شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

اشترك/ ي وشارك/ ي!
دروز جبل السمّاق في إدلب... مكابرة وصبر وتنازلات في سبيل البقاء

دروز جبل السمّاق في إدلب... مكابرة وصبر وتنازلات في سبيل البقاء

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

سياسة نحن والفئات المهمشة

الجمعة 4 نوفمبر 202201:58 م

هاجر يوسف، وهو ينحدر من الطائفة الدرزية في ريف إدلب، من منطقته الواقعة في جبل السمّاق غرب إدلب، متجهاً إلى دمشق، بعد نقل وظيفته إليها، إثر سيطرة التنظيمات الجهادية على المنطقة في عام 2016، والتي قامت بالسيطرة على منزله بتهمة التشبيح وإسكان عناصر تابعة لها فيه. وهو من بين مئات الأشخاص الذين تركوا منازلهم خشية ملاحقتهم من قبل هذه الفصائل، في ظل فرض شروط تتعلق بالشعائر الدينية، وفرض الإتاوات والضرائب وإجبارهم على الدخول ضمن تشكيلاتهم "المدنية"، مثل مجلس الصلح العام وإدارة التنمية وغيرهما.

لم ينخرط أبناء الطائفة الدرزية في الثورة السورية في منطقة إدلب، بل انعزلوا في قراهم التي فيها يعملون في الزراعة من دون الانحياز إلى أيٍّ من أطراف الصراع، كما حصل في السويداء، وهي أكبر منطقة تضمّ أكبر تجمعات الدروز في سوريا، ولكن مع سيطرة الفصائل الجهادية على مناطقهم في الشمال السوري، ازدادت التحديات بين الحفاظ على عزلتهم وبين التعامل والرضوخ لسلطات الأمر الواقع.

ويعيش دروز شمال غرب محافظة إدلب، في 18 قريةً، ثلاث منها مختلطة مع سكان آخرين من السنّة، وخمس عشرة قريةً صافيةً من الطائفة، أكبرها أربع قرى متساوية في العدد تقريباً، وهي كفتين ومعرة الإخوان وكفر بني وقلب لوزة (المشهورة بكنيستها الأثرية القديمة). وكان تعداد كل منها قبل عام 2011، بين 3،000 و3،500 نسمة، والبقية أصغر ومتفاوتة في العدد، فيما كان العدد الإجمالي لهم نحو 30 ألف نسمة، بقيت منهم اليوم نحو 12 ألف نسمة.

مصدر الدخل الرئيسي هو الزراعة، ثم الاغتراب، ثم برادات نقل البضائع، ثم الوظائف الحكومية، فالمهن الحرة، ولا يوجد فيها أثرياء، لكن مستوى الدخل فيها أعلى من القرى المجاورة، بسبب نشاط السكان والتكافل الاجتماعي في ما بينهم. أما مستوى الخدمات فكان مقبولاً ولا يتميز عن الموجود في القرى المحيطة.

يعيش دروز شمال غرب محافظة إدلب، في 18 قريةً، ثلاث منها مختلطة مع سكان آخرين من السنّة، وخمس عشرة قريةً صافيةً من الطائفة

الموقف المتشعّب

يروي عبد المجيد (72 عاماً)، الذي فضّل عدم ذكر اسمه الكامل كي لا يتم التعرّض له، وهو أحد وجهاء الطائفة الدرزية في قرى جبل السمّاق، عن التحديات والأحداث التي تعرّض لها الدروز في المنطقة طوال عقد من الزمن، منذ بداية النزاع السوري، ويقول لرصيف22: "بعد مظاهرات درعا، وبدء الغليان الشعبي، ظهرت ثلاثة توجهات؛ التوجه الأول مؤيّد للثورة ممن يرغب في تغيير النظام، ونظروا إلى ما يحصل على أنه ثورة وطنية تخصّ كل الشعب السوري، ولكن هذه الفئة كانت أقليةً ضمن المجتمع الدرزي الواسع".

