من أسماء شهر تشرين الأوّل/ أكتوبر، "الشهر الوردي العالمي"، لأنه شهر التوعية بضرورة الكشف المبكر عن سرطان الثدي، أكثر أنواع السرطان شيوعاً، بحسب منظمة الصحة العالمية، والسبب الأول للوفيات الناجمة عن السرطان في أوساط النساء. بسببه توفيت 685،000 امرأة تقريباً في عام 2020، وتُصاب امرأة واحدة من بين كل 12، به.
تعمل منظمة الصحة على خفض معدّل الوفيات الناجمة عن هذا المرض في العالم بنسبة 2.5% سنوياً، أي تتجنّب 2.5 مليون حالة وفاة جرّاءه ما بين عامي 2020 و2040، فتعمد إلى التثقيف الصحي لتعزيز التشخيص المبكر للمرض، والعلاج الشامل، تساندها المؤسسات الصحية والاجتماعية والمنظمات الإنسانية في أنحاء العالم كافة.
وفي لبنان، لا يختلف الوضع، لكن التحديات مضاعفة مع تزايد وطأة الأزمة الاقتصادية، وفقدان الأدوية، وهما مشكلتان تعاني منهما كافة الفئات، سواء كنا نتحدث عن اللبنانيين/ ات أو اللاجئين/ ات من مختلف البلدان، وتعمل منظمات عدة على التصدي لها بالوسائل المتاحة.
التحديات مضاعفة في لبنان للتصدي لسرطان الثدي مع تزايد وطأة الأزمة الاقتصادية، وفقدان الأدوية.
قصص لبنانيات وسوريات مع "هيداك المرض"
تروي اللبنانية أم حسين (52 عاماً)، تجربة والدتها مع سرطان الثدي. "كلّما تذكّرت معاناة أمي، خصوصاً في الفترات الأخيرة قبل وفاتها، وتساقط شعر رأسها، لا أستطيع وصف ألمي وحزني. أُصاب بإرهاق نفسي وأشعر بضرورة أن أخبر قصتها حتى تعي النساء ضرورة إجراء الفحص المبكر والمتابعة الدورية، سواء كنّ عزبات أو متزوّجات أو أمهات. ينبغي علينا الحصول على معلومات كافية وإجراء الفحوص الدورية وصور الأشعة".
وتكمل أم حسين لرصيف22: "عرفنا بمرض أمي بعد ست سنوات من إصابتها الفعلية. كان عمرها نحو 76 سنةً. لاحظنا تغيّراً وضموراً في حلمة ثديها. أخذناها إلى طبيب مختص أجرى لها عملية استئصال، ولكن بعد ستة أشهر عادت الكتل إلى الظهور، وازدادت التقرّحات، وبدأت رحلة الجرعات الكيميائية. كانت الأدوية مكلفةً جدّاً ولم نستطع تأمينها بشكل دائم، ما تسبّب في تدهور حالتها الصحية. كنّا نحصل على الأدوية في بعض الأحيان من وزارة الصحة، ثم انقطعت لفترات أخرى، فساءت حالة والدتي وازدادت نسبة التهابات جرحها".
بعد وفاة والدتها، راودت أم حسين الهواجس: "صرت أخاف من إصابتي بذاك المرض وأشعر بأنّه يجب عليّ، أنا وأخواتي، القيام بالصورة الشعاعية كل سنة. كما امتنعتُ عن تناول الحلوى والسكريات، بعدما شرح الطبيب لنا أنّ الحلويات مغذٍّ أساسي للسرطان".
كلّما تذكّرت معاناة أمي، خصوصاً في الفترات الأخيرة قبل وفاتها، وتساقط شعر رأسها، أشعر بضرورة أن أخبر قصتها حتى تعي النساء ضرورة إجراء الفحص المبكر والمتابعة الدورية، سواء كنّ عزبات أو متزوّجات أو أمهات. علينا الحصول على معلومات كافية وإجراء الفحوص الدورية وصور الأشعة
تروي جواهر عسّاف (44 سنةً)، وهي لاجئة سورية في مخيّم 019 في سهل سعدنايل في البقاع، معاناتها هي الأخرى. "اكتشفت إصابتي عندما كنت في الـ39 من عمري. لديّ أربعة أبناء، ومنذ 13 سنةً، امتنعت الحمل. قبل سنوات، كان فريق ‘الهيئة الطبية الدولية’، ينظّم جلسة توعية في مخيّمنا، ولاحظت أنّني أعاني من الأعراض التي يتحدّث عنها. أجريت الصورة الشعاعية والتحاليل الطبية، ولم تظهر إصابتي، والخزعة هي التي كشفت وجود السرطان. أجريت ثلاث عمليات لاستئصال الكتل، وفي الأخيرة تم استئصال نصف الثدي. أحتاج حالياً إلى عملية جديدة ولكن ليس في استطاعتي إجراؤها، ولا توجد مراكز أو جهات تدعم استكمال العلاج".
