يقدّر المؤتمر الأويغوري العالمي عدد الأويغور خارج الصين بحوالي 1.1 إلى 1.6 مليون نسمة، يتوزع أغلبهم بين كازاخستان وقيرغيزستان وأوزباكستان، وكذلك في كندا وألمانيا وبلجيكا والنرويج والسويد وروسيا والسعودية وتركيا وأفغانستان وأستراليا والولايات المتحدة وهولندا.

تختلف الأرقام التي تقدّر عدد الأويغور المقيمين في الصين كثيراً بحسب المصادر إذا ترواح بين 12 و35 مليوناً. وتشير بعض المعلومات التقارير التي تصدر منذ عام 2016 إلى احتجاز أكثر من مليون منهم في معسكرات في "شينجيانغ"، يسميها البعض "مراكز تعليم سياسي". ووفقاً لبعض المعلومات داخل الحكومة الصينية والتي حصل الاتحاد الدولي للصحافيين الاستقصائيين (ICIJ) عليها، فإن السمة الرئيسية للمخيمات هي ضمان الالتزام بأيديولوجية الحزب الشيوعي الصيني. ويُحتجز المعتقلين في المخيمات لمدة لا تقل عن 12 شهراً، وقد تطول بحسب أدائهم في اختبارات الأيديولوجيا الصينية، ويقتصر التواصل بينهم وبين أفراد أسرهم على مكالمة هاتفية واحدة كل أسبوع.

رصيف22 التقى الناشطة الأويغورية في الخارج، والمديرة التنفيذية لمنظمة "حملة من أجل الأويغور" ومقرها واشنطن العاصمة، روشان عبّاس، وأجرى معها الحوار التالي:

لنبدأ بسؤال كلاسيكي عام: مَن هم الأويغور وأين يعيشون، هل يمكنك أن تعطينا لمحة عن تاريخهم وتاريخهم الإسلامي؟

الأويغور من أقدم الشعوب التركية التي لها تاريخ طويل وحضارة مجيدة. كلمة "أويغور" في اللغة التركية القديمة تعني "وحدة/ تحالف". تنتمي لغة الأويغور إلى فرع القارلوق من عائلة اللغات التركية وتُكتب بخط عربي معدَّل.

غالبية الأويغور مسلمون، فقد اعتنقوا الإسلام في القرن العاشر، حاذين حذو ملكهم سلطان ستوق بوغرا خان (920-956) الذي اعتنق الإسلام وهو أمير شاب. ومنذ دخولهم في الإسلام، قدّم الأويغور مساهمات هائلة للعالم الإسلامي عبر التاريخ وبعدة طرق، فعل سبيل المثال وعلى اعتبارهم أول الشعوب التركية التي اعتنقت الإسلام، ساهم الأويغور بنشر الإسلام وقبوله بين بقية الشعوب التركية في آسيا الوسطى.

وتسارعت أسلمة مجتمع الأويغور في عهد الملوك القاراخانيين، وسرعان ما أصبحت "كاشغر" عاصمة مملكة قراخان واحدة من أهم المراكز التعليمية الرئيسية في الإسلام. وازدهرت الفنون والعلوم والموسيقى والأدب، بفعل رعاية المؤسسات الدينية الإسلامية السعي وراء ثقافة متقدمة.

في هذه الفترة ، ظهر المئات من علماء الأويغور المشهورين عالمياً. آلاف من الكتب القيّمة كُتبت. من بين هذه الأعمال ، كتاب "المعرفة من أجل السعادة 1069-1070" للباحث الأويغوري يوسف خاص حاجب، وكتاب "ديوان لغات الترك" لمحمود كاشغري.

لمَن يرغب/ ترغب، يمكن العثور على مزيد من المعلومات حول على هذا الرابط.

مَن الذي يُعتبر من الأويغور؟ أو ما هي الخصائص التي تجعل الشخص أويغورياً؟ هل هي جغرافية أم أخلاقية أم دينية؟ وهل هناك أويغور ليسوا مسلمين؟

نظراً لأن الأويغور مجموعة عرقية، فمن الصعب تحديد من يمكن اعتباره من الأويغور. عمومًا اتسم الذين يُعرفون بأنهم من الأويغور بهوية تراثية تركية على مر القرون، أما الإسلام فانتشر على نطاق واسع في جميع أنحاء تركستان الشرقية (الصين تسميها شينجيانغ) وأصبح متشابكاً مع ثقافة الأويغور.

