في منشور عاجل أرسلته إلى المواقع الإخبارية المصرية، حذرت هيئة الدواء المصرية صباح الخميس 8 ديسمبر/ كانون الأول الجاري، من "الأدوية المُقلَّدة".
أتي تحذير هيئة الدواء المصرية بعد أيام قليلة من انتشار صورة قائمة منسوبة إليها، ورد فيها أسماء مستحضرات دوائية وعلاجية واسعة الانتشار تتنوع بين مسكنات الألم وخوافض الحرارة ومواد تعقيم الجروح والمضادات الحيوية وبعض الأدوية اللازمة لأصحاب الأمراض المزمنة، وكلها مذكور إلي جانبها أنها صدر قرار بسحبها، إما بسبب خطأ في التشغيلة "التركيب" أو بسبب الغش التجاري.
وجددت شركات أدوية دعوتها لاستخدام تطبيق MUP الذي أطلق في العام 2018، ويعمل على الهواتف المحمولة، لتسهيل عملية التعرف على "الأدوية التقليد" أي المغشوشة، عن طريق مسح "الباركود".
تأتي هذه المحاولات للسيطرة على انتشار الأدوية المقلدة في سوق الدواء المصري، بعد أشهر من معاناة هذا السوق من نقص كبير في الأدوية نتيجة الأزمة الاقتصادية التي حدَّت من قدرة شركات الأدوية على استيراد المواد الفعالة والمساعدة اللازمة لإنتاج الأدوية، وكذلك النقص الكبير في الأدوية المستوردة، نتيجة للأزمة نفسها. ونجم عن هذا النقص مقابل ارتفاع الطلب، غلاءً كبيراً في أسعار الأدوية الشحيحة المتوفرة، وهي الأزمة التي تابعها رصيف22 مبكراً.
حتى الآن لم تجر تحقيقات جنائية في انتشار الصبغة المغشوشة التي استخدمت في إجراء الأشعات المقطعية خلال الربع الأخير من العام الجاري. كما لم تجر محاسبة المسؤولين عنها وعن الوفيات التي نجمت عن استخدامها في عدد من مراكز الأشعة والمستشفيات المصرية
وفيات وذعر
قبل تلك المنشورات المتعددة التي تحاول التعامل مع وجود انتشار للأدوية المغشوشة والمستحضرات العلاجية الفاسدة في السوق المصري، تعددت حالات وفيات مواطنين بدأت في أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، عندما وصلت مراكز الأشعة والمستشفيات الخاصة المصرية شحنة من الصبغة المستخدمة في إجراء الأشعات المقطعية والمسح الذري لمرضى الأورام، وتبين أنها مغشوشة. وذلك بعد أشهر طويلة من نفاذ الصبغة ونقصها الحاد، خصوصاً في المستشفيات الحكومية والتابعة لوزارة التعليم العالي، ما تسبب بدوره في تراجع القدرة على التشخيص وتفاقم حالات ووفيات كثير من المرضى، وخاصة مرضى السرطان.
وقال الدكتور علي عوف رئيس شعبة الأدوية بالغرفة التجارية في تصريحات صحافية، "موضوع وجود صبغة مغشوشة في المراكز أمر خطير وغير متوقع. عدد حقن الصبغة معروف سواء المستوردة أو المحلية، وهيئة الدواء بيكون عندها بيانات عنها وأماكن توزيعها، والصبغة تكون مسؤولية هيئة الدواء حتى إرسالها إلى مراكز الأشعة، وفي المراكز تكون الصبغة تحت إشراف هيئة العلاج الحر". هذه التصريحات بينت وجود حالة من السيولة في الرقابة على هذا المستحضر العلاجي الحيوي. وحتى الآن لم تجر تحقيقات جنائية في انتشار تلك الصبغة المغشوشة التي استخدمت في إجراء الأشعات المقطعية، ولم تجر محاسبة المسؤولين عنها وعن الوفيات التي نجمت عن استخدامها في عدد من مراكز الأشعة والمستشفيات المصرية.
في نفس التوقيت تقريباً، بداية أكتوبر/ تشرين الأول، فزع الرأي العام المصري لخبر وفاة طفلتين شقيقتين عقب تلقيهما حقنة مضاد حيوي في إحدى الصيدليات، وتكررت بعدها حالات وفيات للأطفال بعد تلقي حقن دوائية في المستشفيات والصيدليات.
