شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

ضمّ/ ي صوتك إلينا!
يصبّ في تعثُّر الاقتصاد... مصر في ذيل قائمة مؤشّر سيادة القانون

يصبّ في تعثُّر الاقتصاد... مصر في ذيل قائمة مؤشّر سيادة القانون

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

سياسة نحن والحقوق الأساسية

الأربعاء 30 نوفمبر 202210:00 ص

احتلت مصر المرتبة 135 من أصل 140 دولة على مؤشر سيادة القانون لعام 2022 الصادر عن منظمة مشروع العدالة العالمية، متقدمةً مركزين عن العام الماضي. وحصلت على 0.35 نقطة وفق المعايير التي يقاس بها المؤشر في العام الحالي، مقارنة بـ 0.44 في عام 2015، مسجلة انخفاضاً قدره 0.9 على مدار تسع سنوات.

ويقيس المؤشر أداء 140 دولة من الصفر إلى الواحد الصحيح، وكلما اقتربت الدولة من رقم واحد كانت أقرب إلى سيادة القانون، وكلما اقتربت من الصفر كانت أبعد. واحتلت الدنمارك صدارة المؤشر بتنقيط 0.90، فيما تذيلت فنزويلا قائمة الترتيب بمجموع 0.27 من النقطة.

أما على الصعيد الإقليمي، فجاءت مصر في ذيل الترتيب، محتلةً المرتبة 8 من أصل 8 دول في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا. في حين تحتل الإمارات العربية المتحدة المرتبة الأولى في المنطقة (37 من أصل 140 عالمياً)، يليها الأردن ثم تونس، أما الدول الثلاث التي حصلت على أدنى الدرجات في المنطقة، فهي لبنان وإيران وأدناها مصر( 135 عالمياً).

ويعتمد مؤشر سيادة القانون في تقييمه للدول على ثمانية مؤشرات أساسية، تقيس مدى التزام الدولة ومؤسساتها بالقانون والمعايير التي توفر المساءلة، والقضاء العادل، والحكومة الشفافة، والعدالة المتاحة للجميع.

وتجمع منظمة مشروع العدالة معلوماتها بناء على أكثر من 154 ألف استبيان موجه للأسر المحلية في كل بلد، و3600 استبيان موجه لممارسي القانون (محامون وأساتذة جامعيون) والخبراء في المجالين القانوني والصحي، وفقاً لمشروع العدالة.

مصر من الدول العشر الأولى في العالم من حيث عدد منازعات الاستثمار المرفوعة ضدها، ورغم اختلاف ترتيبها كل عام، لها النصيب الأكبر من إجمالي الدعاوى المرفوعة ضدها في مركز التسوية الدولي، وعددها 27 دعوى

لماذا احتلت مصر ترتيباً متدنياً؟

العوامل الثمانية التي يقاس عليها المؤشر هي: الرقابة المفروضة على سلطات الحكومة، غياب الفساد، الحكومة المفتوحة، الحقوق الأساسية، النظام والأمن، الإنفاذ التنظيمي الفعال، العدالة المدنية والعدالة الجنائية.

العامل الأول، وهو القيود المفروضة على سلطات الحكومة، يعني أن تكون هناك رقابة حقيقية وتقييداً لسلطات الحكومة من خلال المؤسسات البرلمانية المنتخبة والسلطة القضائية، بما يسمح بخضوع المسؤولين التنفيذيين على اختلاف درجاتهم للحساب والعقاب. على هذا المؤشر حصلت مصر على تقييم 0.26 نقطة، متذيلة الترتيب الإقليمي (8\8) فيما حلت في المرتبة 138 عالمياً من أصل 140 دولة.

أما العامل الثاني، فهو غياب الفساد، الذي يشمل المسؤولين الحكوميين في السلطة التنفيذية أو القضائية أو التشريعية، بحيث لا يمكنهم استخدام المناصب العامة لتحقيق مكاسب خاصة. في هذا المجال حصلت مصر على تقييم 0.38 نقطة، إقليمياً (7\8)، وعالمياً في المرتبة 104 من أصل 140.

العامل الثالث هو الحكومة المفتوحة، ويشمل شفافية الحكومة وإتاحتها للمعلومات. حصلت مصر على تقييم 0.23 نقطة (الاقل في العالم)، وهي بذلك في ذيل الترتيب إقليمياً وعالمياً.

