أعلن البنك المركزي المصري أمس الثلاثاء، 20 سبتمبر/ أيلول، عن حزمة من الإجراءات العاجلة، ينتظر منها تحقيق بعض المرونة في عمليات الاستيراد، التي كانت شبه متوقفة منذ بدء العمل بالاعتمادات المستندية بدلاً من مستندات التحصيل، اعتباراً من مارس/ أذار الماضي، في إطار محاولات الدولة خفض الضغط على احتياطيها الشحيح من العملة الأجنبية، وتخصيص الموجود النقدي منها لشراء السلع الإستراتيجية وسداد التزامات الديون.
سارعت الصحف والمواقع الإلكترونية إلى الترحيب بقرارات البنك المركزي من دون تقديم تفسير للتفاصيل والشروط التي حفل بها القرار المعلن، والتي من شأنها ضمان استمرار القيود على عمليات الاستيراد.
سارعت الصحف والمواقع الإلكترونية إلى نقل ترحيب مجتمع الأعمال بقرارات البنك المركزي، من دون تقديم تفسير للتفاصيل والشروط التي حفل بها القرار المعلن، والتي من شأنها ضمان استمرار القيود على عمليات الاستيراد
نص قرارات المركزي
ووفقاً لما نشرته مواقع صحافية مصرية، نقلاً عن مصادر مصرفية، اتخذ مسؤولو البنك المركزي، خلال اجتماع عقد يوم الاثنين 19 سبتمبر/ أيلول، قراراً بقبول حصائل الإيداعات النقدية للشركات بالعملات الأجنبية الناتجة عن عمليات تصديرية مع الدول المجاورة هي: ليبيا، سوريا، السودان، فلسطين، العراق واليمن، واستخدامها في تنفيذ عمليات استيرادية، مع مراعاة تناسب قيمة الإيداعات مع حجم وطبيعة نشاط العميل المعتاد، وقيمة المستندات الدالة على العملية التصديرية، واستيفاء المصدر صورة طبق الأصل من البيان الجمركي معتمدة من كل من: الجمرك المختص، فرع الهيئة العامة للرقابة على الصادرات والواردات، قطاع التجارة الخارجية في وزارة التجارة والصناعة. وبحسب القرارات، يجب الرجوع للبنك المركزي في حالة التصدير والإيداع نقداً مع أي دولة غير الدول المذكورة.
كما وافق البنك على الإفراج عن الاستيراد للاستخدام الخاص حتى 25 ألف دولار أمريكي، مرة واحدة لكل ستة أشهر، بينما الذي يزيد على 25 ألف دولار أمريكي يتم الإفراج عنه باستخدام نموذج 4، مع مراعاة الالتزام بتعليمات البنك المركزي الصادرة برقم 49 بتاريخ 13 فبراير/ شباط 2022، وتعديلاته. (قرار وقف التعامل بمستندات التحصيل والعمل بالاعتمادات المستندية).
وسمح البنك كذلك باستخدام أرصدة الشركة الأم بالعملات الأجنبية في البنوك المحلية الناتجة عن نشاط لتنفيذ العملية الاستيرادية شريطة بيعها للبنك، على أن يقوم الأخير بإعادة بيعها دون هامش البيع والشراء.
وفيما يتعلق بالسلع الإلكترونية التي يتم تجميعها في جمهورية مصر العربية، وتتكون من جزء تصنيع محلي إضافة إلى المكون الأجنبي المستورد، فكان لها استثناء خاص، إذ استثنى البنك المكون الأجنبي من تعليمات البنك المركزي الصادرة بتاريخ 13 شباط/ فبراير 2022، ويتم قبول مستندات الشحن في ضوء أنها مستلزمات إنتاج.
كذلك سمح البنك بتنفيذ العمليات الاستيرادية من خلال مستندات التحصيل التي تم سداد قيمتها بالكامل للمصدر، على أن يكون السداد تم بمعرفة المستوردين حتى 19 أيلول/ سبتمبر 2022، لكنه لم يقبل أي إيدعات نقدية بالعملات الأجنبية من أشخاص طبيعيين لحساب شركات مصرية، نظراً لعدم وضوح عملية الاستيراد بالكامل.
خبراء الاقتصاد: يمكن ان نعتبر القرارات الأخيرة "تققيداص إيجابياً" كونها تحافظ على رصيد العملة الصعبة وتقصر عمليات الاستيراد على الضروريات التي تفيد الاقتصاد، وهي قرارات لا تلتفت لغضب "مافيا الاستيراد"
كيف كان الوضع قبل القرار الأخير؟
في فبراير/ شباط الماضي، أصدر البنك المركزي المصري قراراً بوقف العمل بمستندات التحصيل على أغلب السلع المستوردة اعتباراً من آذار/ مارس 2022، على أن يبدأ العمل بنظام التسجيل المسبق للشحنات (الاعتمادات المستندية) باستثناء 15 سلعة إستراتيجية لتخفيف الضغط على النقد الأجنبي.
