شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

لنبدأ من هنا!
من ظلم الشاه إلى غدر الملالي... الأقليات في إيران و

من ظلم الشاه إلى غدر الملالي... الأقليات في إيران و"حُلم" الحرية والعدالة

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

سياسة نحن والفئات المهمشة

الاثنين 28 نوفمبر 202204:40 م

رفع متظاهرون، خلال تشييعهم أحد المحتجين، في مدينة مهاباد (الكردية) في محافظة أذربيجان الغربية، شعار "كردي، بلوشي أذري... المساواة والحرية"، وهو شعار بدأت تردده القوميات الإيرانية المختلفة، والتي تُشكل جزءاً كبيراً من الحراك الذي يجتاح إيران منذ شهرين على إثر مقتل الشابة الكردية مهسا أميني، على يد شرطة الأخلاق.

ويُعدّ الدور الرئيس الذي لعبته الأقليات العرقية والمذهبية في إيران، أحد أهم جوانب الانتفاضة الحالية التي تعمّ غالبية محافظاتها، وذلك بعد أن تورطت قوات الأمن الإيرانية في ارتكاب مجازر بحق أبناء بعض الأعراق في المناطق النائية، بحسب الكاتبة بريندا شافير، عضوة هيئة التدريس في كلية الدراسات العليا البحرية الأمريكية.

للأقليات العرقية والمذهبية تأثير كبير على نجاح النشاط المناهض للنظام في إيران. فالمواقع الإستراتيجية الأكثر أهميةً في إيران في مناطق تقطنها قوميات غير فارسية تعاني، بحسب شافير، من ارتفاع معدلات السجن والإعدام. وكثيراً ما يتعرض الناشطون والشخصيات الثقافية الذين يناضلون من أجل الحقوق اللغوية والثقافية للاعتقال والإدانة بارتكاب جرائم تتعلق بالأمن القومي. ومع حملات القمع ضد المتظاهرين، صبّ النظام انتقامه الوحشي في مناطق القوميات غير الفارسية.

التعدد العرقي

تعاني المواقع الإستراتيجية الأكثر أهميةً في إيران في مناطق تقطنها قوميات غير فارسية من ارتفاع معدلات السجن والإعدام

بحسب دراسة في المعهد الدولي للدراسات الإيرانية (رصانة)، بعنوان "طموح الأقليات ومستقبل الدولة في إيران"، يشكل الفرس 51% من الديمغرافيا الإيرانية، والأذريون 24%، والجيليك والمازندرانيون 8%، والكرد 7%، والعرب 3%، واللُّر 2%، والبلوش 2%، والترك 2%، و1% من قوميات أخرى.

وتضمّن الدستور الإيراني 11 مادةً تُعنى بوضع الأقليات بشكل عام، منها 6 مواد خاصة بالأقليات على وجه التحديد، إذ نصت المادة 15 على أن لغة التعامل في المصالح الحكومية، والكتابة الرسمية المشتركة بين طوائف الشعب الإيراني، هي اللغة "الفارسية"، بينما أجاز الدستور استخدام اللغات المحلية والقومية الأخرى في المجال الصحافي ووسائل الإعلام العامة، بجانب تدريسها في المدارس الموجودة في المناطق التي تقطنها كل أقلية، شرط أن تمثّل أغلبيةً فيها، بجانب اللغة الفارسية.

تخلص الدراسة إلى أن ما يتم تنفيذه من هذه المواد يُعدّ ضئيلاً بالنظر إلى حجم ما تحتويه من حقوق، إذ لم يستجب الدستور الإيراني لمطالب الأقليات العرقية في الحصول على قدر من الحرية في إدارة شؤونها الذاتية، كما حرم الدستور المسلمين السنّة والأقليات العرقية الشيعية المذهب، من حق رئاسة الدولة بنص المادة 115، التي تشترط في رئيس الدولة أن يكون مؤمناً بمبادئ الثورة الإيرانية ومعتنقاً للمذهب الرسمي للبلاد، والتي قرنت في الوقت ذاته بين التشيع وجنسية الرئيس وانحداره من أصل إيراني.

