شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

لنبدأ من هنا!

"أستيقظ وأنا أعاني من صداع شديد"... الضوضاء ملوّث بيئي خطير في مصر

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

بيئة ومناخ نحن والبيئة

الخميس 29 سبتمبر 202203:21 م
Read in English:

The dangers of noise pollution in Egypt: The world’s ‘silent’ killer

أصبحت الضوضاء سمةً أساسيةً في العدد الأكبر من محافظات مصر. فبمجرد أن تجد نفسك بين أحضان القاهرة، تلاحقك الأصوات العالية من كل مكان، ولا يختلف الأمر إن كنا في الليل أو النهار. أصوات الورش والمصانع والسكة الحديدية بجانب أبواق السيارات ومكبرات الصوت في الأفراح التي تقام في الشوارع، جميعها تخترق آذان السكان وترافقهم في كل لحظة.

وللضوضاء أثر سلبي على الصحة، قد يصل إلى فقدان السمع، بالإضافة إلى أضرار أخرى خطيرة، وربما يكمن الخطر الأكبر في اعتيادنا عليها بشكل يومي من دون الانتباه إلى آثارها السيئة، ظنّاً بأن المشكلات البيئية أكثر خطورةً.

بموازاة كل ذلك، لا تزال الإجراءات المتخذة للحد من الضجيج في مصر محدودةً ودون المطلوب، ومنها الشبكة القومية لرصد مستويات الضوضاء. ويرى مواطنون وخبراء ضرورة تكثيف الجهود ورفع مستوياتها للتقليل من التلوث السمعي في أنحاء البلاد كافة.

مستوى الضوضاء في مصر أعلى بكثير من المسموح به في المناطق السكنية والصناعية.

الضوضاء ملوّث يصعب التحكم به

تتحدث الدكتورة منى كمال، الرئيسة السابقة للشبكة القومية لرصد مستويات الضوضاء، إلى رصيف22، قائلةً: "التلوث السمعي، كأي تلوث بيئي آخر، له ضرر كبير على صحة الإنسان، وهو ملوث يصعب وضع معيار ثابت له، فمثلاً عند الحديث عن تلوث الهواء، يمكن حساب النسبة السليمة لغاز ثاني أكسيد الكربون، ولكن بالنسبة إلى الضوضاء، وهي صوت غير مرغوب فيه، يختلف المعيار حسب ساعات اليوم والمكان، فقاعة المحاضرات غير قاعة الحفلات، والمنطقة الصناعية لها معيار خاص غير المنطقة السكنية، والأمر يتباين أيضاً حسب البلد، فمثلاً المجتمع المصري محبّ للصوت العالي أكثر من مجتمعات شمال أوروبا".

وتشير المتحدثة إلى وجود معايير قانونية دولية للأمر تبعاً لمنظمة الصحة العالمية، ففي غرفة النوم مثلاً يجب ألا تزيد الضوضاء عن 35 أو 40 ديسيبلاً، وفي المستشفى لا يجب أن تزيد عن 30 ديسيبلاً".

إعادة التخطيط ورفع مستوى الوعي

وفقاً للتقرير الصادر عام 2021 عن وزارة البيئة في شأن الشبكة القومية لرصد مستويات الضوضاء، تضم الشبكة التي تعمل منذ عام 2007، ثماني وثلاثين محطة رصد موزعةً على محافظات القاهرة الكبرى (27)، وعواصم بعض المحافظات (11)، بهدف تحقيق أهداف البعد البيئي ضمن إستراتيجية التنمية المستدامة لعام 2030، وإعداد قاعدة بيانات للمناطق المأهولة بالسكان والمناطق السياحية، تعتمد عليها خطة مكافحة الضوضاء والتخطيط العمراني للبنية التحتية الجديدة.

تضيف كمال، وهي الوكيلة الدائمة لوزارة البيئة سابقاً: "تعمل الشبكة لرصد مستويات الضوضاء فقط، ولا تخفضها، وهي موزعة تبعاً للمناطق المناطق الصناعية والسكنية والمختلطة. وتبين لنا أن مستوى الضوضاء أعلى بكثير من المسموح به في كل المناطق، وهذا التجاوز يبلغ أقل نسبة في المناطق الصناعية لأنها أساساً تسمح بمستوى 70 ديسيبلاً".

شقتي في عمارة في منطقة قريبة من السوق، وهذا من سوء حظي، فكل يوم أستيقظ على أصوات الباعة والشجارات بينهم، ومكبرات الصوت التي يستخدمونها، ما يجعلني أحياناً أهرب من البيت إلى منزل والدتي

يسمح هذا الرصد، وفق كمال، باكتشاف مشكلات التخطيط، إذ يوزَّع التقرير السنوي على الجهات المسؤولة ومنها المحافظات، ويتم التخطيط الجديد تبعاً لذلك، فيتم إبعاد المستشفيات والمدارس عن المصادر الأساسية للضجيج، ويقدّم أيضاً اقتراحات لتخفيض مستويات الضوضاء ورفع مستوى الوعي بشأنها.

