شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

اشترك/ ي وشارك/ ي!
في الرقة ودير الزور... محاولات

في الرقة ودير الزور... محاولات "مدنية" لمساعدة الخارجين من "الهول"

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

حياة نحن والنساء

الثلاثاء 6 ديسمبر 202212:23 م

تحضن رؤية (22 عاماً)، طفلتيها، وهي تتذكر الأشهر الستة التي قضتها معهما في مخيم الهول، وتقول: "عندما تزوجت، لم يكن زوجي منتسباً إلى تنظيم الدولة الإسلامية، وكل ما حصل معنا، كان غصباً عني، إذ لم أكن أتجاوز يومها الـ18 عاماً، ودخلت مخيم الهول مع ابنتي بعد معركة الباغوز، وهناك اكتشفت أنني حامل بابنتي الثانية، وكان زوجي قد قُتل في المعارك".

خرجت رؤية مع طفلتيها من مخيم الهول، وتقيم اليوم في مدينة الرقة، بينما ما تزال عائلات منتسبي تنظيم الدولة الإسلامية "داعش"، مُحتجزةً في المخيمِ الواقع على مسافة 45 كلم، إلى الشرق من مدينة الحسكة، بالإضافة إلى نازحين سوريين وعراقيين لجأوا إلى المخيم، بعدما تقطعت بهم السبل، إثر العمليات العسكرية والحربية التي شهدتها بلداتهم ومدنهم، من دون أن يكون لبعضهم أي انتماء إلى تنظيم "داعش".

ويشكّلُ المخيم الخاضع لإشراف قوات سوريا الديمقراطية "قسد"، بالتعاون مع التحالف الدولي، مصدر قلق أساسي لأبناء المحافظات الشمالية والشرقية في سوريا، إذ تعيش فيه عائلات مكونة بأغلبيتها الساحقة من الأطفال والنساء ويقيم في المخيم نحو 65 ألف شخص، بينهم ما لا يقل عن 26،500 قاصر، وتقارب أعداد السوريين والعراقيين المحتجزين في المخيم نحو 50 ألفاً، أغلبهم فقدوا المعيل في ظروف الحرب، وهم على احتكاك يومي، مع من كانوا أعضاءً في التنظيم، خاصةً أن نساء تنظيم "داعش" يفرضن سيطرتهن على المكان.

تعيش في مخيم الهول عائلات مكونة بأغلبيتها الساحقة من الأطفال والنساء ويقيم فيه نحو 65 ألف شخص

الرعب من نساء "داعش"

تشرح أم يقين (23 عاماً)، التي خرجت من المخيم مع ابنها وابنتها، عن السلطة التي كانت تفرضها نساء التنظيم، قائلةً: "خلال سنة ونصف السنة، مدة إقامتي في المخيم، كنت أعمل عاملة نظافة مع منظمة أطباء بلا حدود، كي أستطيع تأمين مصاريفي وأطفالي، لذلك تلقيت تهديدات عدة من نساء التنظيم، إذ عددنني كافرةً ومرتدةً، وهدّدنني بحرق خيمتي، وقتل أطفالي".

ما عدا سوء الأحوال المعيشية والصحية والغذائية، التي تعانيها العائلات الموجودة في المخيم منذ عام 2017، يعاني الأطفال كذلك من انعدام الخدمات الطبية، ونقص التغذية، وغياب المدارس، والضغوط النفسية الناجمة عن أجواء الخوف وانعدام الأمن التي يعيشون فيها.

وشهد العام 2022، مقتل ما لا يقل عن 44 شخصاً من المقيمين في المخيم، أو العاملين في المجال الإنساني، بينما كانت آخر الجرائم المكتشفة، في 15 ترشين الثاني/ نوفمبر الماضي، حين عُثر على جثتين لفتاتين قاصرتين من الجنسية المصرية، فيما أحصت الأمم المتحدة مقتل ما لا يقل عن 100 شخص في المخيم خلال العام 2021.

