كثرت في الآونة الأخيرة الأخبار التي تتحدث عن مهاجمة كلاب شاردة لمواطن أو لمجموعة من المواطنين في مناطق لبنانية مختلفة، وتسببت بعض هذه الحوادث في إصابات بالغة، كما حدث في محافظة النبطية جنوباً، حين هاجم كلب مسعور طفلاً وعضّه في يده، الأمر الذي أدى إلى تدهور حالته الصحيّة ودخوله في غيبوبة.
هذه الأحداث المتكررة، والتي تثير الذعر بشأن انتشار داء "الكَلَب"، أو "السعار"، دفعت بالعديد من البلديات في لبنان إلى التعاطي مع الأمر عن طريق حملات قتل جماعي للكلاب الشاردة، عبر تسميمها أو إطلاق النار عليها لحماية الناس، ما دفع بالناشطين إلى رفع الصوت عالياً ضد حملات يصفونها بأنها "غير ضرورية ودموية".
ومرض السعار، أو "الكَلَب" اسمه الأكثر شيوعاً وتداولاً، هو مرض تتناقله مجموعة كبيرة من الثدييات، سواء كانت منزليةً أو بريةً، وهنا تشير الناشطة في مجال البيئة وحقوق الحيوان غنى نحفاوي، في حديثها إلى رصيف22، إلى وجود عشرات الحيوانات التي يمكن أن تحمل هذا المرض وتنقله إلى الإنسان، ومنها الكلاب بشكل أساسي، وبدرجة أقل القرود والثعالب والفئران الجبلية والقطط والأبقار والخيول والخفافيش وغيرها من الثدييات. لكن إطلاق اسم الكلب على المرض ربطه في أذهان الناس وبالمفهوم الشعبي بالكلاب حصراً، من دون أن تكون لديهم المعرفة الكاملة به وبالطرق الممكنة للوقاية منه.
السعار فيروس ينتقل عبر لُعاب الحيوانات المصابة إلى الإنسان ويؤدي إلى موته، في حال لم يخضع للبروتوكول الطبي.
ما هو داء السعار وكيف ينتقل إلى البشر؟
السعار، فيروس ينتقل عبر لُعاب الحيوانات المصابة إلى حيوانات أخرى، وينتقل إلى الإنسان ويؤدي إلى موته، في حال لم يخضع للبروتوكول الطبي، وفق ما أكّدت نحفاوي.
طبيب قضاء صور في وزارة الصحة العامة، الدكتور وسام غزال، شرح لرصيف22، كيف ينتقل الفيروس إلى البشر، قائلاً: "يحدث الانتقال عن طريق الخدش أو العضّ، والفيروس يسبب الكثير من المشكلات، فالأعراض لا تظهر فوراً بل بعد أيّام عدة، فيبدأ المريض بالغثيان والتقيّؤ، ليهاجم الفيروس بعدها العضلات المرتبطة بالتنفس فيصيبها بالشلل، ويؤدي إلى دخول المريض في غيبوبة وتصبح حالته صعبةً جداً".
ويضيف غزال: "يجب تلقّي العلاج خلال الساعات الست الأولى، فبعد تخطّي هذه المدة بعد العض، لا يعود العلاج مجدياً. نعطي اللقاح على جرعتين، ويجب أن تحقن إبرة اللقاح مكان العضّة، وبعد أربع وعشرين ساعةً تُعطى في العضل، وبعد مرور ثلاثة أيام تُعطى أيضاً في العضل، أي يحتاج المصاب إلى أربع جرعات لضمان الشفاء".
أسباب انتشار المرض
في الدرجة الأولى، يؤدي اختلاط الكلاب مع بعضها البعض إلى انتشار السعار، فليست كل الكلاب مسعورةً، لكن مجرّد وجود كلب مسعور يعني أن احتمال انتقال العدوى إلى الكلاب السليمة تصبح كبيرةً جدّاً. وهنا يلعب انتشار المكبّات العشوائية ورمي بقايا المسالخ والملاحم فيها، دوراً خطيراً، إذ تصبح مقصداً للكلاب الشاردة بالإضافة إلى القوارض وغيرها من الحيوانات التي تختلط في ما بينها فتنتشر العدوى.