وفي هذا الإطار، فإن ثمة حقيقةً مفادها أن الأقليات العرقية، لا تتمتع بسلطة اتخاذ قرار بشأن أوضاعها، نظراً إلى ضعف نفوذها داخل مؤسسات الدولة، بسبب حرمانها من تقلّد مناصب قيادية مثل رئاسة الجمهورية، والسلطة القضائية، والوزارات، ومناصب المحافظين، لا سيما للأقاليم والمحافظات التي تمثّل أغلبيةً فيها، فضلاً عن عدم الاعتراف رسمياً بالأحزاب المستقلة المرتبطة بالأقليات العرقية التي تدافع عن حقوق هذه الأقليات.

ناضلت الشعوب الإيرانية في مواجهة ديكتاتورية الشاه، بحسب صلاح أبو شريف، أمين عام الجبهة الديمقراطية الشعبية الأهوازية، وشاركت في ثورة 1979 بقوة، وكان لإيقاف النفط وصادراته من قبل الأهوازيين الدور الأكبر في إسقاط النظام الملكي، ولم تكن هذه المشاركة مجانيةً، بل نتيجة وعد من روح الله الخميني، بإعادة حقوق الشعوب غير الفارسية بعد إسقاط الشاه.

يقول أبو شريف، لرصيف22: "لاحقاً، تنكّر الخميني لكل الوعود التي أعطاها، معلناً الجهاد ضد الشعوب غير الفارسية، فكانت مجزرة الأربعاء الأسود في الأحواز، كذلك شن حرباً على كردستان وتركمانستان وبلوشستان، وقتل الزعيم الأذربيجاني شريعتمداري. وفي النتيجة، استمر الاضطهاد والتطهير العرقي بأساليب قمع فاقت أساليب زمن الشاه، مبتكراً تهماً جديدةً تحت عنوان محاربة الله والنبي والدين والمذهب والإمام".

نقطة اللا عودة

"في الحقبتين، لم يكن الشعب الفارسي حليف الشعوب الأخرى في مطالبها بقدر ما كانت معارضته للنظام من أجل حياة أفضل ومطالب معيشية وحريات فردية بحتة، خلافاً لمطالب الشعوب التي تمسّكت طوال قرن بحقوقها الإنسانية والوطنية، ومنها حق تقرير المصير وفق الإعلان العالمي لحقوق الإنسان"، يروي أبو شريف.

لم يكن الشعب الفارسي حليف الشعوب الأخرى في مطالبها بقدر ما كانت معارضته للنظام من أجل حياة أفضل ومطالب معيشية وحريات فردية بحتة، فهل تغيّر واقع الحال في احتجاجات اليوم؟ 

ويضيف: "النظام الايراني السابق والحاضر يتعاملان بطرق مختلفة مع مطالب الشعب الفارسي والشعوب غير الفارسية، فالفرس في عين النظام هم أهل البلد والدولة والمحافظون على وحدة التراب والدولة الإيرانية، ومطالبهم اقتصادية وحريات فردية وجماعية. أما الشعوب غير الفارسية، فينظر إليها كأجانب يسعون إلى تفكيك الدولة الإيرانية والانفصال عنها، بالإضافة إلى كونهم متهمين بالتبعية لأجندات دول إقليمية ودولية، تسعى إلى تفكيك الدولة. لذا، يمارس التمييز حتى في القمع والتعذيب والقتل والإعدامات، والشاهد على ذلك ما حصل في بلوشستان والأحواز وكردستان وغيرها من مدن الشعوب غير الفارسية، بالمقارنة مع غيرها من المدن الفارسية".

في دراسة لمعهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى، تذكر الباحثة في الشؤون الإيرانية والمحامية المتخصصة في حقوق الإنسان، رها بحريني، أن عدد الوفيات في أثناء احتجاز الأقليات العرقية في إيران كان مرتفعاً جداً على مر التاريخ، كما أن عدد أحكام الإعدام التي نفّذها النظام ضد الأقليات يتجاوز تلك المنفّذة في حق الفئات الأخرى بأشواط.