الخصائص التي "تجعل" شخصاً ما من الأويغور واسعة، لكنها متصلة بالمجموعة الأويغورية التركية بشكل أساسي، ومع أن معظم الأويغور هم من تركستان الشرقية، إلا أن العديد منهم يعيشون في دول آسيا الوسطى مثل كازاخستان وأوزبكستان وقيرغيزستان وتركيا أيضاً، وهناك كذلك أويغور مهاجرون يعيشون في أوروبا وأستراليا وأميركا الشمالية.

أخبرينا عن المعاناة والمضايقات التي يتعرض لها الأويغور؟ كيف بدأت؟ وما هو الوضع الآن؟

إذا نظرنا  فقط إلى المعاناة في ظل "الحزب الشيوعي الصيني" بعد إنشاء جمهورية الصين الشعبية ، علينا أن نبدأ من العام 1949. منذ احتلال "ماو" (مؤسس الصين الشعبية ماو تسي تونغ) لتركستان الشرقية في ذلك العام، حاولت الحكومة بشكل مكثف تدمير ثقافة ودين الأويغور. فتعرضوا للاضطهاد تحت بتهم أنهم "قوميون" و"ثوار معادون" و"انفصاليون"، وتعرضت لغتهم وتقاليدهم للهجوم من أجل إقامة الشيوعية في المنطقة.

بعد مأساة الحادي عشر من سبتمبر ، أعادت السلطات الشيوعية الترويج لهذه الجهود بأنها "حرب على الإرهاب". ومنذ عام 2016 تم احتجاز الأويغور بالملايين في معسكرات الاعتقال حيث يواجهون التلقين والتعذيب الجسدي والنفسي والجنسي والموت. وأصبح شعب تركستان الشرقية اليوم ضحية مبادرة "الحزام والطريق" التي أطلقها (الرئيس الصيني الحالي) "شي جينبينغ".

الناشطة الأويغورية روشان عباس لرصيف22: بحجّة ‘الإرهاب الإسلامي’، طوّرت الصين دولة مراقبة مبنية على جمع عيّنات من الحمض النووي، ونشر الكاميرات في كل مكان، وبرامج التعرف على الوجوه، وأجهزة تتبع على المركبات تعمل من خلال نظام GPS

المنطقة بأكملها تم وصمها، فالعقوبة ثقافية وجماعية. وأعادت الصين تسمية كل أشكال المقاومة السياسية بـ"الإرهاب الإسلامي"، وتحت هذه الحجّة طوّرت دولة مراقبة مبنية على جمع عيّنات من الحمض النووي، ونشر الكاميرات في كل مكان، وبرامج التعرف على الوجوه، وأجهزة تتبع على المركبات تعمل من خلال نظام تحديد المواقع العالمي (GPS).

أكثر من ثلاثة ملايين شخص رهن الاعتقال متهمون بلا جريمة، وملايين آخرين يُرسلون إلى منشآت العمل القسري، ناهيك عن حوالي مليون من الأويغور الذين تم إرسالهم إلى دور الأيتام التي تديرها الدولة.

باعتقادك، ما الذي تريده الحكومة الصينية من خلال إنشاء معسكرات للأويغور؟

يريدون أن يتجانس الأويغور مع بقية المجتمع الصيني، وأن يلغوا هويتهم الدينية والإثنية. الصين لا تحب شيئين: الاختلاف والدين، وترى فيهما تهديداً، وتنظر لأي شكل من أشكال التنوع في المجتمع على أنه ميول انفصالية. والحكومة الصينية ترغب بالسيطرة على بلدي لأنه الميناء الوحيد إلى المنطقة الآسيو-أوروبية، ضمن مبادرة "الحزام والطريق".

هل هناك حل مقترح لحل المسألة الأويغورية يمكن أن تتعامل معه الحكومة الصينية؟

كل قائد للحزب الشيوعي الصيني أسوأ من الآخر، لم يقترب أي منهم مطلقاً في تاريخه من الرغبة بحل هذه المسألة، ولا أتوقع أن يحدث ذلك خلال وجود الحزب الشيوعي الصيني في السلطة.

