شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

ساهم/ ي في صياغة المستقبل!
10 آلاف حالة في العام الواحد... الخلع لعنة الرجال في الجزائر؟

10 آلاف حالة في العام الواحد... الخلع لعنة الرجال في الجزائر؟

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

حياة نحن والنساء

الأحد 11 ديسمبر 202203:51 م

سجلت الجزائر خلال السنوات الأخيرة، ارتفاعاً ملحوظاً في معدلات الخلع، وصولاً إلى 10 آلاف حالة خلع في العام الواحد، تحت ضغوط مجموعة من العوامل التي تقود إلى تفكك الرابط الأسري.

وكشفت إحصائيات رسمية، أعلن عنها وزير العدل الجزائري عبد الرشيد طبي، حصول 44 ألف حالة خلع وطلاق في النصف الأول من العام الحالي، أي بمعدل 240 حالةً يومياً، و10 حالات في الساعة الواحدة، بعدما كانت في حدود 100 ألف في عامي 2020 و2021، ووصلت إلى 68 ألفاً عام 2019.

وقال الوزير الجزائري، خلال رده على الأسئلة الشفوية في مجلس الأمة، إن الإحصائيات بخصوص ارتفاع معدلات الخلع وإمكانية إعادة النظر في القوانين التي تنظم الأمر، تشير إلى نسب متفاوتة لحالات الخلع، مقارنةً مع حالات الطلاق بالتراضي أو التطليق أو تطليق الزوج، مؤكداً أن أي تقييد لأحكام الخلع سيجعل منه تطليقاً، ودعا المختصين إلى دراسة الأسباب التي تقف وراء تفشي ظاهرة الطلاق عامةً في وقت ارتبطت حالات الخلع فيه بالزيجات الحديثة.

 ما هي الأسباب التي تدفع المرأة الجزائرية إلى إنهاء الحياة الزوجية، وهي التي عادةً تبحث عن الاستقرار النفسي والأسري

الخلع في الإسلام

من المنظور القانوني، يمكن تعريف الخلع على أنه فكّ المرأة للرابطة الزوجية بإرادتها المنفردة، طبقاً للمادة 54 من قانون الأسرة المعدل والمتمم بالأمر 05/ 02، ووفقاً للمادة 54 وإعمالاً لمبدأ المساواة بين الرجل والمرأة.

وتنص المادة 54 من قانون الأسرة على ما يلي: "يجوز للزوجة من دون موافقة أن تخلعه في مقابل بدل مالي"، إذ تمنح هذه المادة الزوجة حقاً شخصياً في فك الرابطة الزوجية بالإرادة المنفردة عن طريق الخلع ومن دون الحاجة إلى موافقة الزوج وحتى من دون مراعاة الأسباب.

وقد منحت الشريعة الإسلامية الرجل حق الطلاق كحل يلجأ إليه إذا رأى أن الزواج لم يحقق معاني السكينة والرحمة والمودة، استناداً إلى دلائل من القرآن الكريم: "الطلاق مرتان، فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان ولا يحلُ لكم أن تأخذوا مما أتيتموهن شيئاً إلى أن يخافا ألا يقيما حدود الله فإن خفتم ألا يقيما حدود الله فلا جناح عليهما فيما افتدت به"، وفي مقابل ذلك أباح الله للمرأة المسلمة الخلع، بأن تعطي زوجها ما أخذت منه أو أقل أو أكثر ليفارقها والدليل مشروعيته هو قول الله تعالى في سورة البقرة في الآية 229: "فإن خفتم ألا يقيما حدود الله فلا جناح عليهما فيما افتدت به".

أسباب وعوامل

وبلوغ 10 آلاف حالة خلع في العام الواحد، يطرح أسئلةً عدة أبرزها: ما هي الأسباب التي تدفع المرأة إلى إنهاء الحياة الزوجية، وهي التي عادةً تبحث عن الاستقرار النفسي والأسري بالرغم من كل الظروف المحيطة بها؟

مما لا شك فيه أن دوافع الخلع تختلف من امرأة إلى أخرى، وفقاً لأسباب كثيرة منها الوازع الديني والأخلاقي والوضعية المادية.

اضطرت سامية، في العقد الثالث من عمرها من الجزائر العاصمة، إلى خلع زوجها بعد مرور 10 سنوات كاملة على زواجها منه من دون أن تنجب أطفالاً بسبب مشكلة صحية يعاني منها طليقها تتطلب عنايةً طبيةً، وعن هذه التجربة تقول لرصيف22: "تزوجنا بعدما جمعتنا قصة حب قصيرة، ومباشرةً بعد تخرجي والتحاقي بالعمل".