تشير بعض الشهادات، لعائلات خرجت من مخيم الهول مؤخراً، إلى أجواء الرعب التي كانت تسيطر عليهم عندما كانوا محتجزين، وعن خوفهم من استمرار احتجازهم لمدة أطول، خاصةً مع غياب آليات واضحة لإخراج العائلات، في ظل تلكّؤ العديد من الدول في عملية استرجاع مواطنيها المحتجزين في المخيم، وتعلّلها بأسباب مختلفة منها الإجراءات الأمنية.

ولا ينفصل الخوفُ من استمرار الإقامة في المخيم وأجوائه، عن الخوف من العالم الخارجي، الذي قد يضع كافة الخارجين، في خانة المناصرين للتنظيم المتطرف. تقول رؤية: "كان من الصعب تقبل النظرة إلينا في بداية خروجنا من المخيم، هناك نظرة خاصة إلى كل من خرجوا من المخيم، واحتاج الناس بعض الوقت ليتجاوزوا نظرتهم إلينا، ونحن كذلك احتجنا وقتاً لنتأقلم مع الحياة خارج ذلك المكان".

لجان حلّ النزاع

دفعَ هذا الواقع البائس، منظمات المجتمع المدني الناشطة في المنطقة، بالتعاون مع عدد من الناشطات والناشطين الاجتماعات/ ين والوجهاء المحليين، إلى العمل على إخراج العائلات من المخيم، خاصةً العائلات المتحدرة من مدن وبلدات المجتمعات المحلية في محافظتي الرقة ودير الزور، ومطالبة السلطات المحلية بالتعاون من أجل تفكيكه، كي لا يبقى مكاناً ينشأ فيه الأطفال في ظل أجواء متشددة، إذ إن غالبية الأطفال على احتكاك مع نساء متشددات من المنتسبات إلى التنظيم، الذين يلقنون الأطفال أفكاراً متطرفةً، كما يمنعنهم من الذهاب إلى بعض المبادرات والمساحات التعليمية، التي تفتتحها بعض المنظمات الدولية في المخيم.

كنت أعمل عاملة نظافة مع منظمة أطباء بلا حدود، كي أستطيع تأمين مصاريفي وأطفالي، لذلك تلقيت تهديدات عدة من نساء التنظيم، إذ عددنني كافرةً ومرتدةً، وهدّدنني بحرق خيمتي، وقتل أطفالي

ويعيش هؤلاء الأطفال ضمن حلقة مغلقة من العنف والتشدد والعزلة، وضمن شروط صحية واجتماعية وبيئية قاسية، ما يثير المخاوف من تشكيلهم شبكات متطرفةً، يمكن أن تشكل تهديداً أمنياً في المستقبل.

ومنذ نهاية العام 2021، بدأت مجموعة من منظمات المجتمع المدني الفاعلة في محافظتي الرقة ودير الزور، منها منظمات أمل أفضل للطبقة، وشباب أوكسجين، وإنصاف للتنمية، وفراتنا، إلى جانب عدد من الناشطات والناشطين الاجتماعيات/ ين والحقوقيات/ ين، وعدد من المتعلمين والمثقفين المهتمين بالشأن العام، ووجهاء المجتمع المحلّي من شيوخ العشائر بالاجتماع، ومناقشة أوضاع العائلات في مخيم الهول، وبحث السبل الممكنة لإخراج هذه العائلات، والمتطلبات القانونية والإدارية والاقتصادية المطلوبة لإنجاز مثل هذه المهمة.

نتجَ عن هذه الاجتماعات، تأسيس مجموعات عمل تحت مسمى "لجان حل النزاع"، بهدف مساعدة العائلات الخارجة من مخيم الهول، والعمل على تأمين احتياجاتها، بما يضمن عودة هذه العائلات مع أطفالها إلى الاندماج بالحياة الطبيعية، وتوفير سبل العيش والتعليم والطبابة لهم ولأطفالهم.

يشير القاضي وعضو لجنة حل النزاع في مدينة الرقة، محمد هنَّاوي دعيل، إلى أن اللجنة التي يشارك في عضويتها، تأخذ على عاتقها العمل على "تقديم المساعدة القانونية للعائلات الخارجة من مخيم الهول، سواء من أهالي مدينة الرقة، أو ممن يقطنون فيها، جراء ما فرضته ظروف الحرب والنزوح خلال السنوات الماضية".