العمل بالاعتمادات المستندية يعني أن يسدد صاحب طلب الاستيراد مبلغ الشحنة كاملة إلى البنك المصري المتعامل معه، وان ينتظر قيام البنك المركزي بالموافقة على عملية الاستيراد ثم ينتظر تدبير البنك للعملة، وهما عمليتان منفصلتان كانت نتيجتهما توقف عمليات الاستيراد انتظاراً إما للموافقة أو للتدبير.
وبينما اعترضت قوى الصناعة ممثلة في اتحاد الصناعات وجمعية رجال الأعمال المصريين والاتحاد العام للغرف التجارية، بسبب تعطيل بعض الأعمال وتعثر الصناعة، تمسك البنك المركزي بموقفه.
وفي أبريل/ نيسان، أقرت البنوك تعليمات صدرت شفهياً من "المركزي، تمنع قبول موارد النقد الأجنبي غير معلومة المصدر أو التي تم التحصل عليها من شركات الصرافة في العمليات الاستيرادية"، ما أجج الوضع بين البنك المركزي وقوى الصناعة.
وتهدئة للوضع، أصدر الرئيس عبد الفتاح السيسي، توجيهاً باستثناء مستلزمات الإنتاج والمواد الخام من فتح الاعتمادات المستندية بالبنوك قبل عملية الاستيراد، والعودة للنظام الجديد من خلال مستندات التحصيل، اعتباراً من أيار/ مايو الماضي.
وفي ظل تطبيق الإجراءات الجديدة، أصدر البنك المركزي المصري، بياناً في 17 آب/ أغسطس الماضي، أعلن فيه انخفاض قيمة العجز في الميزان التجاري ليسجل نحو 2.61 مليار دولار، خلال آيار/ مايو الماضي، مقابل 4.06 مليار دولار لنفس الشهر من العام السابق، بنسبة انخفاض قدرها 35.8%.
"القرار سهّل الأمر على المصنعين والشركات المتعددة الجنسيات، أكثر من المستهلكين والأفراد، وبالتالي ده فتح جزئي للاستيراد، لكنه مش القرار اللي هيحرك السوق"
وفي ضوء هذه المعلومات، اختلف خبراء الاقتصاد حول فعالية فرض البنك المركزي المصري قيوداً على الاستيراد، ما بين من يرون القرار مهماً في ظل الظروف الاقتصادية الراهنة من تدهور قيمة سعر صرف العملة المحلية، بينما رأى آخرون أن وقف الاستيراد يزيد ركود الاقتصاد المصري الذي يعتمد بشكل كبير على الاستيراد من أجل الإنتاج، كما يؤثر على التصدير الذي يدر العملة الصعبة.
وقالت سلمى حسين، مديرة الأبحاث في مؤسسة "فريدريش إيبرت" الإقليمية، في منشور لها عبر حسابها على "فيسبوك"، إن إجراءات البنك المركزي كانت ضرورية في لحظة أزمة، ودفع ثمنها "لوبيهات" الاستيراد، والمطالبات برفعها بشكل كامل من دون أولويات، وعلى رأسها مطالب صندوق النقد الدولي، شريطة القرض الذي تطلبه مصر، يضعف الجنيه أكثر ويضيف لاحتياج الدولة للاقتراض من الخارج.
وفي المقابل يقول هاني جنينة، الخبير الاقتصادي، لرصيف22، إن قرار "الاعتمادات المستندية" أثر سلباً على التصنيع في الداخل، وبالتالي أثر على التصدير وتسبب في وقف عجلة الإنتاج: "علاقة معظم المصنعين بالموردين وثيقة ومش محتاجين وساطة البنك المركزي، وكانوا بيحصلوا على تسهيلات للسداد حتى 120 يوماً".
وفي 7 سبتمبر/ أيلول الجاري، أعلن البنك المركزي المصري تراجع صافي احتياطي النقد الأجنبي للبلاد بنحو 1.3 مليون دولار في أغسطس/ آب، مقابل 33.143 مليار دولار في يوليو/ تموز، في سلسلة تراجعات بدأت مع الحرب الروسية الأوكرانية، نتيجة التضخم العالمي وتعثر سلاسل الإمدادات، وتخارج الأموال الساخنة.
ومنذ بداية العام، فقد الجنيه أكثر من 20% من قيمته، ويسجل اليوم الثلاثاء 20 أيلول/ سبتمبر، 19.45 للدولار الواحد، في ظل خفض تدريجي لقيمة العملة.