"بعد مدة قليلة من الزواج، تفاجأت بتغير طباعه. كان يجرحني بكلامه، يسبّ ويشتم عند الغضب ولو حاولت الدفاع عن حقوقي يضربني، ومرةً بعد مرة بدأ يتطور، وفي كل مرة كان يقدّم اعتذاراً بسيطاً، لكن كلما كنت أنزوي وحدي كنت أتذكر وأبكي بشدة لأن كرامتي أصبحت تهان وأشعر بالاشمئزاز من نفسي".

تذكر سامية، أن "هذه الظروف دفعتها لتفكر في الانفصال عن زوجها، لأنها لم تعد تتحمل الواقع الذي تعيشه بالأخص بعدما حاول إجبارها على التوقف عن العمل، وهو الأمر الذي رفضته جملةً وتفصيلاً، فقررت أن تختصر الإجراءات القضائية وتلجأ إلى الخلع".

ريما، واحدة من النساء اللواتي لم يجدن منفذاً آخر لاستعادة حريتهن سوى اللجوء إلى الخلع، بعد أن رفض زوجها تطليقها.

تقول ريما لرصيف22: "في البداية، رفعت دعوى تطليق بعد أن تيقنت من استحالة الحياة الزوجية غير أنها رُفضت لأنها لم تقدّم أسباباً واضحةً ومقنعةً للتطليق، فلجأت إلى تحرير عريضة قانونية تطلب فيها الخلع، فحدد لها رئيس الجلسة مبلغاً يُقدَّر بـ10 ملايين سنتيم، أي ما يعادل 1،000 دولار أمريكي تدفعه لزوجها مقابل حصولها على حريتها".

سهولة الإجراءات

"هناك عوامل عدة تقف وراء انتشار ظاهرة الخلع في المجتمع الجزائري، بينها سهولة إجراءات الخلع مقارنةً بإجراءات الطلاق".

هكذا استهلت المحامية فريدة سي عبد الله، حديثها إلى رصيف22، وأضافت: "الخلع لا يحتاج سوى إلى أربع جلسات، والجلسة الأولى تُخصَّص عادةً للصلح، وإذا رفضت الزوجة العدول عن موقفها يصدر الحكم في الجلسة الثانية أو الثالثة، بالأخص إذا تم الاتفاق على المبلغ الذي سيُدفع للزوج".

وفي حالة وقوع اختلاف، تشير المحامية إلى "تدخل القاضي الذي سيحكم بمقدار معيّن اعتماداً على المهر الذي دُفع للزوجة، أما الطلاق فتطول مدة التقاضي فيه وتصل في بعض الحالات إلى بضعة أشهر، فالمشرّع الجزائري فرض على القاضي إجراء محاولات الصلح في قانون الأسرة المعدل في المادة (49) منه، التي تنص على أنه لا يثبت الطلاق إلا بحكم بعد محاولات صلح عدة يجريها القاضي من دون أن تتجاوز مدتها ثلاثة أشهر ابتداءً من تاريخ رفع الدعوى، وكما نظم ذلك في قانون الإجراءات المدنية والإدارية في المواد (431) و(439) إلى (448) منه، إلا أن الفقه و القضاء اختلفا حول مدى إلزاميتها، وكذا أثر إغفال أو عدم قيام القاضي بهذا الإجراء المؤدي إلى بطلان حكم الطلاق أو التطليق أو الخلع أو الطلاق بالتراضي، وبين من يرى عكس ذلك وأن محاولة الصلح لا تُعدّ إجراءً جوهرياً، ولا تؤدي إلى إلغاء الحكم الصادر بفك الرابطة الزوجية".

"هناك عوامل عدة تقف وراء انتشار ظاهرة الخلع في المجتمع الجزائري، أهمها سهولة إجراءات الخلع مقارنةً بإجراءات الطلاق". 

قانون الأسرة في قفص الاتهام

ويضع البعض الآخر، قانون الأسرة الجزائري في قفص الاتهام، وتقول المحامية فريدة سي عبد الله، إن "تزايد ظاهرة خلع الأزواج عبارة عن كارثة أسهم فيها بشكل كبير قانون الأسرة الذي جعل الخلع يحصل من دون موافقة من الزوج، فتغليب المرأة على الرجل من الناحية القانونية أحد أبرز الأسباب الأساسية في اتساع رقعة الظاهرة".

"فما ورد في المادة 54 من قانون الأسرة، أعطى المرأة قوةً وثقةً كبيرتين في نفسها، واللافت للانتباه أن العديد من القضايا التي تحال إلى المحاكم، لا تقوم على أسباب جدية".

