شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

لنبدأ من هنا!
في مخيّم الهول... أشبال الخلافة يتهيّؤون!

في مخيّم الهول... أشبال الخلافة يتهيّؤون!

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

سياسة

الأربعاء 5 يناير 202201:04 م

"أودّ أن أقاتل مع الدولة الإسلامية، وأقضي عليكم، لأنكم كفار، وسنخرج من هذا المخيم رغماً عنهم (أي قوات سوريا الديمقراطية)"؛ هذه ليست عبارة لرجل مقاتل في صفوف التنظيم المتطرف، ولا لقيادي في داعش، بل لطفل لا يتجاوز عمره سبع سنوات انضمت عائلته إلى تنظيم داعش إبان سيطرته على الباغوز، وعقب هزيمته عسكرياً تم نقل هذا الطفل مع عائلته، وأكثر من 40 ألف شخص آخر إلى مخيم "الهول" في حينها.

يقف الطفل مع مجموعة من رفاقه في سوق المخيم، ويُردد مع الأطفال الآخرين بلهجةٍ عِراقية: "الدولة الإسلامية لم تنتهِ. هي موجودة في كل مكان هنا في المخيم وخارجه. نحن جئنا إلى هذه الحياة لنجدد الخلافة، وهذه الجموع من الأطفال التي ترينها هي أشبال الخلافة. نحن سنصبح مثل آبائنا، وسنرفع راياتنا السوداء".

الدولة الإسلامية لم تنتهِ. هي موجودة في كل مكان. نحن جئنا إلى هذه الحياة لنجدد الخلافة، وهذه الجموع من الأطفال التي ترينها هي أشبال الخلافة

لا صلة قربى بين هؤلاء الأطفال، لكنهم جميعاً يعيشون في مخيم الهول الذي تديره الإدارة الذاتية في الشمال السوري، حيث ترتفع نسبة الجريمة والتطرف والعنف، بينما يكافح المسؤولون لاحتواء ما يقولون إنه التأثير المتزايد لتنظيم "داعش" داخل المخيم.

وأصبحت مدينة الخيام السيئة السمعة، أي "مخيم الهول" شرق سوريا، موطناً لما يُقارب 58 ألف شخص من الجنسية السورية، بالإضافة إلى الأجانب، بما في ذلك أفراد عائلات مقاتلي "داعش"، أو أتباع التنظيم، أو الأشخاص الذين فرّوا من انهيار "الخلافة" المزعومة قبل نحو ثلاث سنوات، وفق إحصاءات إدارة المخيم، وبينهم ما يقارب 36،500 ألف طفل يعيشون في "قوقعة الجهاد والتطرف، ومن دون تعليم، إذ لا توجد مدارس كافية تحويهم داخل المخيم".

"مخيم الهول" شرق سوريا، موطن لما يُقارب 58 ألف شخص من الجنسية السورية، بالإضافة إلى الأجانب، بما في ذلك أفراد عائلات مقاتلي "داعش"، أو أتباع التنظيم، أو الأشخاص الذين فرّوا من انهيار "الخلافة" المزعومة

تقول أم زينب، من داخل المخيم، وهي من أصول تونسية، وتحمل جنسيةً فرنسية، لرصيف22، بعربية ركيكة: "دولة الخلافة ستعود، وهذا وعد الله بالنسبة إلينا، ونحن في انتظار جنود الخلافة الذين ما بدّلوا تبديلاً، لنخرج من هنا، ولن ننسى ما حصل في الباغوز"، وأم زينب تُربّي أطفالها على "التوحيد والولاء والكفر بالطاغوت، وعلى تعاليم الإسلام، والشريعة في الخلافة".

في أزقة المخيم الضيقة التي تشبه سجناً كبيراً، يتجوّل الأطفال إلى حاملي صناديق خشبية صغيرة تحوي حلوى "سكاكر"، ليبيعوها في السوق، لعلّهم يحصلون على مقابل مادي بسيط وسط أوضاع معيشية سيئة، في مخيم ترتفع فيه نسبة الجريمة، وتنتشر فيه المخدرات، توازياً مع التطرّف الديني والفقر.