تسببت واقعة الطفلتين في قرار من نقابة الصيادلة بمنع أعضائها عن إعطاء الحقن داخل الصيدليات "درءاً للشبهات، وسداً لباب الذرائع، وحفاظاً على الصيادلة من التعرض المساءلة القانونية عن خدمة طبية مقدمة منهم"، وتوجيه طالبي العلاج بالحقن إلى المستشفيات. إلا أن هذا لم يحل مشكلة وفيات متلقي الأدوية، التي استمرت في وقائع متفرقة أحدثها وفاة الطفل كريم عادل البالغ من العمر عامين ونصف العام بعد تلقيه حقنة مضاد حيوي داخل أحد مستشفيات الدقي منتصف الأسبوع الماضي، ما لفت الانتباه لوجود ما هو أبعد من إعطاء الحقن من دون اختبارات الحساسية.
البداية "سفيتركسيون"
حذّرت نقابة الصيادلة بشكل خاص من حقن "سيفترياكسون" المطروحة في الأسواق المصرية تحت تسع علامات تجارية تشمل سفترياكسون، المخصصة للأطفال في حالات البرد أو السخونية، وتسببت في وفاة عدد من الأطفال منهم الطفلتان بطلتا واقعة أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، وأيضاً حقن "سيفاكسون، وينترياكسفون، إيبسفين، وروسيفين، وسيفوتركس، وترياكسديل، وزوراكسون، وزوكسديل"؛ وذلك بعد رصد النقابة حالات وفاة نتيجة الإصابة بحساسية شديدة منها.
عدد منشورات التحذير من الغش التجاري في الأدوية، زاد أكثر من الضعف في العام 2022
وأرسلت النقابة خطاباً ، في 10 سبتمبر/ أيلول 2018، إلى رئيس مجلس الوزراء د.مصطفى مدبولي، وزيرة الصحة والسكان وقتها، ونائب وزير الصحة للصيدلة، ورئيس الإدارة المركزية للشئون الصيدلية، أفاد برصد حالات وفاة نتيجة الإصابة بحساسية شديدة من حقن سيفترياكسون، وشهدت مصر في العام 2018 أزمة دواء شديدة، لكنها كانت أخف وطأة من الأزمة الحالية. ما يشي بأن هناك أصنافاً محددة من الأدوية يتكرر طرح كميات مغشوشة ومضرة منها كلما واجهت الأسواق نقصاً في الدواء.
أدوية مغشوشة وغير مطابقة للمواصفات
فيما أرجع أطباء وصيادلة مصريون على مواقع التواصل حالات الوفاة الأخيرة بعد تلقي العلاج بالمضادات الحيوية إلى وجود كميات كبيرة من الأدوية المغشوشة، وغير المطابقة للمواصفات العالمية، نافين أن تكون الوفيات التي وقعت تتصل بوجود حساسية - لدى المرضى الذين لقوا حتفهم- تجاه العلاج، ما ينفي مسؤولية الأطباء والصيادلة عن تلك الوفيات، وهو ما سبق أن أكدته هيئة الدواء المصرية ضمناً في تقاريرها عن عام 2021، والتي نشرت عبر موقعها الرسمي، ومن بينها 12 تحذر المواطنين من الغش التجاري لعدد من الأصناف الدوائية.
لكن عدد منشورات التحذير من الغش التجاري في الأدوية، زاد أكثر من الضعف في العام 2022، الذي تشهد فيه مصر أزمة اقتصادية ثقيلة الوطأة، إذ وصل عدد منشورات الغش التجاري الصادرة حتى بداية ديسمبر/ كانون الأول، 26 منشوراً. وتعددت توصيات الهيئة بسحب الأدوية التي حوتها تلك المنشورات، التي أوضحت فيها أيضاً الفرق بين الأدوية الأصلية و"المضروبة" وأرقام التشغيلة غير الأصلية.
وتُعرف الأدوية المغشوشة أو "المضروبة" بالتعبير الدارج، بأنها الأدوية التي صممت لتبدو مطابقة لشكل الأدوية الأصلية، لكنها تفتقر إلى المواد الفعالة، وتحتوي أحياناً على مواد سامة أو ضارة غير مصنفة، يتم تصنيعها خارج منظومة التصنيع الشرعية وبعيداً عن الجهات الرقابية على الأدوية والمنظومة الصحية.