والمطلوب حالياً حسب المحامية والحقوقية فريدة سي عبد الله، تحديد الحالات التي تثبت استحالة استمرار العلاقة الزوجية، وحينها يمكن للمرأة اللجوء إلى فك الرابطة الزوجية.

وهذا هو المقترح الذي تقدمت به البرلمانية السابقة فطيمة سعيدي، خلال العهدة البرلمانية 2017/ 2021 (العهدة التشريعية الثامنة)، إذ اقترحت إضافة مادة جديدة تتعلق بالمادة 54 مكرر تنص على ما يلي: "إذا تبيّن للقاضي تعسّف الزوجة في طلب الخلع يجوز له في حال الحكم به أن يحكم للطليق بالتعويض عن الضرر اللاحق به".

والهدف من هذا المقترح، تقول البرلمانية السابقة فطيمة سعيدي، لرصيف22: تقييد الممارسات التعسفية في استعمال حق الخلع عن طريق منح الزوج المتضرر من هذا الإجراء الحق في التعويض، على أن يرفق هذا التعديل بتعديل آخر يتضمن استحداث "هيئة الصلح الأسري"، وتكون تحت رئاسة القاضي بمساعدة إمام وأخصائي في علم النفس وأخصائي في علم الاجتماع، مع توفير ما تستلزمه هذه الوسيلة من توفير للظروف الزمانية والمكانية المهيئة لأجواء الصلح والتي لا يمكن أن تتحقق إلا في مكان ملائم خارج أروقة العدالة، وقبل اللجوء إلى رفع الدعوى القضائية، مع إجراء شرط الصلح كشرط ضروري واستباقي لقبول أي دعوى قضائية تتضمن فك الرابطة الزوجية، مع العلم أن إنشاء هذه الهيئة يستلزم سن قانون خاص بها يتضمن كيفية تشكيلها وعملها واختصاصاتها الإقليمية.

ما المطلوب اليوم؟

يؤيدها في الرأي الباحث القانوني في القانون الجزائري صديق بونعامة، ويقترح "إسناد مهمة الفصل في قضايا شؤون الأسرة عموماً وقضايا الخلع والطلاق على وجه الخصوص، إلى قضاة مع تأسيس لتشكيلة جماعية تتكون من مساعدين لهم دراية واسعة في الفقه والتشريع الإسلامي يكون لهم صوت استشاري ومساعدين للقاضي في المسائل الفقية".

وبالنسبة للباحث القانوني في القانون الجزائري صديق بونعامة، فإن أول ملاحظة وبقراءة استقرائية إحصائية نجد أن ظاهرة الخلع لم تُعرف بحجمها الكمي الحالي، قبل صدور قانون الأسرة الجزائري الصادر في 2005، والمعدل لقانون الأسرة الجزائري الصادر في 1984.

وعن الأسباب الكامنة وراء زيادة حالات الخلع، يقول بونعامة لرصيف22، إن "ما استقر عليه القضاء الجزائري بأحكامه، هو أن تتم الاستجابة لطلبات الخلع بصورة آلية ومن دون إعمال أي سلطة تقديرية من قبل القضاة بأحقية الزوجة في المخالعة من عدمه، كون طبيعة الحق حقاً إرادياً للزيجات، وأما دور القضاة فأن يعاينوا طلبات الخلع معاينةً آليةً من دون اجتهاد منهم".

"وهذا الأمر يفيد بأن عدّ الخلع بحكم المادة 54 من قانون الأسرة من الحقوق الإرادية، بحسب التقدير الاجتهادي للمحكمة العليا المتبنى من قبل المشرّع الجزائري، هو أحد الأسباب التي أطلقت العنان لتبني هذا الحل من قبل الزوجات من دون أي ضوابط قانونية -وبالخصوص أمام عدم اشتراط الموافقة من قبل الزوج- فهو ينفي الطبيعة الاتفاقية للخلع بين الطرفين على خلاف المقرر في رأي أغلبية جمهور العلماء".


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

بالوصول إلى الذين لا يتفقون/ ن معنا، تكمن قوّتنا الفعليّة

مبدأ التحرر من الأفكار التقليدية، يرتكز على إشراك الجميع في عملية صنع التغيير. وما من طريقةٍ أفضل لنشر هذه القيم غير أن نُظهر للناس كيف بإمكان الاحترام والتسامح والحرية والانفتاح، تحسين حياتهم/ نّ.

من هنا ينبثق رصيف22، من منبع المهمّات الصعبة وعدم المساومة على قيمنا.

Website by WhiteBeard
Popup Image