يركض الأطفال من زاوية إلى أخرى. أطفال بأعمار صغيرة مثقلون بتعاليم لا يفهمونها، تحوّلهم إلى مجموعة من الغاضبين. حتى وهم يحاولون القيام بما هو قريب إلى عمرهم، أي اللّعب. يظهرون وكأنهم مجموعات من المقاتلين المستقبليين. يتشربون أهمية القتال، ويتربّون على انتظار لحظة حصولهم على السلاح كما يقولون. أطفال غالبيتهم لم يتجاوزوا العشر سنوات، تركت تعاليم الفكر المتطرف أثرها حتى في مظهرهم، بشعرهم الطويل، وملبسهم الغريب.

على مدخل المخيم، مجموعة من الأطفال تنتظر الداخل إليهم. كل غريب بالنسبة إليهم هو كافر يرفعون في وجهه إصبع الشهادة، وكأنهم يتوعدونه لوقت لاحق. أطفال ينشؤون في ظروف سيئة، ويشربون المياه الملوّثة، وتغذيتهم سيئة، ويبيتون في خيم مهترئة لا تقيهم حرّ الصيف، ولا برد الشتاء، ويكبرون كُل يوم ولا يكبر معهم سوى شعور الانتقام والكره تجاه كل "غريب".

يبيتون في خيم مهترئة لا تقيهم حرّ الصيف، ولا برد الشتاء، ويكبرون كُل يوم ولا يكبر معهم سوى شعور الانتقام والكره تجاه كل "غريب"

تُحذّر دائرة العلاقات الخارجية في الإدارة الذاتية من تحوّل الأطفال المقيمين في المخيم، إلى "قنابل موقوتة، جراء تربيتهم تحت مظلة الأفكار المتطرفة، وفي ظروف قاسية تسود مكان إقامتهم". وأوضحت أن "العديد من النساء اللواتي ينتمين إلى تنظيم داعش في المخيم، يواصلن غرس الفكر الراديكالي في أذهان أطفالهن، وغيرهم من الأطفال".

وتقول جماعات حقوقية، إن "أدمغة الأطفال في المراحل العمرية المبكرة، تكون قابلةً لامتصاص الأفكار التي تغذت عقولهم بها، وتالياً فإن بقاءهم تحت سيطرة النساء المتطرفات، حتى لو كنّ أمهاتهم، سيدفع بهم في نهاية المطاف إلى التطرف، وتبنّي الأفكار الشاذة"، محذرةً من استمرار الوضع على ما هو عليه، لأنه "يُمهد الطريق إلى مزيد من العنف والعدوان، وبالطبع مزيد من الإرهاب. فكلما طالت فترة تجاهل "الهول"، ازداد خطره، خصوصاً بالنسبة إلى الأطفال".

أدمغة الأطفال في المراحل العمرية المبكرة، تكون قابلةً لامتصاص الأفكار التي تغذت عقولهم بها، وتالياً فإن بقاءهم تحت سيطرة النساء المتطرفات، سيدفع بهم إلى التطرف

في هذا السياق، ترى المديرة التنفيذية لمنظمة شمس للتأهيل والتنمية، نورا خليل، في حديث إلى رصيف22، أن "أطفال مخيم الهول هم شرارة قابلة للاشتعال في أي وقت ممكن، والحل الوحيد برأيها، هو أن تكفّ الدول والمنظمات الدولية عن الاستهتار بواجباتها تجاه هؤلاء الأطفال، والعمل على إفراغ المخيم من عوائل داعش، وإعادتهم إلى بلادهم تجنّباً لتكرار فكر خلافة داعش المزعومة داخل المخيم، وفي النهاية يجب أن يكملوا حياتهم بشكل طبيعي".

وتقول مديرة قسم المناصرة والإعلام في مكتب استجابة سوريا في منظمة إنقاذ الطفل، كاثرين آكيليس، لرصيف22: "من الصعب علينا التنبؤ بمستقبل الأطفال، ولكن ما نراه الآن هو أنهم يمرّون بأزمة حادة في كل يوم يستمرون فيه بالعيش في هذه المخيمات، وإن ذلك بمثابة تجربة مريرة للعديد منهم، بسبب المشكلات المتعلّقة بسلامتهم، وبسبب نقص الخدمات، وخاصةً الدعم النفسي الاجتماعي الذي من شأنه أن يساعد الأطفال على التعامل مع هذه الصعوبات والتجارب، وتالياً المنظمة قلقة من أنه لن تتاح لهم الفرصة للحصول على تعليم مناسب، واكتساب مهن، والاندماج في المجتمع".