مواد فعالة ملوثة
وأكد لرصيف22 الدكتور محي الدين عبيد، نقيب صيادلة مصر، ورئيس اتحاد الصيادلة العرب، أن المضادات الحيوية المعنية بالأزمة الأخيرة والتي نتج عنها عدد من الوفيات، تنتمي إلى الجيل الثالث من مركب "سيفالوسبورين" وتستخدم منذ أكثر من 20 عاماً، مشيراً إلى أن طفلتي الإسكندرية توفيتا بعد حقنهما بمضاد حيوي "سيفترياكسون” التي تباع بالصيدليات منذ عشرات السنوات، مؤكداً أن هناك خللاً في المادة الفعالة للدواء في الفترة الأخيرة، نافياً أن يكون الصيادلة مسؤولين عن تلك الوفيات أو ينقصهم التدريب، لافتاً إلى أن إعطاء الحقن بالصيدليات يخضع لقرار نقابة الأطباء رقم 415 لسنة 1954 وقانون 127 لسنة 1955، اللذين لم يمنعا إعطاء الصيادلة للحقن.
ويرجّح د. عبيد وجود شوائب في المادة الفعالة لعبوات المضادات الحيوية التي تسببت في الوفيات، أو وجود أدوية مغشوشة في أسواق الدواء، مشيراً إلى أن هيئة الدواء المصرية هي المعنية بالكشف عن حالات غش الدواء، لا نقابة الصيادلة.
يضيف نقيب الصيادلة: "لكن مع تطور تكنولوجيا الطباعة والغرافيك أصبح من السهل على منعدمي الضمير تزييف عبوات الدواء المغشوشة والمجهولة المصدر، وتمريرها إلى مخازن الأدوية ومن ثم الصيدليات من دون أن تمر باختبار وإجازة وزارة الصحة وهيئة الدواء. هذه الأدوية المضروبة تشكل خطراً على حياة المواطن".
عدد المفتشين الضئيل يرجع إلى تبعات إقرار وتنفيذ قانون هيئة الدواء (2019)، الذي ألغيت بموجبه عدة جهات تختص بالرقابة على صناعة وتجارة الدواء، ومنها إدارة التفتيش الصيدلي. ومع نشأة الهيئة الجديدة انتقل إليها 350 مفتش فقط من أصل 2000، كما ألغيت بموجبها صلاحية مديريات الصحة في الرقابة على صيدليات المحافظات من دون بديل
مشكلات قانونية تسهل الغش
على الرغم من أن وزارة الصحة المصرية ممثلة في هيئة الدواء، لديها سلطة التفتيش على الصيدليات ومخازن الأدوية وسحب العينات عشوائياً للتأكد من صلاحيتها، فإن رئيس الهيئة أدلى بتصريحات صحافية أعلن خلالها أن عدد المفتشين بات لا يتخطى 350 مفتشاً فقط، من أصل 2000 كانوا يعملون تحت مظلة إدارة الصيدلة في وزارة الصحة والسكان.
هذا العدد الضئيل ناجم عن توابع إقرار وتنفيذ القانون 151 لسنة 2019، ولائحته التنفيذية، اللذين نقلا صلاحيات التفتيش التي كانت موكولة إلى إدارة الصيدلة في وزارة الصحة إلى هيئة الدواء الجديدة الناشئة بموجب القانون، ولكن من دون نقل المفتشين.
وبحسب القانون نفسه، ألغيت صلاحيات مديريات الصحة في المحافظات في التفتيش على الصيدليات، فبات من المستحيل عملياً بموجب القانون، تطبيق عمليات التفتيش على المصانع والشركات والمخازن والصيدليات العاملة في مجال الدواء.
إسلام عنان: إحدى الفرضيات بخصوص حقيقة سبب الوفيات التي حدثت لأطفال حُقنوا بمضادات حيوية أن تكون المشكلة ناجمة عن تعرض عبوة الدواء للتلوث أثناء التصنيع، والثانية أن تكون قد تعرضت لسوء التخزين، سواء في المصنع أو المخزن أو الصيدلية
مصانع "بير السلّم"
من ناحيته يوضح الدكتور إسلام عنان، أستاذ اقتصاديات الدواء وعلم انتشار الأمراض والأوبئة في كلية الصيدلة، والمؤسس والرئيس التنفيذي لشركة أكسيت للأبحاث الدوائية، لرصيف22، أن هناك عدة فرضيات بخصوص حقيقة سبب الوفيات التي حدثت لأطفال حُقنوا بمضادات حيوية، لكن لا يمكن الجزم بالسبب الحقيقي إلاّ بعد انتهاء التحقيقات.