لا يوجد نظام ولا حكومة له الحق باضطهاد جماعة إثنية بسبب دينها أو إثنيتها. لقد أثبتت سياسات الإبادة الجماعية التي اتبعها الحزب الشيوعي الصيني وجرائمه ضد ملايين الأويغور الأبرياء أن الأويغور لا يمكنهم العيش بكرامة إنسانية واحترام في ظل حكم النظام الشيوعي الصيني.

هل جميع مسلمي الصين من الأويغور؟ وهل يواجهون جميعاً نفس الأزمة؟

قبل أي شيء الأويغور ليسوا صينيين، هم أتراك يتشابهون مع الأوزبك والكازاخستانيين في أوزبكستان وكازاخستان والمجموعات التركية الأخرى في آسيا الوسطى. مسلمو الأويغور يتحدثون لغة الأويغور ولديهم هوية ثقافية فريدة من نوعها. هناك مسلمون صينيون يطلقون على أنفسهم اسم الـ"هوي" لكن لغتهم الأم هي الصينية. صحيح أنهم يتعرضون للاضطهاد لكن درجة اضطهادهم لا تقترب حتى من الدرجة التي يتعرض لها الأويغور، فقد كانوا أكثر اندماجاً في المجتمع الصيني على مر القرون.

تنتمين إلى جماعة دينية وإثنية في دولة ذات كثافة سكانية عالية، كيف أثر ذلك على نشأتك وعلى حياتك اليومية؟

وُلدت وكبرت وتعلمت في تركستان الشرقية التي تحتلها الصين والتي تسمى "منطقة شينجيانغ الأويغورية ذاتية الحكم". خلال نشأتي كنت أشاهد أبناء شعبي يعامَلون كمواطنين من الدرجة الثانية في بلدهم، لا لشيء إلا بسبب هويتهم الإثنية والدينية. لقد واجهوا اضطهاداً وعنصرية ظالمين، بالإضافة إلى شيطنتهم من قبل الحكومة الشيوعية الصينية.

غادرتُ  وطني في عام 1989، قبل ثلاثة أسابيع من مذبحة ميدان تيانانمين. طفولتي المبكرة كانت في منتصف "الثورة الثقافية" في الصين، ما بين عاميْ 1966و1976 وقد تركت ندوباً وذكريات مخيفة في قلبي الصغير، فقد ولدت في عام 1967. بين عامي 1968و1969 كان والديّ  يساقان دائماً لإعادة التعليم السياسي، وسجن جدي لثلاث سنوات بين عامي 1969 و1972 وتعرض خلال سجنه للتعذيب. تعرضت عائلتي كلها للاضطهاد بسبب هويتها العرقية والثقافية، رغم أنهم كانوا جميعاً على مستوى عالٍ من التعليم والثقافة، فقد تم استهدافهم ووصمهم بأنهم "أعداء للثورة".

كم عدد الأويغوريات المحتجزات؟ وكم عدد معسكرات الاعتقال؟  

لا يمكننا معرفة العدد الدقيق للأشخاص في المخيمات ولكننا نقدره بحوالي ثلاثة ملايين شخص، وربما أكثر. أما عدد المخيمات فيتراوح ما بين 1000 إلى 2000 ويتسع كل منها لحوالي ألفي شخص. من المحتمل أن النساء يشكّلن حوالي 30-40 ٪ من هذه الأرقام. في الآونة الأخيرة ، تم نقل العديد من المعتقلين إلى معسكرات السخرة والسجون.

خالتكِ وشقيقتكِ محتجزتان هناك، ما قصتهما؟ وهل تمكنتِ من التواصل مع الحكومة الصينية بشأن وضعهما؟

لقد تحدثت وفضحت فظائع الإبادة الجماعية التي ارتكبتها الحكومة الصينية في وطني، وحدَّدَتْ مصير عائلة زوجي، وشرحتُ ظروف المعسكرات، عن طريق عضويتي في أحد مراكز الفكر في واشنطن، في الخامس من أيلول/ سبتمبر عام 2018. بعد ستة أيام اختفت أختي الدكتورة غولشان عباس وخالتي أيضاً. اختُطفتا في اليوم نفسه من مدينتين تفصل بينهما مسافة 1400 كيلومتر.

