منذ فترة طويلة أردت أن أكتب مقالاً عن Imposter Syndrome، لكن بين الرغبة والتنفيذ فرق شاسع، فمنذ أن أردت الكتابة وأنا أكتب وأمحو الكلمات، غير مدركة من أين أبدأ، ربما من حيث لا أعلم، هذه المتلازمة هي سبب ذلك. فقرّرت أن أبدأ من هنا، حيث تركت أطراف الحديث وهرعت لألحق بسرعة الحياة من حولي في هذه المدينة الكبيرة.
أذكر جيداً أولى مواجهاتي مع عبارة Imposter Syndrome خلال فترة الحجر الصحّي، عندما شاركت إحدى زميلاتي في العمل، عبر خاصية story في حسابها على إنستغرام، دراسةً عن مجلة هارفارد بزنس ريفيو، تتحدّث عن كيف تصيب "متلازمة المحتال" أو Imposter Syndrome، النساء بشكل أكبر من الرجال.
يومها هرعت إلى محرّك البحث غوغل أبحث عن هذه العبارة، وفي الحقيقة أخذني البحث بعض الوقت لأفهم أن ما شعرت به طوال هذه السنوات أصبح له اسم يطلق عليه Imposter Syndrome في قاموس مجلة هارفرد، وربما قاموس العالم ككل. حيث عرّف محرك البحث "متلازمة المحتال" على أنها تظهر حينما يصف شخص نفسه بأنه لا يستحقّ نجاحه، أو أنه حصل عليه من قبيل الصدفة، حيث يعتريه دائماً شعور بعدم الاستحقاق، وغالباً ما يشكّك في نفسه رغم إنجازاته الواضحة، وفي تلك الحالة يكون مصاباً بمتلازمة المحتال.
عرّف محرك البحث "متلازمة المحتال" على أنها تظهر حينما يصف شخص نفسه بأنه لا يستحقّ نجاحه، أو أنه حصل عليه من قبيل الصدفة
ثم أردت أن أعرف لماذا هذه السيندروم العظيمة تصيب النساء أكثر من الرجال، فوجدت دراسة تبرّر سبب ذلك، حيث تقول هذه الدراسة إن فكرة النجاح لطالما ارتبطت عبر التاريخ بالرجال، لأن الدور المطلوب من النساء مرتبط بأشياء شكلية لا حاجة للنجاح فيها، حيث طُبّق أساساً على النساء ذوات الإنجازات العالية، حتى أصبح من الطبيعي افتراض أن النساء يشعرن به دائماً على عكس الرجال.
إذ يميل البعض في بيئات العمل إلى الحكم على أداء النساء بأنه أسوأ مما هو عليه في الواقع، بينما يحكم الرجال على أدائهم بأنه أفضل، حتى أصبحت النساء أنفسهن يحكمن على أدائهن بأنه سيئ. ويرى الخبراء أن النساء يعانين متلازمة المحتال لعدم وجود العديد من الأمثلة عن نساء أخريات ينجحن بوضوح في مجالات محددة.
صعقني الخبر قليلاً، حيث شعرت أنه في نهاية المطاف هناك دراسة علمية اعترفت بحقيقة مشاعري ومشاعر العديد من النساء، في حين تمضي مجتمعاتنا العربية وبيئاتنا وأماكن العمل السامة مجتمعة في سحقنا كل يوم وبعدم الاعتراف بحقيقة ما نشعر.
متلازمة المحتال قدر رسموه لنا، لكنه لن يرافقنا كظلّنا إلى الأبد.
إنه لمن الصعب جداً أن نمضي، نحن النساء، وفي خضم صراعاتنا العديدة اليومية، في البحث في القواميس والدراسات لنفهم ما يحل بنا... حقاً إنها لرحلة شاقة.
اليوم، ومع كل استحقاق مهني في حياتي، أشعر أن هذه المتلازمة تخيّم عليّ وترافقني كظلي، أشعر بوطأتها بينما أمشي وسط الفسحة الخضراء التي تربط بين المترو ومنزلي، أشعر بها ترافقني خلفي، أمامي، مع تموجات الضوء، وتأخذني إلى عالم من الأسئلة، مثل إذا كنت أستحق الوظيفة التي حصلت عليها أم لا؟ و في الواقع، لا أعلم ما هو أثقل في هذه اللحظات، حاسوبي المحمول وشنطة طعامي اللذان يترنحان معي في هذا الممشى أم المتلازمة نفسها؟
منذ حوالي أربع سنوات، وعند حصولي على عمل جديد، كنت أجلس في مكتب مديري في أيامي الأولى وهو يطلب مني بعض الأعمال، وأنا خائفة من أن يكتشف أنني لا أستطيع القيام بالمطلوب مني، فقط لأنني أردت تصديق أنني لا أعلم. ومرّت الأيام، وقابلت العديد من النساء خلال مسيرتي، ربما شعرن بهذه المتلازمة، شعرت معهن بالثقة بالنفس، وأدركن نقاط قوتي وساعدنني على إدراك قيمة عملي.
اليوم، وأنا أحاول أن أحيط نفسي بالبيئة الصحيحة وبالعادات الصحية، أشعر أنني بعيدة كل البعد عن الاعتراف بحقيقة قدراتي، والمحزن في الأمر أن صديقاتي اللواتي يعملن في قطاع التكنولوجيا الحديثة، حيث يسيطر الرجال، شعرن بالشيء نفسه، وما زلن يعانين. ففي حين تطلق الشركات الكبرى شعارات عن تمكين النساء ضمن أماكن العمل، وخاصةً في قطاع العلوم والتكنولوجيا والهندسة، تبقى صراعاتنا اليومية مخفية وصامتة، ويبقى الرجال يبرّرون ممارساتهم الخاطئة تجاهنا بشخصياتنا أو طريقة عملنا أو انفعالاتنا، فتبقى شعارات التنوّع والشمول كلمات رنانة، نجدها فقط في معلّقات بعض الرجال على LinkedIn في يوم المرأة العالمي أو في غيره من الأيام، عندما لا يجدون شيئاً ليتحدثوا عنه.
إذ يميل البعض في بيئات العمل إلى الحكم على أداء النساء بأنه أسوأ مما هو عليه في الواقع، بينما يحكم الرجال على أدائهم بأنه أفضل، حتى أصبحت النساء أنفسهن يحكمن على أدائهن بأنه سيئ
في نهاية سنتي الجامعية، وبعد نهاية إحدى المحاضرات، وقفنا، نحن الطلاب، نسأل أستاذنا المحاضر الذي كان يعمل استشارياً في أهم الشركات العالمية، نسأله أسئلة قد تُلهم مسارنا المهني.
أذكر جيداً عندما سألته زميلة لي إذا تختار العمل في مصرف معين أو شركة استشارية، فكان جوابه: "إذا بدك تتجوزي وتربي أولاد وتطبخي، أكيد المصرف أفضل"، ضحكنا يومها جميعاً. لا أعلم أين أصبحت هذه الفتاة اليوم، لكني أعلم شيئاً واحداً، أن هذا الأستاذ المحاضر يُلهم جيلاً جديداً من النساء العاملات معه واللواتي يشكلن خطراً واستفزازاً لذكوريته.
متلازمة المحتال قدر رسموه لنا، لكنه لن يرافقنا كظلّنا إلى الأبد.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 5 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...