شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

ضمّ/ ي صوتك إلينا!
مع اقتراب الامتحانات... أزمات المدرّسين مستمرة في حصار التعليم المصري

مع اقتراب الامتحانات... أزمات المدرّسين مستمرة في حصار التعليم المصري

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

حياة نحن والحقوق الأساسية

الثلاثاء 29 نوفمبر 202204:50 م

مكتب خشبي في حجرة صغيرة تجلس خلفه امرأة خمسينية تقطع تساؤلات محدثيها إجابة مكررة حول كتابتها شكوى موجهة لوزارة التربية والتعليم، مشيرةً إلى ملف ورقي مُتخم بنُسخ من الشكوى نفسها، كررت كتابتها وتسجيلها وإرسالها خلال الأشهر الماضية.

الشكوى المكررة هي شكوى يضغط عليها أولياء الأمور يومياً لإرسالها، يطالبون فيها الوزارة بحل أزمة عجز المدرسين التي تعاني منها مدارس المرحلة الإبتدائية في المجمع التعليمي بالإسكندرية، مُعلنة استسلامها لضغوط أولياء الأمور في شكواهم المتكررة بعدم وجود مُدرس لمادة الرياضيات باللغة الإنجليزية منذ بداية العام الدراسي حتى الآن، وعجز الإدارة عن حل أزمة خضوع التلاميذ للامتحانات الشهرية المقررة من دون أن يدرسوا المادة من الأساس.

الآن يتصاعد القلق مع اقتراب موعد امتحانات الفصل الدراسي الثاني التي يعني الرسوب فيها ارتفاع احتمال إعادة العام الدراسي، لذا يزداد غضب الأهالي والضغط على الإدارة التعليمية.

في يونيو/ حزيران الماضي، خاطبت إدارة المدرسة التجريبة السكندرية الوزارة، للمطالبة باستكمال صفوف المدرسين قبل بدء العام الدراسي، ولم تُحرك الوزارة ساكناً تجاه الأزمة المتكررة في مدارس عدة، إذ أعلن نقيب المُعلمين أن المدارس الحكومية والتجريبية (خاضعة للوزارة) تُعاني من عجز يزيد على 300 ألف مدرس. فيما قطع الرئيس المصري الطريق على حل أزمتى العجز في الفصول الدراسية والتعليم، مبيناً أنه لا يوجد توجه لدى الدولة في الوقت الحالي لتخصيص الميزانيات المفترضة للتعليم، مقدراً الميزانية اللازمة لحل أزمات التعليم الأساسي في مصر، بمبلغ 250 مليار جنيه (نحو مليار دولار بالسعر الرسمي) سنوياً.

مع اقتراب موعد امتحانات الفصل الدراسي الأول؛ يزداد غضب الأهالي في ظل وجود مواد دراسية لم يدرس الطلاب فيها ولو حصة واحدة، فهل من حل لسد عجز المعلمين في المدارس المصرية؟

الأزمة قديمة

في 18 أكتوبر/ تشرين الأول الفائت، مثل الدكتور رضا حجازي وزير التربية والتعليم والتعليم الفني، أمام مجلس النواب، للإجابة عن سؤال لجنة التعليم والبحث العلمي بالبرلمان حول قرارته الخاصة بـ"ترخيص مراكز الدروس الخصوصية".

خلال الجلسة وجّه عدد من النواب تساؤلات حول "عجز المعلمين" و"مسابقة 30 ألف معلم"، التي أجريت في 2019، واختير من خلالها 36 ألف مدرس للعمل بنظام الحصة، بعد أن سددوا رسوماً للمسابقة تخطى مجموعها آلاف الجنيهات. ووعد "حجازي" بتعيين المعلمين حينما يتم الإعلان عن مسابقة عامة تنظمها الدولة، وينظم شروطها الجهاز المركزي للتنظيم والإدارة. إذ تنتهي عقود المدرسين المساعدين الذين فازوا في المسابقة بعد 5 سنوات.

خطة عاجلة "إلى حد ما"

في يناير/ كانون الثاني 2022 اجتمع الدكتور مصطفى مدبولي رئيس الوزراء مع وزير التعليم السابق الدكتور طارق شوقي، بحضور وزير التعليم الحالي الدكتور رضا حجازي بصفته نائب للوزير آنذاك، لمناقشة الآليات المقترحة لسد عجز المعلمين في المدارس، على أن تُطبق خطة سد العجز خلال 5 سنوات، يراعى فيها أعداد الطلبة في السنوات الخمس وتعويض أعداد المعلمين المُحالين للمعاش.