أختي وخالتي لم تكونا هدفين متوقعين، فهما ليستا مشهورتين، ليستا كاتبتين أو عالمتين، ولم تسافر أي منهما إلى أي بلد مسلم أجنبي، وكلتاهما تتحدثان الصينية بطلاقة. أقول هذا لأن الأويغور غالباً ما يتم استهدافهم عندما يسافرون إلى الخارج بشبهة "التواطؤ مع الإرهاب" أو "التواطؤ مع القوى الأجنبية" أو إذا كانوا لا يتحدثون لغة الماندرين، إذ تعتبر الحكومة المركزية الصينية كل مَن لا يتحدثها متخلفاً أو متمرداً قومياً.

الناشطة الأويغورية روشان عباس لرصيف22: النظام الشيوعي الصيني يريد أن يتجانس الأويغور مع بقية المجتمع الصيني، وأن يلغوا هويتهم الدينية والإثنية. الصين لا تحب شيئين: الاختلاف والدين، وترى فيهما تهديداً، وتنظر لأي شكل من أشكال التنوع في المجتمع على أنه ميول انفصالية

عملت أختي كطبيبة في مستشفى حكومي، وكانت خالتي معلمة مدرسة متقاعدة، لا تنطبق على أي منهما المعايير المعتادة لمَن يتم اقتيادهم إلى ما يسمى بـ"مراكز التدريب المهني"، لذلك يمكنني القول بحسم إن السبب الوحيد لاختطافهما هو "الذنب بالتبعية"، فقد أصبحتا ضحيتين لانتقام الحزب الشيوعي الصيني من عائلتي بسبب نشاطي في الولايات المتحدة.

كان ذلك لمعاقبتي على التحدث علانية، ولترهيبي كي ألتزم الصمت. لذا أعدت ترتيب حياتي للدفاع عن أختي وعن ملايين آخرين ممن يعانون من وحشية الإبادة الجماعية التي يمارسها الحزب الشيوعي الصيني.

بعد أن عرضتُ قضيتهما بلا توقف على وسائل الإعلام الدولية ووسائل التواصل الاجتماعي، أطلقوا سراح خالتي بعد عدة أشهر، لكن منذ أيلول/ سبتمبر 2018، لم أتمكن من الوصول إلى أية معلومة عن وضع أختي، ولم أرَ أي دليل يثبت أنها على قيد الحياة.

عندما أثرت قضية أختي بعد اختفائها قسرياً، اتهمت من قبل وسائل الإعلام الصينية والمسؤولين هناك بسرقة صورة امرأة أخرى والادعاء أنها أختي المفقودة ونشر الأكاذيب عن الصين. بعد ذلك، في كانون الأول/ ديسمبر 2020، اعترفت وزارة الخارجية الصينية باسمها، وأكدت أن حكماً قاسياً وقع عليها بالسجن لمدة 20 عاماً بتهم تتعلق بالإرهاب. بلا محاكمة أو دليل. لا أملك دليلاً على حياتها ولا معلومات عن مكان وجودها.

اليوم أقوم بعملي في مناصرة قضيتي على حساب حرية أختي، غولشان طبيبة متقاعدة، وشخصية لطيفة ومسالمة، وليست ناشطة سياسية، لكنها تعاني في زنزانة مظلمة بسبب حريتي في التحدث في العالم الحرّ.

قلتِ إن والدك عانى أيضاً بسبب نشاطك، حدثينا عن الأمر أكثر.

درست علم الأحياء في جامعة "شينجيانغ" من عام 1984 حتى عام 1988. بعد تخرجي  في عام 1988 بثاني أعلى درجة في جميع القسم أصبحت عاطلة عن العمل كرد فعل انتقامي من الحكومة على نشاطي الطلابي.

غادرت بلدي بطلب من والدي، بسبب انخراطي في النشاط الطلابي والتخوّف من مسؤولي الحزب الشيوعي الصيني. جئت إلى الولايات المتحدة في عام 1989 كأستاذة زائرة في جامعة واشنطن، وبعدها قُبلت للحصول على درجة الماجستير من نفس الجامعة. درست علم أمراض النبات في هذه الجامعة، وأعيش الآن في شمال فرجينيا.