حصلت السيدة على بعض الدعم المادي والأدوية من منظمة Endless Medical Advantage التي تزور المخيم بشكل مستمرّ، وقامت منذ فترة بتنظيم جلسات توعوية عن ضرورة الكشف المبكر، وفق حديثها.
خطوات الفحص الذاتي كما نشرتها مؤسسة عامل الدولية
"كي لا نندم"
تقول نوال فارس، وهي ممرّضة سورية ومتطوّعة في قسم العيادة الجراحية لسرطان الثدي في مستوصف "غراس الخير" في بلدة زحلة البقاعية: "انضممت إلى هذا المجال قبل أربع سنوات، وتسجّلت لأتابع دراستي في التمريض تلبيةً لرغبة أمي رحمها الله. أصيبت بسرطان الثدي ولم تكن لديّ معلومات آنذاك عن هذا المرض بسبب ظروف الحرب واللجوء والوضع المادي السيئ".
تطوّعت نوال في هذا القسم بعدما عجزت عن تعقيم جرح والدتها. "دفعتني أمي كي أساعد الآخرين. توفيت ولكنني أكمل مسيرتي في التوعية بالسرطان، فأنا لا أريد أن نخسر المزيد من النساء والأمهات".
تساعد نوال السيدات على تخطّي خوفهنّ من الإصابة، مشيرةً إلى أنّ الأخصائيين في المركز يكتشفون يومياً حالات سرطانيةً وهذا أمر يقلقها، لا سيّما أنّ المركز غير قادر على تغطية تكاليف علاج جميع الحالات. "أقدّم النصيحة لجميع السيدات الوافدات إلى المركز لإجراء الصورة الشعاعية، فأنا لا أريد أن يلفظن يوماً ما عبارة ‘يا ريت’".
خدمات في منطقة البقاع
تستقبل وداد الأطرش، وهي عاملة اجتماعية في مركز "مؤسسة عامل الدولية"، في بلدة عرسال الحدودية، أيّ اتصال على رقمها 76172674 من السيّدات اللواتي يرغبن في الحصول على خدمة الكشف المبكر عن سرطان الثدي في البلدة، سواء من السوريات أو اللبنانيات، وأعمارهن قد تجاوزت 35 سنةً. وهي تعمل على تأمين المواصلات ذهاباً وإياباً ما بين أماكن سكنهن ومراكز المعاينة.
أيضاً في البلدة، يقدّم مركز "عرسال للرعاية الصحية الأولية" المدعوم من جمعية "الأمين للمساندة الإنسانية"، خدماته الصحية في هذا الخصوص، وهي عبارة عن جلسات توعية داخل المركز وفي المخيّمات والتجمّعات السكنية، تستهدف النساء الوافدات إليه بغية الحصول على الطبابة، كما يوجد في المركز جهاز ماموغرام لإجراء الصور الشعاعية مجاناً لجميع السيدات، مع متابعة حالاتهن من قبل الأطباء والطبيبات، وإرشادهنّ في حال الحاجة إلى فحوصات إضافية أو الاشتباه بوجود كتل سرطانية، بالإضافة إلى تقديم الأدوية المتوفرة مجاناً. إلّا أنّه لا يغطّي حالات العلاج والاستشفاء في حال حاجة المريضة إلى جرعات أو ما شابهها، بحسب حديث بعض المستفيدات من الخدمات إلى رصيف22.
وعلى مدار العام، يقدّم مركز "غراس الخير" الطبي في بلدة مجدل عنجر، خدمة التصوير الشعاعي للسيدات بشكل شبه مجاني، كما يفيد الدكتور محمد ميبر، مدير المركز، بينما تواصل إحسان حمود، مديرة "مركز عامل" في بلدة كامد اللوز في البقاع الغربي، عملها في إدارة حملة صورة الثدي للسيدات في المنطقة، وتقول لرصيف22: "نعمل على التوعية سواء ضمن المركز أو البلدات المحيطة مثل جب جنين وغزّة والمنصورة والدكوة والصويري والمنارة والرفيد وضهر الأحمر وراشيا. بدأنا بإجراء صور الماموغرام للسيدات، ونعمل على تأمين المواصلات لهنّ للقدوم إلى مركز مشغرة والعودة إلى أماكن سكنهن".
وتتابع: "نستقبل عدداً كبيراً من السيدات من مختلف المناطق، ونعطي الأولويّة لمن تجاوزت سن الثلاثين، والمحتاجات إلى الصورة بشكل عاجل، خصوصاً في حالة الاشتباه بوجود أعراض للمرض. نشرنا أرقام الاتصال (08663086-03814903) على نطاق واسع حتى تتمكّن أي سيدة من الحصول على الخدمات. تقوم مراكز مؤسسة عامل على امتداد الأراضي اللبنانية، بالمهمة نفسها، بالإضافة إلى دورنا الاجتماعي والصحي في التوعية بالصحة الإنجابية والعيادات النقالة".