بهذا تأتي مصر في الترتيب الأخير في منطقة الشرق الأوسط، وتتقدمها لبنان وإيران، في حين غابت سوريا والعراق عن الدول التي يهتم برصدها المؤشر

العامل الرابع هو الحقوق الأساسية، ويعني المساواة في المعاملة وعدم التمييز، وحقوق المتهم، وحرية الرأي والتعبير وتكوين الجمعيات وحرية التجمع. وقد حصلت مصر على تقييم 0.25، إقليمياً (7\8)، وعالمياً أتت في المرتبة 138 من أصل 140.

والعامل الخامس هو "النظام والأمن"، الذي يعني السيطرة على الجريمة بشكل فعال. حصلت مصر على تقييم 0.63، وعالمياً جاءت في المرتبة 112 من أصل 140.

العامل السادس هو "الإنفاذ التنظيمي" ويعني أن اللوائح الحكومية مطبقة بشكل فعال من دون تمييز أو تأخير، واحترام الإجراءات القانونية في الإجراءات الإدارية، وعدم مصادرة الملكية بدون إجراءات قانونية وتعويض مناسب. حصلت مصر على تقييم 0.36، أي الأخير إقليمياً (8/8) وعالمياً جاءت في المركز 131 من أصل 140.

أما العامل السابع فهو "العدالة المدنية"، وتعني أن الناس يمكنهم الوصول إلى العدالة التي تخلو من التمييز والفساد والتأثير الحكومي غير المناسب. وفيه حصلت مصر أيضاً على المركز الأخير إقليمياً بتقييم 0.38. وعالمياً جاءت في المركز 127 من أصل 140.

تراجع الحقوق الأساسية وحقوق العمال يجذب استثماراً لا يفيد التنمية ولا يضيف إلى النمو الذي يحتاجه الاقتصاد

العامل الثامن والأخير هو العدالة الجنائية، ويعني تحقيق العدالة بشكل فعال وفي الوقت المناسب، مع تطبيق نظام إصلاحات فعال، خال من الفساد والنفوذ الحكومي. وحصلت مصر على تقييم 0.34. إقليمياً (7\8) وعالمياً في المرتبة 108 من أصل 140.

وبهذا تأتي مصر في الترتيب الأخير في منطقة الشرق الأوسط، وتتقدمها لبنان وإيران، في حين غابت سوريا والعراق عن الدول التي يهتم برصدها المؤشر.

ويعتبر إرساء سيادة القانون هو أولى خطوات التنمية، إذ يشجع على الشفافية ومحاربة الفساد، وخضوع المؤسسات للمساءلة، وهو ما يتيح للقطاع الخاص منافسة المشروعات المملوكة للدولة ومؤسساتها المسيطرة على الاقتصاد، وخاصة المؤسسات حاملة السلاح، مما ينعكس على البلدان التي تتخذ هذه الخطوات بجذب قدر أكبر من الاستثمارات الأجنبية والمحلية، على ما يقول ديفيد مالباس رئيس البنك الدولي.

معنى هذا التراجع اقتصادياً

تنادي أصوات إعلامية مصرية باهتمام الدولة المصرية بترتيبها على مؤشرات مراقبة الفساد وسيادة القانون وحرية الصحافة، لما لها من قدرة على جذب الاستثمار والمستثمرين. فالمستثمر الأجنبي سيتردد كثيراً في الاستثمار في دولة تتذيل ترتيب سيادة القانون ومؤشر الفساد العالمي، بحسب تلك الأصوات.

ويتفق الخبير الاقتصادي رشاد عبده مع هذا الطرح، ويقول لرصيف22، إن الديمقراطية وحقوق الإنسان جزء من القرار الاقتصادي، فترتيب مصر على مؤشرات الفساد وسيادة القانون تقع في حسبان أي مستثمر، بالإضافة إلى المؤشرات المحلية الاقتصادية مثل معدل النمو والتضخم، "لذلك مصر بحاجة إلى برلمان يقوم على تشريعات قوية تخدم أجندة الاستثمار المحلية"، وفقاً لعبده.

