شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

ادعم/ ي الصحافة الحرّة!
النفايات الإلكترونية… كنوز في مكبّات القمامة

النفايات الإلكترونية… كنوز في مكبّات القمامة

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

بيئة ومناخ نحن والبيئة

الخميس 15 ديسمبر 202201:46 م

تسوّق لنا شركات التكنولوجيا أجهزةً حديثةً كل عام بشكل جنوني، مما يجعل المنتجات والأجهزة التي نحملها، مهما كانت جديدةً، على غير آخر صيحات الموضة التقنية، فكل يوم هناك الأحدث.

ويحيلنا ذلك إلى مصطلح النفايات الإلكترونية، وهي الأجهزة التي مر عليها الزمن، أو انتهى عمرها الافتراضي، مثل الحواسيب والشاشات والمسجلات والطابعات، والفاكس، ومشغلات الـDVD والكاميرات والبطاريات وغيرها.

تقول الإحصائيات إن مستخدمي الهواتف المحمولة يستبدلونها كل 18 شهراً، وقد أدى النمو السريع في إنتاج المنتجات الكهربائية والإلكترونية، إلى نمو مماثل في النفايات المرافقة التي يُنتج العالم منها خمسين مليون طن سنوياً، بمعدل 900 كمبيوتر محمول كل ثانية، وتُعدّ النفايات الأكثر نمواً في العالم، وتشكل 70% من النفايات السامة، في حين يعاد تدوير 12.5% فقط منها.

تُعدّ النفايات الإلكترونية الأكثر نمواً في العالم، وتشكل 70% من النفايات السامة، في حين يعاد تدوير 12.5% فقط منها.

معادن ثمينة ومخاطر صحية

ربما لا يعرف البعض أن الأجهزة الإلكترونية تحتوي على مواد سامة، مثل الرصاص والزنك والباريوم والكروم، كما تحتوي على معادن ثمينة مثل الذهب والنحاس، ومواد ذات قيمة اقتصادية كبيرة، وكذلك مواد غير قابلة للتحلل.

والخبر السيئ هو أن كميات كبيرةً من النفايات الإلكترونية تُشحن من الدول المنتجة لها مثل الولايات المتحدة، إلى إفريقيا وآسيا للتخلص منها، وعادةً ما تُحرق بواسطة أطفال يعملون بشكل غير قانوني، ويتعرضون لمخاطر صحية جسيمة.

وطبقاً لدراسة صدرت عام 2021، ونُشرت في دورية "المجلة الدولية لبحوث البيئة والصحة العامة"، تمثل النفايات الإلكترونية أزمةً لقارة إفريقيا، وهي تُحرق غالباً في المنازل أو بالقرب منها، ويتعرض الأطفال والبشر في هذه المناطق لمخاطر صحية جسيمة. كما تشير ورقة بحثية نشرتها الجامعة الأمريكية في القاهرة عام 2020، وتناولت إعادة تدوير المخلفات الإلكترونية في مصر، إلى أن عملية جمع النفايات الإلكترونية في الدول النامية غير منظمة، وينتج عن ذلك وجود قطاع غير رسمي لجمع المخلفات وحرقها، تعمل به عادةً النساء والأطفال، ويتعرضون لظروف قاسية ومخاطر صحية، بخلاف الخطر البيئي للتعامل مع النفايات الإلكترونية بطريقة غير سليمة.

أسوأ ما قد نفعله تجاه البيئة وتجاه أنفسنا، هو التخلص من هذه الأجهزة في مكبات القمامة، لأن ذلك يؤدي إلى تسرب المعادن السامة إلى المياه الجوفية، مما يهدد سلامة البشر والحيوانات البرية والبحرية، وأيضاً عند تعرضها للحرارة تنطلق المواد الكيميائية السامة إلى الجو. كذلك فإن تسرّب الرصاص بوجه خاص له أضرار جسيمة، إذ يؤثر على الدم والكليتين والجهاز العصبي.

نتيجة كل ذلك، ظهرت طرق متخصصة لتدوير النفايات الإلكترونية. ولأنها تحتوي على مواد قيمة، فإن إعادة تدويرها قد تحافظ على الموارد الطبيعية، وتمنع تلوث الماء والهواء، وتوفر كماً هائلاً من الطاقة، وتفتح الباب لفرص عمل جديدة.