فبالنسبة إلى الأقليات العرقية في إيران المتمركزة في المناطق الحدودية المضمومة أو المستعمرة والتي تضمّ بمعظمها أكراداً وعرباً أحوازيين وبلوشاً وتركماناً وآذريين، تمتزج الأصولية القمعية القياسية والتحيز ضد المرأة اللذان يمارسهما النظام بطبقةٍ إضافية من الاضطهاد بسبب قوميتهم "الدونية" غير الفارسية، مما يضاعف ضراوة هجمات النظام.

وبحسب الأكاديمي والناشط السياسي الكردي الإيراني، سوران بالاني، لا توجد أقلية في إيران، وإنما توجد مكونات وقوميات أساسية، من كرد، وعرب، وآذر، وتركمان، وبلوش، وفرس وغيرهم، كما توجد أديان ومذاهب مختلفة. وهذه نقاط مهمة جداً، بحيث لا توجد قومية تشكل أكثريةً مطلقةً في إيران.

ويقول لرصيف22: "الدولة التي تُبنى على أساس القومية الواحدة واللغة الواحدة والدين الواحد والمذهب الواحد مثل إيران، لن تستطيع القوميات الأخرى أن تتمتع فيها بحقوقها الشرعية. ولذلك، فإن التضامن وتوحد صفوف القوميات والأديان والمذاهب، سبيل إسقاط النظام، ومن ثم على هذه القوميات والأديان والمكونات المختلفة أن تذهب إلى عقد اجتماعي جديد في إطار دستور ديموقراطي مدني يحترم المبادئ الأساسية لحقوق الإنسان، ومبادئ القوميات والثقافات واللغات المتنوعة، وحينها، ستشعر كل قومية وكل مكوّن بأنه حصل على القسم الأكبر من حقوقه في إطار الدستور".

في دراسة لمعهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى، يؤكد الكاتب حامد الكناني، على ضرورة التنسيق بين المعارضة الفارسية الإيرانية والشعوب غير الفارسية من أجل تحقيق معارضة حقيقية ومتماسكة. إذ "لا يمكن للوحدة أن تكون فكرةً رومانسيةً غامضةً، بل تحتاج إلى عملٍ حقيقي وجاد. وعلى جماعات المعارضة الفارسية أن تؤدي دورها في هذا الصدد، وأن تتوقف عن محاولة التهرب من مسألة النضال القومي للشعب العربي الأهوازي أو الأكراد والبلوشيين والأتراك والتركمان والجيلاك، وغيرهم. "إنهم" لا يريدون الحد الأدنى من الحرية الجماعية والحقوق المدنية فحسب، بل أيضاً حكماً لا مركزياً، لإنهاء القمع الوحشي الحالي والاستعمار المحلي وكوسيلة لحماية وجودنا وهويتنا الثقافية".

في الإعلام الفارسي، يتم تهميش أبطال الأمة الذين ليسوا من أصول فارسية، وتصوير مطالب المدن الفارسية على أنها المطالب المركزية الوحيدة

كذلك، يشير الكاتب والناشط الإيراني من أصول فارسية مهدي جلالي طهراني، إلى "التعتيم الممارس على المطالب الاحتجاجية المتنوعة، والتي لا تنعكس في الإعلام الفارسي، حيث يتم تهميش أبطال الأمة الذين ليسوا من أصول فارسية. ويتم تصوير مطالب الطلاب في طهران والمدن الفارسية على أنها المطالب المركزية الوحيدة والتي تمثّل جميع الناس في إيران، كما لو أنهم نسّقوا معها (الشعوب غير الفارسية)، وهو أمر غير صحيح ومضلل".

ويعرب في هذا السياق عن تفاؤله الحذر، فـ"الأكيد هو أن الثورة قد بدأت وأننا وصلنا إلى نقطة اللا عودة. ولكن متى ستنجح هذه الثورة؟ لا يمكن الحديث عنها بثقة في ظل غياب الوحدة الحقيقية والإستراتيجية الجماعية لجميع شعوب إيران".

