شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

اترك/ ي بصمَتك!
بعدما بات

بعدما بات "الصنايعية" سائقي "توك توك"... مصريون يواجهون أزمة في "جزمة العيد"

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

حياة

الاثنين 19 ديسمبر 202204:58 م


في الميدان الصغير في منطقة الكوربة شرق العاصمة المصرية القاهرة، اعتاد المارة والسكان وزائرو الشارع للنزهة أو التسوق مشهد شجرة الميلاد العملاقة التي يحرص عليها سكان منطقة مصر الجديدة، بأنوارها والألعاب المعلقة عليها، وكذلك يحرص الناس على الاقتراب منها والتقاط الصور إلى جوارها، قبل العودة إلى تسوق ملابس وأحذية العيد من الشوارع التجارية القريبة.

هذا العام، ظلت شجرة الميلاد العملاقة غائبة عن الكوربة حتى يوم نشر هذا التقرير، فيما أظلمت الشوارع في تمام العاشرة ليلاً التزاماً بقرارات حكومية ملزمة ولكنها غير معلنة لخفض استخدام الكهرباء. أما محال الملابس والأحذية القريبة، فقد تعادلت قلة البضائع المعروضة في واجهاتها مع قلة الزبائن وانخفاض عدد المارة وتراجع فضولهم. 

منذ سنوات طويلة، ظلت مسألة تسوق الملابس والأحذية تحكمها أسس طبقية في مساحات ومناطق التسوق المختارة أو في زمن التسوق ووتيرته.

يميل المصريون من ذوي الدخل المحدود، وهم نحو 40% من المواطنين بحسب الإحصاءات الحكومية، إلى التسوق من أجل السلع والملابس بشكل موسمي يرتبط بالأعياد. تشتري الأسرة ملابس وأحذية صيفية في مواسم الأعياد التي تحضر صيفاً وملابس وأحذية للشتاء في الأعياد الشتوية، ومنها عيد الميلاد، على أن يستخدم الأفراد هذه الملابس طوال العام ولا تدخل قطع جديدة إلى دواليبهم، أو خزانات أحذيتهم، قبل حلول العيد التالي.

ومنذ العام 2017 (عقب تخفيض العملة الوطنية للمرة الاولى إلى نصف قيمتها في نهاية 2016) رصدت تقارير صحافية متعددة ابتعاد الناس عن شراء الملابس الجديدة والاكتفاء بشراء الملابس المستعملة في الأعياد، لكن للأحذية قواعد أخرى.

 فيفيان وأسر مسيحية أخرى، تحدثوا إلى رصيف22 عن قرار التخلي عن شراء أحذية جديدة للكريسماس وأعياد الميلاد هذا العام، ضمن حزمة تنازلات أخرى، يحرمهم أثرها من الاحتفال التقليدي بالعيد، خاصة مع ارتفاعات كبيرة تشهدها أسعار المنتجات الغذائية، وخاصة فئة البروتين الحيواني "اللحوم"

عادات انقرضت

مثل غيرها من الأمهات، اعتادت فيفيان أنطون مرافقة أبنائها في التسوق والتجهيز لاحتفالات العيد كل عام. لم تكن ارتفاعات الأسعار عبئاً كبيراً على ماريان في الماضي، فهي يلد، اشتهر بورشه المحلية لتصنيع الأحذية، التي كانت تصدر إنتاجها للعديد من الدول، خاصة الأفريقية منها.

لكن مصر حيث تعيش فيفيان، تشهد تراجعاً في كل الصناعات منذ صدمة الجنيه الأولى في العام 2016. وفي السنة المنتهية 2022، إذ تعصف بالبلاد أزمة اقتصادية خانقة أدت إلى اضطرار البنك المركزي إلى وضع قيود تفيد تقارير اقتصادية أنها أدت عملياً إلى شل عمليات الاستيراد إلا إذا كانت لصالح جهات محددة. وقد أصيبت ورش الأحذية الصفيرة كغيرها من الصناعات وخارجها بحالة من الشلل، يظهر أثرها جلياً هذه الأيام في موسم الأعياد، ما دفع فيفيان وأسر مسيحية أخرى، تحدثوا إلى رصيف22 عن قرار التخلي عن شراء أحذية جديدة للكريسماس وأعياد الميلاد هذا العام، ضمن حزمة تنازلات أخرى من أثرها أن يحرموا الاحتفال التقليدي بالعيد، خاصة مع ارتفاعات كبيرة تشهدها أسعار المنتجات الغذائية وخاصة فئة البروتين الحيواني "اللحوم". 