إحدى تلك الفرضيات – بحسب عنان- هي أن تكون المشكلة ناجمة تعرض عبوة الدواء للتلوث أثناء التصنيع، والثانية أن تكون قد تعرضت لسوء التخزين، سواء في المصنع أو المخزن أو الصيدلية، مما تسبب في مشكلات بالدواء قد تصل إلى وفاة المريض. أما الفرضية الثانية فهي أن يكون الدواء مغشوشاً ولم تنتجه الشركة المُصنّعة من الأساس. ويشمل الغش أن تكون المادة الفعالة في الدواء أقل أو غير موجودة على الإطلاق، أو أن يحتوي على مواد أخرى غير معروفة قد تتسبب في حساسية مفرطة أو تسمم أو حتى الوفاة.
أما الفرضية الثالثة، فهي أن تكون السرنغات رديئة، تنتج عنها جزيئات من البلاستيك أو المعدن تدخل في جسم المريض مسببة الحساسية المفرطة أو التسمم. والرابعة هي أن عملية الحقن تمت بشكل خاطئ في غير مكان العضل، وهو أمر مستبعد حدوثه لأنه من السهل اكتشافه على الفور، والخامسة هي أن المريض لديه حساسية ودخل في صدمة تحسسية، وفي هذه الحالة يجب على الصيدلاني حقنه بالحقنة المخصصة لذلك.
بعض الصيدليات تسعى لزيادة الربح، عبر اللجوء لقنوات شراء غير رسمية كتجار الشنطة والمخازن غير المرخصة وهم المصادر الأساسية للأدوية المغشوشة أو المهربة أو تلك التابعة لتشغيلة فاسدة
ويفرّق د. عنان بين الأدوية المهربة والأدوية المغشوشة، فالأولى "غالباً ما تتعرض لظروف سوء التخزين أثناء تهريبها من دول أخرى إلى مصر، وهنا تكمن خطورتها على صحة المرضى. أما الأدوية المغشوشة فيتم تصنيعها وتعبئتها في أماكن غير معقمة تُعرف بـ«مصانع بير السلم»، وغالباً ما تحتوي على مادة فعالة أقل أو تخلو من المادة الفعالة وقد تتعرض للتلوث".
يبيّن عنان أن بعض الصيدليات تسعى لزيادة الربح، عبر اللجوء لقنوات شراء غير رسمية كتجار الشنطة والمخازن غير المرخصة وهم المصادر الأساسية للأدوية المغشوشة أو المهربة أو تلك التابعة لتشغيلة فاسدة، بدلاً من التخلص منها في المصنع، يقوم البعض بتهريبها إلى السوق بطرق ملتوية، مؤكداً أنه لا يمكن السيطرة على "مصانع بير السلم"، إلاّ عبر تنفيذ مركزية توزيع الدواء التي تسعى إليها هيئة الشراء الموحد، حيث يتم إلغاء وجود وسيط بين الموزع المعتمد والصيدلية، وتمنع الصيدليات من الشراء من القنوات غير الرسمية، أو أن يتم تفعيل رمز الاستجابة السريعة، بحيث يطبع على كل علبة دواء QRCode عليه خط سيرها من التصنيع حتى الصيدلية، ويكون هناك نظام وتطبيق عليه كل الأكواد عند كل صيدلية أو مكان صرف أو شراء، على غرار بعض الدول الأخرى، وبمجرد أن يقوم الصيدلاني أو المستهلك بفتح كاميرا هاتفه لقراءة الكود تظهر له كل بيانات الدواء كاسك المصنع ورقم التشغيلة وبلد المنشأ والموزع والصيدلية وقد يضم النشرة الداخلية وصورة المنتج الأصلي، ويسهل كشف أي رمز مزيف.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ يومرائع. الله يرجعك قريبا. شوقتيني ارجع روح على صور.
مستخدم مجهول -
منذ يومحبيت اللغة.
أحضان دافئة -
منذ يومينمقال رائع فعلا وواقعي
مستخدم مجهول -
منذ 6 أياممقال جيد جدا
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعحب نفسك ولا تكره الاخر ولا تدخل في شؤونه الخاصة. سيمون
Ayman Badawy -
منذ أسبوعخليك في نفسك وملكش دعوه بحريه الاخرين