الأقليات ملعب انتخابي

رُفع شعار "إيران دولة متعددة القوميات"، ضمن مسعى رجال ثورة إيران عام 1979، لكسب تأييد القوميات غير الفارسية، غير أن الخميني كان دائم التحذير من التوجهات الانفصالية للأقليات الإيرانية.

ومن يومها، بقيت قضايا الأقليات في إيران للتجارة الانتخابية فقط، وظهر ذلك جلياً خلال حملتَي انتخابات الرئيسين الإيرانيين، حسن روحاني ومحمود أحمدي نجاد، إذ تضمن البرنامج الانتخابي لنجاد إعلانه عن خطة تنمية للمحافظات الحدودية، فيما أشار روحاني، خلال تجمع انتخابي له في بندر عباس إلى رغبته في تنمية المدينة وتطوير الميناء.

بدوره، أكد الرئيس إبراهيم رئيسي، خلال تجمّع انتخابي سابق في مدينة بيرجَند في محافظة خراسان الجنوبية إلى وحدة المجتمع الإيراني، وأن "تقسيمات السنّة والشيعة والقوميات المختلفة في إيران ليست حقيقيةً، والمعيار الحقيقي بالنسبة إلينا هو أعداء النظام الإسلامي".

بحسب أبو شريف، "أقيمت المملكة البهلوية على أساس عنصري، قائم على فكر الأمة الفارسية الواحدة ذات الهوية واللغة والحكم والتاريخ الفارسي. لذا، عملت السلطة حينها، على سياسات عنصرية ترقى إلى مستوى التطهير العرقي ضد الشعوب غير الفارسية، شملت كل ما يتعلق بهوية هذه الشعوب، عبر منع الدراسة باللغة الأم، وتغيير أسماء المدن والقرى والأنهار، وحتى المعالم التاريخية إلى أسماء فارسية".

وأُعلن عن قيام الدولة البهلوية (المملكة) عام 1925، نتيجة انقلاب رضا بهلوي على الشاه أحمد ميرزا القاجاري، وبقيت حاكمةً حتى سقوط السلالة البهلوية على إثر الثورة الإسلامية عام 1979، وخلال هذه الفترة تعمّقت النزعة القومية الفارسية على حساب الشعوب الإيرانية المختلفة.

يقول أبو شريف: "قامت المملكة بتدريس الثقافة والتاريخ الفارسيين، ومنعت تأسيس أي حزب أو منظمة سياسية أو ثقافية أو صحيفة تكون لسان حال هذه الشعوب في التعبير عن هويتها. وألقي بالمعترضين على هذه السياسة في السجون وعُلّقوا على أعواد المشانق، بالإضافة إلى التعذيب ومصادرة الأملاك. وتبنت السلطة الحالية سياسةً قمعيةً فاقت سابقتها، إذ قامت بخلق الفتن وضرب الشعوب بعضها ببعض، مستفيدةً من الظروف الإقليمية والدولية لإخفاء صوت الشعوب غير الفارسية ومطالبها".

ووفقاً لتقرير منتدى الأمم المتحدة المعني بقضايا الأقليات، فإن المشاركة في الدعوة إلى استخدام لغات الأقليات، وتنظيم الاحتجاجات السلمية أو المشاركة فيها، والانتماء إلى أحزاب المعارضة، تكون أسباباً تدفع الحكومة الإيرانية إلى الاعتقال والاحتجاز. وقد تم القبض على ناشطي حقوق الإنسان من الأقليات العرقية، بما في ذلك عرب الأهواز وأذربيجان والأتراك والأكراد، لممارستهم حقوقهم في حرية التعبير والتجمع بشكل سلمي للمطالبة بحقوقهم الأساسية.