الخدمات في طرابلس وعكار
في عكار، يقدّم مركز "الأمير الطبي" في بلدة برقايل خدمة التصوير الشعاعي مجاناً لمئة امرأة ممّن تجاوزن سن الأربعين، بين الرابع والعشرين والتاسع والعشرين من شهر تشرين الأوّل/ أكتوبر الحالي. ويمكن التواصل مع المركز على الرقم 70772454.
الإجراءات التي نقوم بها حالياً، من خلال فريق من المتطوّعين، تتمثّل في التوعية الصحية بسرطان الثدي، وإحالة السيدات اللواتي تتجاوز أعمارهن الأربعين سنةً، إلى المراكز التي نتعاون معها لإجراء صور شعاعية
وتداول ناشطون اجتماعيون صورةً بعنوان "مراكز الرعاية الصحية الداعمة للصورة الشعاعية للثدي"، على وسائل التواصل الاجتماعي، وشملت اللائحة:
في عكار: مركز كفرتون، المركز الطبي المتطوّر-مشتى حسن 06800561، ومركز البيرة 06830664، ومركز التنمية-خريبة الجندي 06696966، ومركز تلمعيان 06810499، ومركز الإيمان-ببنين 06471303، ومركز الأمير-برقايل 70772454.
في طرابلس: مركز الإيمان-الميناء 06211770، ومركز الإخلاص-دوّار أبو علي 06394610، ومستشفى الرحمة-أبي سمراء 81499434، ومركز النهضة-البداوي 06387755، ومركز وقف الوالدين-القبة 06382010.
في المنية-الضنية: مركز الإيمان-سير الضنية 06490149، ومركز النهضة-المنية 06463481.
وتفيد قمر، المتطوِّعة في "الهيئة الطبية الدولية" في طرابلس، بأنّ الهيئة تقوم، على مدار السنة، بتقديم جلسات تثقيفية لمختلف الشرائح العمرية والمجتمعية وفي مختلف المناطق والبلدات في لبنان، بما فيها التوعية حول جميع الأمراض، مع التشديد على ضرورة الكشف المبكر عن سرطان الثدي، بالإضافة إلى تحويل السيدات اللواتي يحتجن إلى صورة شعاعية إلى المراكز الصحية المتعاونة مع الهيئة في كلّ منطقة.
في العاصمة والجنوب
يقول مهند الأحمد، المسؤول عن فريق العاملين في قسم الصحة المجتمعية مع مفوّضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، بأنّ "الإجراءات التي نقوم بها حالياً، من خلال فريق من المتطوّعين، تتمثّل في التوعية الصحية بسرطان الثدي، وإحالة السيدات اللواتي تتجاوز أعمارهن الأربعين سنةً، إلى المراكز التي نتعاون معها لإجراء صور شعاعية. وعليه، تستطيع هذه السيدات الذهاب إلى المراكز الصحية ضمن بيروت وإجراء الفحص مجاناً. نستهدف العائلات الأكثر حاجةً وحسب حالة السيدة". ويشدّد على أنّ الخدمة مجانية ومتوفرة بمجرّد الاتصال بفريق العمل عبر الرقم 81776609.
كما تقوم نقابة القابلات القانونيات بالمساندة والدعم في حملات التوعية والتثقيف للوقاية من سرطان الثدي وتستجيب على رقم الهاتف 7886234.
تلعب الحملات الإعلامية المنتشرة على نطاق واسع في وسائل الإعلام دوراً وإن كان محدوداً في تدارك المرض أو علاجه.
وفي الجنوب، تتولّى مراكز "مؤسسة عامل الدولية"، تنظيم حملات توعية، ويقدّم مستشفى حمّود في صيدا حسماً مقداره 50% على صورة الماموغرام. وتنشر جمعيّة "المواساة" على مواقع التواصل منشورات تتعلّق بكيفية إجراء الفحص الذاتي لمزيد من التوعية.
تلعب الحملات الإعلامية المنتشرة على نطاق واسع في وسائل الإعلام، والمتضمنة شريطةً باللون الزهري مع شعارات مثل "الكشف المُبكر والمعالجة في مراحل أولى تعزّز فرص الشفاء الكامل. لا تنتظري الأعراض. افحصي الآن. بالكشف المبكر تنقذين حياتك"، دوراً وإن كان محدوداً في تدارك المرض أو علاجه، إذ تلفت انتباه بعض النساء إلى ضرورة الكشف المبكر عن سرطان الثدي، والتوجه إلى أماكن المعاينة وتلقّي العلاج.
لكن فقدان الأدوية وارتفاع تكاليف الاستشفاء وتراجع وزارة الصحة عن دورها المساند، تضع كل النساء في لبنان في مواجهة غير متكافئة مع المرض الخطير، وتسعى بعض المنظمات إلى سد الفراغ والتدخل التوعوي والعلاجي، بالرغم من الإمكانات البسيطة، آملةً بتخفيض نسبة الإصابة بهذا المرض، والتي بلغت عام 2020 قرابة 40% من إصابات النساء بالسرطان في البلاد.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 5 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...