رفض الدكتور طارق شوقي حينها الخوض في تفاصيل الخطة أو إعلانها للصحافة، فيما نشرت "بوابة أخبار اليوم" تفاصيل المُذكرة المُقدمة لرئيس الوزراء، والتي أعدها نائب وزير التعليم لشؤون المعلمين – ووزير التعليم الحالي- رضا حجازي، مُقترحاً تعيين عدد من المعلمين على مراحل لسد العجز، فضلاً عن التنسيق مع وزارة التضامن كي يُسمح لخريجي كليات التربية بقضاء الخدمة العامة والعمل بالتدريس داخل المدارس والتنسيق مع الكليات بتخصيص يوم في الأسبوع يُدرس فيه طلاب الفرق النهائية في المدارس.

نُشرت التفاصيل منسوبة لمصدر في التربية والتعليم، وذُيّل التقرير بمُقترح آخر لنائب الوزير بأن الأصل في سد العجز المؤقت هو العمل بالحصة مُقابل 20 جنيهاً (0.8 دولار)، على ألا يزيد النصاب عن 24 حصة في الأسبوع بإجمالي يُقارب 2000 جنيه شهرياً (81.4 دولار) وهو أقل من الحد الادنى للاجور البالغ 3000 جنيه.

وفي محاولات لسد العجز ذاتياً، أعلنت وزارة التربية والتعليم في بيان، الأربعاء 23 نوفمبر/ تشرين الثاني الجاري، عن منح 3283 من الأخصائيين النفسيين والاجتماعين وغيرهم "ممن استوفوا برامج التنمية المهنية"، شهادة الصلاحية لتدريس المناهج الدراسية التي تعاني عجزاً في مدرسيها، في المراحل الدراسية المختلفة، طبقا لأحكام القانون 155 لسنة 2007 وتعديلاته ولائحته التنفيذية، والقرار الوزاري رقم 41 لسنة 2020.

استكمال اليوم الدراسي خارج أسوار المدرسة

لم تغب شخصية "زكريا الدرديري" التي جسدها الفنان الراحل يوسف عيد في فيلم "الناظر"، وجملته الأشهر: "مُدرس رياضيات وفرنساوي عبال ما يجيبوا مدرس فرنساوي" عن المشهد التعليمي المصري حتى الآن. فبين غياب تام لمُدرسي بعض المواد وإسناد مادتين لمدرس واحد ظهر الدرديري كُثوب على بعض المُدرسين ارتداؤه عنوة.

أماني محمد أم لطفلتين في الصف الرابع والأول الابتدائي في المدرسة التجريبية التي بدأنا بها تقريرنا. رفضت اللجوء للدروس الخصوصية للتغلب على نقص المدرسين في الفصول، تقول لرصيف22 إنها منذ بداية العام الدراسي تتابع مع إدارة المدرسة أزمة غياب "مدرس الماث"، موضحة أن ذلك موقف جميع أولياء الأمور. فالحديث الأول على مجموعات الآباء والأمهات على "واتس آب" هو كيفية حل مُعضلة خضوع الطلاب للامتحان في مادة لم تُدّرس لهم من الأساس.

"تعلن الوزارة أنها تحارب الدروس الخصوصية، لكنها في الواقع تعوِّل على تلك الدروس حتى لا تتصدى لحل مشاكل التعليم المتراكمة، من دون الأخذ في الاعتبار أن بعض الأسر لن تتحمل تكلفتها"

المُصارحة منذ بداية العام لإيجاد حل بديل هو مطلب آباء فقدوا الأمل في تحصيل أبنائهم للمادة من خلال المدرسة. توضح أماني لرصيف22 أن المدرسة لجأت لحل أزمة مشابهة فقررت الإدارة إسناد تدريس مادة"الساينس" أي العلوم باللغة الإنجليزية، إلى مُعلمة لغة إنجليزية تعلم في الصفوف الأولى الإنجليزية وفي الصف الرابع والخامس "الساينس"، وهو ما تقبله أولياء الأمور رغم أنه حل عشوائي، فالمُعلمة في الأصل مُتخصصة في اللغة الإنجليزية ولم تدرُس العلوم، ودورها هُنا هو نقل ما يضمه كتاب الوزارة من معلومات من دون إلمام بتفاصيل أكثر تخدم الطلاب.