ويضيف: "الاتجاه الثاني، وقد شكّل الأكثرية، كان يرى الثورة صراعاً سنياً-علوياً، وطبعاً كان مع النظام أولاً، لأنه قارنها بانتفاضة الإخوان المسلمين في ثمانينيات القرن الماضي، وسيقمعها النظام بقسوة، وعدّ أنها لا تخصه، وتوجّس من انعكاس مظاهر التطرف سلباً على الدروز. أما الاتجاه الثالث، فهو الرمادي المتربص الذي كان ينتظر النتائج على الأرض، كي يحدد موقفه، ولم تخرج في قرى الدروز في إدلب أي مظاهرة، ولكنهم شاركوا في مظاهرات إدلب والمدن والقرى الأخرى، وحين ظهر العمل المسلح لم يشارك فيه إلا بضعة أشخاص يُعدّون على أصابع اليد الواحدة".

محاولات النظام

بعد أشهر قليلة من بدء الثورة، بدأ جيش النظام باقتحام القرى السنية الثائرة والمجاورة للقرى التي يغلب عليها الوجود الدرزي. يروي عبد المجيد، كيف "كان أهالي هذه القرى يلجؤون إلى قرانا، ويلاقون الترحيب من كل الناس على اختلاف أهوائهم ومشاربهم، إذ عدّوا أنه واجب اجتماعي بين أبناء البلد الواحد، ثم حين انتقل النظام إلى قصف هذه القرى بالطائرات والصواريخ ، نزح كثيرون من الجيران إلى قرانا، فقدّمنا لهم المأوى في بيوتنا، ولم يبخل أحد بحسن الضيافة، من دون أن نقبل أي مقابل مادي. وفي هذا الوقت أُخرجت كل وحدات النظام من الشمال، وبقيت في إدلب وفي بعض المواقع الأخرى التي في جنوبها وشرقها".

من جهته، يقول أبو ياسر (اسم مستعار)، وهو سبعيني من دروز إدلب ومقيم فيها إلى اليوم: "حاول النظام استمالة الدروز وجعل قراهم امتداداً للسيطرة على شمال إدلب عبر تسليمهم السلاح والعتاد كما حصل في كفريا والفوعة الشيعيتين، واستخدام قرانا في معركته مع القرى الثائرة، وهذا ما رُفض تماماً".

لم تسلم هذه القرى من البطش، ولو أنه بقي محصوراً مقارنةً بما حصل في القرى المجاورة. يروي أبو ياسر، كيف تعرضت قراهم لقصف من النظام والروس، ويُرجع موقف هذه القرى برفض الوقوف ضد جيرانهم إلى كون "جبل السماق يُعدّ منطقةً عريقةً لها امتداد تاريخي حافل بمحاربة المحتل الفرنسي، ومسقط رأس جد سلطان باشا الأطرش من قرية دير سيتا في المنطقة، وتوجد عوائل لها احترامها، مثل عائلة الحلبي، ومحمد عز الدين الذي يُعدّ وجيه الدروز في إدلب، وهو مرجعية بالنسبة لهم ولديه مضافة تُحلّ فيها جميع القضايا، وتالياً من يعرف طبيعة تفكير أبناء هذه القرى، سيُدرك أنه كان من المحال أن ينجح النظام في توريطهم في حرب على أبناء بلدهم كما كان يعتزم".

الطائفة الدرزية وداعش

بعد عام 2014، وتمدد تنظيم داعش في المنطقة، عاش الدروز فترات عصيبةً لم يعرفوها في السنوات الثلاث الأولى للثورة. يقول عبد المجيد: "راحت عناصر التنظيم تخطف من الدروز على الطرقات، وتقتل من تخطفهم، ولم تسلم من القتل إلا حالة واحدة شهد فيها للشخصين المخطوفين خمسة من الجيران، بأنهم يعتنقون الإسلام حتى أفلتوهم وتركوا لهم (أي لداعش)، براد النقل الخارجي الذي كانوا يستقلونه".