وفي 8 أيلول/ سبتمبر الجاري، كشفت بيانات الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء أن معدل التضخم السنوي لإجمالي محافظات الجمهورية، ارتفع إلى 15.3% في آب/ أغسطس 2022، مقابل 6.4 لنفس الشهر من عام 2021، وهو معدل يقارب ضعف المستهدف لهذا العام والذي كان محدداً 7% بزيادة أو نقصان 2%.
ليس إلغاءً للاعتمادات المستندية بالكامل
وتواصل رصيف22 مع مجموعة من خبراء الاقتصاد، الذين أكدوا أن إجراءات البنك المركزي الأخيرة لتسهيل الاستيراد، محمودة وإن كانت لا تمثل إلغاءً كلياً للاعتمادات المستندية كما تداولت المنصات الإخبارية المحلية.
قال الخبير الاقتصادي ورئيس المنتدى المصري للدراسات الاقتصادية، رشاد عبده، إن القرارات الأخيرة خطوة نحو تسهيل الاستيراد، لكنه ليس إلغاءً للاعتمادات المستندية بالكامل، لكن على الأقل سيتم السماح باستيراد مستلزمات الإنتاج والاحتياجات الأساسية بموجب مستندات التحصيل.
وأضاف عبده لرصيف22، أنه يرجى من هذا القرار أن يحرك الاقتصاد المصري، لكن بعض التجار الجشعين قد يخشون العودة للضوابط المشددة على الأسواق مرة أخرى، فيختارون الاستمرار على رفع الأسعار، وهذا الأمر يحتاج رقابة على الأسواق، لكنها في الواقع غائبة: "البعض هيقول ممكن يفتحوا الاستيراد شوية ويرجعوا يشددوا الضوابط، فنستمر على رفع الأسعار علشان نكون في الأمان، وللأسف مفيش رقابة".
ولكن بشكل عام احتسب عبده هذا القرار للبنك المركزي والقائم بأعماله حسن عبدالله، خالفاً لطارق عامر، المحافظ السابق للبنك.
كذلك قال الخبير الاقتصادي، مدحت نافع، إن القرارات الأخيرة مهمة لتحريك الاقتصاد، ويتبقى الإفراج عن السلع المتوافر دولار لاستيرادها، خاصة مدخلات الإنتاج لإعادة تشغيل المصانع.
وتناول الخبير الاقتصادي هاني جنينة، الأمر بشيء من التفصيل، حيث أوضح لرصيف22، أن إلغاء الاعتمادات المستندية والعودة لمستندات التحصيل يخص المواد الخام والسلع الوسيطة فقط، وبالتالي فإنه ليس إلغاءً كلياً، مشيراً إلى أنها تفعيل لتعليمات الرئيس عبد الفتاح السيسي التي أصدرها قبل شهر، ولا تزال الاعتمادات المستندية مطبقة على الكماليات والسلع النهائية.
وأضاف أنه من مميزات قرارات المركزي، أنه حقق مطلب اتحاد الصناعات من رئيس مجلس الوزراء، بالسماح لهم باستخدام حصيلة الكاش نتيجة التصدير للدول العربية في الاستيراد، لأن قرار فبراير الماضي، كان يفرض على المصنعين الحصول على الدولار من البنك المركزي فقط للسيطرة على السوق السوداء.
ولفت إلى أن القرار اهتم بالشركات المتعددة الجنسيات، وسمح لها بالاستعانة بالمصادر الدولارية للشركة الأم في تمويل الاستيراد، شريطة أن يكون أجل الاقتراض منها لأكثر من سنة وليس قصير الأجل.
ولكن بشكل عام يرى جنينة أن مثل هذه القرارات لن تحرك السوق في الوقت الراهن: "القرار سهّل الأمر على المصنعين والشركات المتعددة الجنسيات، أكثر من المستهلكين والأفراد، وبالتالي ده فتح جزئي للاستيراد، لكنه مش القرار اللي هيحرك السوق"، وأضاف: "القرار بيقول اللي معاه فلوس هنسمحله يستورد، وده معناه إن البنوك مش هتضغط على مواردها لتمويل الاستيراد، وطالما البنوك مش هي اللي هتمول يبقى الحركة مش هتكون كبيرة".
وتوقع هاني جنينة أن يتم رفع كل القيود عن التعاملات الرأسمالية والاستيراد والتصدير، تنفيذاً لمطالب صندوق النقد الدولي مقابل حصول مصر على قرض منه: "غالباً لسة فيه مفاوضات".
ومنذ آذار/ مارس الماضي، دخلت مصر مفاوضات جادة مع صندوق النقد الدولي لتخفيف وطأة الضغوط الاقتصادية التي خلفتها الحرب الروسية الأوكرانية، لكن صندوق النقد طالب بعدة إصلاحات، من بينها رفع القيود عن المعاملات الجارية وحركة رؤوس الأموال، ولا تزال المفاوضات جارية.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 5 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...