ثلاثة مُعلمين "للماث" في مدرسة يبلغ عدد فصولها 18، بمتوسط عدد طلاب 1200 تقريباً. لم يستوعب اليوم الدراسي تغطية جميع الفصول، فاتفق بعض الأهالي والمُدرسين ضمنياً على تغطية العجز خارج أسوار المدرسة، يخرج الأطفال لاستكمال اليوم الدراسي في أحد المراكز التعليمية الخاصة بصحبة مُدرسين المدرسة، رغم عبء التكلفة المادية الذي لم يتحمله البعض. توضح أماني أن أكثر من 20 مدرساً في المدرسة نفسها في طريقهم للإحالة على التقاعد في العام القادم، متسائلة عن وضع الطلاب في هذه الحالة.

التعليم التجريبي كان الخيار الأمثل في نظر الأهالي، أملاً في الحصول على مستوى أفضل من الحكومي. تقول الأم الشابة إن ذلك يُحملهم عبئاً مادياً إضافياً، فمصروفات المدرسة للطفلين 1400 جنيه، إضافة لتكلفة الكُتب المدرسية التي تبلغ 1200 جنيه في الترم الواحد أي 2400 جنيه للعام الدراسي كاملاً، وهو ما قرروا تحمله بمحض إرادتهم.

ترى أماني أن الوزارة تعلن في الإعلام أنها تحارب الدروس الخصوصية، لكنها في الواقع تعول على تلك الدروس حتى لا تتصدى لحل مشاكل التعليم المتراكمة، من دون الأخذ في الاعتبار أن بعض الأسر لن تتحمل تكلفتها، خاصة مع استمرار تراجع الأوضاع الاقتصادية.

حصة ضرب

في حديثه أمام مجلس الشيوخ جلسة 30 أكتوبر/ تشرين الأول الفائت، تراجع وزير التعليم عن مُقترحه حول ترخيص مراكز الدروس الخصوصية. مؤكداً أنها "عرض لمرض"، ومعترفاً أنه "إذا قامت المدرسة بدورها الطبيعي في توفير وممارسة جميع الأنشطة للطلاب، ويكون المدرس مسؤولاً عن ذلك، فستتحقق السيطرة على العملية التعليمية لمحاربتها".

حاولت مريم تعويض بناتها عن غياب المدرسين، إلا أنها تستقطع 2700 جنيه شهرياً هي ثلث دخل الأسرة، وتوجهه للدروس

مريم إسماعيل، أم لثلاث طالبات في المرحلة الابتدائية في مدرسة تجريبية، تقول لرصيف22 إن معاناة الطلاب بدأت مع المرحلة الابتدائية، فمرحلة الروضة كان يتوافر فيها المدرسون، موضحة أن في حالة تقديم شكوى للمدرسة والاعتراض على ضياع وقت الطلاب وفرصتهم في التحصيل الدراسي مثل غيرهم، تكون الإجابة بأن هناك عجزاً في أعداد المدرسين والوزارة لم تُجب على مطلبنا.

لم يقتصر الأمر على التحصيل الدراسي في حالة بنات مريم، فالعجز في المدرسين ومشرفي الأدوار خلق حالة من الفوضى، فالحصة المُخصصة للمادة صاحبة العجز كانت سبباً في إصابة ابنتها الصغرى"جمانا" الطالبة بالصف الأول الابتدائي في يدها، دفعها أحد زملائها على الأرض لتسقط على "زجاج مكسور"، تقول إسماعيل إن المدرس المُسند إليه الحصة أمر الطلاب بوضع رؤوسهم على "الديسك" وخرج تاركاً إياهم من دون متابعة، ليتحول الفصل الدراسي إلى ساحة للفوضى وممارسة العنف.

بين الدروس الخصوصية والمقاطع المصورة على الإنترنت، حاولت مريم تعويض بناتها عن غياب المدرسين، إلا أنها تستقطع 2700 جنيه شهرياً هي ثلث دخل الأسرة، وتوجهه للدروس. موضحةً أنها تتابع مُقترحات الوزارة لسد العجز وتراها غير مُجدية، فالتطوع مُقابل 20 جنيهاً للحصة رغم كونه الحل الأصلح؛ إلا أن المبلغ المُقترح سيكون حافزاً للعزوف عن الفكرة، فالمبلغ لا يكفي لاحتياجات المُدرس إضافة لعدم وجود فرصة للتعيين.