وشهدت مدينة الرقة، مثل غيرها من المناطق السورية خلال الحرب، حركة نزوح إليها، من مدن وبلدات عدّة، وبعض العائلات الخارجة من الهول، ترغب في العودة للإقامة في الرقة، بالرغم من أن أماكن إقامتها كانت في مدن أخرى قبل الحرب.

تتكون لجان حل النزاع من 5 مجموعات أساسية، تنشط في مدن وبلدات محافظتي الرقة ودير الزور

دور المرأة

تتكون لجان حل النزاع من 5 مجموعات أساسية، تنشط في مدن وبلدات محافظتي الرقة (مساحتها 19 ألف كلم) ودير الزور (مساحتها 33 ألف كلم)، بحيث توجد لكل مدينة أو بلدة رئيسية لجنة، وتتوزع اللجان على الشكل التالي: لجنة الرقة، ولجنة الطَّبْقة في محافظة الرقة، ولجان الباغوز والشَّعفة والصّور في ريف محافظة دير الزور.

عدد أعضاء كل لجنة 10 أعضاء من بينهم 3 أو 4 من النساء الناشطات في المجتمع المحلي، يساعدن في التعرف على مشكلات العائلات الخارجة من المخيم، خاصةً أن أغلب هذه العائلات، تكون الأم هي المسؤولة الأولى فيها عن الأطفال، بسبب مقتل الزوج أو اختفائه أو اعتقاله.

تقول الناشطة في لجنة حل النزاع في مدينة الرقة، إيمان الخلف: "دور المرأة أساسي في عمل هذه اللجان، لأن كل من خرجوا من المخيم، كنَّ من النساء الأرامل أو من زوجات المعتقلين، وكان من الصعب أن يتدخل الرجال في مشكلاتهن ويستمعوا إليها، لذلك كان من البداية دورنا في التدخل السريع لمعرفة مشكلة كل امرأة وتوثيقها ودراستها".

في السياق نفسه، تشير أستاذة التربية والإرشاد النفسي فاطمة المحمد، التي تعمل ضمن لجنة حل النزاع في الرقة إلى أن "اللجنة منذ تأسيسها، وهي تتدخل في قضايا حسّاسة، خاصةً في ما يتعلق بالنساء الخارجات من مخيم الهول مع أطفالهن، إذ لديهن مشكلات لا يستطعن شرحها دائماً أمام الرجال، وهنا تلعب النساء دوراً في توفير مساحة من الحرية والراحة لشرح مشكلاتهن".

بحسب الناشطات في اللجان تتركز معظم مشكلات النساء، في بعض المشكلات النفسية والصحية، الخاصّة بهن أو بأطفالهن، بالإضافة إلى مشكلات أخرى متعلقة بقضايا الميراث، وهنا يكون الخلاف في أغلب الأحيان، إما مع الإخوة، أو مع أقارب الزوج في حال كان متوفّى أو مختفياً، يضاف إلى ما سبق بعض قضايا الطلاق الشائكة، خاصةً في حال زواج المرأة من شخص غير سوري، أو اختفاء الشخص الذي تزوجت منه في أثناء المعارك، من دون وجود دليل على مصيره.

ظروف العمل الصعبة

بدأ احتجاز العائلات في مخيم الهول، منذ العام 2017، وتصاعدت أعداد الوافدين إليه بعد معركة الباغوز في آذار/ مارس 2019، ويضم المخيم عائلات تنتمي إلى ما يقارب 60 جنسيةً من مختلف دول العالم، ممن انتسب أفرادها إلى تنظيم "داعش"، عندما أعلن سيطرته على أجزاء من سوريا والعراق، ويشير عمل اللجان والحالات التي جرى توثيقها إلى خروج 2،064 عائلةً من المخيم، منذ نهاية العام 2021 وحتى اليوم، وتنتمي هذه العائلات إلى المجتمعات المحلية في بلدات ومدن محافظتي الرقة ودير الزور.