نصبت جبهة النصرة أبو عبد الرحمن التونسي، أميراً على قرى الدروز، فراح يراقب سلوكيات الناس وأزياءهم ولحاهم ويهين الكرامات ويهدم المزارات، وأنهى فترة إمارته بمجزرة راح ضحيتها 23 شخصاً، خرجهم من منازلهم لتتم تصفيتهم بالشارع

الحادثة الأبرز مع داعش، كما يروي عبد المجيد، كانت أيضاً في العام 2014، "حين اعترض مسلحو التنظيم طريق شخصين ذاهبين من قرية إلى قرية مجاورة بسيارتهما، واستطاعا قبل اعتقالهما إعلام شخص من قريتنا، فخرج مسرعاً مع ابنه إلى الطريق وتبادلا معهم إطلاق النار، فهرب المخطوفان وأصيب رجل منا، وقُتل واحد من عناصر التنظيم، وبعدها راحوا يجوبون قريتنا ليلاً نهاراً ليستفردوا بشخص كي يخطفوه، أو يفتعلوا مشكلةً تبرر لهم مجزرةً. استطعنا في النهاية الوصول معهم إلى اتفاق من ثلاثة بنود: إعلان مظاهر الإسلام في القرية، وتسليمهم 15 بندقيةً، والشخصين اللذين اشتبكا مع الدورية في حال عادا إلى القرية، وكانا قد فرّا إلى مناطق تواجد النظام في إدلب حينها".

بعد خروج داعش من المنطقة، حدثت انفراجة نسبية بالرغم من استمرار عمليات الخطف وطلب الفدية، وكانت تُعزى إلى لصوص وقطاع طرق، ولم يكن يتبناها أحد، حتى تم طرد النظام من إدلب في آذار/ مارس 2015. يقول عبد المجيد: "حينها حمل لنا أحد قادة الكتائب إنذاراً يقول إن الأمراء من مختلف الفصائل اجتمعوا بخصوصنا وقرروا إما أن نعلن إسلامنا أو السيف، فأعلن شيخ المنطقة إسلامنا، ووكّلوا علينا أمراء منهم، وكانت الفصائل وقتها شريكةً في السلطة، ولكن جبهة النصرة كانت رأس حربتها".

الدروز وجبهة النصرة

في حادثة ليست الأولى من نوعها، قُتل تركي بياسي (65 عاماً)، وزوجته هدى زكي زيبار (61 عاماً)، المنحدران من قرية كفتين شمال غرب إدلب، إذ تعرض كل منهما لطلق ناري في الرأس، خلال عودتهما إلى منزلهما في وقت متأخر من مساء الجمعة 20 آب/ أغسطس الماضي.

أتت هذه الحادثة بعد أسبوع من تهديد تعرّض له الدروز في قرية قلب لوزة (التي شهدت جريمةً بشعةً قُتل فيها 22 شخصاً على يد عناصر جبهة النصرة في عام 2012)، الواقعة في جبل السماق، حيث دخل عنصر من الفصائل الجهادية إلى أحد المساجد ووجه تهديدات إلى الدروز واتّهمهم بأنهم كفّار ليشهر السلاح في وجه المصلّين الذين سرعان ما خرجوا من المسجد.

أُشارت أصابع الاتهام إلى ضلوع الحزب الإسلامي التركستاني في جريمة قتل المسنّين في قرية كفتين، ولكن سرعان ما ألقت هيئة تحرير الشام عبر جهازها الأمني القبض على الفاعلين، وبحسب بيانها هم من المهاجرين الأوزبك ويمتهنون الخطف والقتل والسرقة، مشيرةً إلى أنهما ينتميان إلى مجموعة من المقاتلين الأوزبك الموجودين في سوريا، ولهم صلات بتنظيم داعش، وكشفت الهيئة كذلك، أنهم اغتالوا في وقت سابق، حكمت هداد، الذي قُتل مطلع الشهر نفسه، آب/ أغسطس 2022، في جبل السماق.