وناشدت منظمة "إنقاذ الطفولة"Save the Children، جميع الدول التي لها مواطنون داخل المخيم، "استعادة الأطفال مع أمهاتهم، لكي يستطيعوا بناء حياتهم من جديد، ومما يمكنهم من الحصول على دعم متخصص يساعدهم على التعافي وعلى تعليم مناسب من أجل أن يكونوا ناجحين في مجتمعاتهم".

استعادة الأطفال مع أمهاتهم، لكي يستطيعوا بناء حياتهم من جديد، ومما يمكنهم من الحصول على دعم متخصص يساعدهم على التعافي وعلى تعليم مناسب من أجل أن يكونوا ناجحين في مجتمعاتهم

وتتلكأ العديد من الدول في الاستجابة لمطلب استعادة مواطنيها، وطبقاً لإحصاءات دائرة العلاقات الخارجية في الإدارة الذاتية، فقد تمّ تسليم 275 طفلاً وامرأةً من جنسيات مختلفة، معظمها غربية، باستثناء طفلين يحملون الجنسية الفلسطينية خلال عام 2021، بينما ما زال 36،500 ألف طفل في انتظار من يحدد مصير مستقبلهم المجهول.

وأفصحت الإدارة الذاتية في شمال شرق سوريا، عن خطةٍ لافتتاح أكثر من 15 مركز تدريب وإعادة تأهيل لأطفال داعش، ووفق الإمكانات المتوفرة حالياً، بدأ العمل في بعض المراكز بدعمٍ من بعض المنظمات الدولية والتحالف الدولي، وتوزعت في مناطق شمال شرق سوريا، وكل مركز يضم فئةً معينة.

أفصحت الإدارة الذاتية في شمال شرق سوريا، عن خطةٍ لافتتاح أكثر من 15 مركز تدريب وإعادة تأهيل لأطفال داعش

ويوجد مركزان برعاية منظمة "إنقاذ الطفولة"، أحدهما في مخيم الهول، ويضم 350 طفلاً من غير المصحوبين، ويُعدّ من أهم المراكز، والثاني في مخيم روج، والمركزان مغلقان أمام وسائل الإعلام لاعتبارات تتعلق بسلامة الطفل ومستقبله، وفقاً للمنظمة.

كما يوجد مركز آخر في مدينة كوباني يضم 14 طفلاً، أما في مدينة الحسكة فيوجد مركزان، مركز حماية الطفل، ويأوي قرابة 45 طفلاً، وميزته أنه مخصص لأبناء النساء الإيزيديات اللواتي اغتُصبن من عناصر تنظيم داعش في مطلع العام 2014، بالإضافة إلى مركز هوري المخصص لفئة "أشبال الخلافة" (الأحداث)، الذين لهم يد في الجرائم التي كانت تُرتكب، وتتراوح أعمارهم بين الـ12 و18 عاماً، وعددهم 133 طفلاً من أكثر من 20 جنسية.

وفي 12 كانون الأول/ ديسمبر الفائت، تم افتتاح مركز حمل اسم "هلات" في شرق الحسكة، بدعم من التحالف الدولي، ويوجد فيه 55 طفلاً، جميعهم من جنسيات أجنبية، وهؤلاء الأطفال يقيمون مع أمهاتهم في المعتقلات (الأمهات ارتكبنَ جرائم في المخيم، أو في الحسبة)، حيث يتم إخراج الأطفال من السجن في الساعة السابعة صباحاً إلى المركز، حتى الرابعة مساءً، ثم يعودون مرةً أخرى إلى أمهاتهم، ما يجعل الطفل يواجه اضطرابات نفسية وعقلية بين نشاطات المركز وأفكاره من جهة، وما تغرسه الأمهات فيهم من تعاليم من جهة أخرى.

نبذل جهداً لمدة ثماني ساعات في حصص مختلفة من برامج ونشاطات، بعدها يعود الطفل إلى أمه، وهناك يتلقى أفكاراً معاكسةً لما يسمعه في المركز، فيصبح الطفل في حالة ضياع، ويأتي في اليوم الثاني مشحوناً بأفكار سلبية

وتقول بروين العلي، إحدى المشرفات في المركز، لرصيف22: "الهدف هو تأهيل الأطفال، وإعطاؤهم مساحةً خاصةً بهم، بعيداً عن أمهاتهم في المعتقل"، مشيرةً إلى تأثير الساعات التي يقضيها الطفل مع أمه بعد المركز، بقولها: "نحن نبذل جهداً لمدة ثماني ساعات في حصص مختلفة من برامج ونشاطات، بعدها يعود الطفل إلى المعتقل بجانب أمه، وهناك يتلقى أفكاراً معاكسةً لما يسمعه في المركز، فيصبح الطفل في حالة ضياع، ويأتي في اليوم الثاني مشحوناً بأفكار سلبية نتيجة تحريض الأمهات".