ويشرح الناشط محمد عبد اللطيف الشيخ، رئيس لجنة حل النزاع في مدينة الصُّور، طبيعة المهمات التي تعمل عليها اللجان قائلاً: "نحن نختص بالعائلات الخارجة من مخيم الهول، وتأمين الأوراق الثبوتية لها لأن أغلبها لا يملك أوراقاً، بالإضافة إلى العمل على دمج الأطفال وتسجيلهم في المدارس، وتأمين عودتهم للدراسة".

تحرص أم يقين، على أن ينسى ابنها (6 سنوات) وابنتها (4 سنوات) أيام المخيم العصيبة، ويتجاوزا خوفهما من أصوات الطائرات، أو من مشاركة اللعب مع الأولاد، فماذا تفعل اللجان لتساعدها في تحقيق ما تريده؟ 

وتعتمد اللجان في عملها، على أعضائها، من أبناء وبنات المجتمع المحلي وناشطيه، ممن يمتلكون الخبرة وروح المبادرة لحل المشكلات، وضمن هذا الإطار، يؤكد رئيس لجنة مدينة الباغوز حمود الخلف، قائلاً: "جميع أعضاء اللجان من المثقفين والفاعلين الاجتماعيين بالإضافة إلى وجهاء محليين، كما يوجد بينهم من يشغل منصباً في البلدية، أو المجلس المحلي، أو المراكز الصحية، ما يساعد في تسهيل العمل".

خلال الفترة الماضية، وفّرت منظمات المجتمع المدني، تدريبات لأعضاء لجان حل النزاع، تساعدهم على دراسة المشكلات التي تواجه العائلات الخارجة من مخيم الهول، وفهم عناصرها، وكيفية التعامل مع الحالات الطارئة، والسعي إلى حل مشكلاتها القانونية والإدارية والاجتماعية. ويسعى الناشطون القائمون على هذه اللجان، إلى توسيع عدد أعضائها، ومناطق نشاطها خلال الفترة القادمة، وذلك للمساهمة في حل مسألة العائلات، التي ما تزال محتجزةً في مخيم الهول، وتوفير عودة كريمة لمن خرج منهم، على أمل طي صفحة الحرب والآثار الكارثية التي تركتها على النسيج الاجتماعي.

كما يسعى القائمون على اللجان، بالتعاون مع المنظمات المحلية، وبعض المبادرات المعنية بحقوق المرأة والطفل، إلى تقديم ورشات عمل موجّهة للأطفال، ومنها دورة تدريبية على التصوير الفوتغرافي، بالإضافة إلى بعض النشاطات الترفيهية والرحلات التعليمية، إلى جانب دورات مهنية موجهة للأمهات مثل تدريبات على تصفيف الشعر، واستخدام الكمبيوتر، وفنون الطهي وصناعة الحلويات، بما يساعدهن على توفير مصادر دخل لعائلاتهن في المستقبل.

تتحدث رؤية عن حرصها على إخراج ابنتيها من المنزل، بشكل دوري إلى حديقة بجانب سكنها، فيما تحاول تسجيل ابنتها الكبيرة في المدرسة، وتأمين الدواء للصغيرة التي تعاني من أمراض الأطفال المتكررة نتيجة ضعف بنيتها وسوء التغذية، بينما تحرص أم يقين، على أن ينسى ابنها (6 سنوات) وابنتها (4 سنوات) أيام المخيم العصيبة، ويتجاوزا خوفهما من أصوات الطائرات، أو من مشاركة اللعب مع الأولاد، وهو ما حُرما منه خلال سنة ونصف السنة التي قضياها في المخيم.


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

بالوصول إلى الذين لا يتفقون/ ن معنا، تكمن قوّتنا الفعليّة

مبدأ التحرر من الأفكار التقليدية، يرتكز على إشراك الجميع في عملية صنع التغيير. وما من طريقةٍ أفضل لنشر هذه القيم غير أن نُظهر للناس كيف بإمكان الاحترام والتسامح والحرية والانفتاح، تحسين حياتهم/ نّ.

من هنا ينبثق رصيف22، من منبع المهمّات الصعبة وعدم المساومة على قيمنا.

Website by WhiteBeard
Popup Image