وتشير المتحدثة إلى أن معظم مصادر الضوضاء في مصر، هي من حركة المرور، وهنا يجب التوعية بعدم استخدام آلة التنبيه إلا عند الضرورة القصوى، وفرض مخالفات على ذلك، والأهم حل المشكلة بشكل قاطع من خلال إعادة تخطيط الطرق، ومعرفة طبيعة المناطق المحيطة بها، وزيادة عدد الجسور "الكباري"، وتنفيذها بشكل سليم، مع وضع مواد على الإسفلت تقلل من صوت احتكاك العجلات، ووضع حواجز الأشجار العالية على الطرق، وهي تعزل الضوضاء وتمتص نحو 5 ديسيبلات منها وتبطئ وصولها إلى المناطق المجاورة.

وتضيف المستشارة البيئية: "السلوك الخاص ببعض الأفراد يحتاج إلى توعية وقانون، فمثلاً يجب عدم رفع الصوت كثيراً في الحفلات، مع ضرورة وجود عوازل للضحيج. كثيرون، خاصةً العاملين في مجال تنظيم الأفراح، يظنون أن الصوت العالي دليل فرح، ومع الوقت للأسف يصابون بفقدان السمع".

وتنوّه كمال إلى ضرورة وجود قوانين ملزمة في كل حي، وإلزام المشاريع الجديدة بوجود دراسات بيئية كي تضمن أنها لن تؤثر سلباً على البيئة والأفراد.

خطر على الصحة

الضوضاء لها تأثير سلبي كبير على الصحة، فقد تتسبب بفقدان السمع وارتفاع الضغط وأمراض القلب، كما أن لها تأثيراً سيئاً على الأطفال.

الدكتور مجدي موسى صليب، مدير المركز القومي لدراسات السلامة المهنية وتأمين بيئة العمل سابقاً، قال لرصيف22: "الضوضاء مقلقة للراحة، وتؤثر على أجهزة الجسم، كالمخ والجهاز العصبي والجهاز الهضمي والقلب أيضاً. وبجانب التأثير الموضعي على الأذن، استمرار الضوضاء بأعلى من الحدود المسموح بها دولياً يؤثر على السمع ومع الوقت يصمّ، كما يزيد من مستوى السكر والدهون ويرفع ضغط الدم، فللضوضاء تأثير سلبي جداً على الأطفال، والطفل أذنه حساسة وغير مكتملة، وبمرور الوقت يتأثر المخ وأيضاً السلوك النفسي".

الضوضاء مقلقة للراحة، وتؤثر على أجهزة الجسم كافة.

مجدي صليب، تحدث أيضاً عن خطورة الضوضاء في العمل، قائلاً: "يؤدي الضجيج إلى عدم التركيز في العمل وانخفاض معدل الإنتاج، وللأمر معايير دولية داخل أماكن العمل لمن يعمل 8 ساعات يومياً، إذ يجب ألا تزيد الضوضاء عن 85 ديسيبلاً، وفي حالة العمل لساعتين فقط يسمح بوصول مستوى الضوضاء إلى 120 ديسيبلاً".

ويشير المتحدث إلى أن الضوضاء تصحبها الاهتزازات بالنسبة إلى من يعمل في مهن مثل الحفر وقيادة الحافلات والآليات الكبيرة، وتؤثر الاهتزازات سلباً على جميع مفاصل الجسم وعظام الحوض والعضلات، وتتسبب بخدر في الأعصاب، وهذه المهن قد تؤدي إلى إصابات مستدامة.

وقد ذكر موقع "مايو كلينيك" الطبي، أن البكاء المستمر للرضيع قد يكون سببه الضوضاء: "قد تتسبب الضوضاء الشديدة أو الحركة أو المحفزات البصرية في جعل الرضيع يبكي. ولذلك، يمكن الانتقال إلى مكان أهدأ أو وضع الطفل في مهده. قد تعمل الضوضاء البيضاء، كالتسجيلات الصوتية لأمواج المحيط أو الصوت الرتيب للمروحة، على مساعدة طفلك الباكي على الاسترخاء".

وفي بحث قدمته الدكتورة دينا عبد العزيز فهمي، في كلية الحقوق في طنطا، تحت عنوان "الحماية الجنائية من التلوث الضوضائي"، تشير إلى أن الضوضاء لها تأثيرات خطيرة على جوانب صحية عديدة، منها الدورة الدموية، ووظائف القلب، وضغط الدم، وتسبب اضطرابات في الجهاز العصبي، وصداعاً وأرقاً وأمراضاً تنفسيةً مزمنةً، كما أن المثيرات السمعية تؤثر على مستوى الغلوكوز، لذلك فإن مرضى السكري يستجيبون بحساسية أكثر للضوضاء.

"أعاني من ارتفاع في الضغط"

لعل الشكوى التي أجمع عليها من يعيشون بالقرب من الطرق أو الورش، هي الصداع، العارض الأكثر انتشاراً بينهم.