دخل عنصر من الفصائل الجهادية إلى أحد المساجد ووجه تهديدات إلى الدروز واتّهمهم بأنهم كفّار ليشهر السلاح في وجه المصلّين

وكانت شهدت فترة سيطرة جبهة النصرة على قرى الدروز، بعد طرد داعش أواخر عام 2014، منعطفاً خطيراً، فقد نصّبوا أميراً عليها يقال له أبو عبد الرحمن التونسي، ويُلقّب بـ"السفينة"، فراح يراقب سلوكيات الناس وأزياءهم ولحاهم وشواربهم والتزامهم ويهين الكرامات ويهدم المزارات، وأنهى فترة إمارته بمجزرة في قلب لوزة، راح ضحيتها 23 شخصاً، حيث كان يُخرجهم من منازلهم لتتم تصفيتهم في الشارع، بالإضافة إلى سبعة آخرين كانوا عنده في السجن، بلا ذنب، وكان قد قتل في الأيام السابقة للمجزرة خمسة أشخاص على الطرقات، وفي أراضيهم الزراعية، ليصبح المجموع 35 شخصاً من دون أن يرفع أحد في وجهه سلاحاً.

مرحلة مصادرة الأملاك

"في اليوم نفسه، أقرّ أميره حمود ديبو، من قرية السحارة في ريف حلب الغربي، بفعلته وهدد باقتحام قرى الدروز بعد يومين، إذا لم تُقدَّم له ألف بندقية، ولكن الضغط الذي قامت به مرجعيات من دروز لبنان والسويداء على أكثر من مستوى، كان أسرع، فاضطرت جبهة النصرة إلى إصدار بيان عدّ العملية جريمةً، واعتُقل التونسي، وبقي أسبوعين في السجن يهدد ويتوعد، ثُم تمّ إخلاء سبيله وفصله من جبهة النصرة، وذهب إلى فصيل آخر، ولم يعاقَب أحد على المجزرة، ولم يقدَّم لذوي الضحايا أي تعويض، وكان ذلك في 10 حزيران/ يونيو 2015"، يقول عبد المجيد.

بدّلت جبهة النصرة حينها، الأمير، لكنها لم تبدّل من معاملتها للدروز، والفارق كان أن الأمير الجديد لم يمارس القتل لكنه فرض الإتاوات تحت التهديد، ثم بحسب ما يروي عبد المجيد لرصيف22، بدأ التركيز على انتزاع الملكية. يقول: "بعد أن طردت جبهة النصرة الفصائل من المنطقة، ثم تحولت إلى جبهة فتح الشام (2016)، وضعت يدها على المجالس المحلية، وصادرت الفرن الوحيد العائد لقرى الدروز، والذي سلّمته لهم منظمة إنسانية ككل الأفران في القرى المحيطة، ولم يصادروا غيره، من دون وجود مبرر للمصادرة".

يضيف: "الأنكى أن الفرن يتلقى دعماً من منظمة إغاثية، وهذه المنظمة لا تستطيع أن تدعم فرناً إلا إذا كان عائداً للمجلس المحلي، ولذلك فالهيئة تجبر رئيس المجلس المحلي على التوقيع عند غول (المنظمة الإيرلندية المموّلة للمشروع)، بأن الفرن للمجلس وعائداته له، وهو الذي يعيّن عمّاله وإدارته ومعتمدي البيع، وفي الحقيقة فإن المجلس لا يملك من ذلك شيئاً ولا يقبض فلساً واحداً من عائداته".

بعدها، وبحسب عبد المجيد، "بدأت الجبهة مرحلة مصادرة الأراضي والبيوت بحجة أن أصحابها هاجروا لأنهم لم يرضوا بحكم الإسلام، فأصبح أكثر من ربع ممتلكات القرى لها، والمضحك المبكي أنه إذا كان الأب غائباً وابنه موجوداً، فإنهم يأخذون الأرض ويحرمون الابن منها، علماً أن بعض الغائبين قد ذهبوا للعمل قي الخليج أو لبنان أو دمشق، واللافت أيضاً أنهم كانوا يستولون على البيت أو الأرض بقرار من أصغر مسؤول عن المصادرات وليس بحكم قضائي، فإذا اعترض أحد يقولون له قدّم دعوى، أي أنهم يكسبونها غزواً، وإذا كنت ستستردها فقضائياً، ويقبضون آلاف الدولارات لقاء ذلك".