لطالما كنت ناشطة مرتفعة الصوت في مجال حقوق الإنسان لشعب الأويغور. وفي عام 1993 شاركت في تأسيس جمعية الطلاب والعلماء الأويغور في الخارج. عندها  فَقَد والدي عباس برهان، الباحث الأويغوري والكاتب الأكاديمي والشخصية العامة، والبالغ من العمر 59 عاماً حينها، (فقد) وظيفته المهنية كرئيس لمجلس العلوم والتكنولوجيا لمنطقة "شينجيانغ" الأويغورية ذاتية الحكم. وأُجبر على التقاعد كانتقام من نشاطي في الولايات المتحدة. 

استطعتِ تحشيد الرأي العام العالمي لمساعدة قضيتك، وخاصة اعتقال أختك. كيف وجدتِ مستوى التجاوب العالمي؟  

وعي المجتمع الدولي يزداد يومياً. لكن وعلى الرغم من ذلك يجب أن نحافظ على يقظتنا لمطالبة الدول بالمساعدة على وقف هذه الإبادة الجماعية ولإعلام الجمهور حتى يفهموا كامل حجم هذه الإبادة الجماعية.

استناداً إلى البحث الذي تم الحصول عليه من بيانات الصين الخاصة على مواقع الويب الحكومية ، فإن معدلات المواليد الأويغورية قد انخفضت بنسبة 50٪ بسبب سياسات تنظيم الأسرة الصينية ضد الإيغور، مع التعقيم القسري لنساء الأويغور، إذ يتم استهداف أطفال الأويغور، ويتم إجهاض النساء بالقوة بغض النظر عن عمر الحمل، وحتى إذا جاء طفل من الأويغور إلى هذا العالم ، يتم حبس والديه لخرقهما قانون سياسة تنظيم الأسرة ويصبح مصير هذا الطفل غير معروف. نتيجة لذلك ، اعتبرت محكمة مستقلة في لندن في كانون الأول/ ديسمبر 2021 أن ما يحدث للأويغور هو إبادة جماعية. يجب أن تكون الإبادة الجماعية والعبودية خطاً أحمر في كل أمة، ويجب على العالم أن يعزل الصين تماماً وأن يدرك أنها ليست لاعباً ضمن المجموعة في ما يخص التعاون العالمي في أهم الأشياء الأساسية مثل حقوق الإنسان.

مؤخراً، عرضتِ فيلماً وثائقياً يتحدث عن هذه الرحلة، كيف خرجت فكرته إلى الحياة، ومَن تبناه؟ 

يتتبع الوثائقي الطريق الأكثر إيلاما في حياتي، ويغطي رحلة لم تنتهِ بعد، وعلى الرغم من أن قصته شخصية بشكل استثنائي لكنها ليست قصة عائلتنا وحدها. فهو يمثل أهوال جميع العائلات الأويغورية والقصة التي ستكتب عنّا جميعاً إنْ لم نتحرك.

هذا الوثائقي صُنع للإجابة على العديد من الأسئلة حول الوضع الحالي للأويغور عبر البحث عن أدلة تخص احتجاز شقيقتي، لكن قصتي لا تتعدى كونها مثالاً واحداً. فقد أجرى الفيلم مقابلات مع أويغور آخرين لديهم قصص مشابهة جداً، ، وقد استمعنا إلى شهادات من ضحايا  سابقين في المعسكرات.

تم تعريفي من قبل صديق مشترك إلى المخرج والمنتج السينمائي جواد مير. هو صانع أفلام يركز على قصص حقوق الإنسان. لم يكن على علم بالقضية في البداية، وكانت بداية معرفته بها حين التقينا، أراد صناعة الوثائقي من وجهة نظر غير منحازة، فجمع الأدلة وهو يلاحق قصتي، وأثناء سفرنا حول العالم  التقينا بالعديد من الأويغور في الشتات، فكوّن قصة قوية.