وعن قضية الطفل المصاب في الجنوب، وقد فضّلنا عدم ذكر اسمه بناءً على طلب عائلته والمقربين منه، تشير نحفاوي من خلال متابعتها للأمر إلى أنه لم يتعرّض لعضة كلب في الشارع، وإنما لعضة من كلبه في منزله، وهنا تشدّد المتحدثة على أنه بمجرّد اقتناء العائلة كلباً، هذا يعني ضرورة عرضه على طبيب بيطري لإجراء اللقاحات اللازمة، من أجل سلامة الكلب وسلامة أصحاب المنزل على حد سواء.
يؤدي اختلاط الكلاب مع بعضها البعض إلى انتشار السعار، فليست كل الكلاب مسعورةً، لكن مجرّد وجود كلب مسعور يعني أن احتمال انتقال العدوى إلى الكلاب السليمة تصبح كبيرةً جدّاً. وهنا يلعب انتشار المكبّات العشوائية ورمي بقايا المسالخ والملاحم فيها، دوراً خطيراً
وتلفت نحفاوي إلى إجراءات عدة يجب اتّباعها لتأمين سلامة الكلب في المنزل، فبجانب إعطائه اللقاحات الضرورية، تجب مراقبته ومنعه من الخروج إلى الشارع، كي لا يختلط مع أيّ حيوانات قد تكون مصابةً بالسعار، فتنتقل إليه العدوى.
وضمن السياق نفسه، يأسف مصدر خاص في وزارة الزراعة، خلال حديثه إلى رصيف22، لوجود إصابات بمرض السعار اليوم في لبنان، ويؤكد على ضرورة معرفة تفاصيل انتقال العدوى للحد منها. ويحذّر من مغبّة عدم التعامل مع عضّة الحيوان بمسؤولية، مشيراً إلى ضرورة اتخاذ إجراءات التعقيم الفوري في حال الإصابة، من خلال غسل مكان العضة بالماء والصابون، والتوجه إلى أقرب مركز تابع لوزارة الصحة أو وزارة الزراعة، حيث يتم توجيه المريض لاتخاذ الإجراءات اللازمة لسلامته.
الانهيار الاقتصادي فاقم الأزمة
خلال السنوات الثلاث الأخيرة، دفعت الأزمة الاقتصادية التي تعصف بلبنان، عشرات العائلات إلى التخلي عن كلابها عبر رميها في الشارع من دون رعاية تُذكر، الأمر الذي أدّى إلى ازدياد أعداد الكلاب الشاردة من أربعين إلى خمسين ألف كلب شارد خلال أقل من سنة، بحسب نحفاوي.
وتؤكد الناشطة على أن هذا الرقم "مخيف جدّاً"، لأن أصحاب هذه الكلاب حكموا عليها بالإعدام، فعدم القدرة على إطعام الكلاب بطعام خاص لا يعني بتاتاً رميها في الشارع لتواجه مصيرها بالموت، فيمكن للكلاب أن تقتات من أكل المنزل.
بدوره، لفت نقيب الأطباء البيطريين الدكتور إيهاب شعبان، في حديث خاص لرصيف22، إلى خطورة الوضع الذي تعاني منه الكلاب المنزلية، بسبب الأحوال المعيشية الصعبة التي وصلت إليها شريحة كبيرة من اللبنانيين، إذ أصبحوا عاجزين ليس فقط عن شراء الطعام لحيواناتهم، وإنما عن إعطائها اللقاحات اللازمة والضرورية، أو حتى علاجها في حال مرضها، منوّهاً بالدور الإيجابي الذي يلعبه أيضاً الأطباء البيطريون، كل حسب قدرته، بمراعاة أوضاع الناس حتى لا يضطروا إلى رمي حيواناتهم في الشارع.
دفعت الأزمة الاقتصادية التي تعصف بلبنان، عشرات العائلات إلى التخلي عن كلابها عبر رميها في الشارع.
معالجة الأزمة بالطرق العلمية
مع تكرار حوادث مهاجمة الكلاب الشاردة لمواطنين، دأبت بعض البلديات على نشر السموم ضمن نطاقها البلدي، ما أدى إلى نفوق مئات الكلاب، كما حصل مع بلدية سوق الغرب قضاء عاليه في جبل لبنان، ما يشير إلى مدى القصور المعرفي لدى البلديات في إمكانية معالجة ظاهرة الكلاب الشاردة بالطرق العلمية الصحيحة، وتجنيبها القتل الجماعي.