الدروز وحكومة الإنقاذ

تحولت جبهة النصرة إلى هيئة تحرير الشام، في 27 كانون الثاني/ يناير 2017، وعقدت مؤتمراً وشكلت حكومة الإنقاذ التي لم تعمل على تحسين العلاقة مع الدروز، ثم جاءت حكومة أخرى يرأسها علي كده، وراحت تحاول تحسين العلاقة من دون أن تستطيع أن تقدّم شيئاً حتى الآن.

يشار إلى أنه في السنتين الأخيرتين، قُتل من الدروز ستة أشخاص لم يتم التحقيق في مقتلهم، وفي الحد الأدنى لم يتم إطلاع ذويهم على مجريات التحقيقات إن حصلت، وإلى ماذا وصلت، إذ يعتقد الدروز أن هناك تغطيةً مقصودةً على القاتلين.

قبل عام ونصف تقريباً، زارنا رئيس حكومة الإنقاذ ومعظم أعضائها، متوقعين أن نحتفل بهم ونصفق لهم، لكننا قدّمنا لهم مداخلةً باسم قرانا ملخصها أننا نطلب المساواة في المعاملة مع الآخرين، وعدّدنا لهم المظالم التي تطالنا وحدنا

وفي حين سعت هيئة تحرير الشام مؤخراً إلى رفع اسمها من قائمة الإرهاب، لكي تتمكن من أن تكون مشاركةً في مفاوضات الحل في سوريا، كممثل عن مجموعة أو فئة، وهذا يقتضي منها تنفيذ بعض الأمور التي تتعثر في تنفيذها بسبب التناقض بين المطالب الدولية والفتاوى التي تعتمدها، إذ تحاول تحسين العلاقة مع الأقليات، لتظهر وكأنها منفتحة على الجميع.

وقام زعيم الهيئة أبو محمد الجولاني، في حزيران/ يونيو 2022، بزيارة منطقة جبل السماق، التي يغلب عليها الحضور الدرزي، برفقة عدد من قادة الهيئة ومسؤولين في حكومة الإنقاذ التابعة لها، بقصد افتتاح بئر مياه يغذّي قرى في المنطقة، والتقى الجولاني خلال الزيارة عدداً من وجهاء قرى المنطقة الدروز، ووعدهم بتكثيف الجهود للنهوض بالواقع الخدمي وتحسين المرافق العامة خلال الفترة القادمة.

يقول عبد المجيد: "قبل عام ونصف تقريباً، زارنا رئيس حكومة الإنقاذ (علي كده) ومعظم أعضائها، متوقعين أن نحتفل بهم ونصفق لهم ونظهر أننا وإياهم على أحسن حال، لكننا قدّمنا لهم مداخلةً باسم قرانا ملخصها أننا نطلب المساواة في المعاملة مع الآخرين، وعدّدنا لهم المظالم التي تطالنا وحدنا، فرحلوا غاضبين، لكننا عدنا وزرنا كده، في مكتبه وحاولنا ترتيب حوار بعد اعترافه بأن مطالبنا محقة، ومنذ ذلك الوقت لم نتقدم كثيراً، وهم يحاولون أن يشكّلوا مجالس قرى ومجالس محليةً من الذين لا يجرؤون على المطالبة، وما زلنا بين أخذ ورد".

الدروز والقرى المجاورة

تتسم علاقة الدروز مع محيطهم في قرى ريف إدلب، بالهدوء والاستقرار، وهم لم ينخرطوا في الثورة السورية بل اتخذوا موقف الحياد، فأضحت منطقتهم ملاذاً للهاربين من قصف النظام، ففتحوا المدارس والبيوت بشكل مجاني للنازحين منذ بداية الثورة.