عملية جمع النفايات الإلكترونية في الدول النامية غير منظمة، وينتج عن ذلك وجود قطاع غير رسمي لجمع المخلفات وحرقها، تعمل به عادةً النساء والأطفال، ويتعرضون لظروف قاسية ومخاطر صحية، بخلاف الخطر البيئي للتعامل مع النفايات الإلكترونية بطريقة غير سليمة

ثقافة جديدة

في مصر، التي تنتج ما يقارب 90 ألف طن من المخلفات الإلكترونية سنوياً، انطلقت عام 2021 مبادرة "روبابيكيا كول" التي تهدف إلى جمع المخلفات الإلكترونية، وتوريدها إلى المصانع المعتمدة من وزارة البيئة المصرية لإعادة تدويرها.

في مصر، نعرف بائع "الروبابيكيا" بأنه ذلك الشخص الذي يشتري الأشياء القديمة بأسعار زهيدة، لكن الجديد الذي تقدمه هذه المبادرة هي المساعدة في إعادة تدوير المخلفات بشكل آمن، عن طريق الوساطة بين المواطن والمصانع المعتمدة لإعادة التدوير بشكل آمن، وعددها 14 مصنعاً. وقد تأسست المبادرة بالتعاون مع جمعية "بيت على الصخر"، ومشروع إدارة المخلفات الإلكترونية التابع لوزارة البيئة المصرية، بتمويل من مرفق البيئة العالمية.

يقول مؤسس المبادرة شنودة إبراهيم (40 عاماً)، المقيم في القاهرة، لرصيف22: "فكرة روبابيكيا كول هي جمع المخلفات الإلكترونية من المواطنين ومقايضتها مقابل سلع تموينية أو خدمية أو ملابس. بدأت المبادرة بحملات طرق على الأبواب لتعريف المواطنين بها وبأهدافها، والمقابل الذي تدفعه المبادرة أعلى من بائع الروبابيكيا العادية، والذي يقوم بتدوير غير رسمي للمخلفات مما يزيد من تلوث البيئة. تستهدف المبادرة أيضاً محال الصيانة الإلكترونية، وتأخذ منها الأجهزة القديمة مقابل سماعات للهاتف المحمول أو عقود صيانة مجانية".

بدورها، تتحدث سماح تواضروس، رئيسة مجلس إدارة المبادرة لرصيف22، مشيرةً إلى أن المبادرة بدأت لأغراض بيئية، فتخزين الأجهزة الإلكترونية التي لا نحتاجها يطلق انبعاثات ضارةً تضرّ بالبيئة، وهي تهدف إلى تشجيع الناس على التضحية بالأجهزة القديمة مقابل سلع وخدمات تقدمها المبادرة لهم.

المبادرة نجحت في نشر ثقافة التخلي عن المخلفات القديمة.

وتضيف المتحدثة (42 عاماً): "التضحية بالأجهزة القديمة أمر صعب، فأنا شخصياً كنت أحتفظ بهاتفي القديم وأرفض التخلي عنه. لكن المبادرة نجحت في نشر ثقافة التخلي عن المخلفات القديمة، بعد أن بدأت في مناطق عين شمس والمطرية والمرج وعزبة النخل والوراق، والآن تغطي محافظات القاهرة والجيزة والقليوبية، كما أننا نطمح إلى مشروع إعادة تأهيل للشباب لتعليمهم صيانة الكمبيوتر ومكيفات الهواء، لأن السنوات القادمة ستشهد ارتفاعاً في تغير الحرارة مما سيدفع الجميع إلى شراء المكيفات".

لكن ما تعانيه المبادرة كما يصرح إبراهيم، هو عدم انتشار الوعي المجتمعي بفكرة التخلص من الإلكترونيات بشكل آمن، وما يتمناه هو زيادة الوعي تجاه مخاطر المخلفات البيئية، والمبادرة الآن في طور التطوير وإعداد كادر تطوعي هدفه زيادة الانتشار.

يحتاج الأمر إلى بعض الشجاعة أيضاً من الأشخاص للتخلص من المخلفات القديمة. تريزا سند (32 عاماً)، ربة منزل من سكان القاهرة، وهي إحدى مستخدمات مبادرة "روبابيكيا كول"، تقول لرصيف22، إنها تعرفت على المبادرة من خلال صفحتها على فيسبوك، وأُعجبت بفكرة استبدال تلفزيونها القديم وشاشة الكمبيوتر التي لم تعد لها فائدة مقابل سلع أخرى.

وتضيف: "بالفعل تواصلت مع المبادرة واستبدلت أجهزتي القديمة بسلع تموينية. فكرة المبادرة ستعود بالفائدة على المستخدم لتخلصه من مخلفات ليست لها فائدة مقابل سلع أخرى. وقد تواصل بعض معارفي مع المبادرة واستفادوا أيضاً منها".