من جهتها، أكدت المحللة الاقتصادية منى مصطفى في حديث هاتفي لرصيف22، أن المؤشرات السياسية والاقتصادية الدولية تؤثر حتماً في قرارات المستثمرين وخاصة الأجانب منهم، موضحةً أن وضع حقوق الإنسان في مصر وغيره من المؤشرات التي تنظر إليها الدولة باعتبارها شؤوناً داخلية، تؤثر بالطبع على قرار المستثمر الأجنبي، وتراجعها يعني جذب الاستثمارات القليلة الكفاءة التي تستهدف الربح السريع للمستثمر فقط، فيصبح سواء أوضاع العمل ووجود عمالة وفيرة رخيصة لا تتمتع بأية حقوق عامل جذب، لكن مثل هذا الاستمثارات لا تنعكس على اقتصاد الدولة المضيفة لها بشكل إيجابي على المديين المتوسط والطويل.

وبالتالي، وفقاً لمصطفى، يلعب تراجع الحقوق الأساسية دوراً في جذب استثمارات لا تمنح مصر النمو، الذي يعد هدفاً من أهداف الاستثمار المباشر.

تتفق رؤية المحللين الاقتصاديين الذين تحدثوا لرصيف22 مع ما ذهب إليه مركز "أتلانتس برس" وهو ناشر عالمي للوثائق العلمية، وهو أن سيادة القانون تؤثر على النمو بشكل غير مباشر، إذ يساعد احترام الدولة لسيادة القانون في قدرتها على جذب الاستثمار الأجنبي المباشر. ووجدت الدراسة أن المستثمرين يفضلون البلدان التي تحمي حقوق العقود والممتلكات والسلامة المادية، وهو ما يندرج تحت مؤشر الإنفاذ التنظيمي الفعال.

يأتي هذا في وقت يحتاج خلاله الاقتصاد المصري إلى الاستثمار الأجنبي المباشر الداعم للتنمية، لكن خطط الدولة وتسهيلاتها الإجرائية المتجددة، لم تنجح في جذب هذا النوع من الاستثمارات، ما جعلها تلجأ إلى بيع أصول إنتاجية لتغطية حاجتها من العملات الأجنبية 

سوابق دالة

ولمصر تجربة سابقة تاريخية في ما يسمى حماية العقود، في تسعينيات القرن الماضي، وهي منازعة رجل الأعمال المصري الإيطالي وجيه سياج مع الحكومة المصرية.

في عام 1989 باعت وزارة السياحة لسياج قطعة أرض على خليج العقبة بغرض تطوير منتجع عقاري هناك. بدأ سياج التطوير. في ذلك الوقت علمت الحكومة المصرية أن سياج تعاون مع شركة إسرائيلية لتأمين تمويل كافٍ لتطوير المنتجع.

بالطبع اعترضت مصر على هذه الخطوة، نظراً لحساسية وموقع طابا، والنزاع الذي بالكاد انتهى بين مصر وإسرائيل عندما استردت الأولى طابا في عام 1989، فطلبت مصر من سياج فسخ التعاقد مع الشركة الإسرائيلية فاستجابت شركة سياج، لكن السلطات المصرية لم تكتف عند هذا الحد، فأنهت التعاقد سنة 1996 بشكل منفرد، وصادرت العقار.

الاقتصادية منى مصطفى: عدد قضايا منازعات الاستثمار المرفوعة ضد مصر لا تصب في مصلحتها. لا ينبغي على لدولة تبحث عن الاستثمار أن تواجه هذا الكم من القضايا  

لجأ سياج إلى المركز الدولى لتسوية المنازعات الاستثمارية (ذراع البنك الدولي تسوية النزاعات الاستثمارية)، واستمر النزاع بينه وبين الحكومة المصرية نحو 13 عاماً. انتهى الأمر بخسارة مصر القضية، وقضى مركز التسوية بتاريخ 11 أبريل/ نيسان 2008 بإلزامها بتعويض قدره 133 مليون دولار لوجيه سياج.

تقول منى مصطفى لرصيف22 إن مثل هذه القضايا تبعد المستثمر الأجنبي عن مصر، وتندرج تحت مؤشر الإنفاذ التنظيمي الفعال الخاص بتطبيق اللوائح وحماية العقود والممتلكات، وتعتبر من المعوقات التي تمنع وجود استثمار حقيقي، بسبب بطء الإجراءات وعدم وجود قضاء ناجز، واتخاذ القرارات بشكل منفرد، وإنفاذها بقوة الدولة من دون مشاورات مع أصحاب الشأن.