هروب جماعي

ظلت مصر واحدة من البلدان الشهيرة بتصنيع الأحذية والأحزمة من الجلود الطبيعية لسنوات طويلة حتى بداية فترة الانفتاح الاقتصادي التي أطلقها الرئيس الأسبق أنور السادات، وأطلق معها الاستيراد من دون قيود تقريباً. ومع الوقت وتشديد القيود البيروقراطية على الصناعات المحلية خاصة المتوسطة والصغيرة، وهي عماد صناعة الملابس والأحذية في مصر، تقلص عدد المدابغ والورش العاملة في مجال تصنيع الجلود مقابل فتح المجال للاستيراد وتوسيع الاحتكارات. وعليه، بدأت عمليات الفرار الواسعة من تلك الصناعات لصالح الاستيراد وتجارة المستورد. 

وفقاً لهشام عبد الهادي، عضو شعبة الأحذية والمنتجات الجلدية في الاتحاد العام للغرف التجارية المصرية، يبلغ عدد العاملين في صناعة واستيراد وتجارة كل ما يتعلق بالجلود في مصر خمسة ملايين، وفي ظل تراجع المبيعات بنسبة بلغت 70% خلال 2022. ويوضح عبد الهادي لرصيف22 أن ارتفاع أسعار الخامات 200%، وندرتها بسبب قيود الاستيراد، تشهد الغرفة نفسها أن 50% من العاملين في قطاع صناعة وتجارة الجلود، تركوه بحثاً عن مهن أخرى من فبراير/ شباط، إلى ديسمبر/ كانون الأول 2022.  

وفقا لهاشم عبد الهادي، عضو مجلس إدارة شعبة الأحذية والمصنوعات الجلدية بالغرفة التجارية بالقاهرة، انخفض عدد المنشآت المرتبطة بصناعة الأحذية والمنتجات الجلدية في مصر من 25 ألف مصنع وورشة ومدبغة إلى 1500 فقط خلال السنوات العشر الأخيرة

ممن تركوا الصناعة، الحاج محمود وهبة، الذي يقول لرصيف22: "في دمياط كان عندنا صناعة جلود مشهورة، وكنا نصدر للدول العربية، لكن في السنين الأخيرة لم تعد منتجاتنا قادرة على المنافسة مع ارتفاع تكلفة الإنتاج، لأن زبون الجزمة اليدوي طول عمره نادر وقليل. أصبحت المنافسة تتم على أساس الجودة والسعر لا الذوق. وفي هذا تتفوق المصانع الأجنبية وخصوصا الصينية لأن تكلفة إنتاجها أقل، فترك معظمنا المهنة".

انقراض الصناعة اليدوية

 أمام ورشة صديق له فيها عدد قليل من العاملين، جلس محمود وهبة مسترجعاً تاريخ علاقته بالمهنة الذي يمتد إلى نحو 60 عاماً. يقول لرصيف22: "بدأت العمل في تصنيع الأحذية حين كان عمري 16 عاماً، بعدما تعلمتها على يد خالي. ولم أتركها إلا قبل 22 عاماً بعد تعرضي لانتكاسة صحية شديدة، أجريت على إثرها عمليات جراحية. كنت متأثراً جداً نفسياً فساءت صحتي، ووجدت أن مهنتي تموت شيئا فشيئاً".

صديقه محمود البدالي الذي يبلغ عمره 82 عاماً، لا يزال متمسكاً بمهنته القريبة إلى قلبه. يحكي لرصيف22: "عاصرت الملك فاروق، وكان يطلب منا أحذية كما كان يتعاقد معنا تجار على شراء الأحذية ليصدرونها للبلدان العربية كالسعودية والسودان وغيرها من الدول. كل هذا انتهى الآن والحال يضيق يوماً بعد يوم، لكننا نسعى وراء الرزق ما كتب الله لنا من عمر وصحة".

ويبلغ إنتاج الجلود المدبوغة فى مصر حوالى 126 مليون قدم مربع، وكان مجمع دباغة الجلود فى مصر القديمة يمثل حوالى 75% من إجمالى إنتاج مصر من الجلود، قبل أن يزال وتوضع قيود أخرجت معظم عامليه وأصحاب الورش الصغيرة فيه من الصناعة بسبب التكلفة العالية للانتقال إلى منطقة الروبيكي التي خصصتها الحكومة المصرية بديلاً للمجمع.