يقول حامد، وهو رجل أربعيني مهجر من ريف حلب: "هُجّرت في عام 2015، من ريف حلب إلى منطقة كفتين، فاستقبلني الدروز بكل حفاوة وترحيب وسكنت معهم طوال خمس سنوات من دون أن أدفع إيجار المنزل، وبعد سيطرة هيئة تحرير الشام بدأت المضايقات من خلال الضغط لدفع أجور المنازل للمكاتب العقارية التابعة للهيئة، وكل منزل فارغ، أو كل منزل صاحبه غير موجود، تمت مصادرته لاحقاً".

وتمثّل مشيخة العقل المرجعية العليا للدروز في سوريا، تنظّم أمورهم وتحل مشكلاتهم، وفي جبل السماق العديد من المشايخ الذين لهم احترامهم لدى أبناء الطائفة، الذين يعودون إليهم لحل مشكلاتهم وغيرها من الأمور، وتتزعم عائلة عز الدين الدروز في إدلب، ويقطن أبناؤها في قرية كفتين شمال غرب إدلب في السهل الشرقي لجبل السماق، وتُعدّ عائلة محمد عز الدين حالياً، مرجع الدروز في إدلب وفي مضافتها تُحلّ جميع مشكلاتهم.

تعرضت قرى جبل السماق لقصف من قبل النظام والروس، في عامي 2017 و2019، كما قُتل أشخاص عدة بقصف روسي في 2021

تاريخ الدروز في إدلب

يذكر المؤرخ السوري، ابن مدينة إدلب، فائز قوصرة، أن "الدروز عرب تنوخيون من بلاد الشام، عُرف عنهم حبّهم إخفاء معتقدهم، بالرغم من صراحتهم في النقد وشجاعتهم في الرأي. هم محاربون أشداء يأبون الضيم ويميلون إلى الاستقلال بشؤونهم. أصحاب عمل دؤوبون، فإن كُلّفوا بشيء أسرعوا في إنجازه، وأحسنوا فيه، وهم كالجماعة المنطوية على نفسها تختلط بالآخرين لماماً، وعُرف عنهم مساندتهم لإبراهيم هنانو وحمايتهم لعائلته من الفرنسيين الذي التجأوا إلى معرة الإخوان، قادمين من كفرتخاريم غرب إدلب".

ويذكر قوصرة في كتابه "الرحالة"، في جزئه الأول، أن "اسم جبل السماق موجود في الوثائق التاريخية وخاصةً عند ياقوت في معجم البلدان، وتحديده يبدأ من شمال أريحا وغرب إدلب، كما ذكر أنه في سنة 1226هـ (1811م)، حدثت فتنة بين الدروز القاطنين في الجبل الأعلى (جبل السماق)، وبين أهالي البلاد، وجرت حروب كثيرة بينهم، فأرسلوا يستغيثون بالأمير بشير الشهابي الثاني، فأرسل مباشرين من قبله إلى تلك البلاد، وكتب إلى حكامها، وأحضرهم إلى بلاده، وفرّقهم للسكنى في مقاطعات البلاد، وكانوا 400 بيت، ومات منهم الكثير من النساء والأولاد على الطريق، وكابدوا مشقّةً عظيمةً قبل وصولهم إلى هذه البلاد".

وتشير معظم المصادر إلى أن الدروز هم في أصولهم قبائل عربية تنوخية، جاءت من اليمن على إثر تصدّع سد مأرب وسكنت سهول الحجاز والإحساء، ثم انتقلوا إلى الحيرة في العراق، ثم انتقلوا إلى شمال العراق ومنها إلى حاضر حلب وقنسرين والمعرة وجبل السماق، وصولاً إلى أنطاكية، ثم إلى كسروان، والآن يتركز الدروز في سوريا ولبنان وفلسطين والأردن، إلا أن جبل حوران يُعدّ التجمع الأهم لهم، إذ يشكّلون أغلبية سكانه.

وتعرضت قرى جبل السماق لقصف من قبل النظام والروس، في عامي 2017 و2019، كما قُتل أشخاص عدة بقصف روسي في تشرين الأول/ أكتوبر من العام 2021، في قرية تالنتا في جبل السماق.


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

WhatsApp Channel WhatsApp Channel
Website by WhiteBeard
Popup Image