يأتي هذا في وقت يحتاج خلاله الاقتصاد المصري إلى الاستثمار الأجنبي المباشر الداعم للتنمية، لكن خطط الدولة وتسهيلاتها الإجرائية المتجددة لم تنجح في جذب هذا النوع من الاستثمارات، ما جعلها تلجأ إلى بيع أصول إنتاجية لتغطية حاجتها من العملات الأجنبية، فيما باتت مصر دولة طاردة للاستثمار.

وبحسب دراسة حالة التحكيم الدولي في منازعات الاستثمار في مصر الصادرة عن مركز "emerald" البحثي، فإن مصر من الدول العشر الأولى في العالم من حيث عدد منازعات الاستثمار المرفوعة ضدها، ورغم اختلاف ترتيبها كل عام، فإن لها النصيب الأكبر من إجمالي الدعاوى المرفوعة ضدها في مركز التسوية الدولي، وعددها 27 قضية.

تقول مصطفى إن المستثمر يتخذ قراره بناء على هذه المعطيات، "فلماذا يستثمر أمواله في دولة لا يعرف ما سيطبق عليه فيها من إجراءات ومنظومة العدالة بها غير ناجزة؟". وتضيف أن عدد قضايا منازعات الاستثمار المرفوعة ضد مصر لا تصب في صالحها، إذ لا ينبغي ادولة تبحث عن الاستثمار أن تواجه هذا الكم من القضايا.

الدكتورة عالية المهدي: المؤشرات الاقتصادية أهم من المؤشرات السياسية في نظر المستثمر الأجنبي 

وتضيف المحللة الاقتصادية أن مؤشرات الفساد وإنفاذ القانون ينظر إليها الغرب كأنها عدسة على مصر، في مسألة المنح والقروض، وترى أن صندوق النقد الدولي يقف لمصر بالمرصاد بفعل مؤشرات تتعلق باللوائح التنظيمية والتنمية المستدامة، ومؤشرات اقتصادية أخرى تتعلق بالنمو وقدرة مصر على السداد، وسعر الصرف، وعدم شفافية الحكومة وقدرتها على إتاحة المعلومات فيما يتصل بالميزانية وحجم القروض، وهما في عداد العوامل الفرعية لمؤشر سيادة القانون.

حول ذلك، قالت الدكتورة عالية المهدي، استاذة الاقتصاد والعلوم السياسية بجامعة القاهرة، إنه بالرغم من أهمية المؤشرات السياسية والحقوقية في نظرة المستثمر إلى مصر، فما يهمه أكثر هو المؤشرات الاقتصادية المحلية، مثل حجم سوق العمل، وحجم الناتج المحلي الإجمالي، ومعدلات التضخم وغيرها من المؤشرات، مضيفةً أن الجهات المانحة أيضاً تأخذ في اعتبارها هذه المؤشرات.

واتفق الخبير الاقتصادي رشاد عبده مع أستاذة الاقتصاد والعلوم السياسية، وقال إن معدلات التضخم والبطالة من المؤشرات الاقتصادية الحاكمة في جذب الاستثمار المباشر.

ويواجه الاقتصاد المصري نقاط ضعف كثيرة، مثل المديونية العالية، وعدم ثبات سعر الصرف، وارتفاع معدل التضخم السنوي إلى 14.6 % لإجمالي الجمهورية بحسب بيانات البنك المركزي.

وتقول المهدي لرصيف22 إن المؤشرات الاقتصادية الحالية ليست في أفضل حال. وتختم: "هناك فترات سابقة كانت أفضل بكثير، لكن في المستقبل كل شيء وارد، لأن المستثمر ينظر إلى المستقبل، ومن المؤكد أن النظرة الحالية للمؤشرات الاقتصادية تؤسس لنظرة المستقبل". 


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

بالوصول إلى الذين لا يتفقون/ ن معنا، تكمن قوّتنا الفعليّة

مبدأ التحرر من الأفكار التقليدية، يرتكز على إشراك الجميع في عملية صنع التغيير. وما من طريقةٍ أفضل لنشر هذه القيم غير أن نُظهر للناس كيف بإمكان الاحترام والتسامح والحرية والانفتاح، تحسين حياتهم/ نّ.

من هنا ينبثق رصيف22، من منبع المهمّات الصعبة وعدم المساومة على قيمنا.

Website by WhiteBeard
Popup Image