حدثينا عن مجتمع الأويغور في الولايات المتحدة الأمريكية؟ أين يلتقون وما هي أنشطتهم؟

لم يكن هناك سوى عدد قليل من عائلات الأويغور في الولايات المتحدة قبل العام 1979، لكن بدأ الأويغور بالتوافد كطلاب في أواخر الثمانينيات عندما أقامت جمهورية الصين الشعبية علاقات دبلوماسية مع الولايات المتحدة. حالياً هناك حوالي 10,000 من الأويغور في الولايات المتحدة، وغالباً يسكنون في واشنطن العاصمة، ولدينا مؤسسة محلية تسمى "جمعية الأويغور الأمريكية" في واشنطن، تعمل كمنظمة مجتمعية.

أنت المديرة التنفيذية  لمنظمة "حملة من أجل الأويغور"، ما هو نشاط المنظمة؟

تأسست منظمتنا في العام 2017 وترشحت لجائزة نوبل للسلام في العام 2022. نعمل على مناصرة وتعزيز حقوق الإنسان والحريات الديمقراطية للأويغور وغيرهم من الشعب التركي في تركستان الشرقية، ونقوم بالتعبئة وحشد الأفراد والمجتمع الدولي ونبني الجسور لاتخاذ الإجراءات بالنيابة، كما نقوم برفع الوعي العام بالإبادة الجماعية للأويغور مع التركيز بشكل خاص على النساء والشباب، وتفعيل دور الأشخاص والكيانات للعمل معاً لوقف هذه الإبادة. نقوم أيضاً ببناء التضامن بين المجتمعات المختلفة التي واجهت الاضطهاد من قبل النظام الشيوعي الصيني.

في العام 2021 حصلت منظمتنا على الجائزة التنظيمية للإنجاز الاستثنائي، بالإضافة إلى جائزة "تكريم شجاعة الديمقراطية" في العام 2021 من قبل الحركة العالمية من أجل الديمقراطية.

هل زرت الصين بعد أن غادرتها عام 1989؟

نعم، لقد زرتها 5 أو 6 مرات حتى عام 2005، العام الذي لم أعد إليها بعده.

لماذا لم تعودي بعدها، وما هو ملخص الأثمان التي دفعتها مقابل نشاطك؟  

سبب عدم عودتي هو أنني قمت بالترجمة الفورية لـ22 محتجزاً سابقاً من الأويغور في خليج غوانتانامو، وعملت على إعادة توطينهم في بلد ثالث آمن، وبالفعل تمت إعادة توطين أول 5 من الأويغور في ألبانيا في ربيع عام 2006. بعد إعادة توطينهم، وصفتهم الحكومة الصينية بالـ"إرهابيين" فنصحتني حكومتي -حكومة الولايات المتحدة- بعدم السفر إلى الصين لأنها تعتبر هؤلاء إرهابيين، وبالتالي فستوجه إلي تهم مساعدة الإرهابيين وتقديم الدعم المادي للإرهابيين وما إلى ذلك، وعليه لم أرجع مجدداً.

عندما نتحدث عن الاستجابة العالمية لقضية الأويغور، مَن الذي أبدى اهتماماً ومَن الذي تنتقدين قلة تجاوبه؟

بعض الدول أفضل من غيرها في الاستجابة مع مأساتنا، حتى أن كثيراً من الدول لم تعترف بها كإبادة جماعية، على الرغم من كل الأدلة التي لا يمكن إنكارها، والعديد من الوثائق التي تم تسريبها والصادرة عن الحكومة الصينية نفسها. تقود الولايات المتحدة الطريق عندما يتعلق الأمر بهذه المشكلة، من خلال تشريع قوانين مثل "قانون سياسة حقوق الإنسان الأويغوري"، و"قانون منع العمل القسري للأويغور". كلا التشريعين يدعوان إلى معاقبة المهندسين الرئيسيين للمعسكرات، وكذلك عدم السماح للمنتجات المصنوعة في  مخيّمات السخرة بدخول الولايات المتحدة الأميركية. الحزب الشيوعي الصيني يشن حرباً على الدين والفكر الحر، ويحارب النساء والأطفال، ويشن حرباً على الإنسانية! يمكن أن يُنظر إلى ما يحدث لشعبي على أنه ساحة اختبار لما يرغبون بفعله للعالم.