قنبلة على وشك الانفجار

لم يكن الطالب هو الخاسر الوحيد في قضية عجز المُعلمين، فقد طال الضرر المُعلمين أنفسهم، لأن النصاب القانوني المُفترض تطبيقه في المدارس يوصي بـ21 حصة أسبوعياً للمدرس، بينما المدرس الأول يكون نصيبه من الحصص 18 في الأسبوع، ونصيب المُعلم الكبير 16 حصة، إلا أن هذا النصاب لا يُطبق نتيجة العجز في أعداد المدرسين. فمنذ عام 1998 أوقف رئيس الوزراء آنذاك كمال الجنزوري تكليف خريجي كلية التربية، بدعوى أن ميزانية الدولة لا تتحمل العبء المادي للتكليفات، ليصل متوسط أعداد التلاميذ لكل معلم 21 تلميذاً في التعليم العام، حسب تقرير الجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء في 2020/2021.

أحمد عبدالله* مُعلم مُشرف منذ 30 عاماً، ما يعني أنه مسؤول عن توزيع جدول الحصص على المُدرسين الموجودين في المدرسة التي يعمل بها في القاهرة، يقول لرصيف22 إن الناظر يطالبه بتكييف الأمور حسب العدد المتاح من المدرسين، فيضطر للضغط على زملائه ويكلفهم بعدد يفوق النصاب القانوني من الحصص ويواجه مقاومة كبيرة كون العمل الإضافي من دون مقابل، فالمدرس الأساسي يكون نصيبه 25 حصة، والمتطوع 20 حصة، مُعلقاً "مفيش حد شايل نصابه".

يرى عبدالله أن كثافة الفصول تُزيد من حجم أزمة العجز، فالمُدرس الشاب يتحمل أربع حصص في اليوم الواحد في حالة كانت كثافة الفصل 40 طالباً، لكنه سيفقد قدرته وجهده في الحصة الثانية مع ارتفاع كثافة الفصول إلى 100 طالب كما هو الحال في مدرسته. موضحاً "كلما زاد العدد زاد العنف ويصعب السيطرة على الطلاب وينخفض مستوى الاستيعاب".

مدارس بلا تعليم

تطبيق أقصى آليات الحوكمة في اختيار المعلمين والمعايير المنضبطة المطلوب توافرها في المتقدمين تحت إشراف الجهاز المركزي للتنظيم والإدارة، كان شرط رئيس الوزراء مصطفى مدبولي لتنفيذ خطة السنوات الخمس التي قدمها الوزير السابق طارق شوقي، فيما أعلن الوزير الحالي رضا حجازي عن دراسة تقليص سنوات الدراسة في كليات التربية إلى ثلاث سنوات على أن يستكمل الطلاب السنة الرابعة عملياً في التدريس، إضافة لفتح باب التطوع لقاء مبلغ زهيد، بشرط أن يكون المتطوع صاحب خبرة، وتكليف الموجهين بتدريس أربع حصص أثناء مرورهم للإشراف على المدارس، وتشغيل فيديوهات للطلاب كبديل للمدرس.

خبيرة تربوية: غلق باب التعيينات فتح الباب لدخول تخصصات أخرى لممارسة مهنة التدريس من دون الحصول على دبلوم تربوي، وهو ما تسبب في تدهور العملية التعليمية 

ترى الدكتورة بثينة عبدالرؤوف الخبيرة التربوية أن الوسائل التعليمية الحديثة لا تُغني عن وجود المُعلم، فوجوده لا يقتصر على تدريس المواد فقط، فدوره الإشراف على التلاميذ وتوجيههم وتربيتهم، وهو عصب العملية التعليمية. موضحة في حديثها لرصيف22 أن إلغاء التكليف منذ سنوات طويلة خلق فجوة بين السوق والأعداد المُفترض تعيينها، وتزايدت الفجوة وأصبحت عميقة تحتاج لفترات طويلة لحلها، فلا يمكن تعيين 200 ألف مُدرس بشكل فوري.

عدم تحمل العملية التعليمية للانتظار ضاعف من صعوبة الأزمة حسب عبدالرؤوف، فتوضح أن الأطفال في حاجة دائمة للمتابعة والإشراف، وأن غض النظر عنهم لبضع دقائق قد يؤدي إلى حوادث، إضافة لما يعانيه المُعلم من ضغط لتحمله العمل أكثر من 30 حصة في الأسبوع، كل ذلك ضغط نفسي وبدني على المدرس. لذا يُشكل العجز في أعداد المُعلمين والمُشرفين خطورة على العملية التعليمية.