يمكنك اختيار نوع الجهاز الإلكتروني الذي تريد مقايضته، سواء كان هاتفاً أو شاشةً أو غير ذلك، ورفع صورة له على التطبيق، وتسجيل معلومات عنه، مثل حالته ونوعه وعلامته التجارية. بعدها يمكن اختيار العرض المناسب للمقايضة، ثم اختيار أقرب فرع لتسليم الجهاز

مقايضة وحسومات

من المبادرات الأخرى التي ظهرت لجمع المخلّفات الإلكترونية في مصر، مشروع وتطبيق "e-tadwer" ويعمل كوسيط بين منتِجي المخلفات الإلكترونية والمصانع.

يعمل "إي تدوير" تحت شعار "متوقفش الدايرة عندك"، في محافظات عدة في مصر، وتعتمد الفكرة على تبديل أي منتج إلكتروني لا يحتاجه المستخدم بمنتج جديد، مع تقديم حسومات من شركاء التطبيق، وبذلك يجمع المخلفات الإلكترونية مثل الشاشات المسطحة، والهواتف الأرضية، وأجهزة الكمبيوتر المكتبية وملحقاتها، وأجهزة الكمبيوتر المحمولة، وأجهزة ألعاب الفيديو، والأجهزة الخليوية. وكانت وزارة البيئة قد أطلقت عام 2021، حملةً قوميةً للتخلص من المخلفات الإلكترونية بشكل آمن من خلال هذا التطبيق بالتعاون مع برنامج الأمم المتحدة الإنمائي.

سجل "إي تدوير" منذ انطلاقه، تعامله مع قرابة 84 ألف مستخدم، وتوفيراً في الانبعاثات الكربونية بمقدار 44.76 طناً، ونجح في جمع 21 ألف طن من المخلفات الإلكترونية من أجل إعادة تدويرها، وذلك كما تشير الأرقام المنشورة على موقع التطبيق الإلكتروني.

محمد عبد الفتاح (33 عاماً)، وهو مسؤول العلاقات العامة في التطبيق، يحكي لرصيف22، عن بداية المبادرة: "بدأنا من اهتمام مؤسس المبادرة المهندس كريم دبوس، بفكرة إعادة تدوير المخلفات الإلكترونية في أثناء إقامته في كندا، فحلم بعمل مبادرة كهذه في مصر، وبالفعل عرض الفكرة على وزارة البيئة التي تبنتها، بعدها طور تطبيقاً لجمع المخلفات الإلكترونية من المواطنين مقابل حسومات من شركات أجهزة إلكترونية".

يضيف عبد الفتاح المقيم في القاهرة: "الموبايل اللي في ايديكِ دا فيه دهب، بالطبع في صورة سائلة. ولكي تكون للمخلفات الإلكترونية من الهواتف جدوى اقتصادية يجب أن تُجمع منها كميات كبيرة. وما يميز هذه المبادرة أنها تستهدف الكثير من محافظات مصر، ونطمح إلى زيادة عددها".

وطريقة استخدام "إي تدوير" ببساطة، هي تنزيل التطبيق على الهاتف المحمول، وتسجيل البيانات، بعدها يمكنك اختيار نوع الجهاز الإلكتروني الذي تريد مقايضته، سواء كان هاتفاً أو شاشةً أو غير ذلك، ورفع صورة له على التطبيق، وتسجيل معلومات عنه، مثل حالته ونوعه وعلامته التجارية. بعدها يمكن اختيار العرض المناسب للمقايضة، ثم اختيار أقرب فرع لتسليم الجهاز.

يرى عبد الفتاح، أن مثل هذه المبادرات من الصعب أن تنجح بشكل فردي، فهي تحتاج إلى دعم من الدولة، كما أن مشكلة عدم الوعي بأهمية التخلص الآمن من الإلكترونيات موجودة على نطاق واسع، وربما يكون الزخم الذي صاحب استضافة مصر لمؤتمر المناخ "كوب27"، فرصةً جيدةً لنشر هذا الوعي، وقد اشتركت شركة "إي تدوير" في فعالياته.


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

ما أحوجنا اليوم إلى الثقافة البيئية

نفخر بكوننا من المؤسّسات العربية القليلة الرائدة في ﻣﻴﺪﺍﻥ ﺇﺫﻛﺎﺀ ﺍﻟﻮﻋﻲ البيئيّ. وبالرغم من البلادة التي قد تُشعرنا فيها القضايا المناخيّة، لكنّنا في رصيف22 مصرّون على التحدث عنها. فنحن ببساطةٍ نطمح إلى غدٍ أفضل. فلا مستقبل لنا ولمنطقتنا العربية إذا اجتاحها كابوس الأرض اليباب، وصارت جدباء لا ماء فيها ولا خضرة.

Website by WhiteBeard
Popup Image