سؤال آخر لاستكمال ما ورد أعلاه، ما رأيك في ردود فعل الدول العربية لا سيما التي تقدم نفسها بأنها "إسلامية"؟ هل تستغلّ هذه الدول قضية الأويغور بطريقة أو بأخرى؟

للأسف، الدول ذات الأغلبية المسلمة بالكاد تفعل شيئاً، وبدلاً من ذلك تتخذ جانب الصين عندما يتعلق الأمر بالتصويت على القرارات أو المناقشات في الأمم المتحدة.

منظمة التعاون الإسلامي (OIC) غالباّ ما التزمت الصمت بشأن هذه القضية، بل وفي بعض الأحيان أيدت النظام الصيني، كدعوة وزير الخارجية الصيني "وانغ يي" ليكون "ضيفاً خاصاً" في الدورة الثامنة والأربعين لمجلس وزراء خارجية منظمة التعاون الإسلامي الذي عقد في باكستان يومي 22 و23 آذار/ مارس من العام 2022. هذا هو نفس النظام الصيني الذي كان يصف الإسلام بأنه مرض عقلي ويجرّم الإسلام والممارسات الدينية العادية، والذي وصمنا جميعاً بالـ"متعصبين" والـ"متطرفين" والـ"إرهابيين".

ومؤخراً قامت الأمم المتحدة بإصدار تقرير حقوق الإنسان الخاص بالأويغور، قائلة إن الصين ربما تكون قد ارتكبت جرائم ضد الإنسانية، ولكن بعد التصويت على إمكانية أن يتم نقاش خلاصات التقرير بشكل أوسع، صوتت معظم الدول ذات الأغلبية المسلمة إما بالرفض أو امتنعت عن التصويت، باستثناء الصومال.

ماذا يعني لك أن تكوني أويغورية، وما الذي دفعك في الثمانينيات لقيادة الدفاع عن الأويغور؟ 

كوني أويغورية فهذه هويتي وكرامتي الإنسانية، أما عن دفاعي عن الأويغور فدعني أقول لك إنني منذ طفولتي تأثرت شخصياً بسجن جدي، وعندما أفرج عنه أخبرني بالتفصيل عمّا تعرض له من اضطهاد وتعذيب، كما تعرض والداي للاضطهاد لمجرد كونهما من الأويغور. وهكذا منذ صغري أدركت أننا كنا نُضطهد كشعب لمجرد هويتنا. كان جدي جزءاً من جيش الأويغور في غولجا خلال منتصف الأربعينيات، وقد حارب النظام القومي الصيني. لذلك، أورثني هذا الفهم بأنه ما لم أتصرف وأدافع عن حقوق الأويغور فإن شعبي سيعاني، وكان هذا تأثيره. عندما كان لدينا القليل من الحرية عام 1979، عندما كانت العلاقات الصينية الأميركية تتطور، حتى مذبحة ميدان تيانانمين عام 1989، خلال تلك السنوات العشر، استخدمنا سقف الحرية ذاك على ضآلته لمصلحتنا، فكان علينا زيادة الوعي حول مختلف أشكال التمييز والقمع التي كنا نمر بها في ذلك الوقت.

اليوم بعد نحو 35 على بدء حياة جديدة في الولايات المتحدة، كيف تنظرين إلى الوراء، إلى الماضي، إلى المكان الذي نشأت فيه؟

كنت في الحادية والعشرين من عمري عندما أتيت إلى الولايات المتحدة بسبب التمييز والظلم ضد شعبي في وطني. لقد أسست لنفسي حياة مُرضية إلى جانب مسيرة مهنية ناجحة، كما أنني أصبحت أُمّاً. لكنني اضطررت إلى ترك منصبي المهني في عام 2019، كمديرة أعمال دولية، لأصبح اليوم ناشطة بدوام كامل من أجل الدفاع عن شعبي والدعوة إلى الحرية والديمقراطية. مع ذلك، لا أندم على أي شيء فعلته في حياتي، وإذا اضطررت إلى فعل ذلك مرة أخرى، فسأفعل نفس الشيء مجدداً. .


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

ثورتنا على الموروث القديم

الإعلام التقليديّ محكومٌ بالعادات الرثّة والأعراف الاجتماعيّة القامعة للحريّات، لكنّ اطمئنّ/ ي، فنحن في رصيف22 نقف مع كلّ إنسانٍ حتى يتمتع بحقوقه كاملةً.

Website by WhiteBeard
Popup Image