قبل قرار "الروبيكي" بلغ الإنتاج المحلي من الأحذية 70 مليون زوج فى السنة، وذلك وفقًا لبيانات الهيئة العامة لتنفيذ المشروعات الصناعية والتعدينية، حيث ضمت منطقة مصر القديمة حوالى 320 مدبغة خاصة ومخازن للجلود الخام والكيماويات وورش الصيانة ووحدات إنتاج الغراء والجيلاتين، وكان كل هذا يقلل من احتياج مصر إلى الاستيراد، سواء استيراد الأحذية والحقائب وغيرها من المنتجات الجلدية المصنعة، أو مستلزمات الإنتاج.

تطوير وتسريح

لم يكن عادل وراط - 57 عاماً-  الذي قضى أربعة عقود من عمره في تلك المهنة، يعلم  أنه سيتركها بين يوم وليلة. وهو عمل 42 عاماً في دباغة الجلود، منذ أن في سن 12 عاماً. يروي لرصيف22: "أعمل في المدابغ منذ كنت طفلاً. قضيت سنوات طويلة في أعمال التشطيب التي تتلخص في دمج البوية (الطلاء) وتلوين الجلود. ولكن بعد نقل المدابغ من مصر القديمة للروبيكي قررت ترك المجال، لأن راتبي لن يكفى مصاريف تعليم خمسة أبناء في مراحل التعليم المختلفة. كما أن صاحب الورشة ترك المجال وقام بتسريح عماله. ولأنني لا أعرف مهنة سواها لم أعمل بمهنة أخرى".

وفقا لهاشم عبد الهادي، عضو مجلس إدارة شعبة الأحذية والمصنوعات الجلدية بالغرفة التجارية بالقاهرة، انخفض عدد المنشآت المرتبطة بصناعة الأحذية والمنتجات الجلدية في مصر من 25 ألف مصنع وورشة ومدبغة إلى 1500 فقط خلال السنوات العشر الأخيرة. ما أدى إلى تسريح نحو 100 ألف عامل. أغلبهم فقدوا وظيفتهم بعد أزمة الإغلاق بسبب فيروس كورونا المستجد، وبعد ذلك حدثت أزمة التعويم ونقص الدولار فجرى تسريح 50% من العاملين البالغ عددهم خمسة ملايين على حد قوله.

ترك خليفة محمد، 60 عاماً، عمله في المدابغ بعد قضائه ثلاثة عقود في تلك المهنة التي لا يعرف سواها منذ أن كان عمره 17 عاماً. يقول" تعرضت لحادث عمل دفعني لتركيب  شرائح ومسامير نخاع جعلتني لا أستطيع استكمال رحلة العمل، إذ كنت أقطع يومياً رحلة طويلة من حلوان للروبيكي. ونظراً لحالتي الصحية تركت العمل قبل عامين، وبت بلا عمل لم أكن الوحيد الذي ترك مهنته. فهناك كثيرون تركوا تفصيل الأحذية خلال جائحة كورونا، ليعملوا كسائقي تكاتك".

ارتفاع أسعار الخامات

بعد انتقال المدابغ للروبيكي قرر محمد محمود، 47 عاماً، افتتاح ورشة لتصليح الأحزمة بمصر القديمة بعد أن قضى قرابة ثلاثة عقود في المدابغ. ولكن مع التعويم والأزمة الاقتصادية الأخيرة، زادت أعباؤه كمصنع نتيجة ارتفاع أسعار الخامات خاصة أن أغلب مستلزمات الإنتاج مستوردة من الخارج مما أفضى إلى تراجع مبيعاته بنحو 50% .

وفقا لعبد الهادي، وهو عضو في غرفة الأحذية، استغل بعض التجار أزمة التعويم ورفعوا الأسعار. يقول: "يأتي ذلك في وقت نعاني من ضعف رقابة الجهات المعنية. وتستورد مصر من 75 إلى 80% من مستلزمات إنتاجها من الخارج. وتمثل وارداتنا من الصين 95% من مصادر مجمل الواردات"، متمنياً رفع القيود على استيراد مستلزمات الإنتاج ووقف الخامات المهربة التي تباع على أسوار سوق العتبة، مطالباً بخفض الرسوم الجمركية على مستلزمات الإنتاج مع سرعة الإفراج الجمركي بالموانئ.

إنضمّ/ي إنضمّ/ي

رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

Website by WhiteBeard