لم يكن التطوع من دون أجر الذي أعلنته الوزارة هو الحل الأنسب في نظر الخبيرة التربوية، ويُمكن تطبيقه في مناطق ذات خصوصية مثل القرى والمناطق النائية التي يشعر أهلها بالمسؤولية نحو تعليم أبناء قريتهم، فيتطوع المتعلمون منهم دون أجر، موضحة أن الاشتغال بالحصة مُقابل أجر مادي هو أحد الحلول الجيدة، خاصة إذا تم الاستعانة بمُعلمين خرجوا إلى المعاش أو في مواد ذات نُدرة مثل "الماث والساينس".

مشاهدة قنوات مدرستي داخل المدرسة قد يكون جزءاً من الحل، واشترطت بثينة أن يتوفر المكان المناسب لجمع طلاب عدد من الفصول أثناء وجود اثنين من المدرسين، وذلك ااختصار عدد الحصص، مثلما يحدث في "سنتر الدروس الخصوصية" حيث يجتمع 500 طالب في مكان واحد ويتم السيطرة عليهم من قبل مُدرس ويستمعون للشرح.

خلال 24 عاماً توقفت فيها التعيينات، فقدت المدارس آلاف المعلمين بالوفاة أو الإحالة إلى التقاعد، في مُقابل تضاعف أعداد التلاميذ، وأصرت الدولة على قرارها حتى باتت المشكلة تكاد تستعصى على الحل 

وأضافت أن أفضل الحلول المُقترحة هو تقليص سنوات الدراسة لطلاب كلية التربية على أن يتفرغ الطالب في السنة الرابعة للتدريس، موضحة أن شرط نجاح هذا المُقترح فتح باب التعيين للطلاب بعد ذلك، فهذه الخطوة لم يتم اتخاذها لوجود أزمة في كليات التربية، بل لوجود أزمة في عدد المدرسين، وذكرت أن غلق باب التعيينات فتح الباب لدخول تخصصات أخرى لممارسة مهنة التدريس دون الحصول على دبلوم تربوي، وهو ما تسبب في تدهور العملية التعليمية.

أحمد عبد الله، المدرس المشرف في أحد مدارس القاهرة، يرى أن أزمة التعليم في مصر أكبر من قدرات الأشخاص، "الحل الأمثل من وجهة نظري أن يتحول التعليم لمشروع قومي كغيره من المشروعات، يتشارك فيه المواطنون مع الدولة، بداية من تنظيم الأسرة للحد من الكثافة في المستقبل، والمساعدة في بناء المدارس، وتلخيص المناهج التعليمية وتخفيضها، فمن الممكن أن أحكي تاريخ مصر في صفحات أقل دون ذكر تفاصيل لن يتذكرها الطالب".

خلال 24 عاماً توقفت فيها التعيينات، فقدت المدارس آلاف المعلمين بالوفاة أو الإحالة إلى التقاعد مُقابل تضاعف أعداد التلاميذ، وأصرت الدولة على قرارها حتى باتت المشكلة تكاد تستعصى على الحل.

من وجهة نظر المدرس المخضرم، فمُقترح التطوع مقابل 20 جنيهاً للحصة (أقل من دولار) غير مُجدٍ، "لا تكفي للمواصلات ووجبة إفطار. وقد يُصبح باباً جديداً ووسيلة للدعاية للدروس الخصوصية"، أما إعلان عدم الالتزام بالتعيين من قبل الوزارة تجاه المتطوعين ومدرسي الحصة من خريجي كليات التربية، فقد "تُصبح عاملاً مُحبطاً، فما الذي يدفع الطالب أو المتطوع لإنفاق وقته وجهده بعد سنوات من التعليم من دون الحصول على شيء مستقبلاً، في الوقت الذي يبدأ غيره تحديد مستقبله وكسب أموال أكثر؟".