اليوم، بعد أن أصبح التواصل بين الشعوب عبر تنظيماتها، وعبر شبكات التواصل الاجتماعي، التي عرّفت الشعوب ببعضها البعض، تجد الشعوب الإيرانية نفسها تواجه عدواً واحداً يقتل العربي والكردي والبلوشي والتركي للسبب عينه

برأي أبو شريف، "فشلت السلطتان، السابقة والحالية، في تفريس الشعوب غير الفارسية في إيران. واليوم، بعد أن أصبح التواصل بين الشعوب عبر تنظيماتها، وعبر شبكات التواصل الاجتماعي، التي عرّفت الشعوب ببعضها البعض، تجد الشعوب الإيرانية نفسها تواجه عدواً واحداً يقتل العربي والكردي والبلوشي والتركي للسبب عينه وبالتهمة نفسها. لذا، تقف هذه الشعوب في صف واحد لمواجهة الاحتلال والظلم تحت مظلة جبهة الشعوب غير الفارسية، مطالبةً بحقها في تقرير المصير".

وفي هذا السياق، يرى طهراني أن "أسلوب التغطية لوسائل الإعلام الفارسية أحدثت ضرراً بالغاً، إذ يرى من هم من أصول غير فارسية أن التغطية الإعلامية لنضالهم لا تزال تواجه التمييز، وتالياً يريدون أن يغيّروا مصيرهم من البداية (بعد الثورة) وأن يصبحوا مستقلين. وبالطبع، هناك أسباب لذلك".

الانتفاضة والوحدة

يرى سوران بالاني، أن "التضامن بين القوميات غير الفارسية وحتى الفرس في إيران، إحدى النقاط المميزة في الانتفاضة الراهنة، إذ بدأت الانتفاضة من كردستان لتشتعل في المدن الأخرى، من خلال تضامن هذه المدن معها، من تبريز إلى الأهواز إلى بلوشستان إلى المناطق الفارسية الأخرى. وهذا التضامن قوي والتوحد بين الشعوب الإيرانية نقطة مهمة لاستهداف النظام الإيراني، بعد أن لعب النظام الإيراني طوال أربعين سنةً على وتر الأقليات، مستخدماً بعضها لضرب البعض الآخر".

ولكن هذه المرة، نرى جميع القوميات متضامنةً مع بعضها البعض، فعندما يرتكب النظام إبادةً في بلوشستان يرتفع الصوت في طهران، وفي كردستان. وعندما يقوم بالهجوم على المدن الكردية نرى تضامناً من الأهواز، ومن تبريز. وهذه نقطة مركزية في مسيرة إسقاط النظام الإيراني، ومؤشر على سقوطه عاجلاً أم آجلاً، إذ تم تحييد الجوانب السلبية للنزعة القومية لحساب توحيد الصفوف والتضامن بين أخوة عاشوا معاً طوال قرون، ولديهم مستقبل مشترك وأساسيات مشتركة، يقول بالاني.

في إخماد الاحتجاجات السابقة، لعبت السلطات بنجاح على إحساس الإيرانيين بالقومية، وغذت المخاوف الكامنة من الحركات الانفصالية

تؤيد ذلك، سِبِهري فَر، الباحثة في الشأن الإيراني في هيومن رايتس ووتش، في تصريحها لمجلة التايم، إذ تقول: "التضامن خارج الخطوط العرقية لا يزال قائماً إلى حد كبير. والاحتجاجات، كما أفهمها، منتشرة على نطاق واسع".

وتضيف: "في إخماد الاحتجاجات السابقة، لعبت السلطات بنجاح على إحساس الإيرانيين بالقومية، وغذت المخاوف الكامنة من أن الاضطرابات قد تكون بمثابة غطاء للحركات الانفصالية بين الأقليات العرقية الكردية والبلوشية والعربية في البلاد. ويبدو أن وفاة مهسا أميني، الفتاة الكردية، قد أشعلت الاحتجاجات خارج المستشفى بدايةً، ثم في مسقط رأسها. وفي غضون أيام اندلعت في أكثر من 80 مدينةً في جميع أنحاء البلاد، بما في ذلك المدينة المقدسة قُم".