وتشير المادة 12 من قانون الرفق بالحيوان، إلى إلزام البلديات بمعالجة ملف الكلاب الشاردة بالتنسيق مع الجمعيات ووزارة الزراعة، ومؤخراً اجتمع وزير البيئة ووزير الزراعة واتفقا على ضرورة تخصيص أرض لكل قضاء لتكون ملجأً للكلاب الشاردة، لأن الجمعيات تفتقد المآوي اللازمة لذلك، فالبلدية أو اتحاد البلديات يجب أن يساهما في تأمين الأرض من مشاعات الدولة، بعدها يُطلب من الجمعيات جمع الكلاب الشاردة لإيوائها وتلقيحها ورعايتها.
كما تقع على عاتق وزارة الزراعة مسؤولية تأمين اللقاحات للكلاب، ويشير المصدر في الوزارة إلى أن الوزارة اشترت في السابق اللقاحات وتعاونت مع بعض البلديات لإجراء عمليات التلقيح مجاناً للكلاب، كذلك أعطت دروساً توجيهيةً للناس حول كيفية التعاطي مع هذا المرض الخطير.
الحل يبدأ بتلقيح الكلاب الشاردة والمنزلية، وهناك تقصير وقلة اهتمام من البلديات، فلا يجوز التذرّع بعدم وجود المال لشراء اللقاحات للكلاب، وإن كان ينبغي عليها كذلك دق ناقوس الخطر والطلب من المعنيين تأمينها، كي يتم احتواء الأزمة وينحسر انتشار الفيروس
لكن الوزارة اليوم تعجز عن تأمين لقاحات جديدة، إذ يصل سعر اللقاح الواحد إلى 19 دولاراً (كان هذا المبلغ يعادل قرابة 30 ألف ليرة لبنانية قبل الانهيار الاقتصادي، واليوم يعادل أكثر من 700 ألف ليرة)، كما أنها غير قادرة على إجراء حملات تلقيح للكلاب الشاردة، في ظل الانهيار الحاصل وعدم إمكانية تحميل الموظفين والمختصين أعباءً إضافيةً، ويشير المصدر إلى ضرورة مكافحة داء السعار بالتعاون مع الوزارات والجهات المانحة التي يمكن أن تساهم في دعم هذا الملف الصحي.
بدوره، يشدد الدكتور شعبان، على أن الحل يبدأ بتلقيح الكلاب الشاردة والمنزلية، مشيراً إلى وجود تقصير وقلة اهتمام من البلديات، فلا يجوز التذرّع بعدم وجود المال لشراء اللقاحات للكلاب، وإن كان ينبغي عليها كذلك دق ناقوس الخطر والطلب من المعنيين تأمينها، كي يتم احتواء الأزمة وينحسر انتشار الفيروس، مؤكّداً استعداد نقابة الأطباء البيطريين للتعاون مع البلديات ووزارتي الداخلية والزراعة لتطعيم الكلاب، وإنشاء ملف لكل كلب ضمن النطاق البلدي، للتأكّد من تلقّيه اللقاح مرّةً كل عام، وتجنيب الناس مخاطر السعار.
السعار مرض خطير، وليس أمراً سهلاً تجاوزه كما يظن البعض، فالتأخر في معالجة عضّة الكلب أو أي حيوان يُحتمل أن يكون مسعوراً، قد يودي بحياة المصاب، ومن هنا تبرز ضرورة تضافر الجهود بين المعنيين في هذا الملف، لتجنيب المواطن اللبناني ويلات إضافيةً أصبح عاجزاً عن تحمّلها، مع التشديد على ضرورة أن يلعب الإعلام دوره في التعريف عن ماهيّة هذا المرض وكيفيّة الوقاية منه.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
Mohammed Liswi -
منذ 16 ساعةأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ يومينلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ 5 أياممقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...
Nahidh Al-Rawi -
منذ أسبوعتقول الزهراء كان الامام علي متنمرا في ذات الله ابحث عن المعلومه
بلال -
منذ أسبوعحلو
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ أسبوعالمؤرخ والكاتب يوڤال هراري يجيب عن نفس السؤال في خاتمة مقالك ويحذر من الذكاء الاصطناعي بوصفه الها...