تقضي الخطة المستقبلية في حال تلقّى المركز الدعم المطلوب، بتخصيص ساعات قليلة للطفل للقاء أمه، وبعد ذلك ستبقى إقامته في المركز لضمان نجاح عملية تأهيله

وتقضي الخطة المستقبلية في حال تلقّى المركز الدعم المطلوب، بتخصيص ساعات قليلة للطفل للقاء أمه، وبعد ذلك ستبقى إقامته في المركز لضمان نجاح عملية تأهيله، ويخضع الأطفال في المركز للتعليم من أجل توعيتهم، بعيداً عن مفاهيم "داعش"، على يد مدربات مختصات إلى جانب نشاطات ترفيهية كاللعب والغناء، وتشير العلي إلى أن "أغلبية الأطفال لا يتجاوبون مع التدريب، فعندما يعلو صوت الموسيقى في المركز، يبدأ الأطفال بإظهار سلوك عدواني، ثُم يضعون أصابعهم في آذانهم، كي لا يستمعوا إلى ما هو حرام في نظرهم".

في داخل باحة مركز هلات، تلعبُ آسيا صاحبة الشعر الذهبي، وهي طفلة روسية عمرها ستة أعوام، مع أصدقائها وآثار الدماء تظهر من وجهها ذي الملامح الملائكية. تبدو وكأنها تحاول أن تنسى ألمها، وتلعب مع رفاقها الجدد. آسيا، تعرّضت للضرب المبرح من قبل والدتها، التي كانت قياديةً في الحسبة، لأنها "لم تستيقظ عند صلاة الفجر"، حسب شهادة حراس المعتقل.

وهذه الحادثة ليست الأولى من نوعها، بل حدث ما هو أروع من ذلك، إذ وحسب الأمنيين في مخيم الهول، أقدمت امرأة قبل مدة، على طعن ابنتها التي تبلغ 14 عاماً فقط، بالسكين حتى الموت، لأنها لم تصلّي.

عندما يعلو صوت الموسيقى في المركز، يبدأ الأطفال بإظهار سلوك عدواني، ثُم يضعون أصابعهم في آذانهم، كي لا يستمعوا إلى ما هو حرام في نظرهم

تجد أم عبد الرحمن، وهي أم لطفلين من محافظة الرقة السورية، وزوجة لمقاتل سعودي في صفوف تنظيم داعش قُتل في الباغوز، وتم إخراجها من الهول بوساطة عشائرية بين مشايخ القبائل والإدارة الذاتية، عائقاً كبيراً في إعادة دمج طفليها في المجتمع. تقول: "عدم وجود أوراق ثبوتية لطفليها لا يسمح لها بالدخول إلى المستشفيات في حال مرضَ أحدهما، ناهيك عن التنمّر والنبذ اللذين يتعرضان لهما من المحيط".

تؤكد أم عبد الرحمن أن "هذا الوضع يولّد لديها المزيد من الحقد والتطرف على المحيط"، وهي لا ترى أنها سلكت طريقاً خطأً بانضمامها إلى التنظيم، وتطالب بتسوية وضع طفليها.

ولا تقتصر مشكلة الحرمان من الجنسية على أطفال النساء السوريات اللواتي تزوّجن من مقاتلي داعش الذين دخلوا البلاد بطرقِ غير شرعية. وحسب تقديرات اليونيسيف، يوجدُ في مخيمات شمال وشرق سوريا تسعة وعشرون ألف طفل من أبناء المقاتلين الأجانب غالبيتهم لا يملكون أي وثائق رسمية.

وسط كل ذلك، يُترك الأطفال لمصيرهم. جيل كامل من أشبال الخلافة يتشرّب التعاليم نفسها، ويتربّى على الحقد والكراهية، في بيئة لن تجعل منه سوى ضحية لخيارات الأهل، ولأجندات المجتمع الدولي والمحلي. 

إنضمّ/ي إنضمّ/ي

رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

Website by WhiteBeard
Popup Image