تصريح المزاولة والثانوية العامة

الدكتور رضا حجازي وزير التربية والتعليم تحدث خلال مؤتمر صحافي في ديوان عام الوزارة 29 سبتمبر/ أيلول الماضي عن إصدار رخصة مزاولة التعليم في محاولة لمنع غير المعلمين من ممارسة المهنة، موضحاً أن من يمارس المهنة من دون الحصول على هذا الترخيص يكون مخالفاً للقانون ومنتحلاً للصفة، وأن المعلمين المُعينين بالوزارة في الوقت الحالي لديهم رخصة ضمنية وكارنية النقابة.

وأوضح خلال المؤتمر أن القرار يهدف إلى أن يكون المُعلم حاصلاً على مؤهل تربوي أو مؤهلاً عالياً، بالإضافة لتأهيل تربوي، وفي 13 نوفمبر/ تشرين الثاني الجاري، أعلنت الوزارة أنها بصدد تقديم مشروع قانون لمجلس النواب لاعتماد رخصة المزاولة التي تشترط أن يكون المُتخرج حاملاً للجنسية المصرية، ليس له سابقة جنائية، واجتاز الاختبارات المطلوبة للحصول على الرخصة، والحصول على عضوية نقابة المعلمين.

التوزيع الجغرافي للمدرسين يعتمد على مراعاة محل العمل لا محل السكن، وهو عبء مادي على ميزانيتهم، فيتحمل المُعلم تكلفة الانتقال، مما يُضعف قيمة المكافأة النهائية لعمله كمراقب 

الدكتورة بثينة عبدالرؤوف الخبيرة التربوية ترى أن دخول غير المؤهلين في مهنة التدريس من خريجي كليات الزراعة والتجارة وغيرها أضر بالعملية التعليمية، موضحة في حديثها لرصيف22 أن المدارس الخاصة فتحت الباب للعمل لغير التربويين، مطالبة بتقنين الأمر لإعادة هيبة المعلم.

زينة حسين* مدرسة أربعينية في واحدة من مدارس محافظة البحيرة، تقول إن مهنة التدريس تعتمد في الأساس على موهبة إيصال المعلومة. وهذه الموهبة لا تتوافر لدى الجميع، موضحة أنها غير متحمسة لفكرة رخصة المزاولة لأن الكثير من غير التربوين لديهم موهبة، وأصبحوا على قدر كبير من الخبرة، مضيفة "إن كانت هذه الطريقة ستُعيد للمعلم هيبته ورأت الوزارة أنها الحل الأمثل فلا ضير من ذلك". طالبةً مساءلة المتخلفين عن المشاركة في أعمال الثانوية العامة في رسالة وجهتها وزارة التربية والتعليم للمُعلمين بعد الضعف الشديد في تسجيل بيانات المرشحين للعمل كرؤساء لجان ومراقبين أوائل للجان الثانوية العامة للعام الدراسي الحالي، مشددة على ضرورة تفعيل اسم المستخدم وكلمة المرور ليتمكن مديري المديريات من متابعة عملية التسجيل.

لم يكن تهرب المُعلمين من المراقبة في امتحانات الثانوية العامة ظاهرة حديثة، تقول حسين لرصيف22، إن التوزيع الجغرافي للمدرسين يعتمد على مراعاة محل العمل لا محل السكن، وهو عبء مادي على ميزانيتهم، فيتحمل المُعلم تكلفة الانتقال، مما يُضعف قيمة المكافأة النهائية لعمله كمراقب، ضاربة مثالاً بموقف تعرضت له العام الماضي، فرغم سكنها في محافظة الإسكندرية تم توزيعها على لجنة بأبو المطامير علماً أن تكلفة الانتقال اليومية 60 جنيهاً تقريباً، وتوزيع زملائهافي المدرسة ذاتها على مدارس في الإسكندرية، مما دفعها للاعتذار عن المراقبة.

---------------

(*) – اسم مستعار بناء على طلب المصدر 


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

WhatsApp Channel WhatsApp Channel

ما زلنا في عين العاصفة، والمعركة في أوجها

كيف تقاس العدالة في المجتمعات؟ أبقدرة الأفراد على التعبير عن أنفسهم/ نّ، وعيش حياتهم/ نّ بحريّةٍ مطلقة، والتماس السلامة والأمن من طيف الأذى والعقاب المجحف؟

للأسف، أوضاع حقوق الإنسان اليوم لا تزال متردّيةً في منطقتنا، إذ تُكرّس على مزاج من يعتلي سدّة الحكم. إلّا أنّ الأمر متروك لنا لإحداث فارق، ومراكمة وعينا لحقوقنا.

Website by WhiteBeard