معظم مصادر الضوضاء في مصر، هي من حركة المرور، وهنا يجب التوعية بعدم استخدام آلة التنبيه إلا عند الضرورة القصوى، وفرض مخالفات على ذلك، والأهم حل المشكلة بشكل قاطع من خلال إعادة تخطيط الطرق، وزيادة عدد الجسور وتنفيذها بشكل سليم

محمود أحمد (34 سنةً)، موظف في شركة خاصة ومن محافظة الشرقية، يقول لرصيف22: "بيتي يقع على الطريق، ومع أن الناس تحسدني لأن موقعه جيد، إلا أن الضوضاء مستمرة إلى درجة أن أي سيارة نقل تمرّ، نشعر بها ونحن في البيت، إلى جانب الحوادث والشجارات المتواصلة بين السائقين. كل ذلك يمنع أولادي من التركيز، ويجعلني أستيقظ وأنا أعاني من صداع شديد".

بدورها تقول داليا (42 سنةً)، وهي مدرّسة من محافظة الجيزة: "شقتي في عمارة في منطقة قريبة من السوق، وهذا من سوء حظي، فكل يوم أستيقظ على أصوات الباعة والشجارات بينهم، ومكبرات الصوت التي يستخدمونها، ما يجعلني أحياناً أهرب من البيت إلى منزل والدتي"، وتضيف أنها اكتشفت مؤخراً معاناتها من الضغط المرتفع، ولا تستبعد أن يكون ذلك بسبب الضوضاء المستمرة ليلاً ونهاراً بلا توقف.

الضوضاء والقانون

من نصوص تجريم التلوث الضوضائي التي ذكرها البحث الآنف الذكر للدكتورة دينا عبد العزيز: تنص المادة 166 مكرر من قانون العقوبات، على أنه يعاقَب كل من تسبب عمداً في إزعاج غيره بإساءة استخدام أجهزة المواصلات، بالحبس مدةً لا تتجاوز السنة وبغرامة لا تزيد عن مئة جنيه أو بإحدى هاتين العقوبتين. ويفرض قانون المرور رقم 66 لسنة 1973، غرامةً ماليةً لا تزيد عن خمسين جنيهاً لكل من يسيّر مركبات تصدر عنها ضوضاء، سواء من محركها أو من العادم.

يجب نقل الورش والمصانع إلى أماكن أو مدن صناعية بعيدة عن المناطق السكنية.

كما حظر قانون المحال العامة رقم 371 لسنة 1956، بعض الأفعال التي تسبب التلوث الضوضائي، ونص على أنه لا يجوز في المحال العامة عزف الموسيقى أو الرقص أو الغناء أو ترك الغير يقومون بذلك أو حيازة مذياع إلا بترخيص خاص من الإدارة العامة للرخص. واهتم قانون العمل لسنة 2003، بتأمين بيئة العمل، وألزم المنشآت بتوفير وسائل السلامة والصحة المهنية.

حلول مقترحة

يوجّه الخبير البيئي الدكتور عباس شراقي، من خلال حديثه إلى رصيف22، نصائح للحد من الملوثات السمعية، ومنها تفعيل القانون وعمل الإدارات المحلية، وتطبيق العقوبات على كل من لا يتّبع القانون ويستخدم مكبرات الصوت وآلات التنبيه بشكل مستمر، وتنفيذ حملات توعية تعرّف المواطنين على خطورة الملوثات السمعية، بجانب ضرورة اتخاذ الدولة إجراءات لتقليل الازدحام، وأيضاً اتخاذ الإجراءات الوقائية من قبل المؤسسات المختلفة للحد من الضوضاء، مثل العوازل الخاصة بالطرق والقاعات والمصانع وغيرها.

كما نصحت الدكتورة منى كمال، بنقل الورش والمصانع إلى أماكن أو مدن صناعية بعيدة عن المناطق السكنية، وتضيف: "أهم إجراء للحد من الضوضاء يكون من خلال التخطيط الجيد للمنشآت والطرق، فلا يجب أن تكون هناك مناطق مختلطة تضم المصانع والبيوت، كما يجب أن تكون هناك مساحات فاصلة كافية عند بناء المدارس أو المستشفيات لإبعادها عن أي ملوثات سمعية".


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

ما أحوجنا اليوم إلى الثقافة البيئية

نفخر بكوننا من المؤسّسات العربية القليلة الرائدة في ﻣﻴﺪﺍﻥ ﺇﺫﻛﺎﺀ ﺍﻟﻮﻋﻲ البيئيّ. وبالرغم من البلادة التي قد تُشعرنا فيها القضايا المناخيّة، لكنّنا في رصيف22 مصرّون على التحدث عنها. فنحن ببساطةٍ نطمح إلى غدٍ أفضل. فلا مستقبل لنا ولمنطقتنا العربية إذا اجتاحها كابوس الأرض اليباب، وصارت جدباء لا ماء فيها ولا خضرة.

Website by WhiteBeard
Popup Image