وبحسب أبو شريف، "مرّت الأحواز، خلال العقدين الماضيين، بفترة عصيبة، نتيجة كثرة الانتفاضات فيها التي شهدت قمعاً وحشياً خلّف آلاف القتلى وعشرات الآلاف من الأسرى، ترافق مع إرهاب عوائلهم وقطع أرزاقهم، مما سبّب هجرة عدد كبير من مناضلي الأحواز إلى الخارج".

ويشير إلى أنه "في المقابل، لم يحصل الأحوازيون في الداخل على أي نصرة أو دعم إقليمي أو دولي. بالإضافة إلى ذلك، مارست السلطات الإيرانية سياسة الفتن القبلية والطائفية، وخلق تنظيمات سياسية بديلة مرتبطة بها، مع إرسال عدد من كوادرها الأمنية لبث الفتن والفرقة وخلق حالة من اليأس والاستسلام بين التيارات والفصائل الأحوازية، مع تشويه سمعتها واعتقال قيادات أحوازية في أوروبا. ورافق ذلك انسداد إعلامي، بعد فقدان الأحوازيين ثلاث قنوات كانت توجّه الشارع في الفترات الماضية".

ويتحدث أبو شريف عن نقطة جوهرية، إذ "لم تشهد المدن الإيرانية الفارسية وغير الفارسية هذا الكم من الانتفاضات أو القمع المفرط، فكردستان مثلاً، الكفاح فيها مسلح، وإذا أرادوا إيصال رسالة، يوصلونها عن طريق الإضراب، وفي حال التظاهر وملاحقة المتظاهرين فإنهم يلجؤون إلى العراق بكل سهولة، عبر الجبال المفتوحة بين البلدين، خلافاً لحال الأحوازيين، المحاصرين بين قوات الحرس الثوري والبَسيج من أمامهم والميليشيات العراقية التابعة لهم من خلفهم في العراق. وهذه الأسباب أدت في مكان ما إلى تباطؤ الحراك الأحوازي في الانتفاضة الحالية، ولكنه سيتصاعد لا محالة".

ويتحدث الناشط الأهوازي يونس الكعبي، إلى معهد واشنطن، عن إشكالية انضمام الأهواز إلى الاحتجاجات وأهميته، ويقول: "الأحواز منطقة إستراتيجية بالنسبة إلى النظام، تضم أكثر من 90 في المئة من موارد النفط والغاز التي تستغلها إيران. نحن نعيش على الأرض التي تحتوي على موارد الطاقة وإذا احتججنا، فسوف يذبح النظام شعبنا لأن الأحواز هي أرض النفط والغاز".

ويضيف: "لقد أوقف الأحوازيون تدفق الطاقة من الأحواز في السابق، وأطاحوا بالشاه. وفي المقابل، نكث الخميني بوعوده بالحرية وقتل شعبنا وشرّده. نحن لا نريد أن يتكرر هذا المصير مرةً أخرى. ستأتي الوحدة عندما نرى تغييراً حقيقياً في خطاب المعارضة الفارسية، وعند الاعتراف بنا وبكل حقوقنا القومية بدلاً من إطلاق مجرد شعاراتٍ شعبوية رومانسية".

ويُطلق المُحتجون في أنحاء إيران شعارات تناهض المرشد، ويرددون: "الموت للديكتاتور"، ورُفعت شعارات "المرأة، الحياة، الحرية"، في رفض صريح ومباشر لما تعانيه المرأة تحديداً، والشعب عامةً، من قمع وتضييق على الحريات، وهو ما عدّه الكثير من الناشطين رسالةً واضحةً وصريحةً تعبّر عن غالبية شرائح المجتمع الإيراني وتصيب الأسس التي قام عليها نظام ولاية الفقيه. 


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

نؤمن في رصيف22، بأن بلادنا لا يمكن أن تصبح بلاداً فيها عدالة ومساواة وكرامة، إن لم نفكر في كل فئة ومجموعة فيها، وأنها تستحق الحياة. لا تكونوا زوّاراً عاديين، وساهموا معنا في مهمتنا/ رحلتنا في إحداث الفرق. اكتبوا قصصكم. أخبرونا بالذي يفوتنا. غيّروا، ولا تتأقلموا.

Website by WhiteBeard
Popup Image